الفصل الخامس
كانت تقف تحضر عشاء خفيف..حافية القدمين..ترتدى قميص قطني قصير بلون الأحمر المتداخل مع الأسود بالكاد يستر أسفل أردافها..شعرها الطويل بلونه البني المماثل للون عينيها تركته حر مسترسل على ظهرها..فتهبط خصلاته على كتفيها من الأمام معيقة إياها عن ما تفعله..وضع حقيبته ببطئ وخطى للداخل بهدوء لم تلتفت اليه..ويبدو أن لديها معركة ما مع بعض حبات الفلفل الحار المقلي..المحشو بالتونة والخضار..أكلته المفضلة والتي إنتقلت لها بالتبعية..
أجفلت عندما أحست بذراعه تمسك بخصرها يجذبها اليه ملصق ظهرها بجسده القوي وحرارته تلسعها..و كفه التي امتدت تزيح شعرها جانباً وشفتيه تعرف طريقها تماما نحو عنقها طابعاً قبلته المميزة والدائمة:"أخفتني"
همستها..ولم تصله فحاولت هي الإلتفاف نحوه.. لجذب انتباهه برغبتها في قول شيء..ولكنه ثبت جسدها بإصرار..رافضاً تماما تحركها أو قطع ذلك السحر الذي يعيشه معها كلما لمسها إمتدت أصابعها..تجذب هاتفها وكلها يرتعش بين ذراعيه استجابة..فتحت أحد النوافذ وهي تنوي كتابة شيء ما..فأوقفها وسحبه منها بلطف..كاتب هو:
"ليس الآن..لا أريد التحدث..فقط كل ما أرنو إليه أن أغرق في محراب عشقك بصمت"
إلتفت بين ذراعيه..بعد أن سمح لها..محرر شفتيه من مكانهما..همست بإرتجاف إثر يديه التي تُصر على اقتحام جسدها بطرق تصدم براءتها حتى بعد مرور ستة أشهر على زواجهما:"ماذا بك؟!هل حدث شيء ما؟"
هز رأسه نافياً..ثم أشار بإختصار وكأن كلماته تلك تشرح كل شيء:"بداخلي مشاعر كثيرة مكبوتة وأشياء وكلام مبعثر..جوع عاطفي..لن يشبعه شيء إلا دخولك في دائرة صمتي"
همست برضى تام وقناعه:"انا دائماً...معك"
يده حاوطت وجنتها بحنان..ورأسه ينحني حتى أصبح أمام وجهها الذي ارتفع اليه بالفعل يتقبل شفتيه التي هبطت تلامس شفتيها برقه:
"قد تكون كل أسلحتك وقوتك التي تملكها..هي إمرأة آمنت بك أحبتك بصدق..كانت من الشجاعة ان تقف أمام مجتمع كامل غبي حكم عليه بالنفي وحيداً وأنكر حقه في العيش بهدوء وسلام"
ابتعد عنها ينظر لعينيها التي غامت بمشاعر حب صادقة ولكنها لم تستطيع ان تمنع نفسها تهمس أمام عينيه المتألمة رغم محاولته المداراة :"أبي تحدث معك اليوم"
رفع أيان كفه ومسح على جانب شعرها مرجعه للخلف..ثم أشار لها:"أعتقد انكِ تلقيتي نفس المكالمة"
ابتسمت بحزن مغمضة عينيها..ثم سرعان ما كانت تفتحهما بقوة وهي تقول:"هل يؤثر بك كلامه؟"
وضع شفتيه علي وجنتها..ثم أشار لها بهدوء:"قطعاً لا..ولكن أخشى عليكِ انتِ"
إهتزت إبتسامتها فلم يلاحظها..ولكنها لفتت انتباهه وهي تقول بخفوت:"أنا مازلت أنا لن يبهت حبي لك او حتى يؤثر بي أحد عهدنا قائم حتى آخر العمر..أنت إختياري قراري ودعوتي التي خرجت زاهدة صادقة..فتحققت لي"
اتسعت ابتسامة أيان..ولم يرد بل أخذ وجهها بين كفيه ينظر لها بحنان جارف..يشعرها بدون كلمات انها فاتنة..جامحة..عاشق لها حتى النخاع...ولكن بداخلها كانت تشعر بعدم الإرتياح بالقهر..بالندم..بالكذب..لما أقدمت عليه منذ شهور وحتى اللحظة لم تعرف رانيا..هل ما إفتعلته هو الصواب؟! أمام تأثير والدها ومجتمع كامل من حولهم..لا لم يكن الأمر هكذا..بل ما جعلها تقدم على هذا هو الخوف..غريزة بداخلها كانت ترفض ان ترى معاناة أيان..وعيون البشر التي تجلده دون رحمة او شفقة لقطعة أخرى منها.....
طعم حارق لاذع جعلها تطلق صرخة خرجت مكتومة..توسعت عينيها بذهول..ومزاج أيان الذي انقلب تماما بشقاوة تلمع في عينيه الخضراوين هزت الأرض من تحت قدميها..عندما إنفصل فمه عن فمها..كان يشير لها وساعده الأيمن يلتف حول خَصرها:
"وجدتك شاردة وكما أخبرتك .ليس وقت شرودك الأن"
"ما هذا الشيء أشعر بنار في فمي"
ابتسم بتلاعب وهو يرفعها فجاءة عن الأرض بين ذراعيه تعلقت بعنقه تلقائياً...وهي تُريح رأسها على صدره..تقدم نحو غرفة المعيشة..ووضعها برفق على أرضية الغرفة ما بين الأريكة الأنيقة وطاولة التلفاز المسطح..غرفتهم الدافئة الخاصة والتي أصبح كليهما يرفض أن يجلس أحد بها لإمتلاكهما الكثير من ذكرياتهم بها...أراحت رأسها على الوسائد الموضوعة..وملمس الأغطية الحريرية تحتها يلف جسدها الناعم لفاً:"لم أتلقى إجابتي"
كان أيان يحدق فيها بإشتهاء وإشتياق..وعطش لرحيق عشقها لن يرتوي يوماً رفع كتفيه..مدعي العجز مشير ليديه التي تعمل بفك آزرار قميصه ببطئ..فضحكت وهي تخبره:"آجّل خلع ملابسك وتحدث معي"
رمى قميصه جانبا...ثم مال نحوها ببطئ مدغدغ بطنها برأسه..ثم ارتفع بتسلسل مدروس نحو جسدها البض شفتيه تعلقت هناك على ....... لدقائق..أشعلت حاجتها اليه..مطفئة عقلها بكل ما يدور حولهم ،أحاطت كفيها بجانب رأسه وأناملها تنغرس عميقا في شعره الكثيف أخيراً استطاع ان يشير:
"تناولت حبة فلفل وأنتِ في عالم آخر"
ضحكت عالياً وهي تقول بنفس حار مشتعل:"عالم كان يحتويك وحدك أنت ساكنه ومالكه وحاكمه"
وضع يده على شفتيها وهو يهز رأسه نفياً مانعها من الكلام " لا أريد الا الصمت "
..بينما جسده يعود يغطيها كاملاً مشكل كل منحنى منها فوق جسده..إلتهبت أجواء الغرفة من حولهم كلاهما ينهل من الأخر بجوع سنين وكأن كل مرة تقضيها بين ذراعيه هي مرتها الأولى والأخيرة..البحر كان ينذر بالغرق..فتخفض هي أشرعتها بتعمد عند اشتداد كل عناق...علها تغرق فيه ويحيطها موجه بدواماته...تاركها هناك في محراب صمته كما طلب....
بعد وقت.....
لم يتحرك كليهما من مكانهما لوقتٍ طويل جداً.. يلف الصمت كليهما دون أن يجرؤ أحدهما على كسره وكأن كل مشاعرهم وأحاديث عشقهم العاصف كنوة بحرية..تشيب رأس الطفل والمراهق استنفذت كل منهما..
كانت مازالت تنام منبطحة على بطنها...عندما شعرت بجسد أيان الذي يعلوها..يستطيل ليسحب مفكرتهم الخاصة...طبع قبلة على كتفها العاري..وترك شفتيه هناك ثم وضع المفكرة أمامها فتح إحدى صفحاتها وامتدت يده الأخرى تسحب القلم فأصبح رأسها في محاصرته..وضعت رانيا كفيها تحت ذقنها وهي تتابع ضاحكة..رسم غير معلوم الملامح..
سحبت القلم منه وهي تعقد حاجبيها بتفكير محاولة ان تتبين معنى هذا الرسم المبهم؟!!دائرة منتفخة تعلوها دائرة أصغر منها ويمتد منها خطين مضحكين كتبت:"لا تقل ان هذا ما شعرت به بعد ما حدث بيننا هذا يثير الإحباط من ناحية ومن ناحية أخرى يمنحك عقاب لمدة أسبوع لتنام على الأريكة وحدك"
لامس خدها بشفتيه ويده تزيح شعرها جانباً..ثم خطفها منها وهو يكتب:"محدودة العقل..والخيال"
خطفتها منه وهي تطبع قبلة على ساعده..ثم كتبت بشقاوة:
"أنا مجرد محاسبة مسكينة لم أعمل حتى بشهادتي بينما انت مبدع ومفكر لا وجه للمقارنة..امممم كما ان هذا الشيء بشع..بكل الأحوال"
طبع قبلة أخرى على عنقها..قبل ان يأخد القلم من بين يديها ويكتب:
"هذا الشكل كل ما أتمنى أن أراكِ عليه يوماً...ستكوني أجمل النساء بل أجمل مخلوق في الدنيا أعدك بعشق فوق عشقي ان حققتيه لي قريباً.
كانت أنفاسه حارة..ساخنة و كلمات الترجي جعلت قلبه الذي هدئ يعود ليدق بعنف فوقها..مسمع صداه في صدرها..لم يرفع شفتيه عنها وهو يخط جملته الأخيرة..كلمته البسيطة التي كانت باب الجحيم والدمار لكليهما"أريد طفل رانيا"
***************
عاد من ذكرياته وهو يحوم في الغرفة الحميمية كأسد جريح.. يمسك رأسه مرة بعنف ناعتاً نفسه بالغباء والعمى ليس الخرس وعدم السمع كيف غفل عن تجمد جسدها بعد ان كان ذائب تحته لوقتٍ طويل ؟كيف لم يفهم نظرة الألم في عينيها بل والرعب والجزع وكأنها تفعل جريمة..وتريد ان تصرخ منهارة لإقتراب اكتشافها..كيف كان مُغيب في عشقها حد غشه لعامين..
"ان بقيتُ هنا لدقيقة واحدة سأموت كمداً"
اختطف مفاتيحه سريعاً..وهو يهرول تقريبا خارج من شقته بل من المكان كله لم يعلم أن قلبه خانه للمرة الثانية فحملته قدميه لمكانهما المفضل..هواء الشتاء ضرب وجهه الساخن من الغضب فلم يؤثر فيه ليخمد براكينه..لم يمنعه ليخطو متوغل أكثر نحو البحر مباشرة..
ذاب كل شيء مرة واحدة..دون قدره له على التحكم في نفسه عندما وقعت عينيه على كتلة بشرية ملتفه حول نفسها جسدها يهتز بعنف البكاء بينما كلها يحمل الضياع..
وكأنها شعرت به..أو لمحت ظله الذي غطاها رغم ظلام البحر الدامس فرفعت رأسها ببطئ تنظر له بروح نازفة حد الموت..جمد كليهما للحظات لدقائق..و ..إختفت كل صور العالم من حولهما كلاهما ينظر للآخر بقهر بعتب...بقلب مجروح بألم الغدر..كانت ضائعة تماما في كل تخبطها ومشاعرها..ولكنها لم تستطع أن تمنع عينيها ان تلتهم كل تفصيلة منه بلهفة..بينما هو في لحظات ببساطة تبدلت ملامحه ليصبح تمثالا بشرياً لا يشعر لا يرى وعينيه رباااااه لا تحمل نحوها إلا القرف والاشمئزاز...والكره
"قمة الألم ان تغمض عينيها على حب جميل وعشق نادر..ثم تفتحهما على تلك النظرة التي تبدلت لجرح عميق لن يداويه شيء يوما..لقد لوثت بيديها قلب رجل كان يقدمه لها على طبق من ذهب..لقد أيقنت رانيا الآن في تلك اللحظة ان كل شيء مات وأصبح بلا ثمن..وما يذهب هناك في دنيا الأموات لن يعود ليحيا أبداً..وقد إنتهى بالفعل زمن المعجزات"
قراءة سعيدة
الفصل الخامس
أنت تقرأ
همس الموج
Romanceهمست اخيراً بصوت ضعيف لم يصله بالطبع ولكنه مؤكد شعر داخله بدوامة سحرها بتحرك شفتيها :"لو كنت أملك ان أنزع قلبي وأمنحه لك...لتثق بحبي ما ترددت...انا فضلتك عن جميع الخلق..فلم يعد من حقك ان تظن اني من الممكن ان أتراجع للوراء" وكأن حديثها وصل لتلابيب قل...