الفصل الأخير

2.4K 88 5
                                    


الفصل الأخير
أحد صفات الانسان البشرية"الجحود"لاختبارات الخالق..الاعتراض على عطاياه أو إطلاق الأحكام المجحفة بأن العثرة التي تواجهنا هي عقاب!متى تحولت اختبارات رب العالمين لعقاب...من ذلك الذي أخرج تلك النظرية القاتلة بأن الموت عقاب والمِحن عقاب...!

(ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين )

...............................

بينما تنظر لصغيرها الذي يتبعها في كل مكان بعينين شغوفتين مماثلتين لعينيها...كانت تتذكر ما مر على أسرتها الصغيرة منذ عامين مضى...أي منذ أن علمت بما خُلق عليه إبنها..الأمر كان أشبه بصاعقة..هبطت على رأسها وأيان..لن تنكر أنها ظلت لأسابيع تتخبط تتساءل بجحود لماذا هي؟! لما تحققت أسوأ كوابيسها رغم ما أكده الأطباء أن الأمر ليس وراثياً

ولا دخل لحالة أيان به أبداً.....

لن تكذب أنها بكت وبكت حتى جفت مقلتيها كانت تحتضن إبنها لساعات تتجمد على أي مقعد في أرجاء بيتهم الصغير دون قدرة لها على الحراك أو التعامل مع الأمر رغم أنها ظنت في نفسها القوة للمواجهة ومن أول دقائق علمت بها الخبر....

ولكنها في ليلة ما فارقة..عندما إستفاقت من رثائها وغفلتها تلك..بأنها تخسر كل شيء صغيرها الذي يتشبث بها..ويحتاجها قوية..ورجلها المتسامح والمحب والداعم لها..كانت صرخة النجدة تأتي عميقة عنيفة قوية من داخلها...

وفقط ما فعلت قررت أن تتصرف بإيجابية لمرة أخرى وأخيرة بحياتها...وذهبت إلى أيان ترتمي بين ذراعيه ككل مرة تحتاج لدعم ولكن...ما إختلف وقتها أنها من قادت هذا اللقاء وتلك المحادثة الصريحة والتي رغم وجع كل منهما لما قالاه وتناقشاه..كانت مثمرة لنجدة ثلاثتهم..والتخطيط المثمر الذي سيساعد صغيرها..هي فقط آمنت أخيراً..أن أقدار الله لا تعاند..إن كانت رفضت في الماضي الإنجاب بإجحاف لنصيب رب العالمين بل وقدمت الأسوأ بما فعلت..كان هذا الإختبار المثالي لها...وإن كانت خائفة مرتعبة في الماضي وظنت أنها غير قادرة على صمم طفلها..فهي تعرف الآن أن لا أحد أقدر منها على هذا...إحتجاج صغيرها العنيف أخرجها من ذكريات الماضي نفضت يدها من الماء بلهفة وإلتفت تبحث عنه..

عبس وجهها بعتب وهي تجده معلق بين ذراعي والده الذي يحاول أن يسيطر عليه دون جدوى..ونورس يحاول الوصول اليها فقالت معاتبة:"لا تتعمد إغاظته..تعلم أنه يحب التواجد معي أكثر منك"

إدعى التجهم والغضب وهو يضعه بين ذراعي أمه..ثم أشار:"هذا غير عادل...وتربيتك إياه خاطئة يجب أن يعلم أنه رجل مكانه الطبيعي وتواجده معي وليس في ذيل أمه..وبين أواني المطبخ"

هزت كتفيها بدلال وهي تطبع قبلة على ثغر نورس ثم قالت:"قل إنك تغار...أي رجولة تلك التي سيعلمها صغير بعُمرالعامين ونصف"

تأملها للحظات بعينين شغوفتين بتلك المشاعر الفريدة قبل أن يميل طارف فمه بإبتسامة وهو يشير:"وأمه أيضاً أصبحت قاسية...وجاحدة..أخبرها أني أريدها للجلوس معي فتتعمد إيقاظة وتدعي الإنشغال في المطبخ"

إقتربت منه ثم إرتفعت على أصابع أقدامها قليلاً تضع قبلة على وجنته..وقبل أن تمتد يده ليحيطها كالعادة ويطلب المزيد كانت تفلت منه ضاحكة وهي تقول:"أنا وأنت نعلم أنك لا تكتفي بجلوس بريء...ووالدتك على وشك الوصول؛فقررت الإنشغال حتى تنتهي زيارتها..أما عن عدم إرسال نورس لغفوته.."

صمتت لبرهة ثم غمزت بعينيها بعبث في حركة تعده بالكثير..وهي تقول بتلكؤ:"ستعرف قيمته ليلاً عندما ينام حتى الصباح"

تململ في وقفته وطاف بعينيه لمحة ألم .علمت أنها تخص ذكر والدته عندما فتحت فمها تطيب خاطره كالمعتاد كان يعود سريعاً لمزاجه المرح يفتح أزار قميصه في حركة تعلمها..إستنكرت ضاحكة وهي تقول:"ماذا تفعل"

أشار:"أحاول الإستعداد منذ الآن"

قالت بلوم وهي تضم صغيرها:"لا فائدة هذِّب أخلاقك قليلاً نورس في مرحلة الملاحظة والفهم"

إلتفت نحو سطح المطبخ الخشبي الذي تضع طفلها عليه محاوطة إياه وإستطاعت تجذب له بعض الاطباق التي يحب العبث بها..حتى يلتهي قليلاً..

لم تتفاجئ عندما شعرت بساعدي أيان يلتفا حول خَصرها يشدها اليه ليلتصق ظهرها بجذعه ورأسه تدفن في عنقها واضع قبلته المعتادة هناك..

أغمضت عينيها متشربة وجوده..متنعمة بعلاقتهما التي زادت يقين..وتوحدت حد المثالية..ما الذي قد تريده من العالم أجمع في تلك اللحظة؟!الرجل الذي تحب يقف خلفها يدعمها يقويها..يكمل الجزء الناقص فيها وطفل جميل الخلق..ممتع الروح يتعلق بها ينظر  لها بإنبهار طوال الوقت وكأنها كل العالم الذي بدأ في إدراك وجوده...

عندما تركته يضع رأسه على كتفها مطلقاً نفساً مهموماً إستطاعت أن تلتفت له تحرك شفتيها أمام عينيه وهي تنحني بوجهها قليلا:"ما بك؟"

حرك عينيه بنوع من الإنزعاج فعلمت سر تجهمه..وبأنه لن يجيبها فإلتفت مكتفية بإرتباطهما ذلك وصورتهما الناعمة تلك......

بينما يديه تتشدد على خَصرها وعيناه تراقب فم طفله الضاحك لحركات وجه والدته المشاغبة..كان يشعر أنه يملك العالم..فقط لو إقتنعت والدته بهذا..وأبعدت سمومها عنهم!لو أمنت أخيراً به وبطفله دون أذيتها المعتادة لزوجته!!

هو يعلم ويدرك يراقب ما تقوله ظناً منها أن إبنها الأصم عاجز عن فهم ما يدور..لقد حاول دفعها بعيداً عن أذيتهم..منعها وتصدى لها ولكنها تستمر مستغلة انه يراعي صلته الأمومية بها..ظناً منها أنه سامحها أو أنه عاجز عن دفعها لتعلقه بها أو حتى نسى ما فعلته به صغيراً...ولكنها لا تدرك أنه منذ زمن طويل إعتاد أفعالها حتى أصبحت عنده كالماء البارد لا طعم لا لون ولا تأثير...ما يقيده عن دفعها بعيداً عن اذية صغيره أن حبيبته لا تسمح لها بهذا من الأساس..هو لن ينكر انه يستمتع جداً برانيا الجديدة الناعمة وقت ما تريد والقوية المحاربة في كل معارك حياتهما..أياً ما كان ما مر بهما في الماضي..هو غفره بالكامل لها!لأنه أدرك بعد وقت أن كل ذلك الألم كان في صالح رابطهم اذ صنع منها رانيا جديدة قوية واثقة....إمرأة تدعمه!

زمجر بخشونة دون أن يفلتها...عندما تلقى ضربة من إحدى الملاعق على أنفه وجهها له نورس مباشرة بوجه غاضب..

قابلتها رانيا بضحكة صاخبة استشعرها من إهتزاز جسدها بين ذراعيه...

أدارها لتواجهه وهو يشير بسخط:"توقفي..الأمر ليس مضحك هذا الأحمق يكررها.."

قالت من بين ضحكاتها:"لأنك تتعدى على ممتلكاته...لقد حذرك سابقاً"

إستنكر بخشونة وهو يشير نحو نورس:"ممتلكاته!!فلتنسى يا إبن رانيا هي حقي وحدي منذ ثلاثون عاماً...وفقط لتعاطفي معك أسمح لك ببعض المشاركة"

تجهم الصغير دون أن يفهم حرف مما قاله والده فعاد أيان يزيح رانيا لتقف كما في السابق..يلف ذراعيه بها...إلتفت تضع قبلة عميقة على شفتيه وهي تقول بخفقة ممتعة:"لم أخبرك اليوم أني أحبك"

لم تنتظر إجابة وهي تعيد عينيها لنورسها..عارفة أن عيني والده تحيط كليهما....

.......................



إنحنت نحو صغيرها تبعثر أمامه قطع البازل..المناسبة لعمر نورس و الذي ناولها لها أيان قبل؛أن يلتهي في محادثة ما تبدو أنها تخص العمل..

رفعت وجه الصغير بين كفيها تنظر لعينيه مباشرة كما علمتها الأخصائية الخاصة كوسيلة فعالة للتواصل بينهما في هذا العمر وهي تقول:"لقد إبتاع لك بابا هذه..دقائق وسيعود يشاركك بها"

بطبيعية لم تحصل على إجابة..تنهدت وهي تبعثر شعر صغيرها بحنان..وسرعان ما توسعت إبتسامتها عندما مد كفيه يلتقط القطع الكبيرة نسبياً محاولاً أن يبدأ أول خطواته في إعادتها للمجسم الخشبي المطابق لها....

"هل تعتقدي أنه يفهمك حقاً..او أن ما تفعلاه مجدي؟!"كان صوت إيناس يخرج بنوع من الإهتزاز المرافق للشفقة..

رفعت رانيا رأسها كطلقة الرصاص تنظر لإيناس بغضب حاولت ان. تهذبه وهي تقول بقوة:"توقفي عن محاولتك المستميتة للتنمر على صغيري..إبني ليس بغبي ولا ناقص"

قالت إيناس من بين أسنانها:"أنا لا أتنمر..إن كنتِ نسيتِ هو حفيدي أيضاً أي أننى أحبه"

إلتفت رانيا لبرهة واحدة تطمئن أن أيان مازال منشغل في هاتفه ولم يلتفت اليهما..ثم عادت للسيدة إيناس مرة أخرى تخبرها بصراحة مطلقة:"إن كان هو تحملك لأنك والدته؛ويحاول أن يتناسى ما فعلتيه به..أنا لن أسمح لكِ أبداً بإدعاء حب كاذب عن إبني..."

برقت عينا إيناس بعنف وهي تصيح بها:"هل جننتِ من تظني نفسك؛لتتطاولي عليّ؟!"

صوتها كان حاد قوي وهي تقول بتصميم:"أنا أم..زوجة وحبيبة لإبنك الذي إعترفتي بوجوده متأخراً جداً..وأم لحفيدك الذي لم تكفي عن إطلاق أفكارك المعاقة عنه...أم لنورس الذي تدعي حبه كذباً محاولة أن تدّعي أننا أخطأنا عندما سعينا لإنجابه..أنا امرأة راقبت لأعوام عذابك لحبيبها ولعامين ونصف رثائك وحسرتك وتخوفك من معاييرك الكاذبة عن طفلي"

قالت إيناس بصوت مكتوم مهتز:"لا أسمح لكِ بإتهامي كذباً..أنا كنت أضع أمامك الحقائق لمجتمع غبي لن يرحم الصغير..وأنتِ تعيشي في فقاعة وردية..أنظري اليه إنه...إنه"

رغماً عنها هبطت من عينيها دمعات صادقة وهي تكمل بصوت مرتعش:"أنه لا يستطيع التعبير عن نفسه..إن كان هناك ما يؤلمه..ان كان جائع أم عطش ؛ وإن كان أحد ما أذاه وأنتِ غير منتبهة..لا ترسمي المثالية وان الأمر سهل وطبيعي..وأنكِ لا تتألمين لم تندمين لما تسببتي له فيه"

توسعت عينا رانيا صدمة ولم تتأثر ابداً بدموع المرأة التي جعلتها تعاني..المرأة التي لم تترك مناسبة واحدة لتنغص عليها حياتها وما خُلق عليه إبنها..ثم ما لبثت أن قالت بإستنكار:"ومن قال اني لا أعلم هذا؟لا أتألم..عندما يعجز إبني عن التعبير عن نفسه..من أخبرك أن الأمر بسهل عليّ..ولكن ما نختلف أنا وأنتِ فيه..اني أحب إبني لأنه ببساطة طفلي قطعة خلقت من روحي وجاور قلبي..أتقبله بما هو عليه وأقوم بواجبي نحوه..أنا لست مثلك إيناس..أغلب العالم أجمع ليس مثلك"

هتفت إيناس بغضب وهي تداري دموعها سريعاً:"أنتِ فتاة غبية أنانية.."

رفعت رانيا طرف فمها بإستنكار وهي تردد:"أنانية وغبية..لحبي لإبني..هل تستمعي لنفسك؟!"

قالت إيناس بنفاذ صبر:"نعم..لأنك رغم ما ورثه ولدك عن والده مازلتي تصرين على الإنجاب..لتجلبي المزيد لعالم لا يرحم"

تصلب وجهها في ردة فعل تلقائية..وصمتت لثواني معدودة حتى ظنت الأخرى أنها أفحمتها..ولن تجد ما تجيبها به..ولكنها بهتت تماماً وشعرت بضربة موجهة لها في منتصف قلبها تماماً عندما قالت رانيا:"الأنانية في الحب مطلوبة أحيانا؟!بسببك وغيرك أنا عانيت لأعوام..كدت أحرم نفسي وزوجي من نعم منحها الله لي بل وعاندت القدر بل وبغرور الانسانية المعتاد حاولت أعاند الخالق..فتعففت عن نعمة يكاد يدفع بعض المساكين عمرهم ليحصلوا عليها متمثلة في قدرتي على الإنجاب....

أنا أحب زوجي وأريد أن أمنحه دفء أسرة حُرم منها طويلاً بسببك ؛أحب ولدي وسأحب كل من يأتي مني لأنه فقط طفلي"

صمتت لبرهة ثم قالت بهدوء:"مشكلتك انك معوقة المشاعر لم تصلي الى أن_أحبك تعني تقبلي لما أنتَ عليه وليس ما أحاول أنا أن أجده فيك_بهتت ملامح إيناس وحاولت أن تجد شيئاً ما تقصفها فيه لتقنعها بما تعرفه من انكار المجتمع حولها..ولكنها صمتت تماماً عندما راقبت أيان يشرف عليهم مبتسم فإبتهلت أن لا يكون إلتقط من حديثهما شيء ينصر تلك العلقة عليها..ركع أيان على ركبتيه يرفع إبنه الذي إبتسم اليه مصفق بيديه مطلق همهمات صوتية محاولا أن يلفت إنتباههم لما أنجزه...

خفق قلب رانيا بعنف ككل مرة ترى ذلك التفاعل بين نورس وأيان والذي لم يتردد أن يحاول فتح فمه مشجع طفله بلغته حتى وهو يعرف أن أحدهم لا يسمع الأخر ولكنه أمسك بلعبته يشكره كالمعتاد لإنجازه ..

عادت رانيا للسيدة إيناس أخيراً بعيد عن عيني أيان:"هذا ما أتحدث عنه..وان كان صدفة القدر والتي لا دخل أبداً للوارثة بها منحتني ابني مثل والده..مؤكد معدل ذكائه لم يكن صدفة وحدث وراثي تماماً"

أخذت أصابعها تزحف من كتف طفلها حتى وصلت بخفة وجنة والده إلتفت اليها بعينين خضراوتيين ضاحكتين ومستفسرتين..فإرتفعت على ركبتيها تشير له بخفه متأمرة:"لدي خبر..ولكنِ لن أسمح لكَ أو لنفسي بالبكاء والانهيار العاطفي هذة المرة!"

........................

وضعته بحرص على فراشه..وطبعة قبلة على رأسه قبل أن تفتح الأضاءة الصغيرة بجانبه...ثم تنصرف بهدوء...

الحياة مع صغيرها ليست بهذا السوء حتى مع حالته الخاصة...كما تدعي تلك المرأة..اذن ما مشكلتها تحديداً؟!

ليس الأمر بأنه طبيعي تماماً..بل في الكثير من الأحيان تمر بها أوقات صعبة للغاية يزداد فيها بكائه لأسباب مبهمة فيشعرها بالعجز الشديد..الذي قد يصل بها للبكاء مثله..وبالطبع يتعلق بها هي ووالده فقط ويرفض تماماً التعاطي حتى مع أمها أوديالا...عصبيته الشديدة والتي أخبرتها مدربته الخاصة بسبب عدم قدرته على التواصل معها أو عجزه للتعبير عن نفسه...

ربما الآن أصبحت منفتحة أكثر و إكتسبت مهارات إتصالية تستطيع التواصل بها مع نورس منذ عمر مبكّر...كما إنها عرفت أن العلم تقدم الآن وقريباً ستستطيع مساعدته بشكل أفضل ولكن ما يؤلمها العديد ممن تراهم يعانون من نفس مشكلتها مع صغيرها..ولا تتوفر لهم تلك الرفاهية التي سخروها لنورس..فرغم أن كل تلك الوسائل العلاجية وتطوير المهارات من حق كل طفل أصم وأبكم في العالم إلا إنها في بعض البلدان تصبح في متناول من يملك القدرة المالية فقط...

لقد عرفت رانيا أيضاً ما يسمى"بزرع القوقعة"وقد سعوا للأمر بالفعل منذ أن إكتشفوا أمر صغيرهما مبكّراً جداً...ولكن المؤلم في مصر أنهم يجبرون لإنتظار قائمة طويلة...فيتعلق مصير الطفل الصغير..ووالديه العاجزين مادياً بمجرد قائمة..مجحفة؟!

أطلقت زفرة مرهقة وهي تدفع الغطاء قليلاً وتريح جسدها على الفراش ببطء عقلها مازال شارد في ترتيب حياتها القادمة..بعد ما علمته صباحاً..وما هم على وشك القيام به لنورس أصبح أمر عملها مع أركان منهياً تماماً..لقد عادت بالفعل لبيع نصيبها لأركان..بعد أن أصر أيان على الأمر وذاك لعلمه أن أركان بداخله يرغب أن يؤمن مستقبل"أفرين و ريمانة وصغيرته الجديدة غزل "بجعل المطعم وكل ما يملك ملكاً لهم فقط دون شركاء وهي للحقيقة لم تهتم عندما أقنعت أركان في الماضي بمشاركتها كانت رغبتها الداخلية مساعدته لتخطي أزمته والتكفير عن جزء مما فعلته به!!!

"مرحباً نحن هنا أين ذهبت"قرأت الكلمات التي وضعت أمامها..تنهدت وهي ترفع يديها تشير:"أفكر كيف سأخبر أركان بإنسحابي النهائي من المطعم؟!"

رفع حاجبيه وهو يعتدل من استرخائه ويجلس أمامها مربع ساقية..قبل أن يشير بأهتمام:"قرار مفاجئ وصادم.."

اعتدلت هي الأخرى تسند نفسها على ظهر الفراش..ثم أشارت بدفء: "أريد أن أتفرغ بالكامل لكَ ولنورس؛كما أني على كل حال أصبحت لا أذهب هناك إلا يومين بالأسبوع!"

مد يده يدفع خصلة لخلف أذنها..قبل أن يشير بسكون:"أسباب مقنعة ولكن ليست كاملة ما سرك"

عضت طرف شفتيها قبل أن تشير بدلال:"بالطبع لديّ سر ولكني أريدك أن تكتشفه وحدك؟!"

يديه أزاحت الغطاء سريعاً..قبل أن يمسك ركبتيها ويسحبها نحوه..شهقت ضاحكة محاولة الإفلات منه..ولكنه لم يسمح لها عندما إنحنى يشرف عليها بجذعه..تارك وركيها تحاوط خصره معلقة فيه...أشار:"أخبريني بدلا أن ألتهمك الآن بوحشية..أقبلك هازك حتى الأعماق بطريقة لم تعرفيها رغم كل السنين التي مررتي بها معي"

قلبها الخائن دق بعنف تحت صدره يخبره عن تلك الفوضوية التي إفتعلها تهديده بداخلها...رعشة حب غمرتها جعلت كل خلية منها تتوهج بالغرام قبل حتى أن ينفذ وعيده أشارة:"ربما تهديدك هذا يعجبني ويجعلني أخادعك حتى أكتشف معك طريقتك الجديدة"

"مخادعة؟!" أشار بينما شفتيه تلثم جيدها بخفة

ردت ويديها تزيح الجزء العلوى من ملابسه:"جداً"

أنامله مرت على بطنها المسطح صعوداً وهبوطاً بإثارة قبل أن يقبض على جانب خصرها بقوة..مشير بيده الأخرى وملامح وجهه تتلوى بالغرام: "وأنانية؟!"

كانت قادرة على إستشعار ما وراء كلماته القصيرة مدركة أن المرارة الصغيرة جداً المخبئة في قلبه لم تختفي...لقد كان يردد ما إتهمتها به إيناس؟!!حاوطت كفيها وجهه..تنظر لعينيه مباشرة فتغرق في نضارة الربيع فيهما..تتشبع روحها من جنان حنانه..تكتسب قوتها ويزداد إيمانها ويقينها بما تفعله...نطقت أخيراً بصوت أجش:"نعم..أنا بالفعل أنانية..ما عادت الكلمة تزعجني..إذ إني أنانية في كل ما يخصك..هل تدرك معنى أن أحمل جزء أخر منك بين ذراعي يا أيان؟!"

أغمض عينيه وهو يحاول تهدئة ضربات قلبه مهذباً إندفاعه وأشار بإلحاح كأنه لا يكتفي من إعترافاتها أبداً:لا أخبريني ماذا تعني"

دفنت أنفها في صدره تحرك رأسها هناك تتمسح فيه بنعومة محركة كل عواطفه نحوها..ثم رفعت رأسها تخبره ببطء:"كل طفل سأحصل عليه منك..هو كلمة أحبكِ سرت بداخلي..تغلغلت في أعماقي ممتزجة بعشقي إياك..هو صرختي الخاصة للعالم أجمع..بأني لا أحبك..لأني أرى أن تلك الكلمة بها إجحاف ناقص لما أحمله لك بداخلي من غرام"

أطلق تأوه مضني قبل أن يشير:"يكفي رانيا أن أحببتك أكثر من هذا سينفجر قلبي..لعدم قدرته على إحتمال المزيد!"

جذبته اليها وهي تقول بعبث إكتسبته على مر الأعوام منه:"ليس قبل أن تريني طرق غرامك...أمممم ولا تخف على الصغيرة كما كنت تفعل في حملي بنورس..."

كان جسده كله يرتعش فوقها محاولاً أن يكبح تأثره العاطفي أن لا يبدي أي لحظة ضعف أو حزن..أن يستقبل خبرها هذا مثل أي زوجين"هل تأكدتي أنتِ حامل فعلاً"

قضمت شفتها السفلى محركة كل عواطفه عندما لمعت الدموع في عينيها قبل أن تقول:"نعم..تأكدت  يبدو أن كما أخبرتني الطبيبة هذه المرة لم يستغرق العلاج وقت طويل..عشرة أشهر فقط وقت ليس بسيء"

إرتعشت وهو يميل سريعاً يلتقط شفتيها بين شفتيه..يديه تلتف حول كتفيها يلتف بها على فراشهما الواسع تاره تصبح فوقه وفِي ثواني يشرف عليها بصلابة جسده يقبلها بحرقة..يجتاحها بجنون يداه كما شفتاه كانت تتسابق ليتلمس عنقها..شفتيها..جيدها..صدرها...

كانت ترتعد بالعاطفة هامسة بإسمه..بحبه..مستسلمة بتطلبه الملح هذه المرة ليحتوي كل إنش منه كل جزء فيها..بينما تقابل تلهفه هذا بتلهف يفوقه تطرفاً..كانت كل دقة هادرة من فؤادها المتعالي يصرخ ككل مرة أن ما تعشمته يوماً أصبح واقع لا يمكن أن تنكره

"إختبارهما زادهما توحد..رابطهما أصبح إمتزاج وإنصهار لكل منهما بالآخر..كل طرف منهما قارئ الآخر دون حتى أن ينتظره أن يشرح نفسه...لقد كانت محقة في شيء واحد هي لن تتوقف يوماً عن تمني المزيد من أطفاله  رغم أنها ستعيش القلق والخوف على صغارها ولكنها الآن تعرف أن كل شيء هي قادرة على تخطيه مع هذا الحبيب ومالك الروح"

............................

............................

"أنا لن أنتظر..مبرراتك يا أيان؛العلاج متوفر بالفعل لحفيدي هنا إذن لماذا المماطلة والانتظار؟"

أطلق أيان زفرة خشنة وهو يكتب رد على إلحاح عمه الذي لم يتوقف منذ أن بلغ نورس العامين:"عماه هل تعتقد حقاً أني أماطل أو أتهاون في مصلحة إبني"

تنهد سامح على الهاتف بصبر قبل أن يرسل بمراعاة أبوية:"أنا لم أقل هذا بني وأتفهم أنك مصر الآن بها تقدم علمي وطبي يضاهي هنا..ولكن ما أتحدث عنه لماذا الإنتظار إن كنت ستجري العملية من مالك الخاص على كل حال..."

أرسل أيان على الفور:"أنت قُلتها هناك اوهنا ستوفر له الرعاية الطبية..اذن لما المجازفة"

أرسل سامح بصبر:"عن أية مجازفة تتحدث؟!دعنا لا نغير الحقائق..من مصلحة نورس أن تجري له العملية مبكراً..وهذا لن يتوفر له عندك.."

توتر أيان لدقائق..قبل أن يعزم أن يرسل لعمه مصارحة:"رغم أني أجريت كل الفحوصات له منذ أشهر وقد أكد الأطباء أن حالته تسمح له بزراعة _القوقعه_اذ أنه يملك أحبال صوتية بالفعل وجهازه السمعي ليس متضرر تماماً..ولكن أنا خائف عمي!"

تلاشى تجهم سامح وهو يرسل بتعجب:"خائف..من ماذا؟"

أرسل أيان:"الأمر ليس بسهل عماه..وعُمر نورس مازال صغيراً جداً..أو ربما أنا قلق من فشل آخر وعذاب لصغيري لن يستوعبه!"

توتر سامح وما يقوله يفاجئه..هل يقصد أيان شيء آخر..متعلق بزوجته!!ولكنه عاد ينكر لنفسه بتشدد فرغم أنه لم يتقبل رجوع إبن أخيه لرانيا في البداية خوفاً عليه من جرح آخر..ولكن الفتاة عادت لإكتساب ثقته ووده ..بعد أن رأى بعينيه عندما ذهب للإسكندرية في عطلة للاطمئنان عليهم بأنها أكثر ثباتاً وقوة بل وتحكم بحياتها وطفلها..وآمن أن لا إمرأة تناسبه إلا هي..أرسل سامح أخيراً بحكمة:"ومن منا لا يخاف من فشل قد يلاحقه طوال حياته...بعد كل ما مررت به بُني أنتَ من بين جميع الناس يجب أن تكون أكثر إيمان وثقه..طفلك يحتاج هذا..كما أن طبياً يجب أن تتخذ هذا القرار قبل أن يبلغ الأربع أعوام..."

"ولكن مازال لديه وقت"أرسل أيان مقاطعاً

فأرسل سامح بإصرار"إبنك ليس مجبراً أن ينتظر..او أن تضيع من يده فرصة في العلاج..العلم تقدم..كما أن مراحل علاجه ستأخذ منكم مدة طويلة من التدرب والتعود على الإستماع لعالم سمعي يجهله طفلك...لن أقنعك مرة أخرى..كل شيء جاهز هنا..خذ قرارك بحكمة من أجله وأنا أنتظرك"
بعد شهرين..

لندن

في إحدى المراكز المتخصصة

كانت رانيا تجلس أمام الطبيب تفرك يديها بتوتر..وعينيها لا تترك طفلها الذي يجلس على أرض الغرفة تلاعبه إحدى الممرضات حتى تلهيه قليلاً قبل أن يصطحبه طبيبه لإجراء الفحوصات الأخيرة ما تسمى_بالفحص السريري_للتأكد من عدم وجود إلتهابات في الأذن..بعد أن سبق أن تأكد من خلال الفحوصات التي مر بها أن المشكلة لديه في الأذن الداخلية  كما أكد الأطباء في مصر ولكنهم أرادو هنا بالطبع الإطمئنان أن كل التشخيصات متطابقة...

كان أيضاً عم أيان متواجد للتأكد من أن يترجم لها كلام الطبيب بجدية تامة رغم إلمامها بالانجليزية..في الحقيقة هو معهم في كل دقيقة يقضوها في المشفى...تحدث الطبيب أخيراً فقام سامح بترجمة كل كلمة بدقة:

"بداية يجب أن يتم تحفيز الألياف العصبية الموجودة في الأذن لإستقبال القوقعة وهذا بالطبع سيتم عن طريق تعريضها لشحنات كهربائية..."

شحب وجه رانيا..وهي تقول لسامح:"أعرف هذا لقد قرأت أنا وأيان عن الأمر كثيراً"

تنهد سامح وهو يقول برفق:"حتى وان كنتِ تعرفين يجب أن تستمعي اليه..تشجعي رغم صعوبة الأمر عليكِ..لكنه في النهاية ما يهمنا مصلحة حفيدي"

أعقب كلامة بإبتسامة مطمئنة...هزت رأسها موافقة وهي تبحث عن يدي أيان الجالس بجانبها متظاهراً بالهدوء والسيطرة حتى وهي تعلم أنه يغلي خوفاً وقلقاً عميقاً جداً..شدد على كفيها الباردتين وهما يراقبان سامح يعود يخبر الطبيب أن يكمل..فقال سامح مترجم كالسابق:

"الخطوة الأخرى..سيعمل على شق قد يصل إلى ٧.٥ سم في الأُذن..وبعدها سيقوم بنقر جزء من الجمجمة ويثبت فيها الجزء المحفز والمستقبل للموجات.."

إنتفضت وهي تخبره مختنقة:"رباه هذا كثير عليّ عمي..لا أريد أن أعلم أنه سيشق رأس إبني!"

جذبها أيان لتجلس بجانبه...ومد يده يربت على وجنتها مانحها دعمه قبل أن يشير:"لقد إجتزنا الكثير ومررنا بالأصعب..يجب أن تهدئي حتى لا تفزعي طفلنا..أنتِ تريدين مصلحته وترغبين له في مستقبل جيد طبيعي وأن لا يتعرض لغباء المجتمع وعنصريته أليس كذلك؟"

قالت بصوت مرتجف:"أنا أؤمن أن كل ما نتعرض له وكل ما يمر بنا ونعانيه هو قدر ومكتوب..ولكن الأمر ليس سهلاً عليّ أن أسلمهم طفلي لساعات ليشق جمجمته ويفتح شق_في العظمة الغشائية_ويقترب من خلاياه العقدية"

أمسك بوجهها بين كفيه مطلق صوت من بين شفتيه يعلم أنه يهديها...قالت ما بين دمعها المحترق:"انا أهذي صحيح؟!"

هز رأسه نفياً قبل أن يشير بكلا يديه:"انتِ متوترة..مرتعبة ومن يلومك..ولكن نحن وصلنا الى هنا بالفعل ولن نتوقف عن مساعدة طفلنا..لأن امه تخشى عليه"

همس الموجحيث تعيش القصص. اكتشف الآن