الفصل الرابع عشر

3.1K 88 5
                                    

الفصل الرابع عشر

عندما نُقِر بداخل أنفسنا بخطئنا في حق أنفسنا أو الغير..
الصدر يضيق وتلون الدنيا بلون أسود قاتم ليعم الظلام داخل أنفسنا..فنتمنى لو لحظة واحدة ليعود بها الزمن..لنمحي كل خطوة أخذناها نحو طريق الندم المرارة...ولكن من قال أن بعض التجارب..أو الذنوب لا تُشكل حاضر انسان..من لديه الجراءة أن يجزم أن ذلك الماضي الذي نهرب منه نخجل فيه..لا يكون سبب للتعلم الحياة كضربة قاسية تلقاها غريق في عرض البحر لتنقذه وتمنحه الحياة...تلك الأخطاء هي فقط وببساطة قد تصبح مجردة لتصحيح المسار...
...............................
كانت في المكتب الخاص بضباط أمن المطار..تنظر حولها بصدمة,ترتجف رغماً عنها خوفاً لأمر تجهله..اذ منذ أن إصطحبها أحدهم الى هنا لم يخبروها سبب القبض عليها تقريباً وإيقافها من محاولة السفر...
الباب الذي فتح بخشونة جعلها تجفل..وهي تنظر بعينين متوسعتين للقادم منه...إقترب منها بنفس حالة الإندفاع..حتى أصبح يفصل بينهم أقل من إنش واحد..يشير لها بحرقه:-"لقد ظننت أنكِ تعلمتي من خطئك ولن تجرئي على الغدر بي مرة أخرى"
لم تكن إستوعبت تماماً للموقف الذي وضعت فيه وهي تشير بحيرة:-"ما الذي تتحدث عنه..عن أي غدر أو خيانة تشير نحن لم يعد يربط بيننا شيئاً"
قسى وجهه بالغضب..بالقهر بالحاجة لتدمير كل ما أمامه وهو يقطع تلك المسافة بينهما يسحبها من رسغها لتصدم بصدره..شهقت مجفلة عندما شعرت بيده الأخرى تلتف حول عنقها من الخلف يدفن رأسها إجبارياً في عنقه..ثم لدقائق عم الصمت المهيب في أرجاء المكتب مما جعل ضابط الأمن ينسحب بهدوء مانحاً إياهما بعض الخصوصية!
تركها أيان ببطئ يحاول أن يستجلب كل ذرة تحكم وهدوء إعتمد عليها يوماً لتهذيب إندفاعه..عصبيته وتهوره مع البشر..معادها!!ثم رفع يديه يشير ويهمهم بشفاه مرتعشة رغماً عنه:-"لقد إكتشفت..أن ما بينى وبينك لا يمكن أن ينفصل يوماً..اذ أن ما بيننا لا يمكن أن يوصف بالشيء المادي الذي يسهل قطعه"
همست بإرتجاف مماثل تقاوم لمعة بكاء تأججت في عينيها:-"ليس هذا ما أوصلتني اياه خلال شهور طويلة..وأبداً لم تُفهمني هذا وأنا أنتظرك بعد أن أخبرتك ما حل بي من بعدك؟!"
رفع كتفيه بقلة حيلة وهو يشير:-"أنا كنت أتعذب مثلك تماماً لشهور وأيام أبحث عنكِ..عن دفئك..أم عن ما عرفته أنا كنت أحتاج الوقت..فقط كنت أحتاج إستيعاب ما أخبرتينى إياه!"
صوتها كان خافت وملامحها تتألم تنازع وهي تحرك شفتيها تخبره:"صمتك قتلنى..ووقتك جعلني أكفر بالناس..أكفر بغفران تعشمت أن تمنحه لي يوماً...أكفر بأنك قد تعديني اليك يوماً"
أحنى رأسه وهو ينظر لعينيها مباشرة..يبتسم بنوع من القهر وهو يشير:-"لا أميل تماماً للكفر بما أريده..المستحيل ليس إلا كلمة يتفوه بها الحمقى مثلك"
لم تبتسم بل منحته نظرة ساخطة حملت كل شيء بينما ردت بقوة:-"أنا لست حمقاء..أنتَ القاسي الذي لا يعرف معنى الغفران..أنتَ سد منيع وقلب متحجر و.."
قاطعها يضع كفه سريعاً على شفتيها..فتوقفت تمنحه الفرصة اذ لم يصبح لأي كلام قد تقوله معنى.....
أخفض كفه ببطئ يبتلع ريقه وهو يشير بكلا كفيه بحرقه:-"لقد منحك قلبي الغفران..بعد أن منحته أنا لنفسي.."
صمت لفترة يحاول أن يجمع شتات نفسه قبل..أن يشير ببطء:-"أنا لن أعتذار عن أخطاء كلينا..لن أتحدث عن وقت رحل عن زمن مضى بأوجاعه وأصبح سراب اذ انه مر وغمر في أيام منطوية أصبحت ذكرى في طَي النسيان..اذ ما يعنيني الآن أن قلبي يحتاجك ليحيا"
منحته أجمل إبتسامة رآها في حياته بينما سمحت لدمعها ينساب على خديها وهي تقول:-"بعد ما قولته أعتقد أن سؤالي المتعلق بماذا تفعل هنا لم يصبح له معنى"
إرتعشت عضلة بجانب فمه مقاوم نفسه أن لا يحتضنها..يقبلها ويعيدوها الى صدره!ثم ما لبث أن أشار ببطئ:-
"سيكون سؤال يعبر عن مدى غبائك الذي أعرفه!!"
أطلقت شهقة أخرى ويديها ترتفع تضربه على صدره بقبضتها وهي تقول بملامح مريعة؛-"سحقاً لك يا أيان..أنت مرتبط بأخرى تصر على منحها نفسك..تعطيها ما هو لي.."
تألقت شرارة في عينيه الخضراويين لم تفهم معناها وهو يشير:-"لا تعاتبيني على أمر إندفعت اليه بسببك.."
راقبها وهي تتراجع للخلف ملامحها كلها تتصلب وهي تقول بيأس:-"إذن ما الذي أتى بك الى هنا..كيف تجرؤ على الوقوف في طريقي لمنعي من السفر"
إقترب وهو يشير:-"لأعيدك اليّ كما طلبتي وتهفو نفسي"
تصلبت وهي تقول بسخرية:-"وكيف تنوي هذا بجمعي معها ربما..ماذا هل أصابك الغرور الآن لتصبح زوج الإثنين"
إبتسم ببطئ وهو يقول بتلاعب:-"ربما أفعل..ما الذي قد يمنعني"
لم يدرك معانتها تماماً..ولا بالألم والكسرة التي غمرتها عندما قالت بحرقه:-"ماذا تنوي بالضبط..هل ستكون هي للإنجاب والحياة المستقرة التي تنشد..و أنا..أنا مجرد إمرأة للمتعة"
بهت أيان وكانه أخذ بتفكيرها المتطرف على حين غرة...قبل أن يندفع ويجبها بحرف واحد كانت عيناه تتأملها والقلب يشعر بإحتراقها بوجعها الغير مرئي ولكنه ملموس موجع..فجعلته ينتفض بالرغبة لحمايتها..في التخفيف عنها لاخبارها أن روحها التي مثلت طوال عمره شطر من روحه أبداً لن يجرؤ مرة أخرى لأذيتها...كانت كل ملامحه إخشنت بالعاطفة الفياضة وعيناه تحيطها بنظرة أيان القديمة وهو يشير بعنف:-"وخالق الكون الروح لن تسكنها امرأة غيرك..والجسد لن يجرؤ أن يضع بصمته بعيد عن ثنياكِ .والقلب لن يعرف النبض لسواكِ..ونطفة مني لن تزرع إلا في أحشائك..."
رددت مضطربة:-"ما الذي يعنيه هذا"
رفع كتفيه بالتضامن مع يديه بإستسلام ثم أشار مردد:-"هذا يعني أنى أريدك امرأتي الوحيدة..أن تغفري لي غبائي وعنادي الذي علمني متأخر جداً...بأني رجل لإمرأة واحدة فقط..وبالصدفة الغريبة هذة المرأة تحمل اسم رانيا وتريد أن تهجرني للمرة الثانية"
لم تشعر بنفسها وهي تشير بلهفة:"وأنا..أنا أحبك كلي كان يتمزق من مجرد التفكير بأني سأفقدك هذه المرة الى الأبد"
أغمض عينيه بقوة..وأنين متألم يصدر من داخل حلقه..ثم أشار بقلب كاد يتفجر من الإنفعال من محاولته اليائسة للسيطرة عليه:-"اذاً تزوجيني..عودي اليّ الآن..لن أستطع الإنتظار أريدك في التو واللحظة زوجتي مرة أخرى"
هزت رأسها هامسة بضحكة مختنقة:-"ظننتك لن تطلب أبداً"
لاهثاً قلبه يخفق بالصخب..جسده يتعذب بلوعة الوصال..كان يقترب خطوة أخرى يشير:-"هل هذا يعني نعم؟"
أرادت أن تصرخ بتلك النعم ولكنها كانت تُصر أن لا تظلمه مرة أخرى وهي تقول بنوع من التعقل:-"هل تدرك ما أنت ترمي نفسك به..قد لا أستطيع منحك أطفال..هل تعتقد حقاً أنك قادر على تلك التضحية؟!"
ملامحه العازمة لم تتغير جسده الرجولي كان يقف بثبات وهو يشير بأمر قاطع:-"أنا لست ملاك..لأخبرك شعارات قد أخل بها يوماً ما..ولكن كل ذرة مني تعدك أن أحارب هذا البلاء معكِ..أن لا أيأس وأن نتغلب على حالتك..وان لم يكتب لنا طفل أنا راضي بقدري تماماً..لأني سأعرف أن هذا ما كتبه القدر لي"
بإصرار كانت تخبره:-"هل ستضحي بنعمة الإنجاب من أجلي"
"نعم سأفعل..أنا أريدك..انتِ وحدك أهم لدي من عشرة أطفال..هل تكرمتي الآن وأخبرتينى بتلك النعم"
همست بوجل:-"وكيف أجرؤ أن أفكر بلا؟"
"ردديها"أشار قبل أن يسمح ليديه أخيراً أن تحاوط رأسها واضع جبهته على جبهتها سامح لنفسه أن يتشرب وجود أحدهم للآخر قبل أن يواجها عواقب الكارثة التي إفتعلها الأحمق زوج أختها..همست وهي تعلم انه لا يراها ولكن يسمعها بقلبه:-"نعم..ونعم وألف نعم لن تصبح لها معنى إن كانت موجهة لسواك"
تنفس أيان بعمق قبل أن تحط شفتيه على جبهتها واضع قبلة هناك كانت أعظم وأعمق من أي كلمات حب وغزل أو حتى قبلات غرام كان قد تبادلها يوماً
................................................
بعد عدة ساعات كان ينظر لها بعينين تحيطها بمشاعره تلفها لفاً بجنانه..يكاد يفقد أنفاسه التي تتوهج حتى لا يجذبها ويهرب بها..من بينهم لينفرد بها أخيراً كزوجة! ولكنه مجبر على البقاء وإتمام إجراءت العقد...فبعد أن تخلص بصعوبة من الورطة التي وضعها بها أركان في المطار..بعد أن إدعى المسئولين عدم الإنتباه..لنقطة أنه لا يحمل ما يثبت زواجه منها حقاً..ربما رأف بجنونه ولهفة كليهما أو إنتابته..نوعاً من التفهم الغرامي اليوم...خرجوا على الفور بصحبتها وزوج اختها وأرسل..لشهاب أن ينتظره عند مكتب المأذون الشرعي..وها هي الآن بعد أشهر من البعد والعذاب..زوجته نفسها وهو قبل بزواجها....
"فقط فكر بأن تغضبها مرة أخرى..او أن تفرط بها,وانت ستجد رأسك يرقد في قسم العظام يحاولوا ترميمه دون جدوى..."
كان يحيط رانيا بذراعه وهما يغادرا المكتب أخيراً..ثم ما لبث أن وقف على أول دراجته يشير للمتجهم الذي سبقه بخطوة ووقف يقطع عليه الطريق...يمنعه من التقدم ثم أشار لرانيا:-"أخبريه أن الأمر لا يعنيه..وأسأليه ما هي مشكلته تحديداً مع تخيل رأسي محطماً"
ظهر طيف إبتسامة على شفتيها المرتجفتين وهي تخبر أركان بما قال..بينما كله يرتجف بسعادة بحيرة..وبغرابة ما يحدث كأنها تعيش أجمل أحلامها فوق أحد الغيمات الوردية صعبة التصديق...
قال أركان على الفور رداً عليه:-"لأنى والله مللت منكما وأريد أن أعيش مع زوجتى بهدوء...وإرتباطها بست رانيا يمنعني..لذا أسعدها كي أرتاح أنا"
قالت رانيا على الفور ساخرة ممتعضة:-"والله أن مشاعره الأخوية المستفيضة تلك..ما عادت تصدمني..هل دائماً الأمر معلق بك..وبراحتك"
إلتفت أركان لديالا الصامتة منذ وقت عكس طبيعتها الصاخبة ثم قال بحنان وعيناه تأثر عيناها:-"لا والله ما عاد في القلب ذرة أنانية وأكبر لنفسي..بل كل سعادة أرجوها لها وحدها هي تستحق أن تحصل على إستقرار لكل من تحب أخيراً"
قبل أن تجيبه رانيا كانت تشعر بيدي أيان تطبق على خَصرها يعيدها اليه..خضار عينيه الذي ماثل خضرة الربيع المنعشة المعتدلة والتي تمنح كل حياة وتزيل جليد الشتاء وتهذب الخريف الموحش المتقلب...كانت تلتهم دفء عسل عينيها المتألق المتوهّج وهو يفلتها ليدس بين يديها دفتر صغير وردي عرفته على الفور أشار برأسه أن تفتحه فمثلت لأمره بأصابع مرتجفة تقرأ سطوره بروح غير الروح وملامح عادت تدب بها الحياة فتزيد جمال فتان لعينيه لتصبح ملكته بين النساء:-"لن أسمح لأي شيء أن يكون حائل بيني بينك..سأحاربك انتِ أن حاولتي بجنونك مرة أخرى أن تبعديني عنك..أعدك أن اقرأ سطورك هذة المرة وحدي أن ألمس مخاوفك لأمحيها..عارف انكِ ستبادليني وعودي دون أن تنطقيها"
رغم الدموع الحبيسة في عينيها منحته إبتسامة أخرى..ودون تفكير أو مراعاة لوقوفهما في عرض الشارع أو بصديقه الذي يقف بعيداً متجنب تماماً تواجده في محيط زوج أختها كانت تدفع نفسها اليه تحيط عنقه بكلا ذراعيها فبادلها عناقها بتأوه..من عادت اليه الحياة بعد قسوة تجربة الموت..
ولدقائق وقبل أن تشرع بالإنفصال عنه...كانت تسمع صرخة ديالا المدوية وهي تقول:-"إن كنت انتهيت من عرض مشاهدكم الغرامية المريعة...إسمحى لي أن أخبركم أني ألد"
ما حدث بعد ذلك كان ضرب من الجنون..وهي تنفصل بذعر عنه..تراقب ديالا تسند ظهرها على أقرب حائط تحيط بطنها بكلتا يديها..بينما أركان...ضيقت رانيا بين عينيها تحاول أن تفهم تحديداً ما سر قفز زوج أختها غير المفهوم اذ كان يقوم بحركات مبهمة من الذعر أو ربما الإحتفال...أو هو فقط إنفصل عن بُعدهم الزمني وأصبح في بُعد آخر يقام فيه إحتفال من إحدى إحتفالات أدغال أفريقيا...كان شهاب أول من يتحدث أو يهتف بعجب:-"بحق الله ما الذي يفعله زوج أختك..هل هو طقس متعارف عليه قبل أن يأكلها..إحم عذراً قبل أن تلد"
كان أركان يقفز بجوارها و يحوم وهو يخبط على جبهته تارة ثم يعيد خبطه على فمه وهو يقول بنوع من الهوس:-"تلد كيف..والآن بتبقي لك أسابيع..أعنى هذا خطر عليك وعلى الجنينين"إلتفت لرانيا وأيان يشير بإتهام:"كله منكما تسببتما لها فيما تعانيه الآن"
"ما الذي تقوله"قالت رانيا بعجب
فعاد أركان يصرخ بعصبية:"الطبيبة قالت لا إضطرابات وانتِ وزجك مثير أعصاب متحرك..حسبي الله حسبي الله"
صرخت ديالا بوجع:-"هل هذا وقته إنجدني يا أركان لا أستطيع الوقوف"
كان يشعر بالتخبط بعدم الإستيعاب فلم يترجم حروفها تماماً على الفور وهو ينظر لوقفتها المنهارة..ويلمح بعينيه بركة المياه التي تحتها..فكان شهاب الأقرب اليها..فشرع أن يمد يديه ويسندها بتلقائية..وقبل أن يمسسها حتى كان يسمع صوت أركان يخرج خافت إجرامى شديد الخطورة وهو يقول:-"ضع إصبع واحد عليها وانتظر ما الذي سأفعله بك"
تراجع على الفور دون نقاش أو إعتراض..فهو بالنهاية أحكم من أن يضع نفسه أمام كائن غوريلا عضلاته أشبه بقطار سكة حديد قد يدهسه!
لم يلتفت أركان اليه مرة أخرى بل أسرع في إحتضان الصارخة أمامه وهو يهتف بأيان بغلظة تخالطها الحماقة:"وأنت يا مهندس الغبرة تقدم وإفعل شيئاً..ستلد هنا بالشارع"
إرتد وجه أيان وهو يشير بحيرة قلقة:-"وماذا قد أفعل أنا لها..هل ضربك أحد على رأسك وأنت صغير لتستطيع التفرقة بين مهندس حاسب أوطبيب"
صرخت ديالا..تقاطع السجال الذي لن ينتهي:-"أنا سأضع طفلتاي يا مجانين..منك لله يا إبن صفاء سأصاب بجلطة بسببك"
تركها أركان تستند على رانيا التي اقتربت منها تحيطها بحنان مساند..وهو يدور بتخبط حول نفسه من الموقف المربك المرعب ثم قال..يزيد من جنونهم:"ماء ساخن نريد ماء ساخن..اااه نعم أعتقد ماء محرك السيارة سيفي بالغرض"
تصلب جميعهم مكانه من إقتراحه العبقرى...قاطع السكون بينهم صراخ ديالا المتألم المتوعد له وحده...
تشجع شهاب مرة أخرى للتقدم وهو يقترح بحذر شديد:-"بعيداً عن أن فكرة توليد زوجتك في الشارع تبدو تقليدية واحترقت في الدراما القديمة..ألم يأتي في بال أحدكم خاطر يدعى حملها والذهاب بها لأقرب مشفى؟!"
........................................
عندما أوصلها لأقرب مشفى كانت تدفع على السرير المتنقل لغرفة العمليات تمسك يدي أختها بشدة..بينما صراخ المتألم كان يخرج له وحده:-"أنا أكرهك..أكرهك لن أحب أبداً مرة أخرى..."
كان يلحق اندافعهم يحاول أن يصل ليدها الأخرى بمساندة دون جدوى وهي تدفعه بعيداً عنه...لم يجد ما يقوله أو يرد به غير التعجب الشديد هو يسألها بصوت أجش:-"أنت تلدين حقاً"
حاولت ديالا التطاول لتنهش وجهه فلم تطل إلا قبة قميصه إنحنى نحوها بإستسلام تام بينما يسمعها تقول بضراوة ساخرة:-"لا بالطبع بل أقوم بعرض هزلي أو تدريبي لأتمتع بأحد نوباتك الفاقدة للسيطرة الغريبة...هل تريد أن تجعلني أفقد عقلي..ماذا ترى؟"
سمعت صوت تنهيدة متعبة منه مرافقة بأنينها قبل أن يقول مردداً وكأنه أدرك ما يحدث الأن:-"يبدو أنك تلدين حقاً..ولكن هذا مبكراً..أنا غير مستعد"
صرخت ديالا وبكائها يزداد بعنف:-"الرحمة من عندك يارب سيجلطني.."
همس شهاب الذي كان يتبعهم بجانب أيان عبر ممر المشفى:-"هذا الحوار رائع المزيد منه ولن تحتاج الفتاة لأي مساعدة خارجية لتضع ما بداخلها بكل أمان"
"إخرس"هتفها ثلاثتهم مما جعله يتراجع ممتعض الى أخر ركن في المشفى...
بينما تختفي ديالا داخل غرفة العمليات كان الضعف والخوف تمكن منها تماما فإشتدت يديها حول أركان تخبره:-"لا تتركني..أنا خائفة"
رغم الهلع الذي كان يتمكن منه كان يحاول أن يهدئ نفسه أن يرسم الطمئنينة على ملامحه وهو يقول:-"دائماً حبيبتي..دائماً انا هنا من أجلك لن أتركك أبداً"
نقلت ديالا نظرتها لأختها برجاء لا يحتاج لتفسير..فمالت رانيا تحتضنها بقوة وهي تهمس من بين دموعها:-"أنا معك..لقد قالت الطبيبة أنى أستطيع الدخول"
أومأت ديالا بتعب بينما تطلق صرخة أخرى متألمة يدها تتمسك بأركان بيأس تجبره أن يلج معها للداخل إستمر في تمسكها به حتى أجبرت هي لترك أنامله مختفية وراء باب العمليات...
"يارب..يارب ليس لنا سواك يا الله لا تمسني الضرر فيهما وانت خير الوارثين"
.................
"انا خائفة"نطقتها ديالا من بين سحابة الألم الشديد التي تلفها لفاً..كألف شظايا الزجاج الذي تخترق كل إنش منها..
ضمتها إليها رانيا بلهفة وهي تقول بحنان مشجع:-"انا معك..هل تذكرين نحن أقوى من أي ألم..نستطيع مواجهة كل ما يحدث سوياً..طالما يدي في يدك لن يهزمنا أبداً شيئاً"
ردت ديالا وهي تكاد تنفجر من الوجع:-"سكاين حادة تقطع بي رانيا..انا لا أستطيع التظاهر هنا"
كانت تمسك يدي أختها بشدة تتحمل عصر ديالا لأصابعها وأظافزها التي تنهش بذراعها دون إحساس منها:-"والله أني أشعر بكِ..لن يعرف ألمك غيري..ولكن طفلتينا يستحقان كل وجع العالم"
رددت ديالا بأنفاس تتقطع:-"طفلتينا تستحقا؟!"
مالت تحتضن رأس أختها بلهفه تطبع قبلات متلهفة على ملامحها الناعمة وهي تقول بحرقة:-"بالطبع يا حمقاء هل نسيتى وعدك لي...والله أنا أمر معك بكل صرخه تطلقيها فتزلزل كل ثوابتي"
لم ترد ديالا بل تمسكت بها كطفلة مذعورة تنشد الحماية من أمها فذكرتها بها قديماً وهي مجرد طفلة جميلة تتعلق بذيلها..تتسلل ليلاً الى فراشها تحتمي فيها من أساطير وحوش الظلام"
"انت أقوى من هذا..سنذكر هذا الموقف ضاحكين عندما نحمل سويا الصغيرتين"
بينما دمعها يسيل والألم يزداد حدة مختلط بالطلق المتسارع كانت تصرخ مردده"سأحملهم سوياً لن أدع أبداً شيئاً يفرقهما"
.............................
بعد ساعات قاربت فجر اليوم التالي...كانت رانيا تسند رأسها بتعب على كتف أيان بينما عيناها تتابع ملامح الطفلتين من خلف الزجاج..ناعمتين ورديتين..صغيرتين جداً في الحجم والوزن إشارة بيديها دون أن تحرك نفسها من إحاطته إياها"جميلتان جداً لماذا أشعر بإنتمائهم لي حقاً وكأنهم خلقا من رحمي انا"
حركها لتقف أمامه يمسح بعينه خلاجتها المتعبة بريق عينيها الذي لم يخفو..يفهم ما تعنيه روحها الانسانية حقها الطبيعي أن تتمنى مثل كل إمرأة تحلم بجزء منها ومنه يتمثل أمامها"هما من دمائك على كل حال..من حقك أن تشعري بهذا"
كتمت شهقة بكاء وهي تشير بحرقة:-"ولكني أريد واحدة منك"
إمتدت يديه تلاحق تلك الدمعة بأنامل مرتعشة ثم أشار بأرتجاف:-"ستحصلين عليها..أعدك بهذا..الطبيب قال أن هناك علاج..غير العملية رانيا"
تكلل وجهها بالذنب وهي تقول بحرص:-"أعرف هذا هناك طبيب أخبرني بهذا..ولكن قد يستغرق أعوام"
توسعت عينيه بذهول وهو يشير بخشونة:-"تعرفين؟!اذاً لماذا أخبرتيني بأنه مستحيل"
عضت شفتيها مقرة بالذنب وهي تقول بصدق:-"كنت يئست منا وأردت أن أمنحك فرصة تستحقها كما أخبرتك"
"غبية"
هزت كتفيها وهي تقول بإقرار:"أعرف"
إقترب مرة أخرى يمسد على وجنتها بحنان بظهر يده ثم أشار بملامح متلهفه:"ديالا أصبحت بخير..هل نذهب من هنا بيننا الكثير الذي يجب أن يحل"
"ولكن.."
"لا ولكن..إذهبي مع زوجك أنا هنا ولن أتركها...
كانت أمها تنضم اليهما لم تمنحهما نظرة واحدة بل كانت تنظر لحفيدتيها بلهفة ثم قالت:"الطبيبة تقول إنهن لن يحتاجا أكثر من متابعة..كلاهما وأختك بخير..إستمعي لكلام زوجك مرة واحدة ولا تعاندي"
إقتربت منها رانيا بتردد محاولة أن توضح ما حدث دون أن تعلمها لقد تفاجأت أمها بخبر رجوعهما الى بعضهما عندما أعلمها أيان برسالة نصية بولادة ديالا وذهب اليها ليصطحبها هي ووالدة أركان..ثم أتى بها الى هنا...
"ماما..ما حدث..أعني انا أعرف أن رجوعنا في هذا الوقت ودون إخبارك ليس بالشيء المناسب"
أوقفتها نوال..وهي تقول بهدوء:-"أنتِ وهو تستحقان فرصة...بعدكم كان زاد الى حد الجفاء وربما أن لم تتمسكي بالعودة اليه كنتي فقدتيه..البعد لا يولد الا النسيان وربما الكره وقسوة القلب..لا يعنيك أحد وإبدئي هذه المرة بشكل صحيح دون المزيد من الاخطاء تعلمي من درسك حبيبتي..بالنهاية انا لا يهمني غير سعادة كل منكما"
"لن أستطيع ترك ديالا"
ضحكت نوال وهي تعود تنظر للصغيرتين بحنان ثم قالت:-"هذا على أساس أن أركان سيدعك تصلين اليها..لقد طردنا حرفياً أنا وأمه من الغرفة..ليختلي بها"
رفعت رانيا حاجبيها بريبة"يختلي بها من أجل ماذا..الفتاة وضعت صغيرتيها منذ ساعات"
........................................
"إبتعد يا أحمق.."
كانت شفتيه الشغوفة مازالت تطوف على ملامحها وهو يقول بلهفة:"قبلة أخرى..قبلة واحدة تطمئني انكِ معي..وسأبتعد"
قالت مستنكرة:-"وهل القبلات العاطفية هي من ستطمئنك"
إرتفع عنها وهو يقول بإبتسامة سمجة:-"بصراحة أحاول منذ الآن أن أعوض نفسي..علي الامتناع عنك.."
مطت ديالا شفتيها وهي تقول:-"وهل ما تفعله يقع تحت أي بند من مسمى الإمتناع"
قال بإبتسامة أكثر سماجة:-"أتعلمين..لقد علمت الآن أن تلك الزيجة وقعت عليّ بالخسارة..تسعة أشهر حمل..وأربعين يوم نفاس..وإجازة أسبوع كل شهر..هذا كثير"
إمتعضت وهي تقصف:-"ونسيت العامين الذين كنت تفشل فيهم أو يأتيك تشنج عضلي"
لم يثيره أبداً ما تقول أو يغضبه..بل إعتدل يخلع حذائه..ثم يستدير ليتنهد جانبها ببطئ وحرص شديد ثم إلتفت ذراعيه حولها:"كدت أجن من الرعب يا بطة..لا تفعلي بي هذا مرة أخرى"
لم تجيبه على كلامه العاطفي بل قالت بحزم رغم صوتها المرهق:-"ماذا تظن انك تفعل أترك فراشي حالاً..انا وضعت للتو وأحتاج للراحة"
أفلتت منه ضحكة خشنة وهو يقول:-"كنتِ تشاركيني سرير مرضي لأشهر ولم أعترض..فهل تبخلين عليّ الآن بمنحي الاطمئنان لقربك أن ألفك بين ذراعي"
يديها تسللت تحيط بخصره ورأسها إرتاحت على صدره الواسع بينما يديه هبطت بلطف تمسد على بطنها بحنان عارف أن آلالم ما بعد الولادة لن تختفي عبر أيام...شعر بها تسترخي بين ذراعيه وأنفاسها تبدأ في الانتظام ببطئ وهي تقول بصوت مثقل بالنعاس:-"انا أسفة لهتافي بكرهك..انت تعلم اني لم اعني هذا..بل انت كل حياتي يا أركان"
قبل قمة رأسها وهو يهمس:-"أعرف يا بطة..أعرف يا حورية أركان ونبض حياته الذي أعاده لنفسه"!
.........................................................
تقدمته الى داخل الكبينة..وهي تضع يديها على ذراعها الآخر تلف نفسها بحماية شاعرة بالإرتباك..وربما عدم التصديق انها عادت الى هنا معه!لقد كانت منذ ساعات... ظنت أن أخر خيط بينهم إنقطع تماماً وأبداً لن يغفر لها أو يعود خاصة بعد أن أخبرته بما فعلته بنفسها..
حاوط كتفيها على الفور أنفاسه الملتهبة تلفح بشرتها شفتيه النارية تحمل بركان يتفجر فوق عنقها..بقبلات محمومة نافذة الصبر..
سحبت نفسها شاهقة بمفاجأة..ثم ما لبثت أن قالت بتلعثم:-"يجب أن نتحدث أيان..هناك بيننا الكثير الذي لم أعرفه"
أومأ برأسه موافق إياها وفمه يمتد متصنع الجدية بينما يديه تحل رابطة عنقه بنفاذ صبر..يلقيها بعيداً وشرع في فك أزرار قميصه!
تراجعت عنه خطوات للوراء بظهرها وهي تقول بلوم:-"لا تتلاعب أنا أعلم تلك النظرة في عينيك,لا تحلم أيان يجب أن أفضي بكل ما بداخل قلبي قبل أن أسمح لك..بببب!"
شهقت مرة أخرى بعنف عندما إنقض عليها كنمر أمسك بفرسيته أخيراً بين يديه..ألقها على الفراش خلفها ثم أشرف عليها بجذعه فحاوطتها من الجانبين أطراف سترته..هتفت بخشونة:-"كف عن التصرف الهمجي..وقل شيئاً أنا لست مجنونة هنا لأتحدث وحدي"
أرتكز على أحد مرفقيه وأشار ببرود:-"انا أخرس كيف سأتحدث...كما اني في التراث الشهير عنا...همجيين بالفعل..فهل صمتي انتِ ثرثرتك مزعجة!؟"
ساد صمت ثقيل لبرهة لم تتقبل مزحته ولم تشعر حتى اللحظة بمشاعره المثقلة بعاطفة تكاد تتفجر عبر قلبه الذي يضخ بعنف تحت كفيها...ثم قالت:-"الأمر لن يحل هكذا أيان..يجب أن تسمعني تفهمني قبل أن أسمح بعاطفتك نحوي"
أغمض عينيه بقوة قبل أن يفتحهما يتجنب إحتجاجها..عندما أحنى رأسه يدفن فمه في جانب نحرها مانحها قبلات ملتهبة بمشاعر متضخمة..كفه تسلل ببطئ مثير العبث في مشاعرها..كأنه يعزف بنغم خاص عارف طريقة نحو نقاط ضعفها..يديها التي إرتفعت تتمسك في كتفيه بقوة وأنفاسها التي تقطعت على جانب عنقه منحته الرضى التام عندما إنهمرت قبلاته العنيفة نحو نحرها وجيدها..تارك آثاره هناك..إبتسامة مفترسة خطت عينيه الخضراوين وهو يرفع وجهه مرة أخرى رافع حاجب واحد متحدي وهو يشير من بين أنفاسه المتوهجة:-هل مازلتي تريدي الحديث..بعد كل ذلك البعاد بيننا"
كانت تلهث بإنفعال تكافح ذلك التورد الذي ملأ وجهها وانتشر بلون وردي في كل مكان حطت عليه قبلات أيان. بصعوبة كانت تقول بتردد:-"أنا..أنا أريد التعقل قليلا..لقد,لقد مر وقت طويل جداً على..أممم انت تعلم وانا لست مستعدة على الإطلاق.."
عينيه كللها الخبث وهو يشير سألها:-"انا أرى أنك مستعدة تماماً..عاطفتك تتجاوب أفضل من عقلك.."
احمر وجهها وهي تقاوم نفسها أن لا تضربه بشيء ما على رأسه الأحمق رجل اللحظات الأخيرة .ضمت شفتها السفلى بعنف ثم نطقت بتهور:-"انا كنت تركتك يا مجنون ويأسا من العوده اليك,وفِي حالة حزن وحداد..أعني اني لست مستعدة عقليا كما تفضلت..ثم ثم اني يجب أن أقوم ببعض الأمور النسائية"
شهقت بإرتياع عندما عقد حاجبيه مضيق عينيه وكأنه يحاول أن يفهم أخر جملتها أو لم يصدق ما قالته ثم سرعان ما إنفجر في الضحك وهو يهز رأسه بيأس:
"أيان"توسلت ببؤس...

همس الموجحيث تعيش القصص. اكتشف الآن