الفصل الرابع
تشبثت أظافر دلال بإطار الباب حافره قوياً في طلائه..تهمس بحقد وغضب:"انه مجرد غبي ,أحمق..أمتلكه بين أصابعي ولن أسمح لها أو له بإقصائي بعيداً بعد ان بذلت كل جهدي وطاقتي ليصبح بين يداي"
إندفعت أمها تزيحها من أمام الباب تدفعها الى داخل المنزل..وهي تصرخ فيها بغضب:"توقفي..لقد أخبرتك ان تبتعدي عن طريق رجل متزوج لن ينال الضرر إلاكِ ولكنكِ لم تستمعي لأحد وكأن لم يعد لكِ كبير يمسك لجامك"
نفضت دلال يديها بعنف مخلصة نفسها منها..وإلتفت حول نفسها بجنون..قبل أن تصيح بمجون سافر:"عن أي لجام تتحدثين..من يوم ان إشتغلت معه في المطعم كمديرة لحساباته وانتِ تدفعيني دفعاً نحوه لإغوائه وأنا لم أقصر في فعلها"
إقتربت أمها منها مرة أخرى تمسكها من مرفقها بغضب وهي تقول بعنف:
"لا لم أفعل..بل أخبرتك أن تبتعدي عنه طالما متزوج من شابة صغيرة...ولكن عنادك وكبرك جعلك تعاندي ثم أخبرتيني بيقين إنه لا يطيق زوجتة ويكرهها وينوي طلاقها"
صرخت بحنق:
"وهذا ما حدث وأنا فعلت المستحيل لإغرائه لكسبه..أمطرته وأغرقته بحبي..فعلت المستحيل للتقرب منه لينسى الأخرى..لأجعله يعرف الفرق بيننا وان العيش معها جحيم..والجنة والنعيم بين ذراعي أنا...لولا ذلك الحادث الغبي"؟!
أغمضت رقية عينيها بيأس..ثم ما لبثت أن قالت:"لقد وافقت على كل ما فعلتي رحبت به وشجعتك لكسبه لصالحك ولم أتردد لحظة واحدة في دفعك لجعله يطلق زوجته ويكون بين أصابعك كعجينة هشة ؟!"
صرخت دلال هادرة وملامحها تتشكل ببشاعة ضبع مفترس ضاري أوشك ان ينال فريسته ولكن القدر أفلتها منه على حين غرة:
"وقد فعلت كان بين يدي ومازال رغماً عنه..فأنا مازال لي حقوق ولن أسمح لحشرة بكسب جولة مني"
أخذت رقية نفس عميق ثم قالت بقنوط في محاولة يائسة لتوقفها:"لا..لم يعد لكِ أي حقوق لقد أخبرتك ان تجعليه يتمم زواجك منه وتضمني حقوقك او تبتعدي عنه حافظة المتبقي منك... جميعهم يخبروك بمدى كرههم لزوجاتهم ولكن عند أول مطب لا يلجأ إلا إليها كما فعل أركان!"
وصلت دلال لحافة الجنون الحقيقي وهي تصيح في أمها غاضبة تحطم كل ما حولها:
"لا لم يحدث هو مازال حقي غنيمتي ورغماً عنه سأعيده لي وحدي لن أترك كل هذا العز لها..حتى وإن أصبح مجرد مسخ مهشم لم يعد منه رجاء!
***********************
وكأنها أصبحت عادة لا تنفصل عنها منذ الحادث ولكنه فتح عينيه هذة المرة على ثقل يجثم على جانب خصره ورائحة عطرية تتخلل أنفاسه جاعله إياه يبتسم مرغماً..وكفه يرتفع برفق ويعلم تماماً طريقه نحو الخصلات الناعمة الكثيفة التي تنتشر بغوغائية على ضمادات صدره..أخذ نفس عميق وهو يستمتع بهذا الشعور الجميل والجديد الفريد من نوعه الذي يجربه معها لطالما كانت كل أفعاله معها تتسم بالقسوة,بالغباء المستحكم كما تنعته هي..عامين وعدة أشهر يعذبها ويعذب نفسه بهروبه ورفضه إياها..أي جحيم كان يعانيه وفتاة قلبه بجانبه..إمرأته حلاله تفعل كل ما يسترضيه لتجذبه اليها تراعي أمه في غيبته ولكن ما فعله والدها به كسره ومن بعده هروب أختها ساحقة لكرامته تحت الأحذية...جعل جبل عالٍ يباعد بينهم فلا استطاعت هي زحزحته ولا كان هو له القدرة على الحفر بداخله عله يصل اليها!
من وراء ستائر الماضي المؤلم..كان ينظر الى نفسه بألم..بكسرة كبرياء وخاطر..بتعب شاب عانى الويلات ليجمع القرش فوق الأخر ثم يقع بين أنياب رجل جشع طامع سلمه رقبته باندفاع شبابي وثقه عمياء في إبن وطنه...فمنحه كل ما يملك تعب وذل أعوام في الغربة مجهود عمل ليل و نهار كان لشهور طويلة يعمل ثلاث فترات في اليوم الواحد وبعد ست أعوام كاملة تعرف على مختار الزيني الرجل المغترب منذ أكثر من ثلاثون عام في الخليج والذي أصبح يملك زمام أمره دون كفيل ودون أحد غريب يتحكم فيه يستبده ويأخذ أمواله بغير وجه حق فأخبر نفسه وقتها بكل ثقة أن مختار هو طوق نجاته..فمنحه كل أرصدته في مشروع ليس بهين أقاموه سوياً ولكن لم يحسب حساب للغدر..للتهديد المبطن..للتلاعب ومحاربته وبصوته الناعم مثل نعومة الأفاعي وهو يخيره في الظاهر ويساومه في الباطن:
"أنا لا أستحقك...فضلت نفسي ومصلحتي عنكِ..مقنعاً نفسي كذباً أنكِ مجرد فتاة جذبت انتباهي ولكنك لا تعني لي شيء بينما انتِ كنتِ كل شيء وانتهى الأمر!"
لم يعلم ان همسه الخافت وصل لمسامع أمه التي تراقب منذ وقت ليس بقليل يد إبنها التي تسرح على رأس زوجته متتبَعة ملامحها ووجهه يتدرج بكل أنواع المشاعر المتفاوتة:"فرح..حزن..حسرة .ألم..خذلان..وندم"
إقتربت السيدة صفاء تُقبل رأس إبنها..ثم أمالت تهمس بجانب أذنه بخفوت عندما فتح عينيه ينظر لها ببهوت وكأنها ضبطته بجرم مشهود:"لماذا تعذبها وتعذب نفسك إذن؟!ألا يكفي عناد يا حبيب أمك؟!"
همس بخفوت متعب من كل شيء:"إبنته!!كيف أستطيع نسيان يوما أنها منهم؟"
شدت أمه يدها على كتفه وهي تقول بإصرار مذكرة إياه:
"المرأة التي تتحمل نبذك إياها ليلة عرسكم وتصونك في غيابك..تراعي أمك بمحبة دون البحث عن مكاسب من هذا...والزوجة التي هرعت إليك في مصابك تعذب نفسها كل ليلة بالسهر على راحتك...لا أعتقد أبدً أنها منهم"
رباه لو أنها تعرف الآن بما يتصارع داخل صدره بذكرياته التي تنهال عليه غير راحمة إياه بجلده لنفسه,لتوقه لأن يتقرب منها يحتضن إياها ناسي كل ما فعلوه به..ضارب بكل عهوده عرض الحائط لينهار فقط بين ذراعي ديالا يبكي ندماً وشوقاً على صدرها ملقي كل همومه ،...
لم يدرك ان يديه تشتد حول كف أمه وكأن مرور مشهد تسليم نفسه مرة أخرى لفردٍ من عائلة الزيني يرعبه ويصيبه بالذعر..لا لن يسلم رقبته ويقع في نفس الجحر مرتين .
إبتلع ريقه وهو يقول بخشونة:"تبقى إبنته رغم كل ما تفعله لا أستطيع تسليم عنقي لأحدهم؟"
تنهدت صفاء بضيق قبل ان تتحرك من جانبه تخبره:
"سأذهب للوضوء لا أملك إلا أن أدعو لك بالهداية"
"وقلبها أمى..أدعو لي بأن يظل قلبها معي حتى أحسم صراعي"
نطقها داخلياً بقنوط ولم يجرؤ على التفوه بها قط..
عادت صفاء اليه مرة أخرى وكأنها تذكرت شيء ما..مالت تخبره بصوت هامس به حكم الحياة التي أشبعتها مرارة وصفعات:"المرأة قد تقبل منك أي شيء وكل شيء .جفائك ضعفك عنفك..بخلك جحودك... إهمالك وصمتك ولكن إلا الخيانة..وانت تجنيَّت وأتيت لها بإمرأة أخرى تعلم جيداً أنها لم تكن لك يوماً..لن تقدرك ولن تحترم أمك وقد إختبرت بنفسك ما فعلته الآن بمصابك"
ملامحه تبدلت تماما لغضب وجحيم مستعر ينطلق من عينينه الداكنتين لم يرد متذكراً آخر لقاء له مع زوجته الغالية من كانت تخبره أبيات شعر في حبه..من حاوطت حتى أنفاسه مدعية الضعف مرة والرقة مرات والحاجة اليه والموت ان إبتعد عنها يوما!!سخر بداخله وكأنه لم يعرف..قد يقع أي أحمق وغبي في فخ دلال المغرورة لم تحسبها..إعتقدت أنه وقع في الشباك كصيد سهل وهو جعلها تنتصر وتغزوها النشوة بإعتقادها أسره حتى يصل هو لما يريده دون ان يشعر بتأنيب ضمير ناحيتها..ولكنه بالنهاية لم يجني شيء إلا مزيد من التنازع
ربتت صفاء على رأس ديالا بحنان وبعض العبرات تخنقها وهي تراها تلصق مقعد صغير بجانب سريره تريح قدميها عليه وباقي جسدها العلوي على فراش أركان ورأسها يبدو سقط رغماً عنها فوق جانبه..يديها الآن كانت تبحث عن يده التي سحبتها تضعها تحت وجنتها مطلقة بعض الكلمات المبهمة
"لا تسبب لها المزيد من الأذى من أجلي أنا..ديالا صديقتي ورفيقتي بعد طول عمر قضيته وحدي..منذ إغترابك"
نظر لوجه أمه المتغضن بخطوط الزمن ثم قال بقنوط:
"ديالا قوية لا يخشى عليها"
"إحذر من انهيار الأقوياء يا أركان لو حدث لن تقوم منها أبداً ولن يغفر يوماً للمتسبب به"
تهرب وهو يقول بجفاف:"نومها ثقيل وتصدر بعض الأصوات المزعجة"
رفعت صفاء كفيها للسماء تدعو له بحرقة بالشفاء بعدم ضررها فيه وان يحفظه لقلبها الأمومي من كل شر ولا يجزعها عليه ولكنها بداخلها كانت تهمس بتضرع:"لا فائدة من عقلك يا بني هداك الله لها وهداها إليك وأبعد عنك بنات الحرام مستغلات الفرص خربات البيوت كبنات أبليس"
................
ظهري يؤلمني"
قالتها ديالا بتعب وهي تلملم بعض أغراضها داخل حقيبتها حتى تغادر مثل كل يوم تذهب بعض الساعات لمنزل والدها ثم تعود مسرعة اليه:
"لا أحد يجبرك على تلك النومة إبقي في منزلك ولا شيء سيؤلمك مرة أخرى"
أطبقت فمها بقوة...قبل أن تستدير بكليتها اليه قائلة بغيظ:
"ألا يمكنك ان تقول ببعض اللطف إبقي بمنزلك عزيزتي وخذي بعض الهدنة"
أزاح الغطاء من على قدميه ببعض الجهد وهو يقول ببرود:
"لا"
تأوه بتعب عندما فشل بأن يعتدل وحده فصرخ بغضب وهو يضرب بيده الأدوية المتعددة التي تستريح على منضدة بجانبه...تقدمت منه سريعاً ودون مقدمات كانت تمسك ذراعيه بقوة وهي تنهره بصوت خرج مرتعش قلق:
"توقف...صراخك وغضبك او حتى لسانك الذي يجلد كل من حولك لن يُصلح شيء يا أركان بل يمنحك ألم فوق ألمك"
كانت أنفاسه تخرج لاهثة بقوة وغضب ولكن للغرابة لم يدفعها بعيداً عنه،لم يُطلق عليها سيل كلماته الجارحة..بل كل ردة فعله اقتصرت أنه أبعد يديها عن مرفقيه بسهولة ثم أحاط خَصرها بتشدد فتجمدت للحظات مكانها..وعندما إلتقت عيناه بدفء وحنان عينيها أخيراً ظهرت العاطفة التي أطاحت كليهما يوماً عن أقدامهم مزلزلة الأرض من تحتهما:"هناك بركان يثور بداخلي يوشك ان يحطم كل شيء وكأني في سباق مع الدنيا وحظي كلما أهرول أسابقه خطوات..يعود مخالب كليهما تتكالب عليّ تجذبني مطيحة بي بعيداً بعيداً جداً أميال وأميال للوراء"
إنحنت قليلاً نحوه ترفع فراشه بأداة أسفله ليستطيع الاستقامة قليلاً..حاولت مدارات صدمتها من انفتاحه في الحديث و إخباره إياها ما يرعبه..ولكنها تمالكت نفسها وهي تقول بصوت أجش مختنق:"أنت سليم على قيد الحياة ومرت مرحلة الخطر بسلام..هل تعتقد أن هناك أي شيء في العالم أهم من ذلك؟!!"
"لا يهمه كيف..لا يهمه ان كل ما سعى اليه وتعب من أجله وخسرها هي مقابله يكاد ان يضيع..الأموال الطائلة التي دُفعت وستدفع للمشفى..مكتبه الصغير للإستيراد والتصدير الذي أغلق من يوم الحادث..حتى مطعمه الذي وضع فيه معظم أمواله وأسسه ليكون راقياً ذا سبع نجوم..لا يعلم عنه شيء ويتوقع إغلاقه قريباً!!
أغلق عينيه وهو يميل برأسه مستسلم على صدرها فحبست ديالا أنفاسها...المشاعر تتصارع بداخلها بحرب ضارية عنيفة..تلك المشاعر التي كانت تكبحها لأشهر..لأعوام!تتصنع القوة والجمود وهي بداخلها مدن من الأحزان وقلوع مشيدة من الألم! ذراعيه إشتدت حول خَصرها يزيد من دفعها نحوه بينما وجهه ينغرس أكتر وأقوى في صدرها..أنفاسه تخرج عنيفة مضطربة وكأنه تائه وضائع يتوسل المساعدة!
"تباً هو الرجل لا هي..هو من أقام الحرب..وأعلن العداء ما الذي بيدها لتفعله أكثر مما تقدمه..لقد كانت صادقة في حبها ووعدها..لم تتركه للحظة مُقرة صارمة في اختياراتها..بينما جميعهم مازالوا يتخبطون:"لا تتأخري في العودة اليّ أكره الترقب وأكاد أفقد عقلي في انتظارك"
**********************
للحظات لم تصدر عن ديالا أي ردة فعل بل ظلت تنظر لوجه رانيا الغاضب لدقائق ثم أزاحتها من طريقها وهي تغمغم:
"لقد أغلقت الهاتف في وجهك لصالحك..صدقيني أنتِ لن تتحملي إجابتي"
رمشت رانيا بعينيها الباكيتين رغم القهر و الغضب من ذكريات تنهال على عقلها كالمطارق..لتكشف أمامها ما كانت في غفلة عنه:
"أريد إجابة واضحة..هل أنا كنت لعبة يتناقلها ثلاثتكم هل لجأتي لأيان ليطاردني..لأتمرد على زواجي من أركان؟!"
نظرت لها ديالا بذهول..غير مصدقة للجنون الذي تتفوه به..فإندفعت نحوها بثورة صارخة:
"اللعنة عليكِ رانيا..هل تصدقي نفسك و تعيشين دور الضحية..لم يكن أحد المذنب إلا أنتِ...لقد دمرتي الجميع بأنانيتك..بانشغالك بنفسك..بتنفيذك أوامر والدك كالعمياء..بإغماض عينيك عن القلوب النازفة بسببك"
غضب أزرق ناري كان يتحكم فيها يحركها دون ان تستطيع ان تفكر:
"لم يضرب أحد زوجك على يده كفاكي تعذيب بي وتحميلي وحدي كل ما حدث...اللعنه هو من أرادني..هو من طلبني من والدكِ وانتِ صمتي ولم تتحدثي..لماذا لم تخبريني ديالا ؟!"
إنتفض جسد ديالا وهي تقول بألم وقسوة:"متى؟ أخبريني متى كنت آتي إليكِ؟!وأنتِ ترقصين طرباً إحتفالا بالشاب الجذاب الذي وقع صريع عشقك..ام يوم خطبتك عليه وأنتِ تراقصينه؟"
صمتت لتكبح دموع الغصة المريرة التي تشعل حلقها عندما تذكرت..تمالكت نفسها وهي تقترب من رانيا تخبط بكلا كفيها على صدرها بعنف علها تفرغ جزء من كبتها:
"لا..لا مؤكد كان يجب أن أخبرك وأنتِ تتهامسين معه على الهاتف..او عندما تسأليني كيف تكسبيه..أو ما الطريقة لجعله يُحبك ويبادلك بعض الإهتمام..يال غبائي..كيف لم أخبرك مهلاً أختي العزيزة ورفيقة طفولتي..انا أحب خطيبك الرجل الذي سيُصبِح زوجك بعد أشهر هو نفسه حبيبي السري..الذي بادلني عهد الهوى..من ربط قلبي به ولم أعد أرى في الكون سواه!"
شحب وجه رانيا حتى شابه الأموات لم تشعر بخبط ديالا على صدرها بل كل ما تكتمه أختها بداخلها متذكرة مدى الغيبوبة التي كانت تعيش فيها هل كانت تقتلها ببطئ لأشهر دون ان تشعر وتدرى:
"يغازلك!كان يحبك أنتِ...لماذا طلب الزواج مني اذن؟!"تمتمت رانيا بإرتجاف
إبتعدت ديالا عنها..تدور حول نفسها بعجز ثم قالت بصوت أوشك على الانهيار:
"لا أعرف...أنا لا علم لى ولم يعد حتى لدي نفس الثقة والإيمان بحبه"
كان كلها يرتعش وغلالات دمعها المنساب تخرج بشهقات متقطعه تقاربت من كتف ديالا تلمسه بتردد..وهي تقول باختناق:
"رفضتي إخباري..ولكنكِ لم تتردي بإخبار أيان والتواصل معه"
إستدارت ديالا تنظر لها بعجز ثم قالت بقنوط:"أنتِ لم تكوني داخل عالمي بل أنتِ مدللة مختار الزيني..لا تلتفتي لأمثالي..بينما أيان كان منقذي في فترة كدت أموت فيها كمداً دون ان يشعر بي أحد"
"توقفي عن قول هذا أنتِ أختي..إبنته"
كانت محبطة متألمة والوجع يملأ روحها قبل قلبها المكتوم أنينه رددت من بين أنفاسها:"أنا لم أكن يوماً إبنته إلا بيلوجياً..أما أنتِ فأخرجي من دور الضحية ورثاء الذات..فهو لا يناسبك..وأنا أعيدها عليكِ للمرة الألف أنتِ أنانية..خائنة وآثمة..ولا تتجرأي وترمي ذنوبك على أحدنا"
كلماتها رنت في أذنيها فبثت مزيد من الاشمئزاز بداخلها..مزيد من جلد الذات والغوص داخل دوامة الشعور المرير بالخساره ،..لقد خسرت رانيا عالمها أجمع وكل من أحبها يوماً
قالت ديالا أخيراً بغموض عندما يئست من ردها:
"جميعكم مذنبون رانيا..ونعم أيان كان يعلم..ونعم أخرى لقد حاربكِ وحاصركِ وتعدى على حرمة رجل آخر من أجل ان يحظى بك...وأنتِ لم تقاومي بل منحتيه كل ما سعى اليه بسهولة ويسر وقد اعترفتي بنفسك"
*****************
منذ ساعات كانت تجلس على رمال البحر شاردة الفكر..نازفة الروح..لقد رفضت ديالا بكل قوة أن تمنحها أي تفهم او غفران أن تجعلها تقترب منها وهي تمنت لو فقط تسمح لها بإختضانها بقوة..جاعلة إياها تنفجر بين ذراعيها مخرجة كل مرارتها فيها أم يا ترى هي من إحتاجت ان تضمها ديالا!!تحتضنها..تخفف عنها كل مرارتها..فلتت من بين شفتيها شهقة متهدجة فعادت تدفن رأسها الى ركبتيها التى ضمتهما الى صدرها:
"أيان..إشتقت إليك وأحتاجك!"
************
قبل زفافها بعدة أيام..
كانت تمشي بصمت بجانبه..لم يكن أيان الذي عرفته طوال عمرها بل كان شخص أخر عينيه ترسل الجحيم وملامحه صارمة قاسية..رافضة اياها!! مدت يدها تلمس كفه بخفة قاصدة لفت إنتباهه ولمفاجأتها إبتعد عنها سريعا وكأنها نار تحرقه..عكس طبيعته معها بإقتناص الفرص..نظر اليها متجهماً وهو يفك رباط عنقه بنوع من العنف..وعينيه تحدق في شفتيها يمنحها الإذن بالكلام بما أرادت قوله..همست بتردد:
"أركان رآك معي ويرفض تلك الصداقة بيننا"
أشار أيان دون إبتسام:"هو دائماً رافض ما الجديد؟!"
كانت مترددة وهي تخبره بوجل..كل شيء بداخلها يتمرد لأول مرة يريد الصراخ الاعتراض على ما يحدث ولكنها لم تكن تملك الجراءه بعد لتفعل وتكسر كلمة قالها والدها:
"بضعة أيام وأصبح زوجته لقد ذهبت البارحة لشراء ثوب الزفاف"
في تلك اللحظة مد يده يمسك مرفقها بحدة جاذبها نحوه..عينيه بخضرتها المشتعلة كنار أوقد عليها لسنين كانت تقع في عينيها وامضتين بوحشية..طريقته هزتها حتى الأعماق خوف..وترقب أشار بحدة وهو يرجها معه لأسفل نحو الشاطئ:
"ليس هنا..ان أردت الزواج يجب أن ننهي ما بيننا"
هرول وجذبها خلفه دون ان يستمع لصرخة إعتراضها رغم شعوره بمقاومتها إياه..وصل هناك على رمال الشاطئ ولفها بعنف وتركها تسقط على ركبتيها..إستندت على يديها..وهي تصرخ بحدة:
"توقف هل جُننت أم أحد ما إحتك بأنفك..مطلقاً لجنونك؟!"
خلع معطفه الأنيق وألقاه على الرمال بإهمال قبل ان ينحني على ركبتيه يخبط كتفها بحدة فرفعت له عينيها الغاضبة..قبل ان تصمت تماما وهو يشير مستفهم:
"هل تحبي زوجك العزيز المستقبلي"
قالت سريعاً بتوتر:"الأمر لا يخصك"
كان أيان قد وصل لحافة الجنون من كل شيء معها..الغضب الحارق..الشعور المرير بالرفض..سخرية أبوها منه بل وإهانته إياه دون حتى أن يدارى الأمر او يجامله..كسرته وهو يراها مع آخر يستمع الى أحاديثها..شكواها...لا لن يرفق هي فتاته..يصادفها يتفهمها ليأتي شخص آخر غبي جاف المشاعر لا يلتفت لها من الأساس ليأخذها منه كما أنها ملكه مازالت سلسلته هناك تتعلق حول عنقها وتدسه بجوار قلبها كإقرار للملكية:
"بل هو كل إختصاصي..لم يخبرك أحد إني مُصلح إجتماعي ولا مستمع لرانيا هانم عندما ينشغل عنها زوجها المستقبلي او مطبب جروح عندما يهملها"
إشتدت أصابعها فوق الرمال كانت تنهدت فعلياً أمام جحيم غضبه الذي تراه من قبل..أمام مواجهة لم تكن مستعدة أبداً لخوضها:"ظننتك صديقي"
يديه حاوطت كتفيها يرجها بعنف وهو يصرخ بصوت بث الرعب في أذنيها...ليس من غضبه ولكن من الحقيقة التي كانت تتهرب منها ثم تركه يشير اليها بحرقة بغضب وكما تمنى في تلك اللحظة أن يمتلك صوته مثلها ليحرقها بجحيم لسانه:
"لا يوجد أبداً ما يسمى صداقة بين رجل وإمرأة...أنا أحبك..أنت لي رانيا لي وحدي منذ ان عاهدتينى هناك..منذ أن سمحتي لي بتقبيلك بضمك الي..بعدم غضبك مني أو حتى الإعتراض"
إحتجت والدموع تنفجر من عينيها بعجز:
"تباً كنت طفلة..مراهقة..وأنت استغللت الأمر"
قابل جحودها وإنكارها بعاصفة هوجاء تهب بداخله وكم يتمنى أن يزلزلها بها لا لن يسمح بآخر يمتلك ما هو له أكثر من هذا:
"لماذا اذاً ما شهد على عهدك مازال معلقاً هناك بجانب قلبك"أشار نحو عنقها يشد ذلك الطرف بعنقها يجذبه لأعلى ملابسها:
"أنت تهدم كل شيء..حتى صداقتنا تُنهيها بهذا الشكل المؤسف"
اهتزت عينيها..لتطل منها مشاعر جعلت قلبه يرتجف بين أضلعه..رانيا تخاف تتنازع ما بينه وبين واجبها في تنفيذ أوامر والدها...وعند ذكره عاد كل شعور بالعجز يتملكه رغماً عنه شعور الدونية الذي شعر به وكأنه مهما فعل وأنجز وتفوق على الكثيرين سيظل مجرد ناقص عاجز لا يرقى حتى لأن يتطلع لما يريده مثلهم يوما
عينيه الخضراوين الناريتين كانت تهمس بتملك..قبل يديه التي أشارت جعلت أحشائها ترتعد خوف ورهبة وإثارة وترقب:
"أنتِ عشقي أنا منذ زمن لم أعد حتى أريد تداركه...قراري وحدي والأوحد لن أنتظر سماحك..ولا الإذن من أحد..أنتِ تحبيني أنا تريديني أنا وترغبيني أنا..فلا تعترضي ولا تجادلي..حسم أمرك معي وانتهى"
انتفضت وهي تقف من مكانها تصيح فيه بصوت مرتعش وجل..ناكرة للحقيقة..تقاوم نفسها بضراوة أن لا تخر أمامه على ركبتيها مقرة بها:"أنت فقدت عقلك...أنا زفافي بعد عدة أيام..أما أنت إن كنت تُصر فيسعدني أن أخبرك ان صداقتنا إنتهت"
راقبته مذعورة وهو يتوجه نحوها..ودون تردد او مقدمات أمسك رأسها بين كفيه وزمجر غاضباً متوحشاً..ثم مال برأسه نحو شفتيها مقبلها..أصابعه تلتف حول شعرها بقسوة...فمه يضغط على شفتيها برغبة عارمة في أن يعاقبها...لا لم تكن قبلة رغبة او حتى اثبات ملكية..بل شيء أشبه بالانتهاك؟!!!
رانيا لن تصلح لغيره يوما وهو لن يسمح..لقد عاش حياته يجتهد لفعل كل شيء بالطريقة الصحيحة المثالية..يجتهد يتعب..يسيطر على ذاته..ولكن معها يفقد كل شيء ولا يدرك صواب أفعاله من خطأها...لا إنه لم يتعدى على المدعو خطيبها ،.بل الآخر هو من سلبه حقه فيها هو من قام بإختطاف عشق رجل آخر..بل هو متأكد أن هذا الأركان مجرد أداة يستخدمها مختار ضده!!
كانت تقاومه..بضراوة دمعها يختلط مع زمجرة شفتيه وتمرد جسده الذي يضمها اليه..فيشعر بها ترتعد في المقابل..أحس بشهقاتها المكتومة.تحت شفتيه ويديها التي كانت قد سكنت تعود لتقاومه بعنف..فإبتعد عنها ودفعها بعيداً عنه..كليهما ينظر للآخر بأنفاس لاهثة..لم يتنارل هو ويمنحها إعتذار بل أشار لها:
"ملكي...يا كاذبة..إن أردتي غش رجل آخر فلتذهبي إن استطعتِ مواجهته متذكرة لمساتي وطعم أنفاسي بين شفتيكِ"
وضعت رانيا يديها على فمها ولم تملك إلا البكاء بحرقة...وهي تنظر له مستغيثة لشيء لا تعرف حتى ماهيته...انها المذنبة عندما استبدلت جفاف خطيبها بحبيبها القديم عندما لجأت لأيان بكل ترحاب ناهلة من حبه بنهم..مشتاقة ومتألمة من فرط السعادة والطفو فوق غيمة وردية عندما تناظرها عيناه التي تمنحها بريق لم ينظر اليها به أحد قط:
"سأذهب..وسأتروجه ما يقوله أبى قبل أي شيء أيان"
*************
الزغاريد كانت تملأ المنزل من حولها وضجيج الأهل والأقارب والجيران..الجميع في حالة من الإبتهاج والفرح والعمل في المنزل على قدم وساق بِعد ان أصر والدها ان يكون عقد القران الليلة..قبل موعد الزفاف بيوم واحد..
كانت بكامل زينتها الجميع يهتف بالسعادة من حولها..وهي كانت أبعد ما يكون حتى عن الشعور ببعض الابتهاج بل كانت تئن بعجز ..تتنازع وتنشطر تتمزق ما بين ما تُقدم عليه و بين حبيب أدركت الآن بالذات صدق ما أخبرها إياه عند الشاطئ..وضعت رانيا يدها على صدرها علها تستطيع كبح دقات قلبها المتسارعة ..همست مرتعشة بذهول وكأنها في تلك اللحظة هبط عليها وحي مزيلا الغشاوة من على عينيها..رافعاً لذلك الحجاب المظلم عن قلبها :" ربااااه انا أحبه..رباااه من أين تأتيني الجراءة لأعيش مع آخر لم ولن أستطيع يوما أن أحبه ؟!"
شعرت بيد أمها تجذبها من منتصف الغرفة بعيداً عن الضجيج والأعين المتلصصة الفضولية..
وكأن يد أمها كانت تلبية الإستغاثة عندما إختلت بها أخيراً لتخبرها مباشرة ودون مقدمات :" تلك حياتك أنتِ سعادتك أنتِ...عمر طويل قادم لن يعيشه سواكِ..لمرة واحدة رانيا خذي قرارك دون ضغوط وبعيداً عن إغراء والدك"
حدقت رانيا في وجه أمها الصارم رغم ليونته..لتعبيراتها الصادقة مختلطة بترددها وخوفها من كلام الناس او ما قد يحدث من نتائج كارثية نتيجة ما تُشجع ابنتها عليه :" لا أستطيع الزواج من أركان أمي"
شحب وجه نوال للحظة..وقد تأكدت الآن مما قد استشعرته بقلب الأم من مراقبتها لتخبط ابنتيها:" أخرجي إذن وأخبري الجميع برفضك ..لهذا العقد لا تورطي نفسك مع رجل لن يشعر بكِ او يحبك يوماً"
ردت رانيا بصوت مختنق عاجز متلون بالقهر :" لن أستطيع وضع بابا في هذا الموقف..هو يتوقع مني..أن لا أخذله"
اشتعل داخل نوال غضب كبير وعميق..لقد تركت لمختار حرية التحكم بالجميع تشكيلهم على هواه وما يناسبه إلى أن دمر كلا طفلتيها..ولكن الى هنا وكفى وان كان فيها إخراج روحها هي لن تسمح أبداً أن يرتبط مصير إبنتها برجل لا ينظر لها من الأساس...رجل كل نظراته المستعرة المحترقة تتلصص على صغيرتها ديالا!!هل يُعقل أنّ ما لاحظته وشعرت به أخيراً ان يكون حقيقي....التفكير بهذا الأمر مرعب في حد ذاته..مخيف ..فكانت تتجنبه كمن يربي وحش قاتل داخل منزله ..يحبسه في أحد الغرف يرعبه..يدمر كيانه واستقراره ولكنه لن يجرؤ ان يطلق سراحه يوما!!!..
هز نوال حقاً..انتفاض جسد إبنتها ذعراً وتلاحق أنفاسها..وعينيها التي إغرورقت بالدموع عندما همست :
" يصيحون ان العريس وصل مع المأذون ..ماذا أفعل أمي"
همست نوال وهي تحاوط وجه إبنتها بكفيها تحاول منحها بعض الثبات التسلّح بالقوة لمرة واحده فقط تقف في وجهه وتقول لا مطالبه بحقها :"إبحثي عن قلبك الضائع.. حان وقت اتخاذ قرارك دون مجاملة لأحد دون الخوف من القادم أو حتى الماضي كوني حاسمة قوية..لمرة واحدة في عمرك إبحثي عن فرصتك بنفسك..واستمعي لصوت فؤادك وعقلك"
كانت ذكرى كل لحظة قضتها مع أيان تطرق عقلها بعنف تومض بمشاهد بطيئة موجعة ولكن وجع لذيذ ينعش كل جزء منها..فؤادها كعادته يضخ هادراً هائجاً عند تذكر حقول الربيع المزدهر في عينيه همهمته..ضحكته ..ملامحه الوسيمة بتوحش غير منصف إطلاقاً لفتاة عانت الحرمان العاطفي بكل طرقه رغم إعتقاد الجميع أنها لم تنل إلا كل دلال...هي تعاني من صحراء قاحلة مخيفة وأيان كان حبات المطر التي أزهرتها منيراً ظلمات طريقها الطويل همست بخفوت :
"أنا أحبه أمي..هو محق في كل ما قاله..أنا لن أستطيع أن أنظر لغيره يوماً أو أكون شريكة لرجل آخر"
لم تستفهم منها نوال وقد عرفت تماماً من تقصد...وكيف لإبنتها ألا تحبه..وقد أحبته هي صغيراً وكأنه ولدها الذي لم تنجبه؟! رغم جنون أمه وإجحافها بتكرارها بحسرة مدى عجز ولدها ومدى نقصه وصعوبة الحياة ومستقبله ..ولكنها كانت تراه هادئ الطباع واثق الخطى مجاهد حتى لإعاقته ..متحدياً للجميع وواثق في مقدرته:" هو يستحق هذا الحب...صغيرتي.. اقتنصي فرصتك رانيا تمردي على قوانين والدك حبيبتي..العمر ستعيشيه مرة ولا يحتمل المزيد من المخاطر "
ابتسمت من بين دموعها وهي تقول بإرتعاش :" لا أصدق أنكِ تشجعيني على افتعال فضيحة"
ضحكت نوال بألم وهي تقول بتأكيد :" ولا أنا أصدق...ولكن حياتك أهم لدي من أي فضيحة كما أنى أثق في أيان..سيفعل كل ما يرفع شأنك محارباً أبوكِ وكل من يعترض طريقه..ولكنه ينتظر إشارتك "
" ولكن أبي!!"
جاوبتها يومها بغموض فهمته الآن فقط :" لا تفكري إلا في نفسك..نحن نصحح وضع هنا لمصلحة الجميع ..أما أبوكِ صدقيني سيجد مخرج لما يحدث"
وقد وجد وكانت المخرج ديالا.. أكانت أمها تعلم أيضاً بما يجري أثناء غيبوبتها الإرادية...وفعلت تهورت وفعلت ولأول مرة في عمرها تتمرد وتتمسك بفرصتها بالحياة..تصرخ بحبه دون خوف أو تردد بإيمان ويقين وكأنه مذهب وعقيدة لن تجرؤ على الكفر بها يوماً ..عادت من ذكرياتها وهي تضم نفسها الى نفسها..حامية جسدها من البرد الذي يتخلل عظامها ولكنها لم تجرؤ على التحرك من تلك البقعة التي شهدت الكثير من عهودهم ونذورهم..وجنون عشقه البدائي ..بعد ان أصبحت إمرأته وملك يمينه تمتمت بصوت خالي من الروح :" كيف استطعت الكفر بك..وقد كنت وطني ومدينتي وصديقي..ونبراس يقيني؟!"
........................................................
القرارات هي مجرد حفنة من الاختيارات..قد يمر بعضها مرور الكرام لا نشعر فيه بسوء الاختيار او حتى صوابه..وقد يدمر أحدها حياة كاملة كنا نبذل كل ما في وسعنا لتنجح وتكبر لتمد جذورها في الارض وتخلد لآلاف السنين...وقد يَصْيب بعضها ونصل لما كنا نصبو اليه محققين نجاح مبهر...ولكن هل إستحق ما فعله سحق قلبه تحت قدميه وتدمير ما تبقى من حبيبة سعى بكل جهده أن يكسبها يوماً.....
"أسفة تأخرت"
صوتها إنساب الى أذنيه خافت مختنق مكتوم كموج بحر هادر كانت تسعى للجموح للتحرر فصدمها كسرها وحصرها بحائط خرسانة أصم أقسم على شاطئ البحر...
فتح عينيه ببطء يتأمل بتعجب كانت تتقدم الى داخل الغرفة متجهة الى طاولة بيضاء مستديرة تضع عليها حقيبة شبابية من القماش...لم يستطع أن يقاوم نفسه وهو يقول مستفز إياها:"زكيبتك العزيزة ؟! ألن تستغني عنها يوماً"
إلتفت اليه فجمدت عينيه للحظة على ملامحها المنهكة ظلال داكنه تزين أسفل جفنيها..خصلاتها العسلية مشعثة على غير عادتها وتثبتها كما أتفق. بأحد دبابيس الشعر تاركة بعضها هارباً دون سيطرة فيهبط محاوط وجنتيها كأنه يواسيها مربتاً عليها بعد ان تخلى عنها الجميع!
هزت رأسها وهي تقول بخفوت:"العشرة لا تهون إلا على قليل الأصل...والوعد لا ينكسه إلا جبان..وانا وعدت بالوفاء ومنحت عهدي حتى وان كان في صمت"
تجمدت ملامحه تماماً..وهو يدرك ويعلم تجاوز معاني كلماتها القاتلة مجرد التحدث عن حقيبة فتح فمه قائلاً بفظاظة قد تدفعها بعيداً عنه..يمحي ما تشعر به نحوه وقد أصبح الأمر فوق طاقة تحمله..ديالا خطيئة قلبه..سجانة عقله ومشاعره..جريمته التي كلما هرب منها لأميال عادت لتسحبه داخل دوامة البحر الثائر لتواجهه فتقتله وتخنفه..من أقسى انواع العذاب والجهاد هو مراقبة كليهما ينزف بصمت !
"مر الان ثلاث أسابيع..لم يجبرك أحد على القدوم الى هنا وأنا أكرر على عقلك الغبي لا أريدك بجانبي"
كم من المؤسف والمؤلم ان تقدم كل ما في وسعك و تضع قلبك على طبق من ذهب أمام من منحته حياتك..فينهشه ويقتات عليه ثم لا يبادلك إلا كل جحود وخذلان !!
إقتربت ديالا منه بصمت بتعب الوصول لحافة الهاوية..انها تسقط في بئر سحيق لايوجد به إلا الألم الموجع...ولا أحد يمنحها حتى لمسة حانية لتقاوم! مالت عليه تنظر لعينيه بعكس ما يثور بداخلها...ثم قالت أخيراً:"سأمنحك خيار أول وأخير يا أركان..ولن أكرره أبداً...إما وجودي بجانبك وتتقبل مساعدتي دون المزيد من جرحي أو تقوم بطردي..وان فعلت لن ترى وجهي ان السماء أطبقت على الارض"
لم يتردد لحظة وهو يخبرها بقتامة:"أخرجي من هنا حالاً"
تلاشى كل شيء بداخلها فجأة ولم يتبقى الا الوجع..المرارة..حتى إنفجارها الأخير مع رانيا لم يمنحها شيء بل ثقل كاهلها بالمزيد من خيبات الأمل:"طلقني"
أجفل وعيناه تظللت برغبة وحشية أكثر قتامة...كأنه لا يتمنى في تلك اللحظة الا قتلها:"للمرة الثانية تطلبيها...وردي لن يتغير أنت ملكي ديالا حتى أقرر انا عكس هذا"
"لا تتحداني يا أركان ولا تستغل قلبي المشتعل نحوك...بقائي معك هو إختياري وزواجي منك كضحية بموافقتي...إياك ان تعتقد يوما ان أحداً..أي أحد يستطيع ان يجبرني على ما لا أريد..انا ملكُ لك بإرادتي الحرة لا برغبتك"
للحظات عم الصمت بينهم وحربهم المشتعلة قوية صاخبة وقاهرة لم تنكس هي راياتها ولن تعلن استسلامها...حتى وان مزقها سيف قسوتها الى أشلاء صغيرة..عل جزء من قلبها المنثور يصل مجرى شريانه فيشبع ذلك الجزء النافر منه يوقفه عن ما يفعله بكليهما...قال أخيراً بصوت خشن وحشي وصلها كتعويذة يائسة علها تحرره من تنازعه وتقاتله ما بين كرامته وقلبه:"أنا لن أطلقك أبداً..حتى وإن كانت حجتك ما وصل اليه حالي"
تجنبت تماما إشارته اذ كليهما يعرف تماما..ان ذلك الحادث كان منحه من القدر لتعود اليه بعد ان أقسمت بكل قوتها ان لا تمنحه غفران آخر حتى وان وئدت قلبها الى نهاية ما تبقى من عمرها البائس....أخذت نفس عميق وهي تميل أسفل نحو فراشه تمد يدها ترفع السرير بأحد الأزرار وهي تقول بهدوء:
"أعتقد ان حديثنا انتهي وانت اخترت وجودي سأعتبره توسل. منك ترجي أن لا أتركك ابداً"
يداه امتدت وحدهما نحوها تمسكان بها وتجذبانها اليه..أطلقت صرخة ارتياع وهي تحاول موازنة جسدها مستندة بيديها حوله حتى لا تسبب لجروحه الاذى:"ماذا تفعل ستضر بنفسك"
عندما رفع رأسه اليها كانت انفاسه عنيفة غاضبة وهو يقول:"انا تضررت بالفعل منذ أن رأيتك..منذ ان قُيدت بسحرك لأكون كالأحمق أفعل المستحيل لأتقرب من والدك وماذا جنيت بالنهاية لاشيء"
ارتجفت شفتاها..وتجمدت الكلمات فوقهما..مشاعرها كانت صاخبة جسدها كان يرتعش فوق جذعه..في صدى لحاجته التي كانت تقتله ليخبرها بما يكتمه..لم تدرك ان صوتها خرج ضعيف باهت:"أنا..سحري أنا!!تقترب مني أنا ؟! ورانيا..كيف ؟؟"
ذراعيه اشتدت حولها بغضب وسعير مشتعل وهو يقول بقوة:"لا تذكريها..تلك تلك!"
وضعت يدها على فمه سريعا تخبره بعنف مماثل:
"إياك بذكرها بما يسيء...لا تنسى انها اختي شطر من روحي..وانا لن أسمح لك او لغيرك بإهانتها أبداً"
للحظات..لدقائق..كانت ملامح كليهما عالقة ببأس غير متنازل..تجابهه بقوة كلبوة صغيرة تعرف جيداً مقدار سلطتها عليه ؟!
طرقُ على باب الغرفة جذب انتباه كليهما فدفعت نفسها ببطء لتعتدل بعيداً عنه تلملم مشاعرها التي بعثرها قربه وجداله..حاجته التي كانت تصرخ بها كل عضلة من جسده ملتهبة راغبة محتاجه وهو يضمها اليه...
دخلت الممرضة بهدوء متردد بعض الشيء...ثم قالت بوجه بشوش:"صباح الخير..لقد أتيت..لأساعد الأستاذ لدخول الحمام..حتى يتناول إفطاره"
خطت نحو المائدة تزيح حقيبة ديالا ببطئ ثم تضع صنية الطعام بنفس الهدوء..عندما توجهت نحوه..أخبرها هو بجمود:"لا أعتقد ان أحتاجك..هي ستساعدني كالمعتاد"
إعترضت الممرضة تخبره:"ولكنها لن تستطيع وحدها...هذه مرتك الاولى منذ أسابيع للنهوض من الفراش"
أخبرها ببرود خالي من اللطف او المجاملة:"ذلك ليس من اختصاصك ،لا أدفع لك لتعترضي علي قراراتي"
شحب وجه الممرضة من الرد..وكادت ان تنفجر فيه تخبره انه لا يدفع للاستجمام هنا..بل لمعالجته وهو ليس في وضع اختيار...
أخذت ديالا نفس عميق وهي تخبرها بلطف منهية مزيد من المشاكل معه:"سأتدبر أمري ،وان احتجت المساعدة...سوف أخبرك"
تمتمت المرأة بشيء ما لم تتبينه ديالا ولم تريد معرفته قبل ان تخرج من الغرفة صافقة الباب وراءها بحدة...هتف أركان بغضب:
"كيف تجرؤ؟!إستدعي احد المسئولين..تلك'...'لن أريد رؤية وجهها مرة أخرى"
"توقف"
قالتها ديالا بتعب وهي تتوجه نحوه مرة أخرى..تدس ذراعيها حول خَصره وهي تقول برتابة:"تحامل علي ذراعيك قليلا وساعدني لتنهض"
يديه امتدت تتعلق ببعض خصل شعرها يجذبهم منها بقصد دون عنف وهو يقول بصوت مكتوب:
"احذري..من مقاطعة حديثي او أمري يا ابنة مختار"
رفعت له عينيها المشتعلتين تخبره من بين أسنانها:"وأنت توقف عن تحميل الكون نتائج أخطائك...كل ما نحن فيه بسبب قراراتك..اتفهم ايضاً إنّ ألم جسدك..حالتك الان شعورك بالعجز يجعلك تزيد حماقة...ولكن هذا ليس خطأ المسكينة للتجبر عليها..ما حدث قضاء وقدر ليس لأحد يد فيه"
للمرة الثانية يصيبها بالذعر يجفلها...جاعلا قلبها يهدر بقوة بين أضلعها..تأثرا بقربه..بكلماته بشفتيه التى أستطالت تهمس بجانب أذنيها بنفس عنيف هادر:
"بل كل ما انا فيه ذنبك وحدك"
صوتها كان يرتعش كما جسدها المنحني فوقه وهي تهمس بصوت أشبه للتوسل لإيجاد إجابة واضحة وصريحة عله يمنحها شيء للصمود:
"كيف؟!!كلامك المبهم زاد عن حده وانا امرأة واضحة..لا أحسن التعامل مع رجل صامت ومشاعره مبهمة"
تحركت يده فوق كتفها يشد عزمه بهم وقال بغموضه القاتل رداً على حديثها السابق منذ أسابيع:
"لن أخبرك..عليك ان تجدي الاجابة وحدك"
كان ثقل جسده كثيراً على تحملها فحاولت ان توازنه منحية مشاعرها جانباً..ببطئ كان يجلس مستقيم وصرخة قوية تحوم في صدره تهزه بالألم ولولا كبريائه الرجولي لكان أطلقها متوسل العودة لفراش مرضه..ولكن ديالا لم تكن لتسمح له..فحوريته وجنيته الصغيرة كانت سندُ له وداعمة اياه بالفعل لتجبره على تحرك بسيط منذ أسابيع ضاربة برأي الطبيب عرض الحائط..كان يعلم ويشعر انها ترفض كسره..ترفض ان تحرجه أمام نفسه فتصحبه الى الحمام بنفسها
لم يستطع مقاومة نفسه وهو يرى جسدها المنساب محني نحو ساقيه تعدل وضعيته ليستطيع الاستقامة..يده التى تصر علي التمرد والوقاحة ضمتها من خَصرها حتى كبلها ورغم الألم جسده تحامل رافعها اليه..جسدها الممتلئ الذي ارتعش بغريزية منحه بعض الرضى بعض الثقة في نفسه مازالت تراه كما هو لم تتغير نظرتها اليه...ولم تهتز صورته في قلبها إنش واحد:
"انتِ مازلتي فتاة وبالمناسبة..انا لا أنوي ان أجعلك لوقت طويل تحملي اللقب..ولكن صبراً حتى أسترد بعض من عافيتي"
اشتعل وجهها بحمرة الخجل وهي تخبره ناهرة غاضبة محاولة الافلات منه باضطراب:
"توقف..يا أركان لا تخلط الأمور ببعضها وتتصرف كأن ما بيننا ليس حرباً ضارية كنت أنت مشعلها الوحيد وجنديها الأوحد ؟!"
..........
بعد ربع ساعة كانت مازالت معه في حمام الغرفة ويبدو انه قرر يلعب معها لعبة غير منصفة لبرائتها..لعذريتها ؟!يتعمد لمسها إجبارها..على ما لا تطيق أنوثتها البريئة..
يدها المرتعشة كانت تمرر على جسده بمنشفة مبتلة ببعض المطهرات والماء لتنظفه بتخبط...ذاهلة ولاهثة من جراءته..ربما هو تركها هناك في ليلته الأخيرة عارية تماما..ولكنها لم تسبق ان رأته كما تراه الان..ورغم حروق جسده بعض الكسور والضمادات التي مازالت تحيط بمناطق مثل ساقيه وجزء من صدره وجانبه..إلا انها كانت ترى ما وراء كل هذا..
"هذا غير منصف ؟!"
كانت أنفاسه غير مستقرة تماما وهو يخبرها مدعي الحزم:
"لن أجعل يد إحداهن تجول فوق جذعي وزوجتي موجودة هذا دورك الذي طالبتي به فلما التبرم؟!"
لم تفكر وهي تقول:"ولكنك قليل الأدب يا أركان..فأنت رفضت ان تبقي حتى علي..هذا الشيء"
اشارت الى ملابسه الداخلية وهي تغلق عينيها بشدة"
قال مقطبا:"أعرف ولكن حاجز الأدب كسر بيني وبينك منذ زمن..منذ ان رقصتي لي كاشفه ركبتيك"
"كيف تجرؤ"قالتها بتأنيب..
ثم أعقبت:"الأمر لا يقارن البتة"
رفع حاجبيه وهو يقول:"لم يعد هناك فرق أنت اخترتِ ان تكوني هنا لا غيرك...وان كان لا يعجبك ما تفعلي هناك من تُرحب به بكل محبة"
هتا تلاشت ابتسامتها تماماً...وهكذا بلمح البصر كان يعود كل شيء ليطبق على قلبها المسكين جعلها تريد الانفجار فيه ضرباً ثم تلوذ هاربة منه...من كل مكان..ثم تسمح لنفسها بالانهيار بكاء ورثاء لذاتها....
الصمت كان يلف كليهما بعد ان عاد مرة أخرى لفراشه ليتناول بعض الطعام وبعدها أتى طبيب العلاج الطبيعي حتى يقرر هل سيحتاج المزيد من الجراحات أم تبدأ رحلت علاج مِن نوع آخر علي كل حال تحمد الله انه يستطيع المشي علي قدميه ولم يتضرر عموده الفقري حتى وان كان يستخدم عكاز بجانب إسنادها إياه...
كان يحرك شوكته بشرود...وملامحه متجهمة ولم يجرؤ ان يضع لقمة واحدة في فمه...لا تعرف في ماذا يفكر ولم تريد سؤاله ولكن كعادتها كانت تتنازل عن كل قراراتها بالابتعاد عنه و اكتفائها من جحوده...اقتربت ديالا تجلس أمامه بعد ان أزاحت الطاولة الصغيرة المخصصة لوضع الطعام أمامه..
ثم فتحت حافظة طعام كانت اشترته لنفسها..لكرهها بطبيعة الحال لطعام المشفى...لم تستخدم اي أدوات مائدة وهي تمد يدها تلتقط جزء من باطن الخبز مغمسٍ ببعض قطع الكبدة بالطريقة الاسكندرانيه الشهيرة ثم تضعها أمام فمه...لم يقاومها ولم يعترض بل لاح الامتنان من عينيه والتقدير..لم يكسر الصمت بينهم شيء بل توالت فعلتها بتلقيمه الطعام مرة تلو الأخرى...وعينيه تعود لتشرد لنقطة ما خلفها..لا يجذبه ولا يجعلها تعرف انه مازال هنا معها إلا فمه الذي يلامس أناملها قابضاً عليها بشفتيه لثوانٍ معدودة وكأنه يحاول ان يبقي جزء منها هناك ملتصق به...
توقفت يديها مرة أخرى فعاد ينظر اليها بعينيه فلمح دمعة حائرة عالقة هناك في مقلتيها منذ أن دخلت عليه بحال غير حالها
رفعت يديها بعجز تخبره:"لقد انتهى"
أحس بالوجع والخطر..انه لم يشعر ان كل حديثها اليوم يخفي بين طياته الكثير بما لا يصل لعقله...وللمرة التي لم يعد يدرك عددها كانت يديه تسبقه ليجذبها من مرفقها دافعها نحوه ويده الأخرى تستدير ليغرسها في شعرها الناعم المنساب من خلف رأسها وبدون مقدمات انحنى بوجهه مقبلها..لقد كانت مشاعرها مشحونة طوال المدة السابقة..وصوت أنفاسه العنيفة المزمجرة لم يرحمها لم يترفق بها لإبعاده عنها كما توعدت يوما بأن لا تجعله يلمسها أبداً...يديها استندت على صدره بتلقائية بينما مرفقه إلتف حول خَصرها يلصقها فيه جسده الضخم كان يرتجف هازا إياها حتى الأعماق كاسراً قرارات كليهما بنعومة موجة صيفيه حانية...فتاهت فيه وتاه فيها..مانحة اياه ولم يبخل عليها..تواسيه!! من العالم أجمع الذي تكالب عليه ولم تعرف عنه هي يوماً..ويحتضنها هو مربتاً على ألمها دون قدرة له علي البوح بعد...
دموعها المالحة ربما هي ما أفاقته من دوامة مشاعرهما الصاخبه...
فإنفصل عنها ينظر لجفنيها المغمضتين بشدة أنفاسها لاهثة مثله..كان ينظر لها ذاهلاً وأنفاسه غير مستقرة مضطربة..عجزه الحالي لا يساعده ويجعله يتلوى بألم الشوق والرغبة متضامن مع جسده الذي تحطم..فتحت عينيها ببطئ ثم انفجرت مرة واحده ودون مقدمات باكيه تدفن وجهها في عنقه منهارة مرتجفة موجوعة حد الأعماق كانت مستنفذة تماما ولم يعد لها قدرة علي الصمود أكثر ،،، منذ متى لم يرى ديالا باكية؟!جفل للحظة وهو يضمها أكثر اليه يريح جسده على الفراش ساحبها معه لتريح جسدها بجانبه يضمها أكثر وأكثر على صدره حتى شكلها بداخله وإجابته كانت صادمة لنفسه لم يرها منهاره قط او باكية ارتجف ضائعاً وقال برقة لا تمت اليه بصلة:
"هشش إهدئي..لا بأس لا بأس يا حورية"
ذراعيها تعلقت في كتفيه كإمرأة حطمت آخر قشة تحكم وعزيمة كانت تتعلق بها تحارب العالم فيها:
"ليتني نسيت...يا ليت نسيت كل ما يخصك منذ ان خدعتني وانت تستغل سني المراهق دافعاً بي لعشقك..أنت مخادع و إيماني بك أصبح يبهت تدريجيا..وهذا يزعزع كل قناعاتي"
كان من نصيبه التزعزع والرعب تفقد ايمانها فيه...هو لم يتخيل يوما حياته بعيداً عنها..أن تهجره بالفعل نطق أخيراً وليته ما نطق:
"لم أريد رانيا ولم أخن عهد الهوى معكِ..بل عندما ذهبت لأطالب بحقي فيك من والدك وضعني فى اختيارين كلاهما مر..لم يتضمنك أحدهما يوما"
**************************
أغلق حاسوبه..وهو يزفر بتعب ثم وضعه جانباً..ماد يده يلتقط كوب من الماء..فتعلقت عينيه على دفترهم السري..الخاص والحميمي..قلبه خانه وتمرد يأمره بلمسه..أشبع صدرك المتألم ببعض من عطرها..فيعود العقل والوجع الكامن..يخبره لا لن يخضع أبداً أو يمنح غفران لمن لا تستحق..قبض أيان يده بشدة حتى إبيضت سلامياته..قاوم نفسه..رافضاً لذكرها..ولكن منذ متى خضع القلب لمنطق العقل وبمازوشية متناهية..قصد بها تعذيب نفسه مد أنامله ملتقطاً"المفكرة الصغيرة"
ابتسم بمرارة وهو يقلب صفحاته..متذكراّ إصرارها على عدم استخدام الأيقونة المبتكرة"Rmiend"والتي كان قد طورها بنفسه مدخلاً بها بعض التعديلات على هاتفها حتى يستطيعا التواصل دائماً..او إستخدامها في الكثير من الأحيان عندما يحب ان يتواصل معها بجمل طويلة ليخبرها عن ما يمر به خلال يومه ولكنها رفضت..وأخبرته أنها تستمتع بتواصلهم كما الماضي..ولكن إن حلت ذكرى خاصة لمستقبلهم..سيدونا في هذة المفكرة بعض من لحظاتهم الهامة والتي حولها هو للحظات حميمية خاصة..وصفها بكلمات الغزل..مداعبها ومكتسحها برجولته..كان يصر أن لا يشعرها يوماً أن هناك ما ينقصها..او تفتقد أبداً الحديث معه..
"كان يعوض صمته بكتاباته التي لم تتوقف"
وليته نفع،همسها بيأس..وكاد أن يُعيد هذا الشيء لمكانه على أمل التخلص منه قريبا كما تخلص من صاحبته!ولكن عينيه وقعت على احدى الصفحات وكانت رسمة صغيرة تزينها..رسمة قامت بها يديه وكلمات غزل انتهت بطلب وأمنيه خطتها يديه!!
إبتلع ريقه بصعوبة ونوبة ذكريات تقتله..تذكر تلك الليلة جيداً..مازالت أنفاسها المسكية تعلق بجسده..أنفاسها المضطربة..تهبط بجانب عنقه حارة...احمرار وجهها رغم تجاوبها للمساته..يفقده رشده..كانت ليلة خاصة خاصة جداً..لم يتمهل حتى ليصل لغرفة نومه بل تملكها هنا على أرض غرفة المعيشة وأمام التلفاز..أغمض عينيه لوهلة..لحظة واحده فقط سامحاً لعقله بتذكر صورتها عل جحيمه المستعر أن يهدأ قليلاً برؤيتها في دهاليز عقله..
********************
كانت تقف تحضر عشاء خفيف..حافية القدمين..ترتدى قميص قطني قصير بلون الأحمر المتداخل مع الأسود بالكاد يستر أسفل أردافها..شعرها الطويل بلونه البني المماثل للون عينيها تركته حر مسترسل على ظهرها..فتهبط خصلاته على كتفيها من الأمام معيقة إياها عن ما تفعله..وضع حقيبته ببطئ وخطى للداخل بهدوء لم تلتفت اليه..ويبدو أن لديها معركة ما مع بعض حبات الفلفل الحار المقلي..المحشو بالتونة والخضار..أكلته المفضلة والتي إنتقلت لها بالتبعي?
أنت تقرأ
همس الموج
Romanceهمست اخيراً بصوت ضعيف لم يصله بالطبع ولكنه مؤكد شعر داخله بدوامة سحرها بتحرك شفتيها :"لو كنت أملك ان أنزع قلبي وأمنحه لك...لتثق بحبي ما ترددت...انا فضلتك عن جميع الخلق..فلم يعد من حقك ان تظن اني من الممكن ان أتراجع للوراء" وكأن حديثها وصل لتلابيب قل...