الفصل الثاني عشر

3K 90 2
                                    

الفصل الثاني عشر



يقال أن الوقت غير قابل للتجديد..فلا توجد وسيله لإيقاف دورانه او إسترجاعه..ومن ثمّ يجب أن نحرص على استثماره.

يقال أن الوقت نطارده ولا يلحقنا..نغلبه ولا يهزمنا..

الحياة تضيع..وكل دقيقة تمر تموت بغير رجعة.

يقول أحدهم إن أحببت بصدق لا تدع الحبيب يغضب منك

لا تتركه واسيه إعتذرله..راضيه وكفر عن ذنبك.

ربما كل هذه الأقوال صحيحة..ولكن هناك جروح غائرة ونفوس ضائعة وأرواح هائمة..لا تحتاج إلا لمزيد من الوقت لتشفي وتستقر..تجاهد وتعافر لترمم الجرح الغائر..

إن لم تستطع أن تتغلب على حزنك فإغرس ألمك عميقاً وإخفيه..اهتز بعمق ولا تسمح لأحدهم بإكتشاف زلزالك..فقط أصمت ودع الوقت يمر..الهدوء هو ما تحتاجه في زمن أصبح يعج بضجيج مرور الزمن..فأصلح أخطائك لأنك مدين لنفسك..كررهذا على عقلك ثق بقدرك ولا تنتظر أحدهم ليداويك..فقط دع الزمن يعالج بعض من توهان الجميع !

******************

"هناك شخص يريد رؤيتك..وطلب مني أن لا أفصح عن هويته"

راقب شفتيها تُخرج الحروف بروتينية مطلقة وعينيها الحزينة تشرد عنه رافضة بإصرار مواجهته..

إمتقع وجه أيان شاعر بالتعاطف معها والتخبط فمنذ ما حدث وخلف موعده وهي تتحاشاه تماما..ترفض الاستماع مكتفية بقول انها تتفهم حجته بإنشغاله ببعض الأعمال الخاصة ونسيانه مقابلتها..وأي مبرر قد يخبرها إياه وأي حجه مقنعة تلك!!لقد تحاشى الذهاب معها لبيتهما المستقبلي..

أشار أيان بهدوء:"لن يفلح أبداً ما نفعله..يجب أن نتحدث"

تراجعت سارة خطوات وهي تشير بهدوء مماثل:"أرجوك أيان..لايوجد شيء نتحدث به..ما حدث ليس بالشيء الجلل يمكننا أن نحدد موعد آخر والآن هل أخبر الضيف بالدخول؟"

زفر بإرتياح لم يستطع مداراته اذ أنه لم يكن لديه حقيقة ما يخبرها به ولكنها كانت فقط محاولة بائسة لمراضاتها.

أغمضت عينيها ومزيد من سياط الحقيقة تلسعها وتزلزل إيمانها الباهت..تضعها شيئا فشيئاً بمكانها الحقيقي عنده حتى كلام أبيها الذي كان يبرر له..لم يساعد أبداً.

"أعتقد أنى سأسمح له بالدخول"همستها بمرارة وخيالاتها تتلاعب بها ما سبب قدوم هذا الرجل بالذات لمقابلته؟!ربما يحاول الإصلاح بينهما!رباه ماذا تنتظرين؟ان يلقيكِ في أول سلة مهملات كما تفضل شهاب وشرح لكِ من قبل؟!

توسعت عينا أيان بصدمة وهو ينهض عن كرسي مكتبه ببطء..ينظر للقادم المتجهم!مهلاً لحظة هل أجبره أحد على القدوم..الجنية محقة كائن الغوريلا لا أحد يتوقع تصرفاته!

وقف أركان في وسط المكتب يمد يده مباشرة في سلام فإلتف أيان سريعاً متقبِّل مبادرته..أشار للمقعد في دعوة للجلوس و تقدم يجلس مقابلته,وقد آثر أن لا يعود لمكانه الطبيعي خلف مكتبه..عم الصمت لدقائق..نظر لوجه المتحير وهو يعقد حاجبيه وكأنه يبحث عن حل معضلة ما..التقطها أيان عندما إستطال يجذب ورقه وقلم وكتب:"لا داعي للحيرة أو الحرج أنا أتفهم تماماً أنك لن تستطيع التواصل معي..يمكنك الكلام بهدوء وطبيعية وأنا سأفهم"

قدمها له فإلتقطها الآخر سريعاً يقرأها مضيقاً عينيه ثم إرتبكت ملامحه بحرج..وهو يرفع رأسه قائلا بتردد:"أعتذر منك ولكن..أعنى لقد أتيت الى هنا مندفعاً بقراري ولم أتذكر تلك الورطة إلا عندما رأيتك"

إبتسم أيان..ثم تناول منه دفتر الملاحظات بهدوء وكتب بلهجة لاذعة :"لا عليك..الأمر ليس ورطة ولا معضلة بالنهاية أنا لستُ ناقص تماماً..ولا أستطيع التواصل كما ترى؟!"

توتر أركان في ردة فعل نادرة عندما قرأ كلماته..وقد فهم ما يشير إليه أيان من شجارهما السابق...تباً هل كان يفهم سخريته وهمسه عندما كانا يتقابلان في الإجتماعات العائلية النادرة خلال العامين الذي كانا فيها كصهرين"

"إسمع..أنا لم أتي الى هنا لتذكر ما فات أو إتهامك بشيء بل كل ما هناك أني طلبت مقابلتك من قبل وديالا أخبرتك وأنت رفضت وتلك الزيارة كانت يجب أن تحدث على كل حال"

كتب مرة أخرى:" انا لم أرفض ! كنت أريد زيارتك ولكن الفترة الماضية كانت غوغائية في حياتي وبالفعل أسقط الأمر من رأسي"

تأمله أركان هنيا بملامح قاتمة..ثم قال بقوة:"لقد وعدت ديالا بالتغير..بإصلاح كل ما فعلته وأنا أدين لك بإعتذار وشكر؟!"

كتب وملامحه تكلل بالحيرة:"عذراً هل ما فهمته صحيح..اعتذار وشكر؟!"

أومأ أركان بموافقة وعينيه تجري على السطور ثم قال:"نعم أنا مدين لك بكلاهما"

كتب الآخر:"لماذا؟!قد أتفهم الشكر من أجل المطعم ولكن الاعتذار؟!"

هز أركان رأسه بالنفي وهو يقول بصراحة:"لا شكري ليس من أجل هذا..أما إعتذاري فيجب أن أقر بأني أخطأت في حقك..ربما أنت تعديت وقتها على حرمتي..ولكن أنا أيضاً لم يكن لدي أي حق في سبك وما حدث من تعدي عليك ولكن أنت تفهم..بركان غضبي وإندفاعي هو ما كان يتحكم في أفعالي!"

إهتزت عضلة بجانب فم أيان ثم كتب مشاعره هو الآخر بصراحة مطلقة: "إن كان هناك أحد مدين بالإعتذار هنا فهو أنا من يجب أن يتأسف على ما بدر مني ولكن أنا أيضاً كنت أفهم ما يجري..وما فعلته وقتها لم يكن أبداً تعدي عليك,بل كل ما هناك أردتُ انتزاع حقي الذي سلبني إياه مختار ..دافعك أنت في حرب لم تكن تعرف أبعادها؟"

إنتظر أيان لدقيقة كاملة وهو يرى ملامح أركان تتوشح بالغضب ثم قال بعينين عاصفتين:"هل تعني أن الأمر تعدى كونك تصحح مسار بأخذك إمرأتك وكان مجرد إنتقام وحرب مع مختار تعديت عليّ فيها"

أشار أيان بكلتا يديه ضامم أنامله مع بعضها يجذبها في حركة رتيبة للأسفل والأعلى تعني"انتظر وإهدئ"

ثم شرع في الكتابة بملامح حازمة:"مطلقاً!لا مختار ولا حتى أنت ولا العالم بأسره كان يعنيني"

توقف لبرهة يبتسم بمرارة كاشف نفسه للآخر بوضوح وهو يكمل بإقرار: "في هذا الوقت تعدت رانيا مجرد حب طفولي او حتى حلم مراهقة لقد كانت عالقة بين الشريان والوريد وكان يجب أن أعيديها اليّ لأستطيع أن أعيش"

سيطر أركان على كل أعصابه جيداً وركز كل تفكيره على السبب الذي جاء به الى هنا..تنهد أخيراً بتسامح ثم قال:"أياً كانت أسبابك لم يكن من حقك الاعتداء على إمرأة كان يربطها إسمي وأنا لم يكن من حقي أن أفعل ما فعلته معك"

هو لن يخدع نفسه ربما السبب الحقيقي لكل هذا الهدوء أن الأمر ببساطة انه كان يضمر الشر لرانيا وأراد تحطيمها انتقاماً..وربما إن لم يظهر أيان وقتها كان نفذ خطته وفقد ديالا الى الأبد وتلك الفكرة بحد ذاتها قاتلة..اذ كانت أشبه بحكم الإعدام على نفسه..

جذبه أيان من أفكاره وهو يقدم ورقة أخرى كتب فيها:"إن كان الإعتذار سيحل أي شيء أنا أسف حقاً..وكما ترى أعتقد أن ما وصلنا اليه حالياً هو إنتقام القدر"

عبس أركان وهو يقول بحزم:"أسمع أنا لن أتدخل في أمر يخصكم..ولكن بما أني المسئول بشكل ضمني عنها الآن فأحب أن أخبرك أن ما يحدث يحزنني ولا أرى فيه أي إنتقام أو حقوق..بل رغم تحفظي على أفعال كليكما ولكن ما تفعله برانيا غير عادل"

"رانيا مجرد مطلقتي الآن"كتب كاذباً

فرد أركان بتعصب:"إذن إبتعد عنها..لا تعتقد أني لم أرى ما حدث في مكتبي وجعلني غاضب وساخط..للحظات فكرت في التوجه اليك وضربك"

تقوس فم أيان بإستياء غاضب كيف نسى بغبائه أنه من وضع كاميرات المراقبة..ولكن هو في غمرة غضبه جنونه تهوره الدماء  الحارة التي هدرت في شراينه لم يكن يرى سواها؟!

"ما حدث ويحدث أمر يخصنا..أنا وهي معضلة خاصة جداً لن يستطيع فهمها أو حلها سوانا"

أومأ أركان برأسه عقب قراءة الكلمات ثم قال ببساطة:"أي ثنائي في العالم قد يخبرك بما تقوله الآن..وكما أخبرتك لن أتدخل إلا لو طلب مني هذا"

صمت أركان لبرهة ثم قال بهدوء:"أنت تعلم جيداً أني وديالا مررنا بأكثر التجارب المؤلمة لعامين كاملين..أقدمت على فعل ما لا يطيقه بشر وهي تتحمل تتفهم,حتى فاض بها الكيل وإنفجرت كدت أفقدها ضائعة من يدي تنزلق شيئاً فشيئا حتى كدت أن أخسرها الى الأبد..ووقفت مع نفسي كابح جماحها محاسبها..مقر بكل فعل غبي وأحمق قمت به"

صمت أركان عندما راقب أيان يكتب شيء ما مقدمه له:"ديالا تعرف تماما كيف تكون مصرة عنيدة تحفظ ما لها وتأخذ حقها دون تردد او إهتزاز..هي فقط أمنت بك"

تنفس أركان بعمق ثم قال بتفهم:"معرفتك بها هي ما جعلتي أخبرك بكل وضوح..ان كل إنسان يحتاج فرصة!فرصة أخيرة يثبت فيها حسن نيته يكفر عن ذنبه..وإن حتى لم تمنحها لها من أجلها فإفعلها من أجل نفسك"

"الأمر معقد"كتب

فرد أركان:"فقدان الثقة ليس بشيء سهل أعرف!ولكن صدقني فوات الأوان قاتل..مدمر البعد بين المحبين جريمة..ضد أنفسكم ربما ما أبقاني أنا وديالا نعافر حتى الآن..عدم تخليها عني أبداً؟!"

صمت أركان لبرهة ثم قال بسلاسة:"عاقب..وهجر ولكن دعها بجانبك لا تقطع كل السبل حتى لا تندم..يوماً"

كانت ملامح أيان مغلقة تماماً لا تفسر عن شيء عيناه تتابع فم أركان بصمت..وفقط بين  الحين والآخر تهتز عضلة ما بجانب فمه  مسيطر عليها بمهارة..تنهد أركان مرة أخرى ثم قال:"حسناً لن أتدخل في أمر يخصك مرة أخرى كما أخبرتك أتيت للإعتذار..ولكن لم يكن هذا فقط السبب الرئيسي"

عينيه الخضرواين إنتابها الفصول وهو يشير باسط يده في حركة سلسلة..فهما أركان سريعاً فقال بصوت أجش:

"كان يجب على أن أعرف حقيقة ذلك الرجل الذي تتمسك زوجتي بأخوته وبعد معرفتي بعض الأشياء أريد أن أشكرك..ومهما بلغ إمتناني منك لن أوفيك حقك"

تحيرت ملامح أيان وهو يكتب:"ديالا بالنسبة لي أخت أنت تعلم أني أعرفها منذ أن كانت مجرد لفافة صغيرة..أعني أنها ستظل أختي الصغيرة..وصديقة حنون ذكية"

كبح أركان كل مشاعرة جانباً وهو يقول:"أعتقد أنك لم تفهم مقصدي..أنا أعلم كل هذا ولكنك قمت بحماية ما هو لي ولم تستغل الفرصة أو تحاول إبعادها عني في نوبة إنتقام بل ساندتها في وقتٍ كانت فيه هشة ضعيفة..إستمعت اليها..إحتويتها..وقمت بدور لم يكن إلا دوري أنا"

كتب أيان بهدوء:"ديالا فتاة رائعة رقيقة جداً ومتسامحة وقوية..وهذا ما يأسرني بها ولكن أريدك أن تعلم أن كل ما قدمته أنا لها لا شيء أبداً أمام كلمة اهتمام واحدة منك..ما أبقاها ثابتة وحفظها لك ليس أنا بل حبها وإيمانها بك"

وقف أركان أخيراً يهم بالمغادرة وهو يقول:"أنا أحاول حقاً أن أعوضها عن  ما كان وأكمل طريقي معها..لو طلبت الدنيا لن أفيها حقها"

كتب أيان سريعاً مازحاً وهو يجاريه في وقوفه:"أين هي مختفية منذ وقت لم تعد تحدثني لا تقول انك منعتها عن التواصل معي"

ادعى التفكر ثم قال ببساطة :"أحاول إيجاد طريقة لإبعادها عنك هذا شيء مؤكد"

هز أيان رأسه بيأس ضاحكاً على رده ثم تابع أركان الذي قال بملامح متصلبة:"بالمناسبة أخبر هذا الشهاب أني اذا رأيته على بعد ألف متر من ديالا سأكسر رأسه "

كتب أيان بخط عريض:"أنا أؤيدك..لقد أخبرته بهذا"

مد أركان يده مرة أخرى يبادله السلام بملامح مستكينة وهو يقول:"أتمنى أن نبدأ صفحة جديدة..قد أتفهم اننا لن نستطيع أن نكون أصدقاء يوماً ولكن على الأقل لانكون أعداء"

"أنت أكرم مني"

رد أركان بغرور وهو يفتح باب المكتب ملتفتاً اليه:"بالطبع أكرم منك بل منكم جميعاً"

صمت ثم أضاف بتصلب:"بالمناسبة أيان..لا أريد سماع لقب الجنية هذا أبداً لزوجتي..تدليل ديالا او إحتوائها لم يعد أبداً متاح للمشاركة"

كتب كلمة عريضة مرة أخرى بإبتسامة متلاعبة :"سأحاول"

"الأمر لا يقبل المزاح..لن أقبل على زوجتي أن تدلل من رجل آخر حتى وإن كان زوج أختها السابق"

عندما أظلمت عيني أيان بقتامة..قال أركان بهدوء بطيء:"ديالا أرادت أن تعرف أننا ننتظر جنية صغيرة قريباً يمكنك أن تطلق عليها ما تريد"

توسعت عينا أيان بصدمة عندما قال أركان بضحكة بها بعض العصبية وكأنه يشارك الخبر مرغماً:"أعني انها حامل..العاقبه عندك ورانيا"

لم ينتظر رده بل خرج أخيراً مغلق الباب خلفه بهدوء..وقف أيان لثوانٍ مكانه..الأحمق المستفز!كائن غوريلا بصحيح..

إستطاع أن يتوجه لمكتبه وأمسك بهاتفه يرسل سريعا:"جنيتي..مبارك حملك يا عصفورة"

وكأن الأحمق قد يستطيع فعل ما فشل فيه الجميع..رغم أنفه سيظل سند ديالا وصديقها المتخفي تلجأ له وقتما تريد..

**************************

بالمشفي الشهير الخاص "بالحقن المجهري وأطفال الآنابيب"والتي علمت انه يستضيف دكتور رامي فترة وجوده في الاسكندرية متبرعا كما علمت لخدمة بعض البسطاء بالكشف المجاني او حتى إجراء حقن مجهري بتكلفه منخفضة او حتى مجاناً لغير القادرين على التكاليف..دخلت رانيا بتردد خلف الممرضة وفور أن رآها وقف على الفور مُرحباً بها وهو يقول: "شرفتي المكان لقد يأست أن تتنازلي وتأتي بنفسك"

تصنعت إبتسامة مجاملة وهي تقول:"العذر منك الأمر لم يكن شخصياً ولكن تجربتي الأخيرة مع طبيبي جعلتني غير مستعدة لفقدان أمل آخر"

أشار رامي بيديه للمرضة أن تغادر فأومأت على الفور وأغلقت الباب ورائها..دعى رانيا للجلوس وهو يقول:"لديك نظرة تشاؤمية بعض الشيء هذا محبط لي كطبيب"

ضحكت بتهكم وقالت:"المعذرة منك ولكن الاحداث السعيدة التي مرت بي عبر أشهر لم تساعد لأبهجك"

رفع رامي حاجبيه بتعجب ثم قال ضاحكاً:"تعجبني المرأة الجريئة والقوية وربما هذا سبب تمسكي بمعرفتك"

هزت رانيا كتفيها بلا مبالاة وقالت:"اذن خاب ظنك تماما..أنا أبعد من أكون جريئة او حتى واثقة"

صمت للحظة مفكراً..ثم قال بهدوء:"هل أعتبر هذا أول خطوة لنا معاً لحديث متعقل"

ابتسمت برزانة وقالت:"بالطبع لا ولكن ربما لأنك مجرد طبيبب او حتى غريب عني أحدثك بتلك الطريقة"

قلب رامي سماعته الطبيية بين أصابعة وللحظات طويلة ظل ينظر لها متأملها بغموض..مما جعلها تتململ في جلستها وغمغمت:"هل يمكننا أن ندخل في الأمر مباشرة؟ مقابلتنا الاخيرة لم أفهم شرحك حالتي تماماً كما أنك رفضت أن تعترف بفحوصات طبيبي السابق!"

أخذ رامي نفس عميق ثم ما لبث أن قال بعملية:"لم أرفض ولكن ببساطة أنا لن أعمل على رؤية شخص أخر يجب أن أرى بنفسي وأعيد فحصك"

توترت وهي تقول سريعاً:"لا أستطيع السماح لك بفحصي..ألا يمكننا الإكتفاء بالإشاعات السابقة"

لم يستطع رامي كتم ضحكته الصاخبه عينية الزرقاوين ينضحان بالخبث وجهه الوسيم كان بعيد تماماً عن أن يعبر عن الراحة النفسية التي يجب أن يشعر بها المريض..لقد كان مثال جيد للوسامة الضارية الوحشية لرجل يعرف متى يتقدم ومتى يتوقف ومتى ينقض دون رحمة من الجيد انها محصنة ضد اي ذكر!لم تشعر رانيا أبداً بالارتياح فهمت أن تدع الفكره وتغادر هذا المكان دون رجعة..لم تكد تغادر مقعدها وهي تقول:"يبدو أني اخطأت حقاً في المجيء..العذر منك"

وقف رامي سريعا وجذب ذراعها يوقفها..كادت أن تسبه بغضب ارتسم على ملامحها نارياً..فإبتعد رامي خطوات وقال بحزم:"أسف ولكن أنتِ لم ترين وجهك وانتِ تخبريني انك تتحفظي على فحصي اياك"

قالت بغضب:"وهل هذا أمر يدعو للضحك؟"

رد رامي بهدوء:"ربما لأنى فهمت أسباب إعتراضك دون أن تنطقيها"

إحمر وجهها في إعتراف ضمني لما فهمه .

فعاد رامي يخبرها برفق:"هل يمكننا الحديث في الأمر قبل ان نتعامل كطبيب ومريضة"

فكرت للحظات تحاول أن توازن الأمر,ثم أومأت بهدوء وهي تجلس مرة أخرى..لم يعود رامي لمكانه بل جلس في المقعد المقابل وقال على الفور: "انا لم أدعي عندما أخبرتك أني أعرفك من أيام الجامعة "

قالت بهدوء:"انا لم اتهمك أبداً بأنك مدعي ولكن للحقيقة انا لا أعرفك..كما انك تكبرني بالكثير ومجالك لا يمت لدراستي بصلة لذا استهجنت ما قلته ليس إلا"

قال رامي مدافعاً باستنكار:"الفرق بيننا عشرة أعوام فقط..وهذا لا يعد فرق عمر مبالغ فيه"

ضحكت وهي تقول:"لم أقصد؛ انا أقر بحالة"

عبس وهويقول:"اقرارك أشعرني أني عجوز متصابي يلهث وراء مراهقة صغيرة"

نظرت اليه بصمت وكأنها ترفض التعاطي معه..مازالت ترهب فكرة أن يدور بينهما حديث هادئ متعقل وكأنها بالفعل مجبرة لمجاراته من أجل حالتها..لم يعلق بل أكمل بهدوء:"أنا كنت معيد بالجامعة هناك ووالدك كان معروف بين الجالية لذا كان من السهل أن أعرفك وتجذبي انتباهي وما ساعد على هذا هدوئك ورقتك الملفتة للنظر"

قالت بحيرة:"ولكني لم أعرفك واذا كنت لفت إنتباهك لماذا لم أسمع عنك أي شيء؟!الأمر ليس أنني أرغب في هذا ولكن مجرد فضول"

استرخى رامي في مقعده وهو يقول بنبرة غامضة:"لقد كنت متزوج وقتها..وبصراحة مطلقة لفتك لإنتباهي لم يكن إعجاب او شيء من هذا القبيل"

هزت كتفيها وهي تخبره:"حتى وان فعلت كان طريقك مسدود كما غيرك"

صمت متأملا يديه للحظات قبل أن يقول مستفز إياها:"كما خطيبك السابق الذي تركتيه ليلة عقد القران غير مبالية بالفضيحة ولا بأختك التي وقعت ضحية وكبش فداء"

شحب وجه رانيا علي الفور وأشاحت بوجهها ثم قالت واجمة:"يبدو انك تحليت ببعض العقل وسألت عني جيداً ولكن هناك الكثير من التفاصيل لا يعرفها أحد,أختى ليست بضحية هي تحب زوجها"

انحنى رامي للأمام واضع مرفقيه على ركبتيه مشبك يديه في بعضها وعاد يخبرها برزانة:"الناس تنسج من خيط رفيع ما تريد..متحاشية تماما الأسباب والظروف التي تدفع الآنسان لفعل معين..لذا أنا أريدك أن تطمئني..لن أحكم عليكِ من مجرد ثرثرة إجتماعية تجلدك لأنك إمرأة"

تهكمت وهي تقول بقهر:"انت لا تعرف شيء عن الجلد الحقيقي..لقد وصل بهم اتهامي بعد ترك زوجي لي..اني خائنة واني أبحث عن آخر طامعة في أمواله وقليلة أصل لم أتحمل ما عليه زوجى..والكثير والكثير حتى وصل بهم تطاولهم على عرضي!"

أومأ رامي بموافقة"أعرف..أخبرك بسر!عندما أتيت الى هنا..باحث عن إمرأة تناسبنى,الجميع رشح لى فتيات صغيرات او حتى أنسة لم يسبق لها الزواج..ولم يلتفت أحد اطلاقاً بأني مطلق ولدي طفلين بالفعل!"

توسعت عينا رانيا بصدمة وهي تردد:"لديك طفلين!لم يخبرنى أحد بهذا"

أطل من عينيه الزرقاوين نظرة حنان وهو يقول برفق:"وافد وواعد تؤامين..عمرهما ثلاثة أعوام..بالمناسبة هما هنا معي"

هزت رأسها بتفهم..لكن الفضول كاد يفتك بها اذ علمت جيداً أن رامي مقيم في أمريكا منذ ثماني أعوام مضت بعد أن تزوج إمرأة أمريكية الجنسية كانت تقيم في الكويت!ثم انتقل معها الى هناك..ولكنه لم يستطع أن ينهي عقد عمله في جامعة الكويت فأصبح ينتقل هنا وهناك حتى استقرت حياته هناك بشكل تام..

قال مجفلها:"الأمر مربك أليس كذلك؟وايضا غير عادل..اذ لم يكلف احد نفسه ويخبرك أن الرجل الذي يرغب الارتباط بكِ لديه أطفال بالفعل"

عادت للتهكم وهي تقول:"ولماذا يخبروني..انا إمرأة مطلقة أي معطوبة ناقصة وانت فرصة العمر..تعد كنز ثمين فيجب أن أقتنص الفرصة وليس مهم شيء اخر..حتى لو كنت في أرذل العمر او متزوج من أخرى او حتى متصابي او ليس بيننا توافق اجتماعي او فكري او علمي..كل ما يهم انك رجل تنازلت وتريد إمرأة معيوبة بتقييم المجتمع"

قال رامي بصوت مكتوم:"إلا أن كل ذلك لا يهمك أبداً..لانك غير معترفه بطلاقك منه"

احمر وجهها..وهي تشيح بعيدا  كي لا تريه ما لا تريد أن يراه ثم قالت بجمود:"أيان ليس مجرد رجل أحببته وتزوجته  بل قصتي معه بدأت منذ وقت طويل  وانا مؤمنة انها لن تنتهي أبداً من جانبي انا على الاقل"

"لهذا اخبرتيني انكِ قضية ميؤس منها..أمر منتهي؟!"

أجابته بهدوء:"نعم..لا أنت ولا غيرك..انا حتى لا أعلم ما الذي أفعله هنا؟ وما فائدة إن كان هناك أمل للعلاج ان لم يعيدني هو اليه"

إهتزت عضلة بجانب فمه لم تفهم معناها وهو يقول:"ربما تستطيعين التغلب في يوم من الأيام على ذكراه وتغلبك عاطفة الامومة"

فهمت ما يرمي اليه فهتفت بحدة مقاطعة حديثة بقوة :"لا..الأمر أشبه بحكم الإعدام على قلبي ومن أحاول ادخاله في تلك اللعبة..ان لم يكن زوجي هو والد أطفالي لن أسمح لنفسي بالتفكير حتى في الأمر"

ضيق رامي ما بين عينيه وقال بجمود:"لماذا لا تريدي الإقرار بالأمر رغم أن الجميع حاول أن يقحمه في رأسك هو لم يعد زوجك"

أغلقت رانيا جفنيها بألم وقالت بقهر:"ما يجعلني أقف على قدمي حتى هذه اللحظة ولم أستسلم للانهيار والموت اني أقنع عقلي وقلبي أني مازلت ملكاً له وهو لي"

أخذ نفس عميق قبل أن يهمس بهدوء:"يبدو انه يجب أن أعترف بأن لا أمل لي معك"

عينيها لمعت بالدموع وهي تقول بإبتسامة مرتعشه:"الأمر ليس شخصياً..كل ما هناك اني بالفعل سلمته منذ زمن صك ملكية وما قد يصدمك أن هذا الأمر لا يزعجني مطلقاً كما بعض النساء"

ارتسمت على وجهه ابتسامة متفهمه وهو يقول برفق:"يبدو انه رجل جيد جداً لتتمسكي به هكذا"

همست بنبرة مظلمة:"هو انسان جداً..رجل قوي ومحب..حنون مثابر..يتغلب على كل العقبات ولكني لم أعد أثق فيما كنت أعنيه له..رفض الغفران او حتى الاستماع لي,انا ما عُدتُ أعلم أين سيصل به كل هذا الرفض والقسوة !"

نظر رامي اليها طويلا طويلا جداً..متذكر المرأة التي ظن انها حب عمره أحبها بصدق وأخلص لها..تحدى والديه بزواجه منها وبالنهاية تركته ببساطة رامية أولاده في وجهه مخبره إياه انها ملت ولم تعد تريد زواجه ولا حتى أطفاله لذا كان مُصِراً تماما أن يحصل لهما هذه المرة على إمرأة مصرية الجذور أنثى دافئة بالفطرة..إمرأة سبق لها أن عرفت كيف تكون تجربة الآنفصال مؤلمة..عرفت كيف هو شعور الفشل لقد كان كل ما يريده إمرأة عاشت نفس ظروفه تماما...قطع الصمت أخيراً وهو يقول بعملية بحته وقد ودع تماماً فكرة الارتباط بإمرأة قلبها بالفعل سجين لأخر: "ربما لا أعرف إلا القشور الطفيفة مما حدث بينكما ولكني بتجميع أحجية الحكاية علمت أن لديكما قصة حب منذ الطفولة"

أومأت رانيا بموافقة متوتره

قال رامي برفق:"لا داعي للخجل او الآنزعاج..الآن انا أحدثك بنظرتي كطبيب..ربما هذا المجتمع ليس مجالي ولكني اعرف بعض الحقائق عنهم"

نظرت اليه برفض وهي تقول بغضب مكتوم:"انت الآخر تضعهم في نظرة ضيقة على ما يبدو مستخدم نبرة مجتمع مستقل"

فتح رامي ذراعيه بقلة حيلة وقال بإستسلام:"لست انا من وضعهم..بل المجتمع والناس وحتى هم أنفسهم استسلموا للأمر..وانعزلوا في دائرة مغلقه وضيقة للغاية..هل تنكرين انكِ لا تعرفين أنهم لا يأمنون لأحد بسهولة ولا يُدخِلوه دائرتهم"

بان عليها الاضطراب وهي تتذكر المقهي الخاص بالصم والبكم والذي لم يكن أيان يرتاح في غيره..وبعض الجمعيات والتي اطلق على احداها "جمعية رابطة الآخوة..للصم والبكم"والتي كان يصر ان يقضي معظم أوقات فراغه بها مقدماً المساعدات من تدريب البعض على مجال الكمبيوتر او حتى تقديم مساعدات مادية..وفِي بعض الأحيان كان يقوم بنفسه بالتبرع وتعليم لغة الإشارة او الكتابة,لقد كان عالمه بالفعل مقتصر عليها..ونشاطه بالجمعية..لا لم يكن هو فقط بل جميع من يشبهه أما عن الأشخاص الطبيعين كان يسمح لهم بالولوج لذلك العالم في إطار ضيق..ضيق للغاية وبشروط ثقة ليس بالشيء السهل..

قطع رامي الصمت وقد يأس من ردها وهو يقول برتابة:"ما أعلمه جيداً ان لديهم إعتزاز بالنفس وتحدي يفوق اي شخص اخر..انهم عالم مسالم جداً بطبعه..عصبيين متهورين ومندفعين هذا اكثر ما يبرزه عنهم كصفات  مشتركة..المجتمع الظالم بقوانينه المتعسفة لا يمنحهم الفرصة لتوضيح كم هم أناس أصحاء..بطبيعة الحال الصم والبكم لديهم القدرة على تعلم القراءة والكتابة وكافة المهن والحرف وكذلك التعامل مع نوعيات البشر المختلفة بسلاسة فلماذا ينالون من عنصرية المجتمع ويعانون من حشرهم في مجتمع مغلق أجبروا على وضع أنفسهم فيه؟؟"

اختنق صوت رانيا وهي تخبره:"اعرف كل هذا..إنهم حتى لا يستطيعون إخراج رخصة قيادة!!هل تصدق ذلك التعنت والغباء..أيان يستخدم رخصة قيادته الدولية التي أخرجها من بريطانيا"

هز رامي رأسه وهو يقول:"أعلم للأسف مجتمعاتنا النامية لا تفهم حقاً مشاكل الكثير من الفئات التي لديهم مشاكل خاصة"

قالت رانيا:"أيان كان محظوظ بعمه وسفره للخارج ولكن معظم من رأيتهم في تلك الجمعية لا يقلون ذكاء او تعاطي اجتماعي عن أي شخص طبيعي ولكن للأسف بسبب القوانين ونظرة المجتمع يعملون في مجالات أقل بكثير من مؤهلاتهم الدراسية أودون مستوى ذكائهم ومهارتهم !"

ابتسم رامي وبدا مسترخي جداً وهو يقول ببطء:"وبعد هذا الحوار الشيق استطيع أن اخبرك..أن ذلك الرجل منحك شيء غالي وثمين أراهن انه لم يمنحه لسواك"

ازدرت ريقها وهي تسأله بتوجس:"ماذا تقصد؟"

شرح رامي بهدوء:"من الواضح أن الأمر بينكما تعدى مشكلة عاديه تحدث بين اي زوجين الأمر بإختصار أن زوجك منحك ثقة غير مشروطة أدخلك دائرته ومحور عالمه معك و هو اعتمد عليك أن تفي بوعدك"

صمت ملتقط نفساً عميقاً قبل أن يكمل ببساطة:"الثقة بحد ذاتها هي كلمة عن ما هو مجهول..حالة عقلية لا يمكن قياسها مباشرة..الاعتماد هو نتيجة مباشرة للثقة لذا يمكن وزنها بالإحساس..من الواضح انه عندما منحك اياه سمح لنفسه أن يتجاوز التفكير العقلاني..فأعطاها  لكِ مطلقة..كاشف نفسه أمامك..جاعل كل دروعه تنهار وربما سمح لضعفه أن يظهر  بوضوح..وَمِمَّا اقررتي به ايضاً استطيع أن اقًول انه هو الآخر احبك بطريقة مجنونة متملكة ومحور دنياه حولك وحدك فقط..هو آمن بكِ و صدقك إطمئن اليكِ لذا ما حدث من فشل ناتج عن ضعفك كما تقولين لم يستوعبه عقله ولم يستطع ترجمته او الاقتناع بل انه رأى انكِ لست مؤهلة للأمانة والصدق الذي منحكِ اياهم"

الألم الذي ارتسم على وجهها كان أشبه بحالة من الذعر..المرارة و اليأس الشديد وهي تقول:"نعم هو فعل لقد كانت كل دروعه تنهار تماما بين ذراعي..يكشف نفسه أمامي ويخبرني عن كل ما يقلقه يوجعه عن ما يعانيه من الناس من والدته..لقد وضع كل آماله بي"

قال رامي بصوت اجش:"وانتِ ببساطة نسيت كل هذا في لحظات ضعفك ودون أن تدركي رفعتي كل تلك الخناجر من الرفض والألم وطعنتيه في ظهره..فكيف تتوقعين منه المسامحه"

إمتقع وجهها وهي تنظر اليه بعجز..فأكمل رامي بقسوة لم تكن موجهه اليها :"هم لا يمنحون الثقة بسهولة..لا أحد يلج لعالمهم ببساطة ومن الواضح انه منحك أكثر من هذا بكثير..لذا انتِ خذلتيه حطمتي كرامته بقسوة..جرحتيه قاتلة كل شيء جميل منحه أمل في حياة عادله..لذا لا تتوقعي أبداً أن يمكنه أن يسامحك..من الواضح انكِ لا تعلمين هذا المجمتع جيداً..تلك الفئه المعقده في مشاعرهم وردود أفعالهم..لا تستوعبي  انك حولتي قلبه لصخر جبل قاسي لن تستطيعي كسره أو حتى إحداث صدع به لتلجأي اليه مرة أخرى"

******************************

بعد مرور أربعة أشهر

هل مررت بحالة التجمد من قبل؟!

تلك المرحلة التي تتوقف كل أحاسيسك عند شعور سقيم واحد..لا تكتفي منه ولا تجرؤ على تغييره..تلك الشروخ التي تحدث ممرات غير مرئية بداخلك تجري فيها أنهار حارقه من الوحده الوجع والضياع والإنهيار..

هل كتمت صرخاتك ؛  حابسها بداخلك مكتفي بالاحتراق وحدك ..مقاوم الإنحدار لجلد الذات..للوقوع في براثن اليأس..هل جربت أن ترسم ابتسامة سعادة واهية..لبس قناع انك جيد تعيش مستمر قوي..وسند وداعم من أجل أن تكفر عن خطيئتك مع الأخرين...حسنا. إن لم تجرب فأنت لن تتفهم أبداً ما تمر به!

هكذا كانت رانيا تخبر نفسها بإبتسامة شاحبة عن من يعتقد انها نست وتمضي قدماً غير مدرك انها فقط تعيش حالة من تجميد الوجع!

أيان مازال مع الأخرى يجهزان لزفافهما..يزوران معارض الأثاث أمه لا توفر جهداً لإخبار الجميع عن عروس ولدها المحبة الصادقة المخلصة المزدهرة..الفتاة التي دخلت قلبها وتربعت فيه وأنستهم حتى حروف إسم رانيا.."واهمة ..ان حلمتي بدخولك لمجرى أنفاسه..بإمتلاكك لكل دقة من قلبه تصرخ بإسمى..بكل نبضة من شريانه يجرى فيها هوى كأسي..لسرقة نظرة لا يفهمها سواي ولن ترتسم فيها صورة بعيداً عن ملامحي كم مثيرة للشفقه انتِ ان تعشمتي بإقتحامك قلاعه!"

"أين ذهبتِ"؟

صوت أركان المرهق آفاقها من شرودها..نظرت اليه تخبره من بين شرودها"هنا معك..أين سأذهب؟!"

قال أركان بعفوية:"أشك ربما انتِ هنا اسماً ولكنك معه كالعادة فكراً وقلباً"

إبتسمت عينيها ربما بعد كل شيء هناك حصاد جيد لها بتدمير حياتها يكفيها العلاقة الوثيقة التي أصبحت تقوى شيئاً فشيئا بينها وبين زوج أختها:"ربما يجب أن أقتنع أخيراً..انه لم يعد لي لقد بقي على زفافه أسابيع"

نطقتها بمرارة,دافعه أركان ليمسك كفيها يشد عليهما بقوة وهو يهدر بغضب:"إمنحينى الإشارة فقط وانا أذهب اليه أحطم ذلك الرأس  الغبي"

"هل ستعيده لي رغماً عنه..هل تعتقد الأمر سيفلح"قالت متهمكة..ثم أضافت:"المضحك في الأمر أنك انت من تتكلم عن الغباء وتستهجن افعاله بل وتدافع عني"

صمت أركان يتأمل ملامحها المتعبة..متذكر وقوفها بجانبه مثابرة قوية دافعة اياه وكل عامل في المطعم للأمل والعزيمة لإرجاع المكان كما السابق بل وأفضل..ربما خلال الأربعة شهور لم يحدث الكثير ولكنه يستطيع القول انهم في منطقة آمنة تماما..لقد تم تسديد كل ديونه كما الحملات الإعلانية اتت بنتيجة جيدة..فأصبح المكان يكتظ بالناس يومياً حتى أصبحوا في وقت الذروه يعتذروا للبعض من عدم إيجاد مكان فارغ....بالنهاية رانيا عقل اقتصادي وتجارى جيد هي فقط كانت تحتاج أن يؤمن احد بنجاحها ويعتمد عليها ويمنحها فرصة اخيرة لإثبات حسن تصرفها وتغيرها..قال اخيرا بصوت اجش:"ربما تعاطفي أخوى..يدفعنى الحماية نحوك..لذا لا أريده أن يزيد من جرحك"

تنهدت رانيا وهي تفرك يديها بتعب ثم قالت"ما عاد يهم..يجب أن اكتفي بذاتى وعملي؛بحياة بسيطة خالية من المشاعر والتعقيدات..وبالطبع بتوأمى ديالا!"

اغمضت عينيها بقوة كابحة رعدة ألم..ثم وضعت أجمل إبتسامة علم زيفها وهي تقول:"لا مغامرات عاطفية مرهقة بعد الآن...التؤامين تعويض أكثر من مناسب لي بالنهاية انا سأخذ منك واحد "

لقد كانت ببساطة تجرف تفكيره عن الأمر ،.لم تعد تريد أن يفتح احدهم جروحها ترفض الإقرار بواقع..لقد اصبح يفهمها جيدا..فهي نسخة أخرى من ديالا تكره ضعفها..تكره فكرة أن تكون مكشوفة لاحدهم للتعاطي مع كلام الناس...تحاول المقاومة اكتساب قوة والاعتماد على نفسها..تتلاشى حاجتها للآخرين..وفقط تسمح لأختها بالنفاذ لدائرتها بإرخاء كل قلوعها ودفاعاتها..

قال بهدوء:"انتِ لا تحتاجي للتظاهر أمامي"

هزت رأسها وهي تقول:"انا لا أتظاهر ولكني لم أعد استطيع التعاطي مع الألم..لذا أحاول كبحه بإنكاره !"

صمت للحظات طويلة وهو ينظر اليها رافض نبرة الاستسلام واليأس ثم قال بصوت مكتوم:"الطبيب أخبرك أن هناك أمل..حتى وان كان على مدار وقت طويل ولكن هناك علاج لحالتك رانيا..وانتِ من رفضت البدء"

تهربت تماما وهي تخرج بعض المستندات تفتحها بيدين مرتعشة ثم تخبره:"لدينا نهار عمل طويل غداً ويجب أن نناقش مرة أخرى كيفية العمل في يوم المائدة المفتوحه"!

ارتفع حاجبيه بعدم تصديق..هل هي تعود للتهرب من جديد مهما كان يفاتحها في الأمر؟ قال مهادنها:"لقد ناقشنا الأمر من قبل..وقمنا به عدة مرات اذ كان هذا الاقتراح هو منقذنا منذ أشهر"

تصنعت الغرور وهي تقول:"لم تصدقني عندما اخبرتك أن الأمر فيه مكسب للمطعم وليس للناس..البشر تنبهر بالعروض..يهرعون اليها غير مدركين أن بحسبة بسيطة أن ما يدفع عبر الفرد الواحد في تلك المائدة هو نفسه ما قد يدفعه في اي طبق عادى"

ضحك وهو يقول:"خدعة ممتازة منك"

قالت بإنزعاج:"لم تكن خدعة هو فقط عرض وطلب انا..قدمت ما لديّ بأفضل الطرق الممكنة والزبون قبل..ودفع أين الخدعة"

"أممم هل اتعشم أن لديك المزيد من الالاعيب لجذب الزبائن"رقصت حاجبيها بشقاوة وهي تقول:"لن أمنحك أسرار جعبتي..ولكن انت متى تفاجئنى بأي خطط ذكيه وتعمل بشهادتك"

مط شفتيه وهي يقول بلا مبالاة:"ليس لدي اي خطط..تعلمي أن تخصصي في كلية السياحة والفنادق يقتصر على الترويج والإدارة..وتنظيم ما يقدم والتأكد من سلامته..اممم انا حتى لا استطيع الطبخ"

قالت بتهكم:"انت تتكاسل عن الطبخ هناك فرق"

شرد للحظات ثم قال بهدوء:"وربما انا تعبت يا رانيا لقد أهدرت صباي وأول سنوات عمري في الغربة والبحث عن الرزق..والآن انا مكتفي جداً بهذا العمل وزوجتي وأنتظر طفلاي بفارغ الصبر"

قالت بتفهم:"أعرف ما عنيته ولكن ذلك لن يمنعنا عن محاولة النجاح هنا"

نظر لساعته وهو يقفز من المكتب اخيراً..وقال بتعجل:"قدمي مشيئة الله..والآن سأتركك لدينا موعد  مع الطبيية وان تأخرت..ستقتلني اختك"

قالت بجواب فطري وتلقائي:"لانك مزعج بشكل لا يصدق..وتستحق"

هز رأسه بيأس وهو يقول:"انا المزعج..هل تمزحي انها توقظنى في منتصف الليل لانها تشتهي طعام ما..تنام في أوقات غير مناسبة أبداً..تشكو من أشياء وهمية تبكي دون مبرر او توقف,لقد حولت حياتي لبؤس"

نظرت اليه وهي تقول ببرود:"ربما تريد المزيد من العقاب...لك يا رجل الناس تفرح بالتوأمين وانت كنت تندب حظك يومها"

"كنت أحاول استفزازها..والآن العذر منك يجب أن أذهب"

سحبت حقيبتها وهي تقول:"سأتي معك..أريد الاطمئنان عليها."

*********************

الهروب

فعلة الجبناء وهو لم يكن جبان يوما..ولكنه وقع بين فكي الرحى..لا سارة تمنحه الفرصة للحديث للتفهم ولا هو قادر على اتخاذ خطوته بالابتعاد ومبرره العقيم لا يريد جرحها..كيف وهو لا يستطيع التعامل معها من الاساس كيف والفترة الماضية زادت الفجوة والتباعد بينهما..لم يذهب لذلك المنزل وهي لم تحاول أن تدعوه مرة أخرى..حتى عندما أجبر على ميعاد اختيار الاثاث لم يحاول حتى أن يمد يده ليشاركها الاختيار..لقد كان الأمر عذاب أشبه بنار تنهش في صدره قاتله اياه..لم يستطع أن يسيطر على ملامحه التي تلوت بعذاب وصدره الذي اختنق وهما يتنقلان بين غرف النوم دفن يديه في وجهه يفركه بحرقه"فراش اخر يشاركه مع إمرأة سواها يضم أخرى على صدره ويحيطها  بين ذراعيه..يواسيها يطمئنها او يراقب شفتيها التي تهدر بغضب بعتاب او حتى تغنى بعض من كلمات مطربها المفضل..كيف يستطيع احتمال الأمر أن يبني علاقة زوجية سليمة وهو يعجز عن لمس إمرأة سواها..المقارنه قاتلة مجحفة..اذ كل ما يحمله ناحية سارة هو البرود..البرود التام وكأنه رجل اخر لا يعرفه!هو"متجمد"

***********

هو دائماً يستشعر وجودها لا يحتاج للمسة او حتى رؤية صورتها وقد كانت تلك فعلتهما السرية على مدار أربعة أشهر وكأنه موعد متفق عليه بينهما ولكن أحدهما لا يجرؤ على البوح بما يُعتمل في القلوب..

"تأخرتي"كتبها على الرمال

إبتسمت بمرارة وهي تجلس بجانبه تاركة مساحة آمنة..ضمت ركبتيها الى صدرها محيطة اياهما بذراعيها واستندت بذقنها عليهما تتأمل البحر أمامها دون رد !

حرك كتفيه خارج من سترته وإستطال قليلاً ووضعها على كتفيها وكأنها إعتادت الأمر..ألفته او ربما أخذته بديل عن أن يضمها هو الى صدره فتتعمد أن تأتي الى هنا بفستان رقيق وفور أن تواجه مياه البحر تبدأ بالإرتجاف برداً!أغمضت عينيها والسَكِينة المعتادة والدفء يتخلل خلاياها بشعور مريح ومسكن الألم ممتع جداً"

عم صمت طويل معتاد بينهما لا يقطع شيء الا هدير الموج الذي يضرب الرمال بحنو ونعومة تحت أقدامهم"

إمتلكت بعض الشجاعة أخيراً لتواجهه فلم يصدمها أنه مازال يتأملها..عينيه تبدو بعيدة تماماً عن الإستقرار وهو ينظر لشفتيها المرتعشتين وهي تقول:"أخبرني سبب مقنع واحد لما نفعله؟أنت لن تسامحني أبداً وأنا أتعذب في رؤيتك وعلمي بأنك أصبحت مِلكُ لأخرى..ومع هذا نستمر في القدوم الى هنا"

كبح رعدة جسده وهو رافض تماماً الإعتراف بسلطتها عليه..رافض بأن تعرف بسلبيته ونزاعه مع سارة..غير قادر على البوح بشيء أخر يكسره اليها ..أن تعرف ضعفه فيها بأن تعلم أن رغم كل شيء هو لا يستطيع أن ينساها أن يمحيها من قلبه كما تشدق وأخبرها.

همست وهي تتجرأ لتمد يدها لامسة للتفاعل معه كما كان قديماً:"أيان"

"لا"إبتعد عن مرمى يدها وهو يهز رأسه بعنف شديد ملامحه تستحيل لقطعة من الحجر عينينه الخضرواين كانت تصرخ بالحاجة..بالمرارة بالإنهزام ولكنه عاكس نفسه وهو يشير:"انا لستُ ملكاً لأحد..لقد فعلتها مرة ولم أتخيل قط أن تكون بكل هذه القسوة..ان تنقلب عليّ..ان تواجهني بعجزي..وتتجنى على قلبي وحياتي التي وضعتها كاملة بين يديها مسلمها أمري!"

"أنا كنت خائفة على قطعة منك ومني..كنت أموت ذعراً آلاف المرات وأنا أتخيل آخر منك يعاني..قلبي كان يتوقف وأنا أرى نفسي صورة من أمك مستسلمة كريهة لا تستطيع احتوائه ومنحه ما يحتاجه..انا كنت فاقدة لكل شيء أيان ومكتفية جداً بحبك مخفية فيه من ضعفي وهشاشتي فكيف سأستطيع الدفاع عن ذلك الطفل؟!انا فقط خفت هل تعرف هذا الشعور"

صدمتها حقاً تلك النظرة في عينيه..لم تكن نظرة غاضبة متوحشة ولا حتى نظرة اتهام ولا إدانة معتادة ولوم ومزيد من إهانتها..لقد كانت نظرة جرح عميقة..عميقة للغاية جرحاً تجاوز بضع كلمات تدافع بها عن نفسها لقد كان الألم وغضب يائس ومرارة تجمعت على مر سنين وتفاقمت لتكون فعلتها هي آخر ما قسمه محطمة تماما لقد كانت نظرة جرحاً غير قابل للشفاء أبداً.."لقد تذوقت على يديكِ معنى أن يحبني أحد دون التأفف لمن أنا..ماذا أنجزت أو مما أعاني..لقد رأيت بين عينيك الكمال وانتِ مجرد طفلة في الخامسة لا تدرك حتى ما تفعله بمشاعر طفل مثلها..لقد كنت رغم دعم ابي وعَمى ميت رانيا..مجرد طفل عاجز وميت وبسببك انت منحتيني أمل أنعشتي قلبي فعافرت مع الدنيا مثبت نفسي مروضها مسيطر على غضبي ومتحكم في عجزي..فقط لأليق بك !"

رباه لا تريد البكاء لقد أقسمت أن لا مزيد من الضعف مرة أخرى او البكاء ولكنها لم تستطع أن تقاوم تلك الشهقة التي غافلتها لتتجاوز شفتيها..مع بركة دموع لمعت في عينيها"

اقترب زاحفاً على ركبتيه نفض الرمال العالقة في أنامله..أمسك بيديها ضاغط عليها وهو يشير برأسه رافضاً أن يرى دمعة أخرى تزرف منها..أحست بغصة تخنقها بينما أصابعها تتقبض حول أنامله رافضة تركه وهي تعيد سؤالها بحرقه:"أخبرني ماذا أفعل لأكفر عن ذنبي لتسامحني"

زاغت نظراته بينما أنامله تتبعها يتخلل أصابعها بهم متاشبك معها بقوة وهو يشير بيده الأخرى:"انا كنت أخبرتك بما يجرحك أخر مرة ولكن ؟! ..انا الآن لا أعرف..لا أعرف ! "

يديها تمسكت فيه بقوة قابضة عليها عينيها كانت فيها تلك النظرة اليائسة المتعبة المستسلمة بما آل اليه حالهما..حطت ذقنها على تشابك يديهم المستريحة على ساقيها..تتأمله بتعب ثم تمتمت ودمعة أخرى تهبط رغماً عنها لتحرق بشرة كفه:"أحبك..وسأحبك ما حييت..وأعدك أن لا أكف عن مطاردتك عن تذكيرك انك لي..حتى لو عنى هذا أن تكرهني أن تدفعني عنك..انا أحببتك قبل العمر بعمر يا أيان..حتى اني أعرف الآن اني لن استطيع فعل شيء آخر غير حبك"!

إرتسمت إبتسامة مرتعشة على شفتيه وهو يمرر يده فوق وجنتها الناعمة يمسح دمعتها بهدوء..ثم ما لبث أن أشار مستسلماً:"صعب..أن أتفوه بكرهك..كما هو صعب أن أبادل أخرى المشاعر وأنا أنتمي إليك وحدك"

انتعش الامل بقلبها وهي تضغط على يديه أنفاسها كانت غير مستوية كانت قادرة فعلياً على أن تسمع خفقات قلبها العنيفة عينيها تحدق فيه بوجل وكأنها لا تصدق انها استطاعت تهشيم دروعه أن يستسلم برد فعل أخيراً معترف بمكانتها لديه:"الكره والحب وجهان لعملة واحدة..بينهما شعرة رقيقة للغاية يخطئ بعض البشر في تقديرها وتخطيها فلا يعرف تحديد مشاعره بينهما..لن أكذب كرهتك بمقدار الحب الذي يملأ صدري..ولكن كرهي كان نابع من وجعي..والآن وانا هنا خارج من حقيقة نفسي الساخطة أعترف لك بكل صراحة...كرهي هذا ما هو إلا خلط  بين وجهي العملة اذ مع كل كلمة كره وجرح نطقتها..كانت تعني اني أحبك رانيا"

أغمضت عينيها متشربة عاطفته العميقة كل كلمة قرأتها مكتوبة  بأنامله على رمال البحر كانت تعنى لها الكثير والكثير أمل كانت تحتاجة دفعة من الصدق تعينها لتحيا لتكمل طريقها..معه..نطقت دون أن تفتح عينيها عارفه انه يراقبها:"هل يعني هذا انك ستمنحني فرصة للتكفير..للعودة اليك؟!"

لم تشعر بأي ردة فعل قادمة من جسده ففتحت عينيها تكتم شهقة ألم تريد ترك صدرها للصراخ والصراخ حتى تشق سكون الكون..تمتمت:"انت تحبني لكن لن تسامحني..لن تشاركني إمرأة قلبك..ولكنك لن تعيدني هل هذا عدل يا أيان"

لم يرد أيضاً ليت الأمر أصبح بتلك البساطة ليته يستطيع أن يرمي برجولته في عرض البحر مثلما فعل معها أول مرة..ليته لم يكن ورّط أخرى معهما!ليته يستطيع أن يعيد ثقته فيها إيمانه بها..يتخطى ذلك الجدار الذي أقامته بينهما..

"انا تعبت"تنهدت بإستسلام..جارح

وضع جبهته على جبهتها كجواب لكل أسئلتها يديه الإثنان تتشابك مع يديها..وحالة الفوضى التي يعيشها كليهما كانت أكثر من كافية في الوقت الحالي ليستسلما لوضع التجمد..

غافلين تماما عن تلك العينان المجروحتان المنهارتان..التي تراقبهما من فوق الحائط الخراسني..لقد كانت تعرف..وهي من أصرت بغباء أن تمنحه الوقت الفرصة أن تكابر علها تنقذ قلبها الغارق في حبه..ان تتمسك بفرصتها معه والتي منحها هو اليها..هي لم تسرقه منها لم تقدم على فعل واحد ليجعل كليهما يتلاعب بها بتلك الطريقة..ليقتلها ليحطم قلبها لأشلاء داعسينه تحت أقدامهم..كانت تبكي بحرقة تتخبط وهي تهرب من مظهرهما المتلاحم لقد كان يهرب منها متحجج بعمل في الجمعية التي لم يأخذها أبداً اليها كما فعل مع رانيا..يتحجج بمواعيد وهمية..اين هي مما كان يفعله مع زوجته الأولي ومعها؟ أين هي من مشاعره المحمومة النارية؟ اين هي من غزله المكتوب..من تدليله الذي رأته بعينيها من عدم تحكمه في تصرفاته كما يفعل مع تلك الخائنة!ربااااه انت توهمين نفسك وتصدقين الكذبة..كذبة أمه واتهامها..كذبة أيان عندما أخبرك انه أبداً لن يعود اليها وها هو يستسلم كطفل صغير يبحث عن حنان أمه..يتحجج للمسها والتشابك معها لمنحها كل نفسه..من انت لتسكني مدن وتحتلي زمن لم يكن أبداً مقدر لك ؟!

"روند"أرجوكِ اخبريني انكِ متيقظة لتسمعيني"هتفتها سارة بهزيان وهي تبكي بحرقه..

اعتدلت على الطرف الأخر ابنة خالتها وهي تسألها. بقلق:"سارة ما بك..انا معك حبييتي"

"أيان يخونني..يذهب اليها يلمسها يتواصل معها و..ويقبلها..يحتضنها وبعدها يتحجج بنظريات علم نفس غبية؟!"هتفت بهستيرية

تنهدت روند بحزن ثم قالت بنبرة لاذعة :"يخونك!مع زوجته..هل تعني هذا؟!"

هتفت بحرقة وكأنها تنكر الأمر تعاند الاعتراف والاقرار بأمر يسلم به الجميع:"ليست زوجته..مجرد طليقته الغبيه..أقر مراراً انه إنتهى منها لم يعد يريدها سببت له المشاكل الحزن لم تكن تسعده..لم لم..اااااااه أخبريني ما الذي أفعله بنفسي؟"

صمتت فقالت روند برفق:"ما تفعليه بنفسك ما حذرتك منه انا وأمك..ورفضتي بإصرار الاستماع إلينا..سارة لقد نبهتك انه سيأتي اليوم ليسامحها ليحن اليها ليعود وكل ما تقوليه هو امر طبيعي تماماً..وربما انت فقط محظوظة..انه لم يمضي قدما بالزواج..والا كانت أصبحت مصيبة!!"

رمشت بعينيها تحاول السيطرة على دموعها لن تكبح الألم الغائر في قلبها..ثم قالت بإضطراب:"ماذا تعني..ربما ما يمر به حنّين غبي..وهي وهي تؤثر عليه بإجتذابه بالعاطفة الجسدية التي كانت بينهما..هي فقط تريد كسب الحرب..علي"

قاطعتها روند وهي تقول بهدوء:"لا أذكر أبداً أنها اقتربت منكِ حاولت أن تعيرك إنتباه..هل فعلت؟!"

امتقع وجه سارة وهي تقول:" لم تفعل"

أسرعت روند تقول بحزم:"ولن تفعل أبداً,لانك لستِ اهلاً للنزاع من الاساس !كما أحب أن أخبرك أن كلام تلك الإيناس..كذب هي إمرأة حقيرة..تحاول تضليلك لتصل لشيئٍ ما على أيان ورانيا"

"وكيف انت تعرفي هذا؟؟ هذه مجرد نظرية"

فكرت روند محللة كل كلمة من ابنة خالتها على مدار ثماني أشهر مدة خطبتها ثم قالت بهدوء:"لقد رأيت في حياتي من الكسر والحزن وحقارة البشر..ما يجعلني أعرفه عن بعد ملايين الأميال..سارة اسمعيني كم يجرحني أن أخبرك..انكِ الدخيلة هنا شرير الحكاية..هي زوجته محبوبته رغم أنفك ورغم قلبك الذي ينبض بحبه..ولكن ليس لك مكان..هل تريدي أن اخبرك كم حالة عانت مثلك من أمر مماثل"

لم ترد فقط شهقات متقطعة مكتومة كانت ما تصلها..إغتصبت روند كل هدوء أعصاب وهي تقول بصوت تدرج فيه الالم:"أعرف قصة مماثلة إمرأة غبية أحبت رجل حب جنوني حب تعدى المنطق والمعقول واستطاعت أخيراً كسبه وتزوجها ولم تكن تعلم أن الحبيب قلبه ملك لأخرى..عاشت معه وأنجبت طفلتهم الاولي..ولكنه أبداً أبداً لم يمنحها قلبه فقط جسد بلا روح حزين ذابل متعب..كان رجل ميت فقط يُطفئ حاجته الجسدية بها مرة كل شهر إن استطاع..وبعدها اتى يخبرها بحبه الشديد لأخرى..كانت الفرحة تتراقص في عينيه لأول مرة يرقص طرباً وهو يقول انه سيتزوجها حبيبته عادت اليه..وكأن الغبية الأولى ليست بشر لا تعني شيء لا تهمه..صمتت روند لبرهه تبتلع ذلك الوجع الكامن..بداخلها

فسمعت صوت سارة المرتعش يخبرها"روند؟!"

لم تكن تعلم أن ابنة خالتها الشابة الصغيرة..تسيطر على نفسها بصعوبة أن لا تنهار أن لا يسبقها دمعها أن تسمح بهشاشتها وضعفها للظهور وهي تكمل:"هي فقط سمحت له بالزواج عله يجد سعادته المفقودة..ولكن هو لم يتوقف عند ذلك الحد..بل كان يحكي لزوجته الثانية عن مدى كرهه للأولي يراسلها وهي بجانبه أنه يكره ذلك اليوم اليتيم الذي منحه لزوجته الاولي وابنته بأنه يتعهدها أبداً أبداً أنه لن يمسها إلا مجبر كل عدة أشهر حتى لا تأخذ الأمر حجة..علي كل حال هو لم يكن مجبر للمسها اذ كانت مشاعره باردة نحوها حتى رجولته تتكابر على أنوثتها فيتمعن بإذلالها.."

"أنا اسفه سارة أسفة حقاً انتِ اختى  وصديقتي وحبيبتي ولكني قد كرهتك كرهتك بشدة لأنك بالفعل شرير الحكاية"

بكت..بكت كما لم تبكي أبداً بحياتها صوت نشجيها العال جعل قلب روند يتعاطف قليلا وهي تقول:"اسفة لقسوتي..ربما الحكاية مختلفة ولكن ضعي نفسك مكان زوجته..أشعري مثلها يا سارة..او حتى ضعي نفسك مكان تلك الزوجة الغبية التي أخبرتك قصتها وتخيلي أن يتزوجك ثم يعيد زوجته وبالمناسبة هذا سيحدث مليون بالمئة .تخيلي أن يعيش كل مشاعره معها وانتِ مجرد واجب ثقيل على قلبه"

كان كلامها أشبه بسياط تجلدها جلداً كصب الزيت على النار المتقده بالفعل"أخبريني سارة..هل قبلك أيان أذكر أنكِ كنت تخبريني بحرقه انه رجل ناري المشاعر لا يستطيع ضبط نفسه..اممم بحسبة بسيطة يا ابنة خالتي رجل مطلق منذ أشهر وخطب أخرى يماطل في الزواج وأبداً لم يقترب منك كأي خطيب متهور..كيف تتخيلي حياتك معه"

"يكفي روند يكفي"

صمتت مجبرة تمنح إبنة خالتها الوقت الكافي للملمت نفسها

تدفقت الدموع من بين عينيها وهي تهمس بحرقة:"ماذا عليّ أن افعل؟!"

لم تترد روند أبداً وهي تقول بصوت قاطع كشفرة باترة حادة:"إنجي بنفسك وقلبك قبل أن تقتليهما مع رجل لن يحبك يوماً..لا تدمري نفسك بيديك وتعودي للبكاء على اللبن المسكوب..لا تسمحي أن تفرضى نفسك وتذليها لرجل لم يستحق ظفرك..اللعنه عليهم جميعا من قال اننا نحتاج اليهم؟!

همست كمن يلفظ انفاسه الأخيرة متعشمة في نجاة باهتة:"انا احبه؟!"

ارتسمت ابتسامة باهتة على شفتي روند..وهي تقول:"كل حية رقطاء تقول حجتك تلك..انها تحبه ولم تفعل شيء خطأ...هي ليست المسئوله عن مشاعرها..قولي ما تقوليه سارة ولكن ستظلي خرابة بيوت حرباء متلونة.. حاولت سرقة ما ليس لها"

صرخت سارة رغماً عنها:"روند انا لست مثلها وأيان أبداً لن يكون شبيه بهذا الوغد"

لم تهتز نبرة روند وهي تقول بقوة:"ربما هذا المهندس ليس بشبيهه اذ انت هنا المتطفلة على الحكاية ولأخر مرة أخبرك ابتعدي عنه وإحفظي ماء وجهك..تجنبي الألم..لأن أياً ما تشعري به الآن لن يضاهي أبداً..شعورك بالبرود والثلج وانتِ بين ذراعي رجل يلمسك ليعف نفسه..او حتى مجبراً..رجل يحمل رائحة أخرى يغرق فيها عشقاً..رجل وسط غمرة حبه لن يعيرك انتباه او يعترف بوجودك..لا شيء في الدنيا يجبرك على فعل هذا بنفسك!"

عم الصمت لفترة طويلة بينهما لا يتخلله الا أنفاس كلتاهما قبل أن تقول سارة بتهدج:"متى تعودي أحتاجك..انا أحتاجك جداً بجانبي..وانتِ تحتاجينا كفاكي هروب روند!"

أغمضت روند عينيها بقوة قبل أن تقول:"عندما يتوقف نزيف قلبي..قد أعود..وداعاً سارة آسفة مرة أخرى لقسوتي ولكنكِ كنتِ بحاجة لمواجهة حاسمة مع نفسك وانا فقط منحتك إياها"

ثم أغلقت الهاتف دون أي كلمة أخرى وكأنها لا تطيق صبراً أن تنزوي وحدها مرة أخرى بين جدارن تلك الغرفة العفنة في منفاها وغربتها تحتضن ابنتها بقوة..ثم تنهار في البكاء من جروح يُصِر الجميع على فتحها كلما إستطاعت أن تغلقها..

*************************

"يا خيبتك يا أركان..يا سوء بختك,لم تخلص من جنون واحدة فيأتيك ثلاثة هرمونات..هرمونات في كل مكان..هذا ظلم بين..منك لله يا ابنة مختار منك لله"

فغرت صفاء فاهها في ذهول وهي تنظر لإبنها ووحيدها يقطع الشقة ذهاباً وإياب يلطم وجهه تارة ويخبط رأسه في الحائط تارة يلوم نفسه ويسبها منذ سمع خبر أن توأميه فتاتين..

إلتفت صفاء لزوجة إبنها التي تفترش الأرض تأكل 'سندوتشات كبدة وسجق' يبدو أن المتعوس إبتاعهم لها كالعادة من اسوأعربة مأكولات بالشارع..ثم قالت:"انتِ يا خائبة الرجاء..تحاملي على نفسك قليلاً وهدئي لوعة زوجك الذي قارب على أن يفقد عقله"

نظرت ديالا لكليهما بعينين متوسعتين ثم قالت بنبرة طبيبعية تماماً كأنها تخبرهم عن حالة الطقس:"من؟ إبنك!!هل تمزحين انه ليس لديه عقل بالفعل فكيف سأحافظ على شيء غير موجود من الاساس"

وبدل أن يندب أركان حظه فقط؛  جلست والدته على أقرب مقعد وهي تدب على وركيها بقلة حيلة تنوح بالقول:"يا ميلة بختك يا صفاء يا شماتة الأعادى بك..لا إبن ولا زوجة إبن يحملان ذرة عقل..ماذا فعلت انا وتلك المسكينتين لنبتليّ بكما!!"

أخذت ديالا قضمة كبيرة أخرى وهي تنظر لهما نفس تلك النظرة الفضولية والتي إمتازت مؤخراً ببعض بلاهة الحمل.  سمعت أركان يهدر بالقول :"من أين تأتين بكل هذا البرود..انا لم أستوعب حمل بإثنان دفعة واحدة..لتتحفيني انهما فتاتين يا مفترية"

قالت ديالا على الفور ببرود:"هذا على أساس اني برعم إنقسمت على نفسي.. ألم تشارك جنابك في تلك العملية الخارقة بأي جانب"

إبتسم بخبث وهو يجلس بجانبها متناسياً أمه تماما وهو يقول:"انا لم أنكر مشاركتي ومجهودي ليلتها ولكن هل تعتقدين أن هذا التلقيح حدث من أول مرة..أم عندما إستيقظنا صباحاً تعلمين ربما في مرة..."

"أركان"هدر صوت أمه قاصفه إياه بينما غصت ديالا بالطعام مما دفع أمه تهرول تمسد على ظهرها وتمحنها بعض الماء ثم قالت:"يا مكشوف الوجه والله لديها كل حق فيما تفعله فيك..كنت في جره يا إبن بطني؟!"

إحمر وجه ديالا بشكل مؤلم من الخجل ولم تستطع الرد ربما علاقتها أكثر من جيدة وتجاوزت حدود حتى علاقة إبنة بأمها ولكن مؤكد علاقتهما الخاصة..لم تكن متاحة للمزاح على الملأ"

ولكنها لم تستطع أن تصمت عندما قالت:"هذا ما يفعله الحرمان خالتي المسكين لا يصدق نفسه أني سمحت له..أن يثبت نفسه"

غمز أركان مصفراً في الهواء ثم قال بخبث:"لقد أثبت نفسي ومن أول مرة وبإثنين..كما أن الفراش الذي تهالك بالأعلى يشهد على إثبات من انا بكل مصداقية..كما القطط بصحيح تلتهمي وتنكري تعبي"

إحمرت أكثر وقالت بحنق:"أنا أيضاً أتعب..لماذا انت من تأخذ الفضل كله يا منحرف"

وضعت صفاء يديها على أذنيها تصمهما بشدة وهي تقول مولولة:"إخرسي انتِ وهو..هو المنحرف وحده؟!انتما الاثنان تستحقا قص ألسنتكما إحترما وجودي على الأقل"

تنحنح أركان مجلي صوته ثم توجه الى أمه يُقبل رأسها وهو يقول:"أسف يا غالية ولكن الصدمة تجعلني فاقد الإدراك"

قالت ديالا على الفور ممتعضة:"انت فاقد الإدراك والتأهيل من يوم معرفتي بك..لا تحمل بناتي الذنب"

قبل أن يدخلا في جدال أخر تعلم اين سيصل بهما قالت صفاء بشماتة:"والله انت تستحقهم ليتها  حملت لك في اربع بنات مره واحده..لترى النجوم في عز الظهر كما اتعبتنى معك؟!"

ضيق أركان ما بين عينيه وهو يقول:"لماذا أشعر أن الجميع يشمت في"

قالت صفاء مؤكدة:"بالطبع أشمت فيك وان كان الأمر يزعجك يا حبيب أمك أتمنى لك المزيد من التوائم ولا مانع أن يكنّ فتيات!"

قال في ذهول:"هل تعني انكِ..سعيدة بهن فقط لإغاظتى ..ظننتك ستغضبي أوتكرهين تلك الحمقاء أخيراً لأنها لم تأتي لكِ بِالصبِي الذي كنتِ تحلمين به"

شهقت صفاء بإستنكار وقالت:"أكره ديالا أنت تحلم..يا حبيب أمك..أقسم بالله انها أغلى منك يا أحمق يكفي انها لم تتعب قلبي يوماً..حبيبة ومطيعة أما عن الفتاتين فأنت المسئول يا موكوس ما ذنبها هي؟!"

ضيق ما بين عينيه وهو يقول بإستهجان :-" وماذا عنى هل انا إبن الغسالة ؟! ...ام وجدتينى علي باب جامع "

امتعضت شفتي صفاء وهو تقول بتهكم :-" لا يا حبيب امك انت أخرك انى انتشلتك من احد الأزقة المظلمة ؟!"

إدعى أركان الحزن وهو يقول بإستسلام:"هيا بنا يا ديالا لقد تحطم قلبي للتو..ومعرفتي مقداري لدى أمي"

أمسكت صفاء بذراع ديالا بقوة وهي تقول بحزم :"إصعد وحدك..ديالا صودرت بأمر مباشر مني حتى تضع طفلتيها بالسلامة..لن أسمح لك بإستغلالها أكثر من هذا!"

إلتوت شفتيه ثم قال:"بالطبع تلك مزحة..انتِ لن تفعلي بي هذا؟! كما أنها لديك طوال اليوم بالفعل..وفقط ستقضي معي سواد الليل"

هزت صفاء كتفيها ببرود وقالت بفظاظة:"يُحنن عليك يا قلب أمك..كان فيه وخلص..الفتاة حامل بتوأمين وفِي شهورها الأخيرة وسأكون عديمة الرحمة..ان تركتها بين اسنانك !"

قال أركان بدهشة:"وهل أنتِ رحيمة بمنعي عن زوجتي..أنا لن استطيع البعد عنها ولم أعد أستطيع النوم إلا في وجودها"

أدارته صفاء تزيحه لخارج الشقة وهي تقول:"تعود يا غالي..أو حتى عنك ما نمت..المهم أحفادي وهي"

أخرجته بالفعل وأغلقت باب الشقة .بقوة كمن كسر وراءه إناء فخاري..ظل أركان مكانه لدقائق مذهول تماما لا يصدق ما يحدث هل طردته أمه وزوجته للتو"يا ميلة بختك يا أركان بل هن أربعة نساء أربعة يا رجل بهرمونات متقلبة ومزاج عكر لا تعرف له قلبة من عدلة..أربع نساء بمزاج ناري وبارد..أربع كائنات مدمرات المتبقي لك من عقلك هذا غير عادل أبداً"

**********************

عاد أركان ليلاً مرهق متعب لقد كان العمل في المطعم تلك الليلة شاق بشكل لا يصدق خاصة أن رانيا تذهب قبل السابعة مساًء ويصبح كل العمل حتى الرابعة صباحاً على عاتقه وحده..من إشراف على العمال والطباخين وتقفيل الحسابات لنهاية اليوم..!

وصل المصعد أمام شقة والدته..ووقف أمام باب المنزل متردد للحظات..نفخ بتعب لقد حاول الليلة الماضية أن يحصل على زوجته وكل المحاولات باءت بفشل ذريع..مع رفض أمه وإصرارها على فصلها عنه بحجة الخوف على شهور حملها التي تقدمت .ولكنه يريد أن يحتضنها بين ذراعيه يضمها برقة على صدره يمازحها بغضبها حتى تبكي بمزاجها الكئيب مؤخراً فيهرع لمراضاتها مُقَبِلاً وجهها الذي يحمر أثر الإنفعال بإستمتاع يفرد ذراعه طوال الليل دافنا وجهها فيه  لتستنشق رائحته  وأحلى ما في هذا الأمر اشتهائها اياه..فلم ترفضه ولا مرة واحدة بل ما فهمه أن مجنونته تتوحم بطريقة ما على علاقتهم الخاصة!!

هاتفها وإنتظر إجابتها وفور أن أتاه صوتها الناعس قال بصوت أجش: "معي هريسة ساخنة وبعض حبات الفريسكا الطازجة أتيت بها خصيصاً الآن من أجلك"

إهتمامه وإصراره..مراعاته ومحاوطته تجعلها تشعر أنها طائرة على بساط سحري فوق السحاب..لن تستطيع القول انها نست بعض من الألم ولكنها راضية راضية تماما عن ما وصلت إليه علاقتهما..رباه  هي تحب هذا الرجل وإن ظلت مليون عام أخرى يدق قلبها بعنف بالألم ستظل تردد انها تعشقه..ردت عليه برقة وجمال:

"ولكن أنا لا أريد هذا..بل مشتاقة إليك أنت"

همس بفورة عاطفية:"اذن إسمحي لي بالدخول أكاد أجن لإحتضانك"

همست بخفوت:"لن أستطيع خالتي حملتني أمانة أن لا أسمح لك برؤيتي أو التسلل الى هنا لقد كانت تعرف ألاعيبك؟!"

نفخ بحنق وقال :"أي ألاعيب بحق الله أنتِ زوجتي يا بطة..إفتحي الباب بالله عليكِ أكاد أجن لتقبيلك"

لمعت عينيها وذاب شيء في ملامحها مدفئاً قلبها الذي كان يعاني من برودته ثم قالت:"إممم سأفتح الباب وتطبع قبلة على جبهتي وتنصرف اتفقنا!"

انه سيكون ملعون إن لم يستغل الفرصة لقد تخلص من مختار لتظهر له أمه وتحرمه منها:"بالطبع حبييتي بالطبع هيا صغيرتي المطيعة لقد بردت حلواكِ!"

وضعت هاتفها على الفور ثم تسحبت من غرفتها الى الباب بحرص حتى لا تكتشفها أمه..فتحت الباب رويداً رويداً وهي تنظر بتوتر أزاحها أركان برفق ودخل مغلق الباب ورائه دفعها برقة الى الحائط ثم إستند بذراعيه فوق رأسها محاولاً أن يهدئ نبض قلبه حتى لا يتهور ويضرها بالفعل يوماً واحداً بعيداً عنها يجعله يفقد عقله وإتزانه..كيف كان غبي وأبعدها عنه متمسك بكبرياء أعمى:"كيف حال بناتي"

يديها تسللت تستند على صدره وهمست:"بخير انه يوم واحد تتحدث  كأننا غبنا لأعوام"

يديه داعبت وجنتها المخملية المتوردة وهو يقول بصوت حار:"لقد أضعنا الكثير منا بسبب الفراق بالفعل وما عُدتُ قادراً على الإبتعاد ليلة واحدة بعد أن تشربت معنى وجودك ودفئك وحنانك..صعب أن أتذوق كل هذا فأدمنه ثم أفقده مرة أخرى"

قالت برقة حنونة:"انت لم تفقدني ولن تفقدني أبداً..أنا دائماً معك"

"أريد أن أضمك الى صدري بقوة"

ضحكت:"وما الذي يمنعك"

إبتسم وهو يحاوط كتفيها وببطئ كان يسحبها اليه شيئاً فشيئا وهو يقول:"الحاجة صفاء جعلتنى مرة واحدة أرتعب من فكرة أني أناني وقد أضُرك بالفعل!"

إستطالت على أصابع قدميها  بين ذراعيه ثم قبلت وجنته برقة وهمست: "الغرام بين المتحابين لا يؤذي يا أركان بل يزيد توهج يمنح تلك الطاقة والأمل والإستقرار العاطفي والجسدي..لقد تجاوزت أصعب شهور الحمل بسبب حنانك وإهتمامك فلا تستمع لأحد ولا حتى الطبيية فأنا أدرى بنفسي منهم جميعاً"

حاوط خَصرها بذراع والأخرى مسد وجنتها بلطف وإنحنى يطل عليها وهو يقول بصوت أجش :"إذن لو حملتك الى غرفتك القديمة الآن لن تمانعي"

عضت شفتيها برقة ثم قالت:"أمك ستستيقظ..أنت..أنت إممم دعني أقول أنك لا تسيطر على مشاعرك بشكل جيد ستتسبب لنا بفضيحة"

مال يُقبل خديها ثم إنتقل لشفتيها فإستقبلته بنهم أغمضت عينيها ورأسها تراجع للوراء سامحة لفمه أن يهبط نحو نحرها ويمتد الى الأسفل مانحها المزيد فتمتم أركان بصوت أجش من فوق بشرتها :"أعدك أن أضع نفسي على الوضع الصامت"

ضحكت من بين أنفاسها اللاهثة وهي تقول:"أنت كاذب فاشل"

حملها برفق أخيراً بين ذراعيه حريص تماماً على حملها الثقيل بصغيرتيه..ثم قال بجدية:"ولكني لم أكذب عندما أخبرك أن وزنك ثقيل يا بطة..وزاد ثقل بكرشك الذي أصبح كالبالون"

كانت مشغولة تماماً في نثر قبلاتها على وجنتيه وعنقه..لذا لم تغضب او حتى تنزعج وهي تقول:"ولكنك قلت بنفسك أن هذا الكرش يجعلك تشعر بالفخر والإنجاز..أما عن وزني إحملني وانت صامت دون تذمر"

دخل الى الغرفة وأغلق الباب بقدمه ثم وضعها على السرير الضيق برفق..وإبتعد يخلع ملابسه سريعاً بتعجل..ثم عاد اليها يرفع قميصها القطني المخصص للحمل..يمرره من بين ذراعيها وشفتيه تطبع قبلات عميقة على إنتفاخ بطنها ثم تسللت قبلاته بخط مستقيم الى الأعلي مما جعلها تزفر نفس حار وهي تدفع كفيها في شعره الكثيف وهي تهمس: "مؤكد أنا بي شيئاً خاطئ..أنا أحب هذا..أشتهي رائحتك وقربك على الدوام!!"

وصل الى وجهها وإرتكز على مرفقيه حريصاً أن لا يضع ثقل جسده عليها..ثم إبتسم لها بحنان وعشق ينبض من بين عينيه الداكنتين وهو يقول:"انتِ تحبيني أنا ويبدو ان بناتك يعشقاني بطريقة ما..لذا كل هذا يتضامن عليكِ لتحبي كل ما يصدر مني"

إستطالت بوجهها قليلا وقالت بضعف:"أحب لمساتك لي..قبلاتك تلك التي تتسم بالحنان والرفق والرقة الخالية من الغريزة..رباه أركان تلك القبلات حلوة..حلوة لذيذة ممتعة بشكل لا يصدق"

مسد جانب شعرها وهو ينظر لها محتوي اياها..لقد كان الأمر أبعد مما تشعر به أو تفسره..كانت ديالا جائعة لعاطفة الأبوة للرفق والتفهم..لمن يربت عليها دون غريزة فهو يعرف أنها تحب كل فعل يَصدُر منه ولكن تلك العاطفة التي تحتويها عندما يصدر منه رد فعل عفوي يجعلها تلتحم به أكثر مطالبة بالمزيد من ذلك الرفق الأبوي دون أن تتجرأ وتطلبها..

همس بجدية:"أستطيع منحك تلك القبلات ونؤجل باقي الأمر للغد"

جذبته من كتفيه وقالت من بين أسنانه:"إفعل هذا كي أقتلك"

عندها فقط عادت ضحكاته تصدح في الغرفة وقبلاته تغزوها في أماكن ما كانت تعرف أبداً بأن شفتيه قد تطولها..يديه تجتاحها بدون رحمة وتلامسها بجراءة..كانت تشعر بأنها تضيع وتضيع وسط غيمات عاطفته المتملكة الضارية والمتمكنة..لم تعلم ما الوقت الذي مضى على دوامة عشقهما... تائهة كالعادة  تتلمس طريقها في محاولة مجاراته وتوديع خجلها والسيطرة على ذهولها المعتاد إثر غرامه متعدد الطرق!

إنتفض جسديهما المتلاحمين وأنفاسهما اللاهثة توقفت تقريباً وهما ينظرا للباب بذعر عندما أتى صوت أمه القلق يقول:"ديالا حبيبتي ما تلك الأصوات؟هل انت بخير؟هل تتألمين؟!"

همست ديالا بحلق متورم من الإحراج:"يا الهي..ما تلك الورطة؟!إبتعد عني إهرب من هنا"

رفع أركان شفتيه بإستنكار وهو يقول بخشونة:"نعم يا حبيبة خالتك..هذا على أي أساس؟!هل أتيتُ بكِ من جانب الطريق؟!"

عندما لم يجيبها أحد قالت صفاء بحزم:"ديالا سأفتح الباب.."

عندها فقط صرخ كليهما بِجَذْعٍ في صوت واحد :"لا خالتي.....لا أمي"

شهقت الصدمة العنيفة من خلف الباب أوضحت لهم جيداً حالة المرأة المسكينة..من الصورة التي مؤكد رسمت بعقلها ...رابطه اياها مع أصواتهم

ثم سرعان ما هتفت وهي تهرول من أمام الغرفة:

"الله يخيبك..يا أركان,يا عديم الأدب..يا مكسور النموس أمامكما عشرة دقائق لتخرجا من منزلي حالاً والله إنك لم تربى لا أنت ولا زوجتك"

همست ديالا بقنوط:"هل هذا إتهام ام إقرار حالة؟!أنا لم يتم تربيتي بالفعل..وانت أيضاً الأرض هي من ربتك اذاً عملياً نحن الإثنان لم ننال اي نوع من التربية"

ضحك أركان بقوة وهو يدفن ذراعيه تحتها ليديرها في لحظة خاطفة فتصبح أعلاه...ثم قال بعبث :"وبما أننا ضبطنا ولم نربى..فأنا لن أتوقف حتى أنال زوجتي"

شهقت معترضة:"خالتي قالت"

لم تكمل وهو يعود يجذبها مقبل شفتيها بعنف وقال بخشونة:"خالتك من تدخلت وفرقت بيننا وعليها أن تسمع  نتيجة فعلتها..وترى  ما جنته يداها"

وقبل أن تعترض مرة أخرى كان يعود ليجذبها اليه بنواياه الواضحة.. سوف ينال زوجته كما يريد..وفِي أي مكان ...

********************

أطلقت رانيا شهقة قصيرة ضاحكة وهي تقول:"وداعاً..للفراشات والجنيات وأحلام المراهقة البريئة"
أرجعت ديالا ظهرها على المقعد بأريحية وهي تقول ساخرة:"لا تقولي أنك صُدِمتي بي أنتِ الأخرى..بحق الله كيف خُيل لكِ انتِ وخالتي حدوث الحمل"
إلتفت رأسها بقوة ورمقتها شزرا وهي تقول:"حدوث الحمل شيء والوقاحة التي تتحدثين بها شيء مختلف تماماً"
إمتعضت ديالا وقالت بنبرة لاذعة:"سامحينا في خدش حيائك أنسة رانيا"
صمتت ثم أضافت بنبرة ممتعضة:"أنا فقط أسألك عن حل لإيقاف مزاج المدمنين هذا و الذي لا أستطيع التخلص منه"
هزت رانيا كتفيها ببرود ثم فتحت كفيها بعجز وهي تقول ساخرة:"إذن إتلم الخائب على المتعوس ومن أين لي أن أعلم بما تقوليه؟!أنسيتي أن من أمامك لم تمر بشيء مشابه قط"
عضت ديالا على شفتيها ونظرت اليها ندماً..ثم قالت بتوتر:"أنا لم أقصد..ما بالك أصبحت تتعاملين مع الأمر بكل هدوء؟"
أخذت رانيا نفساً عميقاً قبل ان تقول:"أخبرتك مسبقاً أنا أُجمد الألم حتى أستطيع التعايش معه..تستطيعين القول أنه نوع من إنكار الواقع"
"ألن تعيدي التفكير في العلاج"
وقفت رانيا من خلف مكتبها وتوجهت الى أختها ثم جلست على ركبتيها تداعب بطن ديالا بحنان وقالت بصوت أجش:"ان طفلتيك قد أتيا في الوقت المناسب تعويض ورحمة من رب العالمين..وكأنه يصبرني على ابتلائي وأنا حقاً راضية يا ديالا وسعيدة..سعيدة للغاية بطفلتيك وكأنهما ينبضا بداخلي انا"
إختنق صوتها تماماً وتحشرج ثم قالت ببهوت:"أما عن العلاج..أخبريني لأي سبب أفعلها وهو يتمسك بغبائه؟!"
إنحنت ديالا تربت على رأس أختها بحنان..ثم مالت أكثر وفتحت ذراعيها لتحتضن رانيا بقوة فبادلتها رانيا العناق دافنة رأسها في كتف ديالا وللحظات طويلة ظلت الفتاتان ساكنتان مكتفتين جداً ببعضهنا..همست ديالا أخيراً بصوت مختنق:"نحن معاً في هذا هل تتذكرين..ألمك هو ألمي وسعادتي ملكك..لن يشعر بكِ أحد أو يخفف عنكِ مثلي نحن واحد رانيا أرجوكِ لا تخفي عنى أبداً وجعك بل سنتشاطره سوياً"
ضمتها رانيا بقوة أكثر ثم قالت بهدوء:"توقفي عن دراميتك يا كئيبة انا بخير أما عن المشاطرة انتِ أنجزتِ بالفعل وأتيتي بتوأمتين..فلم أعد أريد منكِ الا مشاركتك بواحدة منهن"
إبتعدت عن ديالا برفق ثم قالت مدعية الرعب:"ولكن أرجوكِ..ركزي لا أريد إحداهن تشبه أركان تلك ستكون كارثة ومصيبة لن نستطيع التخلص منها"
ضحكت ديالا بتقطع وهي تمسح دمعة غالبت مقلتها ثم قالت بتبرم:"بكل حزن العالم أبشرك أنهن من المؤكد سيشبهانه..أخبرتك ان مزاجي أصبح يشبه المعاتيه..لقد وصل بي الحال أن أشتم ملابسه المتسخة بمتعة!! مستمتعة جداً وكأنها أغلي العطور الفرنسية.."
إدعت رانيا الذعر وهي تقول بتحسر:"مسكينة يا حبيية أختك حالتك أصبحت ميؤس منها"
" هل انتهت الحفلة المقامة للتنكيل بي"
إلتفتا اليه ببرود ولم يصدمهن ولم تهتم إحداهن اطلاقاً بأنه سمع ما قيل..إعتدلت رانيا على كعبي حذائها برشاقة ثم قالت:"سنكتفي بهذا في الوقت الحالي أريد ان أذهب للمطبخ..فوقت الذروة قد إقترب"
تحرك أركان ليجذب ديالا من جلستها ثم جلس وجذبها فوق ساقيه مسيطراً على زمجرتها العنيفة ومحاولتها الباهتة للإفلات منه وهو يقول:"كل المؤن دخلت المخزن منذ دقائق..كما أني أشرفت على التعديلات والطاولات التي وضعت في المنطقة الجديدة..نحن جاهزين  الآن لإستقبال عدد أكبر"
خرجت رانيا من الغرفة وهي تقول بصوت حيادي غير معنيه بمشهدهم  هذا وقد اعتادته:"تستطيع أخذ استراحة والإهتمام بزوجتك..أنا سأشرف على المتبقي وسأكمل الناقص"
............
" هل تريد ان تتسبب لي في فضيحة أخرى..ألن تتعقل"
أمسك ذقنها بين أنامله ثم قال بصوت خافت مقبلا زاوية شفتيها:"وماذا فعل المتعقلين؟!كما أن من حقي أن أستغل كل دقيقة معكِ قبل أن تنشغلين عني"
حاوطت ديالا عنقه وهي تتمتم:"لن أنشغل عنك وأريد وعداً منك أن لا تتركني وطفلتاي..أن تشاركنا كل دقيقة من حياتنا أن لا تبتعد وتتحجج بالعمل وجني المال"
تمتم أركان وهو يخفض وجهه اليها  ويده تحاوط خَصرها موازن جسدها على ركبتيه:"لن أفعل أعدك"
ولكنها لم تتوقف عن طلب أمانيها..ولم تلتفت لقبلاته التي أصبحت أكثر تطلباً وهي تقول باختناق:"أريدك أن تكون هنا مع أول كلمة تنطق بها إحداهن..مع أول خطوة وأول وقوف..مع أول تبرم ونطق كلمة لا..أريدك في ليالي الشتاء تهرع إليهن تدفئ الصغرى وتأخذ الكبرى بين ذراعيك..ان لا تخجل بوضعهن على كتفيك والجري بها في الشواطئ..تشاركهما الألعاب و تسهر معنا أمام التلفاز..أريدك بأول يوم في المدرسة أن تكون أخر من يودعهما وأول من يستقبلهما..أنا أريد ان تظللنا بحنانك وعطفك وأن تكون كلمة أبي فعلاً لا قولاً..سند وحماية فقط أريدك بجانبي..أن لا نفقدك ولا نتوه منك"
لم تعلم ان فمها كان يتقوس بالحزن بالمرارة ويديه تتشدد حولها معانقاً اياها بقوة..تهدج صوتها وهي تقول بنبرة أجشة:"لا أريد مال ولا غنى بل أريدك فقط مع طفلتاي..عدني يا أركان مهما حدث لن تتركنا وتتغرب..أن لا تقسو على طفلتينا مهما إختلفنا معك..مهما تمردن"لانت ملامحه وخفق قلبه بعنف ودفع رأسها ليستريح فوق قلبه..تنهد وهو يقول بخفوت:"لا تخشين على صغيرتينا مني..لا داعي ابداً لمخاوفك يا ديالا..اذ لم يعد في العمر ما يستحق إهداره للجري وراء السراب..أنا إتخذت قراري منذ أن علمت بحملك سأبقى هنا أنحت في الصخر..عارفاً انكِ ستعيشي معي حتى وإن لم أملك قوت يومي"
أبعد رأسها مرة أخرى يتأمل ملامحها بشغف وابتسامة ناعمة تلامس ملامح وجهه الخشنة وهو يقول هامساً:" أنتن عالمي الصغير الخاص وأنا لا أنوي ابداً الخروج من تلك الدائرة سأهتم بكن سأرعاكن..سأحب الصغيرتين متحملاً جنونهما لأنهن قطعة من قلبك قبل ان يكونا قطعة مني"
" أنا أحبك" همست بتحشرج
ابتسم بهدوء وقال بهمس مماثل:"وأنا أعرف"
***************
دخلت رانيا دون إستئذان تنتفض بعنف..عينيها تدورا بتوهان في أرجاء المكتب..إعتدل أركان من إسترخائه بينما وقفت ديالا سريعاً بما يسمح لها ثقل حملها..وهي تسألها بقلق:"رانيا ما بك؟"
كانت مضطربة خائفة هشة كرانيا القديمة التي تعرفها وهي تقول: "هناك..شخص غريب على الهاتف يهزي بأشياء عجيبة"
رمقها أركان بإهتمام أخ أكبر وسريعاً كان يقترب يجذب الهاتف الذي تخفضه بجانبها..يعيد الإتصال بأخر رقم متصل..انتظر ثوان معدودة وقبل ان يستفسر عن الأمر كان الشخص يجيبه بحديثٍ ما جعل وجه أركان يبهت..مأخوذاً بما قاله المتصل وربما غير مصدق مثل رانيا..أخفض الهاتف متهدل الأكتاف ينظر لكلتاهما ثم تتحول نظراته لديالا بخوف وقلق..لدقائق تجمد الزمن بين ثلاثتهم ولم يعرف كيف التصرف؟رعبه على زوجته وحالتها الصحية التي من المؤكد لن تستطيع ان تتعامل مع هذا الخبر..ثم أعاد نظراته لرانيا التي إنفصلت عن الواقع في رد فعل رافض..استحال لون وجه ديالا للون رمادى وهي تسأل بتوسل:"ماذا هناك أحد يتكلم..أعصابي لن تتحمل ما تفعلاه"
إهتزت عضلات وجه أركان محاول أن يغتصب أي شعور مطمئن فلم يستطع..وبالنهاية إستسلم أن يضم زوجته تحت جناحه ثم يقول بحزم: "يجب ان نتحرك..رانيا ليس هناك وقت!"
قبضة قاسية كانت تعتصر قلبها بشدة..وهي تميز الصور أمامها بصعوبة..أمها تبكي بإنهيار أمام باب الغرفة..أركان يهرول هنا وهناك يدفع المال ويصرخ في الجميع بإيجاد أفضل رعاية طبية أو طبيب أخر يراه و ديالا تجلس هناك على الأرض تنتفض ملتصقة  بالحائط..تحاول إدعاء ثبات كاذب..
إقترب منها أركان يخبرها بحسم:"الأمر متوقف عليكِ الآن سيكون بخير..يجب أن تجمعي شتات نفسك من أجل والدتك"
صوتها كان باهت ضعيف وهي تقول:" لا فائدة الطبيب يقول..ان الوقت فات"
نظر لها أركان بقنوط متذكر حالة الرجل الذي وجدوه عليها..في احدى المشافي الحكومية ملقى في سرير ما يلفظ أنفاسه الأخيرة عقب جلطة أصابته فجاة ..! دون أن ينال رعاية طبية لازمة..فلم يتمهل للتفكير وهو يطلب سيارة إسعاف من أحد المشافي المتخصصة وخلال أقل من نصف ساعة كان دفع المال وإنهاء الإجراءات ونقله لرعاية شاملة
" هدِئي أمك..رانيا الأمر أصبح على عاتقنا انا وانتِ"
جلس أركان على الأرض بجوار زوجته وحاوطتها يداه تمنحانها الدعم الذي تحتاجه..فألقت رأسها على صدره وهي تقول بإرتعاش:"سيكون بخير؟"
لمس بشفتيه قمة رأسها وهو يقول:"ان شاء الله حبيبتي سيكون"
الدموع تدفقت عبر عينيها وهي تقول بتوسل:"يارب..يارب..أنا لدي الكثير لأخبره به..انا أريده ان ينظر لوجهي مرة أخرى ان يعرف عن حفيدتيه"
أغلق أركان عينيه بقوة يداري دمعة ألم مما تهزي به..اي احفاد تخبريه عنهم وهو الذي لم يمنحك انتِ ما إحتاجتي اليه يوماً..أي احفاد يا ديالا وهو من كاد يفقد عقله وهددني عندما علم بخبر حملك..لقد كان غاضب بشدة من يراه قد يعتقد ان إبنته إرتكبت جريمة لا تغتفر..إبتلع كلامه وإحتفظ به لنفسه.
لمسة خفيفة على كتف أركان جعلته يرفع رأسه مصدوم للحظات ثم عقد حاجبيه متعجباً:"أيان..كيف علمت؟ولماذا أتيت؟"
أشار أيان على أذنه ثم جمع كفيه..قبل أن يأخذ نفس يائس وأخرج هاتفه يكتب شيء وقدمه له:" كان في المطعم أحدٌ أعرفه وسمع الخبر..ولم أستطع ألا آتي خاصةً أني أعلم أن لا أحد يساند البنات"
لم يكن أركان ممتناً لوجود أحدٌ ما في أزمته كما هو ممتن الآن..عاد أيان ينظر الى رانيا بتردد والتي كانت تحتضن والدتها بملامح بعيدة تماماً عن المساندة..لم يستطع منع نفسه أن يقترب ثم بحرص كانت كفه تعرف طريق أصابعها يضغط عليها بمساندة وكم تمنى لو كان من حقه أن يضمها اليه في تلك اللحظة..خرج الطبيب أخيراً يهز رأسه بأسى وهو يقول: "المريض يريد رؤية عائلته!"
" ديالا" أنفاسه كانت ثقيلة..صوته أبح غير واضح وهو يشير نحوها فإقتربت ديالا بتعثر لتميل اليه وهي تقول بتحشرج:"هنا..أبي"
" لم يعد هناك وقت..لقد بذلت عمري في الغربة أكتنز المال..أعمل وأقيم العلاقات أنّمي دائرة معارفي..مضيعاً أحلى سنين عمركم متجنيا على والدتكن..."
" بابا" ديالا تقاطعة
الدموع ترقرقت في عينيه وهو يمد يده المرتعشة يلمس وجنتها بحنان لم تجربه ابداً من قبل معه وعاد يقول:"لم أحاول فهمك..أبعدتك عني وعاندتك دفعتك بعيداً رامي كره كاذب في وجههك..فقدتك انتِ وأختك من أجل محاولة سيطرة كاذبة..من أجل غرور إجتماعي ووهم نسجته من خيوط العنكبوت..بيت هش سراب وصممت أن أدفنك فيه وأختك وبالنهاية لا شيء أنا فقدتكما وانتما تكرهاني"
أجهشت ديالا في بكاء صامت وهي تدفن وجهها في صدره..لأول مرة منذ أن كانت بعمر الثامنة.. كان صدره دافئ محتوي شيء لم تجربه ابداً ابداً.. حرمت منه بغير حق
" طاردت الدنيا وإتبعت أهواء نفسي..ناسي أومتناسي أن الموت لا يعرف ميعاد وبأن أهم كنز كان لدي هو انتِ وأختك"
إعتدلت تمسك بيده وهي تقول باكية:"ستكون بخير لا تقل هذا..وستعود تضطهدني ولكن أعدك هذة المرة ألا أعاندك"
أغمض مختار عينيه أخيراً يهمس والكلمات تخرج من فمه بصعوبة:"انا أسف لإبعادك عني..أسف لأني لم أخبرك من قبل اني أحببتك..انا لم أكرهك ابداً يا ديالا بل كنتِ دائماً حبيبة قلب والدك وصغيرته"
كانت تومئ برأسها مع كل كلمة لا تعرف حتى ما تقول إقترب أركان منهما أخيراً يضم ديالا اليه بحماية وهو يقول:"سيد مختار هذا يكفي لا تجهد نفسك"
ولكن لا رد ضغطت ديالا على كفيه بقوة وقالت بتهدج:"وانا أبي..أبي"
عينيه المغلقه يديه الجليدية مع إنطلاق جهاز توقف القلب..جعل الجميع ينتفض مرة واحدة..الصراخ والعويل كان قاسي محملاً بالذعر والهلع..كل شيء كان يحدث بوتيرة سريعة متعاقبة لا يستوعبها أحد.
جذب أركان ديالا  والتي كانت إستطالت تهزه بعنف تأمره بفتح عينيه..رافضه للتصديق بموته ببساطة..باب الغرفة من خلفه فتح وتدفق منه الأطباء وبعض الممرضات..صرخات نوال العاصفة تشق هدوء المشفى..بينما رانيا تقف هناك في الزواية تهز رأسها ببطء رافضة التصديق ثم ترفع يدها بوتيرة تصم أذنيها..شاحبة جامدة منفصلة تماماً عما حولها..شفتيها الباهتة تتمتم بشيء:"لم أخبره أني أسفة..اني سامحته لتدمير حياتي.."
بينما استطاع أركان أخيراً ان يجذب زوجته وأحاط خَصرها المنتفخ بقوة بينما هي تنحني بنصفها العلوي محاولة الوصول لفراش والدها بكفيها تصرخ بعذاب:"هذا غير عادل..أنت ظالم يا أبي ظالم يا مختار الآن..الآن تذكرت أنك تحبني انك ظلمتني ثم تذهب ببساطة دون ان تثبت صحة ما قُلته..استيقظ دعني أخبرك اني أحببتك....هذا ليس عدل"
حاول أركان ضمها الي صدره ولكنها رفضت مازالت في تطاولها وصراخها:"حرررررررام..ما يفعله بي ظلم؛ لن أسامحه لن أسامحه .."؟!
استطاع أخيراً ان يسيطر عليها جلس على الأرض وثبتها في حضنه ضغط ذراعيها لأعلى رأسها بيد واليد الأخرى ضغط جسدها اليه..
اندفع أيان يساعده.  ولكنه تردد لثوان  فتهف أركان:"إفعلها ستؤذي نفسها"
أمسك أيان ذراعيها يقيدها من الخلف بينما أركان يضم ساقيه ويحاوط بطنها جيداً حتى إحتواها أخيراً دقائق عصيبة مرت حتى استطاع أحد الأطباء منحها مهدئ في الوريد مباشرة وخلال خمسة دقائق كانت تهدأ شيئاً فشيئا. وقواها تخور حتى إنهارت بين يديه تماماً مرددة بعدم العدل !
***********
أغمض أركان عينيه بقوة..وهو يتذكر مظهر ديالا المنهار على أرض المشفى..لا إرادياً كان يحاول سد أذنيه وكأنه يكتم صوت صرخاتها التي تجاوزت حدود عقله فباتت ترن بصدى موجع وكأنها تدوي في نفس اللحظة..التربيتة الهادئة على كتفه جعلته يفتح عينيه سريعاً محاول ان يسيطر على رابطة جأشه..نظر لأيان بملامح مغلقه يتذكر وقوفه معهم..والذي صدم جميع من حضر الجنازة..ولكنه أصر ان يساند الفتاتين ويعينه على إتمام الإجراءات كإخراج تصريح الدفن والوقوف على غُسل الجثمان..ثم حمله دون تردد ليضعوه في مثواه الأخير! "الوقت تأخر والصوان خلي بالفعل من الجميع..مكانك ليس هنا إذهب لزوجتك هي أولى بإهتمامك الأن!"
عينيه جرت على السطور الذي كتبها أيان في هاتفه..أومأ أركان ببطئ قبل أن يخبره:"كنت سأفعل..ولكن أعتقد انها لم تستفق بعد!"
ضغط أيان شفته السفلى بقوة متذكراً مظهر كلتاهما..ربما المنهارة ديالا حصلت على دعم أركان الكامل..بينما رانيا كانت في حالة من الصدمة والذهول النكران وعدم التصديق تقف ملتصقة بأخر حائط في الغرفة وكم تمنى في تلك اللحظة أن يقترب أن يمد ذراعيه يحميها بداخله مانحها ما تحتاجه..من دعم من أمان.
"ديالا تصرخ بعدم العدل..لا أفهم ما تقصد لم أتوقع أبداً أن تكون ردة فعلها بكل هذا العنف..بهذا الإنهيار؟!"
نطقها أركان بتحير متخبط دار أيان جيداً تفهمه لديالا..معرفته سر هزيانها..مقصدها بما قالتها ولكن علاقته بأركان لا تسمح له أبداً أن يشرح له دواخل زوجته..لذا فليكن الله بعونه وهو يحاول الوصول اليها مرة أخرى..هز رأسه علامة على الأسى ثم كتب متردد:"هل يمكنني أن أذهب معك أريد..أن أقدم التعازي وأطمن عليهن"
كبح أركان جماح نفسه أن لا يضربه بشيء على رأسه ويهدر فيه بغضب:"تخلى عن تخلفك قليلاً وقل أنك تريد رؤية المعذبة التي تتركها منذ أشهر تكتوي بنيران غباءك"
لم يستطع نطقها بالطبع بل أومأ بموافقة باهتة..وهو يقف متقدماً لمنزل مختار الزيني!
******
كانت نوال تقريبا تصرخ وهي تقول بهذيان:"إختفت ابنتي..فعلت شيء بنفسها كنتُ أعرف أن وراء ذلك الثبات والجمود إنهيار سيدفعها لتؤذي نفسها"
حاولت صفاء تهدئتها وهي تقول:"وحدي الله..رانيا أعقل من أن تفعل هذا ربما احتاجت عزلة ترثي والدها وحدها"
هزت نوال رأسها بيأس شديد مستمرة في هزيانها:"لا لقد كانت متعلقة به..انتِ لا تعرفين شيء..ابنتي ندمت على قطع علاقتها به و إلقاء اللوم عليه..ربااااه ماذا فعلت بنا؟ماذا جنيت وانت تركض وراء المال والمظاهر وسلطتك..لا شيء..لا شيء"
إنخرطت نوال في بكاء مرير وقد تهدل جسدها مواصلة حالة الانهيار والحزن الشديد..بينما تبادل أيان وأركان النظرات بعجز لقد بحثا عنها في كل مكان..ولم يجدا لها أثر منذ ساعات..
كان يشعر بالإحتراق والندم..الدماء تغلي في عروقه هادرة والقلق يكاد يفتك بتماسكه..همس أركان اخيراً لعينى أيان:"هل أنت متأكد اننا بحثنا في كل الأماكن التي تعرف أنها من الممكن أن تلجأ اليها"
تخلل أيان شعره بتعصب وهو يهز رأسه بالإيجاب..فقال أركان مرة أخرى بإصرار:"سأذهب للبحث عنها مرة أخرى حتى وان بحثت تحت كل حجر مرصوص على شواطئ البلد..هما مسؤليتى الأن"
" اتعلم أنا أتوق لرائحة الأحجار المخالطة برائحة المالح..الذي كان يفوح من مسكنا القديم..أشعر بالراحة والسلام هناك كأني عُدتُ طفلة دنياها تقتصر عليك أنت وأبي"
عيناه توسعت بإدراك للحظة..وسرعان ما همهم بشيء ما وهو يشير بتعجل ثم إنصرف مهرولاً..فرك أركان وجهه بتعصب وهو يصرخ فيه محاولاً إيقافه ولم يفهم أي شيء مما أشار..فأوقفه صوت ديالا المنهك وهي تقول:"أتركه..هو يعلم تماماً أين هي"
إلتفت اليها بكليته قطع الخطوات سريعاً حتى تلقاها بين ذراعيه..دفنت وجهها في صدره ثم قالت بصوت حزين:"كنت أنتظرك منذ ساعات..هل تريد أن تصل اليّ متأخر جداً مثله؟"
*************************
وصل الى الحي القديم..دخل المنزل مسرعاً يقطع الدرجات بلهفة..وقبل ان يفتح باب السطح أحس بوجودها قبل أن يراها إذ كان القلب يدق بسرعة مجنونة وكأنه بوصلة دقيقة تحدد مكان شطره الآخر..كان يلهث تقريباً عندما وقف على باب مكانهما الخاص الذي شهد على طفولتهما وصباهما..رأتها عيناه ليشعر بسكين من الألم يشطر قلبه نصفين لرؤيتها...إلتهمتها عيناه بعاطفة جياشة وهو يتشرب بنهم وجودها هنا بخير رغم هالة الحزن والمرارة التي تحاوطها..جسدها الذي فقد معظم وزنه كان ضئيل ملتف حول نفسه بطريقة موجعة..رأسها مدفون بين ذراعيها وركبتيها مرتفعة حتى لمست مرفقيها..كانت مثال تراجيدياً من الألم و الوحدة والضياع..إبتلع ريقه شاعراً بالعجز وهو يقترب منها ببطئ جلس بجانبها رويداً رويداً يكافح نفسه ألا يحتضنها..ان يقدم مواساته جاعلاً صدره وطن ونفسه سند وذراعيه ملجأ .
كانت يديه سابقة تفكيره فتمردت وغلبته ليضعها على رأسها مربتاً بحنان وهدوء عله يدفع قدراً من الدفء لقلبها!ولكن لا شيء لا ردة فعل ولا حتى ذعر لتعرف من الذي تعدى على محراب رثائها!فتمكن الذُعر منه عندما إنحنى يجذبها من تكورها على نفسها لتواجهه ليعرف أنها مازالت هنا تتنفس..كان صدره يلهث تقريباً وهو يتفحص وجهها الذي كان صورة جيدة ليضرب به المثل في البؤس..فمها متقوس وكأنها نسيت آلية الكلام والإعتراض..عينيها رباااه..لقد كانت تتعذب بصمت..لقد دخلت رانيا في حالة نفسية ما جعلت كل مشاعرها تتيبس والدموع تهرب منها وكأن دمعها جف أو ودعته أخيراً..
عينيه دارت حولها بتخبط يصارع نفسه لتقديم أي شيء ليجعلها تخرج مما هي فيه..شفتيها الباهته تحركت أخيراً لتخبره:"أتعلم ما المؤلم..أن تتمنى الموت كبديل مريح عن ما تشعر به من الوجع..والشعور المريرحقاً أنك أجبن من أن تفعله بنفسك"
لم يجد الفرصة حتى ان يفكر بما وعد نفسه به بالإبتعاد..بمقاومتها..إن من أمامه ليست من حقه..لم يستطع أن يقاوم أخذها بين ذراعيه..سحبها بقوة حتى ارتطمت بضلوعه ويديه تحتضنها أكثر وأكثر..يعصرها هناك شاعر بالجزع..بروحه تهفو معها..لقد كان يحترق وأحشائه تتمزق تمزيقاً..كيف وصل بها تفكيرها لما تقول؟!لقد كان يعتقد خلال الشهور التي مضت أنها أصبحت أقوى..أصلب تواجه بإستمرار في ما تحاول فعله من إصلاح ذاتها قبل كل شيء..لفت ذراعيها حول كتفيه بتشدد للحظات طويلة لم تُبدي أي ردة فعل إلا إحتضانه بقوة ثم سرعان ما إنفجر كل شيء بداخلها شعر بدموعها الساخنة تغطيه.. جسدها يهتز بقوة وأنفاسها تتقطع بشهيق مؤلم تحت عنقه..ضمها إليه أكثر وأكثر..ظلت على وضعها لدقائق معدودة قبل ان ترفع رأسها تنظر لعينيه مباشرة بضياع..ثم قالت بإهتزاز غير مدرك حتى لما تتفوه بِه:"أرجوك لا تتركني مرة أخرى..ما عاد لي أي سند سواك"
هز رأسه بنفي لم يصل حتى لعقلها المغيب حقيقته ثم سرعان ما دفع رأسها لتستقر مرة أخرى مكانها الطبيعي الذي كان يصرخ منذ أشهر مطالباً بأنفاسها فوقه..يده تربت على ظهرها مهدئاً..عينيه تشرد للبعيد وبآلية تغلب القلب ليحسم صراع العقل..أنامله إمتدت برتابة ليخلع محبس خطبته ثم أعاده لجيب سترته والتي كانت تحتمي بداخلها حبيبته وكأن كل شيء حولهما يتضامن صارخاً بقوة رابطهما الذي لن ينفصل أبداً..لقد توصل لقرار واحد أياً كان صراعه مع رانيا فهو ابداً لن يكون لسارة أو لغيرها"
***********************
انتهي قراءة سعيدة

همس الموجحيث تعيش القصص. اكتشف الآن