اللهم اكتب لي الخير وراضيني به
الحلقة السابعة
ـ سليم بإبتسامه مضطربة: طيب ليه وافقتي أننا نتجوز، ومخوفتيش مني وأنا غريب، لا وكنتي عاملة فيها أسد ومصممة تنامي معايا في نفس الأوضة.
ـ تضخب وجه سلمى خجلا : أنت لسه شايلها لي في قلبك، ، قلت لك لما وافقت كنت فاكرة الموضوع عادي، وكنت مصممة عشان المفروض أكون قريبة دايما عشان لو أحتاجت أي حاجة في أي وقت ( لمعت نظرة تشع حماسا منها للحظة ) وبعدين أنا فكرة أني ممكن أخرج وأقابل سليم كانت أكبر من أي مخاوف عندي ( لتضطرب تلك اللمعة بعينيها باللحظة التي تليها وتتردد الكلمات على لسانها ) ده طبعا غير أني باثق برأي دكتور سيف، وكنت باطمن نفسي بأنك حتى لو طلعت..زي سعد..فأنا هابعد عن أيدك..على قد ما أقدر.
ـ سليم بحدقتين متسعتين تكادان تخرجان من محجريهما: وافقتي عليا عشان مشلول يا سلمى؟ وأني لو طلعت مؤذي هتعرفي تجري من غير ما أقدر أمسكك؟
ـ سلمى بتلعثم وقد بدأت يديها بالارتجاف: والله أنا مكنتش أعرف أنك محترم وطيب قوي كده ( ظهرت الدموع بعينيها وتغرر صوتها ببحته ) ومقصدش طبعا أتكلم عن أصابتك بس أنا كنت خايفة..
ـ أنب سليم نفسه كثيرا فهو قد ضغط عليها كثيرا وهي باحت بأكثر من استطاعتها وهاهو يأنبها على صراحتها معه وصدقها بتفكيرها فأمسك بيديها مهدئا: هششش هششش أهدي يا سلمى، أنا مش زعلان منك، أنت عندك حق؛ أنت مريتي بظروف صعبة، وطبيعي أنك متثقيش في أي حد بسهولة، وأنت مكنتيش تعرفيني خالص بس.. ( واكمل مشجعا ومتمنيا ) أنت دلوقتي بتثقي فيا، صح ؟
هزت رأسها ايجابا بقوة، وشعر هو بتوقف ارتجاف كفيها بين يديه، فابتسم لها بحنان، وهو لا يصدق ما علمه، فعجزه الذي ظن أنه سيكون العائق أمام أرتباطه بأي فتاة مناسبة، كان هو الدافع الوحيد لتلك الفاتنة لتوافق على الإرتباط به، تألم قلبه لما عانته تلك الجنية الرقيقة، وتسائل بداخله هل كانت حالتها هي دافع سيف لاختيارها هي تحديدا له، كان قد أخبره من قبل أن كلا منهم سيكون سندا للاخر، فهل كان هذا ما يقصده؛ أن يقوي هو هشاشتها النفسية، بينما تساعده هي حركيا فيكمل كلا منهما الأخر، وهل ستقبل هي بهذا التكامل ام أن دوره لديها محدد الصلاحية بوصولها لولدها واسترجاعه، توتر عند وصول أفكاره لتلك النقطة فقرر عدم الأستسلام لتوتره وأفكاره السلبية ومشاعر بداخله، هي لا تستحق منه ذلك؛ فيكفيها ما عانته طوال حياتها، لذا فقد عاهد نفسه على مساندتها حتى لو كان ثمن ذلك بعدها عنه، وقرر الأخذ بنصيحة سيف والكف عن تعذيب نفسه بالتفكير بمستقبل هو بيد أرحم الراحمين، لن يدع قلقه من الأيام القادمة، يفسد عليه أيامه المميزة معها الأن، سيتمتع بصحبتها وما بيده اليوم، حتى لو علم أنه قد لا يكون بيده غدا.
انتهت جولتهم لشراء الأحذية في جو يسوده المرح، وسط دعابات سليم، الذي تخلى لأول مرة منذ اصابته عن رداء الجمود.
ـ سلمى بضحكة رقيقة : مش قادرة يا سليم، حرام عليك ، مكنش باين عليك أنك كده، أنت جننت الراجل.
ـ سليم ضاحكا ملئ فيه : هما علطول الستات كده مش بيعجبهم حاجة نضحككم تقولوا مش طبيعين، نكشر تقولوا نكديين، بس بصراحة أنا كنت قاصد أجننه فعلا، حسيته رخم وموترك وبيضغط عليكي عشان تشتري حاجات مش مقتنعة بيها ، لما لاقكي بتتحرجي فقلت أظبطه.
ـ سلمى وقد هدئت ضحكتها لتصبح ابتسامة مشرقة : فعلا هو كان موترني الأول، بس صعب عليا بعدين؛ ده أنت وديته المخزن ولا مية مرة.
ـ سليم بابتسامة موازية لابتسامتها : عشان يعرف يوترك كويس، متهيألي احنا كده جيبنا كل اللي محتاجينه ؟
ـ سلمى بابتسامة : اللي محتاجينه، ده أنت جيبت جزم وهدوم لعيلة بحالها ليا لوحدي .
ـ سليم بسعادة غامرة لسعادتها وقضاء احتياجاتهم وخروجهم فهذه المرة الاولى التي يخرج بها منذ اصابته ويحتك بالعالم الخارجي فكم كان قلقا من هذه الخطوة التي جعلتها جنيته كرحلة يستكشف بها الدنيا الجديدة بشكلها الجديد من منظوره : مبروك عليكي، أكلم سيف يجي يأخدنا بقى.
ـ نطقت سلمى بسرعة : لا، ( اوقفت كرسيه ودارت حوله حتى اصبحت بمواجهته ونظرت اليه بتردد خافت )أنا بصراحة عايزة أخد رأيك بحاجة.
ـ سليم باهتمام: قولي يا سلمى.
ـ سلمى بخفوت: أنا حابة أننا نعتمد على نفسنا على قد ما نقدر، ومنطلبش أي مساعدة من حد، الا لو فعلا حاجة مش هينفع نعملها بنفسنا، طبعا أنا عارفة قد أيه دكتور سيف حد محترم، بس مثلا أنا شوفت على النت أعلان أن شركة كريم اللي بتوصل الناس بعربيات ملاكي دي عاملة خدمة جديدة بعربيات شيك قوي، للكراسي المتحركة، (محركة يدها تصف ما تقوله) العربية ضخمة وفيها رافعة بتدخل الكرسي باللي فوقيه، جوه خلفية العربية، وقدام كراسي عادية عشان اللي بيركبوا معه، والكرسي بيتثبت باحزمة امان جوه العربية، فليه نطلب من دكتور سيف يسيب اللي وراه ويجي يوصلنا،احنا ننزل الأبليكيشن ونطلب عربية ونتحرك بحريتنا من غير ما نعطل حد ولا نتحرج.
ـ سرح سليم بها للحظات يحاول ان يستوعب كم المفاجأت التي ستفاجأه بها ويقسم بأنها لو اخذت فرصتها بالحياة لكانت نالت منها اعلى الدرجات المرموقة فنظر لعينيها مسبلا اهدابه بمشاكسة : النت عامل معاكي شغل جامد أنتي، بس هي فعلا فكرة ممتازة، وكده الواحد ميحسش أنه متقل على سيف ومأثر على شغله، وخصوصا أننا هنتحرك كتير الفترة اللي جاية واحنا بننقل للشقة الجديدة، خلاص أطلبيهم وخلينا نروح ( ظهرت غصة بحلقه ونظرة الم بعينيه عندما تذكر شقته وعودته اليها ) بس مين هيساعدني وينادي الشباب عشان يطلعوني.
_ نظرت اليه سلمى مترددة لا تعلم مدى تقبله للفكرة فحاولت ان تمهد للامر : ماهو أنا كمان كنت عايزة أكلمك في الموضوع ده، أنت لسه بتقول اننا هنتحرك كتير الفترة اللي جاية واحنا بننقل للشقة الجديدة، فاكيد مش هينفع أن كل يوم نفضل طلعين نازلين بالطريقة دي.
ـ سليم بادلها نظرتها بتحدٍ رافض : أنت عايزة تسيبيني في البيت وتجهزي الشقة لوحدك ؟
ـ ذعرت سلمى لفكرته فاقتربت وامسكت بذراعه: لا طبعا، مش هاقدر يا سليم، لا هاقدر اتعامل مع عمال، ولا هاقدر أروح لوحدي عند الست دي وابنها المنحط.
ـ سليم مشفقا عليها واضعا يده فوق يدها التي تمسك ذراعه : طيب أهدي، أنا مش باقولك تعملي كده، أنا فهمت من كلامك على طلوع السلم، أنك أنت بتقترحي ده، وحتى لو كان كده مكنتش هاوافق لأن مش أنا الراجل اللي يوقف مراته وسط العمال، وبعدين مش عايزك تقلقي من حد ولو اللي أسمه ناصر ده فكر يتعرضلك، أنا أقدر أوقفه عند حده كويس، بس برضه أنا مش عارف هنعمل أيه في طلوع ونزول السلم كل يوم.
ـ سلمى وقد هدأت بعض الشئ افلتت ذراعه و امسكت بيده لتصبح كلتا يديهما متشابكتين : هو أنا عندي فكرة موتراني أنا شخصيا، بس تقريبا مفيش حل غيرها ومش عارفة أنت هتوافق ولا أيه.
ـ سليم مترقبا : أيه الفكرة دي؟
ـ سلمى بتردد : احنا ننزل في أي فندق كام يوم، وفي نفس الوقت نتصل بشركة لنقل الموبيليا، بس خايفة كده تكون مصاريفنا عالية، بس ممكن ننقي فندق متواضع، وهما يومين ويعدوا.
ـ سليم مستنكرا : لا طبعا الفلوس مش مشكلة خالص، أنا عندي حساب جاري غير الوديعة للطوارئ؛ بس مش دي المشكلة، المشكلة أنا مش عايز أقعد في فنادق.
ـ سلمى بضيق: وتفتكر أنا اللي مستعدة لده، مستعدة أعيش في مكان عام مع أغراب كتير، دي مجرد الفكرة راعباني، بس للأسف أنا فكرت كتير وملاقيتش حل أنسب من ده.
ـ سليم بعد تفكير محاولا اتاحت الفرصة لكليهما بتجاوز مخاوفهما : فعلا عندك حق، خلاص ننزل في فندق وامرنا لله، وشوفي لنا على النت شركة للنقل اللي بيتولوا الموضوع كامل، يفكوا الموبيليا ويشحنوها ويركبوها تاني.
ـ سلمى بتنهيدة راحة وهي تخرج هاتفها: وهشوف بالمرة فندق سعره يكون مناسب وقريب من الشقة.
ـ سليم موقفا اياها : لا، شوفي أنت شركة النقل، وأديني الموبايل وأنا اللي هاختار الفندق.
ـ استغربت سلمى موقفه للحظة ولكن عليها ان تعطيه الفرصة ليشاركها بالامر : زي ما تحب.
تم كل شئ كما نسقا له، استخداما تطبيق السيارات لانتقالهم لمنزل سليم، وكم كان سعيدا بالتجربة وانه يتنقل بدون ان يحمل هم تعطيل احدهم عن اعماله وانه لن ينتظر تفرغ احدهم لمساعدته ووصلا وانتظرها بالسيارة حتى صعدت وجهزت حقيبة مناسبة لفترة بقاءهما بالفندق وجمع مقتنياتيهما الهامة ، ثم توجها للفندق الحديث الذي وقع اختيار سليم عليه، واثناء قيام سليم بملئ استمارات الاقامة بالفندق ارتفع صوت يناديه بلهفة.
ـ شاب بلهفة: مش ممكن، سليم عبد الرحمن!
ـ سليم متوترا : أسامة!
ـ أسامة بسعادة: سليم حبيب قلبي الغالي، كده يا سليم تختفي كده وتنسى حبايبك، شقتك مقفولة وتليفونك مقفول، حاولت أطمن عليك بأي شكل معرفتش.
ـ سليم مضطربا فهو ليس مستعدا بعد لمقابلة معارفه قبل الحادث : أزيك يا أسامة، معلش كنت مسافر، أنت هنا بتعمل أيه؟
ـ أسامة بود صادق : حمد لله على السلامة ( أكمل وعينيه تجول على أرجاء الفندق ) أنا مدير الفندق، أصل الفندق جديد، فاتح من سنتين بس، وطلبوا استاف كامل، فأنا لاقيتها فرصة أحسن من الفندق القديم وقدمت وقبلوني، أنت اللي بتعمل أيه هنا؟
ـ سليم وهو ينظر نحو سلمى باضطراب: أنا والمدام كنا جاين نقضي يومين هنا.
أسامة بسعادة وهو يومأ برأسه محييا سلمى بأدب: أهلا يا مدام ، والف مبروك يارب ( واكمل مربتا على كتف سليم ) وكمان أتجوزت من ورا الشلة يا سولي، ربنا يسعدك يا حبيبي ( وجه نظره اليها للحظات ) والله يا مدام أنت ربنا بيحبك؛ سليم من أحسن الناس اللي عرفتهم بحياتي، راجل وجدع وصاحب صاحبه ( واكمل باسما بوجه صديقه ) هو بس أستندل فجأة واختفى ونسي صاحب عمره.
ـ سلمى بابتسامة هادئة : الله يبارك في حضرتك.
ـ أسامة لموظف الأستقبال: حجزت لسليم ؟
ـ الموظف بابتسامة: باحجز له يا فندم.
ـ أسامة باهتمام مبالغ من فرط حبه لصديقه المقرب : تحجز له أحسن فيو ممكن، وتوصي عليه الروم سرفيس والمطبخ بنفسك، وتبلغ الحسابات أنه يتعامل زيه زي أي مرشد بنفس الديسكوند.
ـ الموظف بدهشة وهو يتفحص كرسي سليم : مرشد ؟
ـ نظر اليه أسامة بأعين زاجرة : أنت أكيد جديد في مجال السياحة، أو كنت بتشتغل في فنادق من غير نجوم، لو متعاملتش مع سليم عبد الرحمن أجدع مرشد في مصر (موجها حديثه لسلمى بصدق) بجد يا مدام ومش عشان سليم صاحبي، سليم من أحسن الناس اللي أتعاملت معهم في مجال الإرشاد، كان بيحب الشغل جدا مش مجرد وظيفة وخلاص، والجيست كانوا بيطلبوه بالأسم؛ عشان أسلوبه لطيف وعمره ما باعهم لفندق ولا بازار عشان كومشن، ده طبعا غير أمانته وأخلاقه، وعمر ما واحدة أشتكت من أنه أتحرش بها أو حتى بص لها بطريقة مش لطيفة، ده غير أختياراته المتميزة للاماكن وبيخلق جو من الألفة بين الجميع، بجد كان واجهة مشرفة لمصر قدام أي سائح اتعامل معه.
ابتسمت سلمى برقة وهي تحاول أن تخفي دهشتها وعدم معرفتها بمهنة الرجل الذي من المفروض أنه زوجها، بينما سليم متخبط بين مشاعر متناقضة، سعادته برؤية صديق مقرب مازال يذكر صحبتهما ووفي لها، ومدحه له أمام سلمى فهذا الامر زرع نشوى في روحه ما بعدها نشوى ، وغاضب يلعن حظه فقد أختار هذا الفندق خصيصا لحداثته؛ فهو لم يكن يرغب في مقابلة أحد معارفه القدامى؛ حتى لايروه وقت عجزه بعدما رأوا عنفوانه، لذا فقد صمم أن يختار هو الفندق وتجنب أن يذهب لأحد الفنادق التي كان يتعامل معها، ولكن عانده القدر ليجد أسامة أمامه، ولكن مما خفف من حدة غضبه أنه رأى بعين صديقه حب ووفاء، ولم يجد بهما الشفقة أو الشماتة اللاتي تؤلمانه على حد سواء، شعرت سلمى باضطرابه فاستأذنت أسامة بأدب للصعود لغرفتهما.
دخلا الغرفة لتتوتر سلمى لكونها لا يوجد بها سوى فراش واحد كبير، دخل الحمام وخرج لتساعده بتبديل ملابسه، فيصف كرسيه ملاصقا للفراش وضبطه على وضع النوم.
ـ سليم بهدوء: تصبحي على خير يا سلمى نامي أنت على السرير وأنا هنام على الكرسي .
ـ سلمى براحة: شكرا يا سليم.
دخلت للحمام لتغيير ملابسها، خرجت لتجده نائما، فتنفست الصعداء، وتوجهت للطرف الأخر من الفراش لتنام عليه منكمشة، مبتعدة باقصى ما أستطاعت عن الجهة المجاورة لكرسيه، مرت دقائق انتظمت بها أنفاسها أشارة لنومها السريع بعد يومهما المجهد، ليفتح هو عينيه بعد أن كان يتظاهر بالنوم؛ فهو مضطرب منذ رؤيته لأسامة، ويحتاج أن يشعر بالسكينة بين ذراعيها، ولكن خجل من طلب ذلك عندما رأى أضطرابها منذ دخولهما الغرفة ورؤيتها للفراش الوحيد الذي زاد من رغبته، ولذا قررالتصرف لتنام باحضانه هذه الليلة لينعم بقربها بعد أن أجهدته مراقبتها وهي نائمة طيلة الفترة الماضية.
ـ سليم بصوت خافت: سلمى، سلمى.
ـ سلمى بصوت ناعس: أيوه يا سليم.
ـ سليم بخفوت: عايز أشرب، والمايه ورايا على الكومودينو، ومش عارف أمد أيدي لورا اجيبها.
تقلبت على السرير وهي نائمة حتى صارت بجواره ومدت يدها أمسكت بكوب الماء وناولته أياه وعادت للنوم بمكانها وهي ملاصقة له، أعاد الكوب لمكانه بخفة، حتى لا تستيقظ، وانتظر بعض الوقت حتى تأكد من استغراقها بالنوم، ليمد يده محتضنا اياها، وهو ينظر لوجهها بحب، قبلها برقة ودفن وجهه بعنقها، وسكن عن الحركة يتمتع بقربها الذي طالما تمناه.
استيقظت بالصباح لتجد نفسها تتوسد شئ صلب، فتحت عينيها لتجد نفسها متوسدة صدره تضمه اليها بذراعيها بينما يحتويها هو بيده القوية، تخضب وجهها جراء تجمع الدماء بخديها وشعرت بخجل لا حد له، وحاولت التحرك من بين يديه بخفة، تدعو الله الا يستيقظ، فهو لا يقوى على الحركة، وهي من تحركت أثناء نومها لتستقر بصدره وربما ظن أن رأها أنها قد فعلتها عمدا، استطاعت اخيرا الأفلات من بين يديه، لتتحرك بخفة إلى الطرف الأخر من الفراش لتنكمش على نفسها متصنعة النوم، ليفتح هو عينيه متطلعا لظهرها وهو يبتسم محاولا كتم ضحكاته
بعد عدة أيام، في بهو الفندق
جلس سليم في انتظار سلمى لمغادرة الفندق والعيش بشقتهما الجديدة، وهو يفكر بالأيام الماضية التي يعدها من أجمل أيام حياته منذ أصابته، فقد عاشها كرجل متزوج يرعى أسرته ويقوم بواجباته نحوها، فقد كان يستيقظ مبكرا، يركب سيارة التطبيق التي اثبتت سلمى حسن تدبيرها باختيارها لها، ليوصل سلمى لشقته القديمة؛ لتصعد وحدها لتحزم حقائبهما وأدوات المطبخ وكل ما يجب حزمه وتغليفه من مفروشات، وبعد اطمأننه لوصولها للشقة ووصدها الباب توديعها له من النافذة، يتحرك بالسيارة متوجها للشقة الجديدة؛ ليشرف على العمال بها، مستعينا بذوق سلمى الراقي متواصلا معها عابر هاتفه الجديد الذي وافق أخيرا على اقتناءه؛ للاطمئنان عليها ومشاركتها الرأي فيما تم بشقتهما، حتى انتهى العمل وانتهت سلمى من توضيب أغراضهما، فاتصل بشركة نقل الأثاث، ليترك بعدها سلمى بالفندق ليتوجه للشقة الجديدة للاشراف على فرش الأثاث بها، ابتسم وهو يتذكر اصراره على أن يظل أثاث حجرتهما على نفس وضعه بشقته القديمة حتى يتمكن من مراقبة تلك الفاتنة أثناء نومها من خلال مرآة خزانته، قطع حبل أفكاره صوت كريه يتحدث بتعالي.
ـ شاب بسخرية: سليم عبد الرحمن، أخيرا ظهرت.
ـ سليم بصدمة فهذا الكائن اخر من قد يود رؤيته وهو على كرسيه : حسين!
ـ حسين هازئا وهو ينظر لكرسيه المتحرك: بتعمل أيه هنا، أنت رجعت للشغل ولا أيه؟
انكمش سليم بمقعده ليفاجأ بيد سلمى يوضعان على كتفه وصوتها المرتجف خوفا كما يعلم بينما يبدو منفعلا لمن لا يعرفها: بنتفسح لو مفيش عند حضرتك مانع.
ـ حسين بدهشة وهو يتفحص حسنها: مين حضرتك ؟
ـ سلمى بنفس النبرة المنفعلة فهي تجاهد للقدرة على النطق ولكن دعم زوجها الان لها الاولوية وعدم نزع ثقته التي بدأ يكتسبها بنفسه هي الاهم لن تسمح بالتراجع ابدا بتلك الخطوات التي جاهدت لتتقدم بها معه : أنا مدام سليم عبد الرحمن.
شعر سليم بارتجاف كفيها على كتفيه فمد يديه ممسكا بهما مساندا لها ومستأنسا بهما بين كفيه، في مواجهة ذلك الوضيع فهو يعلم كم المجهود النفسي الذي تبذله بهذه اللحظة وكم هو شاكر لها عليه .
ـ حسين بصدمة وغيرة مشيرا اليها بيده : أنتي مرات سليم ؟
ـ سلمى بصدق وهي تنظر لسليم بابتسامة: من حسن حظي.
ـ حسين مستنكرا : أنت أتجوزت يا سليم ؟
ـ سليم بابتسامة متهكما: مش قالتلك، مدام سليم عبد الرحمن، ابقى اتجوزت ولا لا ؟
ـ حسين والغيرة تتقافز على قسمات وجهه الحقود فهاهو سليم دائما يفوز بالجائزة الكبرى اثناء عمله كان اسمه الاول دائما وحتى على مقعده هذا عاجزا نال تلك الحسناء التي من الواضح تمسكها به رغم العجز : أنت متجوز دي ( مد يده وهو يتفحصها بوقاحة ) حسين سالم، مرشد سياحي.
ـ سلمى وهي تتمسك بكفي سليم: أسفة مش باسلم.
ـ حسين وهو يسحب يده بحرج: لا ولا يهمك يا مدام، أنا مرشد زي سليم وكنت شغال مع سليم من زمان، وأتفاجأت بصراحة، أن يكون أتجوز، خصوصا واحدة زي حضرتك.
ـ سلمى وقد فاض بها من وقاحته ومن محاولاته المتكررة ليحط من شأن زوجها وهذا ما لن ترضى بحصوله فتلبست ابتسامة متهكمة : مرشد ممكن، لكن زي سليم أشك ( بعدها نظرت لسليم اهدته ابتسامة خاصة به وحده ) أصل سليم ملوش زي.
ـ حسين بحقد محاولا النيل من قدر سليم : أه طبعا، واضح أنكم بتحبوا بعض، كويس قوي، يعني عشان تقدري تتعايشي مع ظروفه وأنك مش هينفع يبقى عندك ولاد.
ـ سلمى بابتسامة: بس أنا عندي ولد فعلا، يعني الحمد الله ربنا مش حارمنا ولا حاجة.
ـ حسين بصدمة: ولد ؟
ـ قررت سلمى ان تضع له حدا فقد طفح الكيل مع هذا السمج فمدت يدها تريه خلفية هاتفها: أيه رأيك ده ابني سولي، سليم الصغير.
ـ حسين بدهشة: سليم!
ـ سلمى وهي تنظر لسليم بابتسامة: أنا اللي أصريت أسميه كده؛ أصلي باحب الأسم ده جدا.
نظر لهما بغيرة ونيران الحقد تقدح بعينيه.
ـ سلمى ببرود: نستأذنك بقى يا أستاذ حسنين عشان سليم محضر لي مفاجأة، وكده أتاخرنا.
ـ حسين بغل: حسين يا مدام.
انحنى بشكل مبالغ فيه وهو يمد يده لمصافحة سليم ليشعره بعجزه ، فضغطت سلمى جهاز التحكم ليتاخذ الكرسي وضع الوقوف، لينحنى سليم له بدوره وهو يبادله المصافحة نظرا لفرق القامة وقصره مقارنة بسليم.
ركبا السيارة التي كانت بانتظارهما، لتنطلق بهما نحو سكنهما الجديد، نظر لها سليم من الخلف لتتلاقى نظرتهما بمرأة السيارة
بشقة سليم الجديدة
دخل سليم الشقة بدون مساعدة من أحد بفضل المنحدر الذي أصرت سلمى على عمله بمدخل العقار.
أعجبت بالتجديدات التي احدثها بالشقة، وتنسيقه للاثاث.
ـ سلمى وهي تدور حول نفسها تنظر لارجاء الشقة : الله الشقة على الحقيقة تجنن أحلى كتير من صور التليفون، حقيقي بقيت تحفة، ذوقك حلو قوي يا سليم.
ـ سليم بابتسامة وادعة ممتنة : شكرا يا سلمى.
ـ سلمى مقتربةً منه بابتسامة : لا بجد مش بجاملك فعلا ذوقك ممتاز.
ـ سليم بحنان: مش بقولك شكرا عشان كده، أنا باشكرك، على اللي عملتيه معايا في الفندق مع حسين.
ـ جلست سلمى على ركبتيها لتصبح مواجهةً له : هناك أنا ما عملتش حاجة تستحق الشكر.
ـ سليم بامتنان: انت دافعتي عني، ، وقولتي أنه مش زيي، وأني مليش زي.
ـ سلمى امسكت بيديه احتوتهما بيديها كما احتوت روحها روحه من قبل : ودي الحقيقة، وده مش كلامي ده كلام استاذ أسامة.
ـ سليم بتلعثم: ولا حتى أنك منعتيه يضايقني، وفهمتيه أن سليم يبقى ابننا.
ـ سلمى بنبرة متلاعبة : لا طبعا، أنا ما فهمتوش حاجة زي كده، هو قال أني مش هينفع يبقى عندي ولاد، فانا عرفته أني عندي ولد فعلا، وهي دي الحقيقة.
ـ سليم قلد نبرتها المتلاعبة : طيب واسم سليم ؟
سلمى بابتسامة حنون لذكرى ابنها التي اجتاحتها : برضه كنت بقول الحقيقة، فعلا أنا اللي أصريت أسميه كده عشان ده أقرب اسم ولادي لاسمي وبنفس الحروف؛ وطبيعي أني احب الأسم ده جدا لأنه اسم ابني.
ـ سليم بخبث: بس هو من طريقة كلامك فهم حاجة تانية.
ـ ضحكت سلمى بقوة : طب وهو ذنبي أنه ما بيفهمش ؟
ـ سليم شاركها ضحكتها : وطيب وأستاذ حسنين، أيه اخباره ؟
ـ سلمى زادت ضحكتها قوة وهي تتذكر تعابير وجه حسين الممتعظة : لا بصراحة دي كنت قاصدها، أصله غلس قوي.
ـ سليم ضاحكا: خلاص، يبقى شكرا عشان غلستي عليه زي ما غلس عليا .
ـ هدئت ضحكة سلمى لابتسامة رائقة مشددتا على قبض يديه : ويبقى شكرا لك أنت كمان، أنك ساندتني لما حسيت بقلقي منه.
ـ سليم بحت صوته من انفعالاته فقربها صعب وبعدها اصعب وحنانها لا ينضب حتى ظن انه لا يستطيع مجاراته : خلاص، يبقى محدش فينا يشكر التاني، وكل واحد يبقى سند للتاني، زي فكرة سيف ما بتقول، موافقة ؟
ـ سلمى بابتسامة مربتة على يديه اللتين بيديه : موافقة يا سندي.
ابتسم سليم بسعادة لكلمتها وتمنى أن تكون تعنيها فعلا، وأن يستطيع أن يكون سند لها بيوم ما.
في شقة نهى
ـ دعاء بحدة : أنت اتجننت يا ناصر، ده مبقاش يعدي يوم من غير ما ترنها علقة بسبب أو من غير سبب.
ـ ناصر بغيظ : خلاص ما بقتش طايقها، باشوفها بيركبني مية عفريت.
ـ دعاء متهكمة : كل ده عشان السنيورة اللي لفت دماغك.
ـ وقف ناصر محتدا وبدأ يشيح بيديه : ما أنت لو سمعتي كلامي، كنتي ترحميها مني، وترحميني من خلقتها.
ـ دعاء بقوة وتصميم : والله لو عملت أيه، ما هيحصل، وكل ما تجيب مشتري للبيت هطرده، ولو فضلت راكب دماغك، أنا وأخواتك هنلغي التوكيل اللي عملنهولك.
ـ ناصر بغضب : ليه هاسرقكم، البيت يجيب ملايين، وانا مش محتاج أكتر من مية الف، يعني أنا مش محتاج أكتر من نصيبي، وكل واحد فيكم هياخد نصيبه بحق ربنا.
ـ دعاء بغضب فوحيدها غافل لا يعلم ماهو مقدم عليه ولن تترك له الامر حتى ترى نفسها بالشارع : ونعيش فين بعد ما تبيعه، ونعيش منين، ما أنت عارف، اللي بيجيبه الايجار على مرتب مراتك يادوب بيمشينا.
ـ ناصر وقد استنفذ محاولاته لإقناعها بفكرة البيع : خلاص خليكي قاعدة متهنية في بيتك، فرحانة بايجارك، ومتتدخليش بيني وبين مراتي.
تخطاها بسرعة مهرولا لشقته للانقضاض على تلك المسكينة التي تقبع هناك بلا حول لها وقوة ليصب غضبه عليها فهي المتنفس الوحيد لكل ما يكبته وهي تتلقى ما يلقيه عليها خانعة غير قادرة على الرفض او التفوه بأي حرف من حروف الرفض .
في شقة سليم
وقفت سلمى أمام كرسي سليم تمنعه من التحرك، والخروج من الشقة.
ـ سلمى برجاء : عشان خاطري أنا يا سليم، خلينا في حالنا.
ـ سليم بغضب يزداد مع ازدياد صرخات تلك المستنجدة: أوعي من قدامي يا سلمى، كل يوم تقوليلي خلينا في حالنا وانا بأسمع كلامك، وكان شوية وبيسكت، لكن المفتري ده النهارده بقاله أكتر من ساعتين بيضرب فيها.
ـ سلمى بلاوعي منها : مش هتقدر تعمل لها حاجة.
ـ سليم وقد احتقن وجهه غضبا لاشاراتها لعجزه لأول مرة : عارف أني مشلول ومش هاقدر أطلع له يا سلمى، بس هاخرج وأناديه، ولو راجل ينزللي بدل ما هو مستقوي على واحدة ست، وساعتها هوريكي هاقدر ولا مقدرش.
ـ سلمى بصدمة نافية بشدة المعنى الذي وصله من كلامها : لا والله ما قصدت كده، والله ما بتكلم عليك، أنا بتكلم عليه هو ( ارتمت مقابلة له منهارة تذرف دموعها وكأن الضرب من نصيبها هي لا تلك المسكينة وبدأت تهذي ) أنا عارفة كويس وعارفة هو بيعمل فيها أيه، لما بشوفها وهي بتداري وشها مني لما بنتقابل باعرف من عنيها كل حاجة، نفس البصة ونفس الكسرة، لو حتى قدرت تطلع لها مش هتقدر تعمل لها حاجة، هيقولك أي كلام يسكتك، وبعد ما تنزل هيضربها أزيد عشان فضحته، بس هيحكم عليها تكتم حتى الصرخة ( وبدأ صوتها بالاختناق وتعابير وجهها تجهمت بقسوة وكأنها تحارب شيئا ما ) أو هيكتفها ويكممها لو مستحملتش وصرخت، ولو طلعتله أكتر من مرة هيبتدي يألف عليها كلام كدب، هيقول عليها بنت مش كويسة، وبتعرف شباب وأنه بيربيها، عشان محدش يدافع عنها تاني وكمان يبقى معه عذره لما يجوزها لراجل قد جدها، لأنه ساعتها يبقى بيحافظ على سمعته من العار اللي هي جايبهوله، مع أنها مبتخرجش من باب البيت حتى للمدرسة بسبب وشها الوارم كل يوم، وبعد ده كله حرمها من ابنها.
نظر لها بصدمة لا يعي ما سبب انهيارها، ومن أين لها بمعرفة ناصر وتصرفاته حتى استمع لأخر حديثها، ليصدم حين أدرك أنها كانت تتحدث عن نفسها وما عانته مع زوج عمتها، تحكي مآساتها التى تذكرتها وعايشتها ثانية بسبب رؤيتها لأخرى تتعرض لنفس المعاملة، تألم من أجلها وهو يراها بهذه الحالة، اقترب منها وهي تهذي محاولا تهدئتها ففوجئ بها تلقي بنفسها بين ذراعيه، فتلاقفها بحنان، وساندها بيديه القويتين لتستقر على قدميه، وظل يهدهدها بيديه حتى هدأت ونامت، فقاد كرسيه حتى وصل لفراشه وجاهد حتى أرقدها على طرفه، ثم قام بتحويل كرسيه لوضع النوم، ملاصقا لفراشه ضاما لها باحضانه، وهو يقسم بداخله، أنه سيبذل أقصى جهده لينتقم من من ظلمها ويعيد لها حقها
استيقظت سلمى فوجدت نفسها تنام بفراش سليم، شعرت بالحرج لتذكرها ما قالته له وانهيارها امامه وارتماءها باحضانه، تورد وجهها خجلا وحمدت الله على أنها وحدها بالغرفة التي لا تعرف كيف وصلتها، ولا كيف نامت بسريره، والأهم أين نام هو، تغلب قلقها عليه، على خجلها منه فخرجت تبحث عنه، لتتنفس براحة عندما وجدته على كرسيه أمام التلفاز.
ـ سلمى بخجل: صباح الخير يا سليم، أنا أسفة على اللي حصل امبارح، وبعدين أنا أزاي نمت على سريرك وأنت نمت فين.
ـ سليم بغموض: صباح الخير يا سلمى، قعدتي تعيطي بلليل؛ عشان ما أخرجش للحيوان ده، لحد ما صدعتي، دخلت لاقيتك نايمة على سريري ما حبتش ازعجك، وفردت الكرسي قدام التليفزيون.
ـ سلمى خجلة من نبله الزائد : شكرا يا سليم، شكرا على كل حاجة.
ـ سليم محاولا تغيير الحديث: احنا هنقضيها شكر، طيب مش هتفطريني ولا أيه يا مدام مش كفاية، نيمتيني من غير عشا.
ـ سلمى متلعثمة : أنا أسفة جدا يا سليم، أنا هحضر الفطار حالا.
هرولت من أمامه وهي تشعر نحوه بالامتنان لمحاولاته لرفع الحرج عنها، هي تعلم أنه كذب عليها، فهي تتذكر جيدا احتضانها له وجلوسها على قدميه، تخبطت مشاعرها لتذكرها لهذا الأمر وتخاطفتها مشاعر شتى؛ تشعر بالخجل منه وبالسعادة بأنه اصبح لديها لاول مرة من ترتمي باحضانه تشكو اليه الامها، وبالدهشة من حنانه ورجولته، وبالفضول لمعرفة كيف نقلها لفراشه رغم اصابته، حاولت لملمة مشاعرها لتخرج اليه وهي تدرك بان نظرتها اليه لن تعود كما كانت ابدا.
سلمى بارتباك محاولة اعادة الامور لما كانت عليه بينهما قبل الليلة الكارثية بنظرها : تعالى يا سليم الفطار جاهز، حاجة على السريع كده، عشان أكيد ميت من الجوع بس الغدا يبقى على مزاجك؛ تأمر وأنا عليا التنفيذ.
ـ سليم بابتسامة حنونة متقبلا محاولتها : أعتبر ده تعويض عن عشا امبارح.
ـ سلمى بخبث: بصراحة هو تقدر تقول كده اتنين في واحد؛ رشوة وتعويض.
ـ سليم بحيرة: رشوة أيه!
ـ سلمى بغموض: بصراحة أنا امبارح بليل كنت ناوية أطلب منك طلبين خاصيين ليا ومهمين جدا بالنسبة ليا، بس الكائن اللي فوق ده مدنيش فرصة، فقلت أعملك غدا مميز وأطلبهم على الغدا قبل ما يزعجنا بصوته أخر النهار زي كل ليلة.
****************
تفتكروا سلمى هتطلب أيه من سليم، وياترى هيكون لهم دخل في حياة نهى.
****************مع تحياتي
منى الفولي
****************