سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم.
الحلقة الأولى
في غرفة أحد المرضى بأحد المصحات النفسية الخاصة.
يجلس على الفراش شاب وسيم مفتول العضلات يكسو ملامحه الألم ويسكن الحزن عينيه شارداً وهو ينظر لطبيبين يقفا بأقصى الغرفة يتهامسان.
ـ طبيب روتنيا: الملف بتاع الحالة الجديدة يا دكتور سيف، هو اسمه سليم عبد الرحمن، لسه متحول لنا من ساعة تقريبا من مستشفى العهد هو كان محجوز هناك لأنه عمل حادثة عربية اتشل شلل نهائي فيها ووالده أتوفى[مستاءا من أخطاء تبدو بسيطة ولكنها قد تدمر حياة أحد ما] والمفروض أن الأخبار دي كانت توصل له بالتدريج وبطريقة مناسبة، لكن ممرضة غبية وقفت ترغى قدام أوضته وعرف، وده عمله صدمة ، وحاول الانتحار؛ والدكتور فضل أنه يتحول عندنا، وخصوصا أن حالته العضوية مستقرة ومفيش فيها جديد، حضرتك تتابع الحالة بليل، وأي ملاحظات حضرتك سجلها لي وأنا هاتابعه الصبح.
ـ سيف وهو يتأمل سليم آسفا: كارثة فعلا أن التمريض وخاصة قسم الجراحة والطوارئ مش مؤهلين للتعامل النفسي مع المرضى، هاشوفه النهارده وهاكتب لحضرتك الملاحظات في المتابعة بإذن الله، شكرا يا دكتور فارس.
ـ فارس مبتسما: العفو يا دكتور، طيب سلام بقى عشان الحق العيادة.
ـ سيف مجاملا: سلام يا دكتور ربنا يعينك.
رغم أنه لم يسمع همسهم إلا أنه متأكد من فحواه، فهما بالتأكيد يتناقلان أخباره من موت والده وأصابته بالشلل للأبد وأيضا محاولته للانتحار، يتبادلان تلك الكلمات وكأنهما يتبادلان تحية الصباح، وكل ما يهمهما هو معرفة ظروف الحالة لمعالجتها دون أن يدركا أن تلك الكلمات التي تبادلاها كانت كل عالمه وانهياره أيضا، فالأب الذي مات لم يكن مجرد أب بل كان كل عائلته فأمه قد ماتت وهو صغير جدا, وذلك الأب هو من عوضه غيابها وقام بدورها رافضا أن يتزوج حتى لا يقاسمه أحد بوقته واهتمامه لذا هو لم يفقد الأب فقط بل فقد السند والصديق كذلك، أما شلله فإن كان يعنى لهم انسحاب الحياة من قدميه فبالنسبة له هو ضياع لحياته بالكامل حيث فقد عمله و بالقريب ينتهي زواجه المنتظر بعدما لاحظ فتور خطيبته تجاهه الذي أثار دهشته في البداية وهو الذي كان ينتظر منها الدعم النفسي بمصابه بفقد والده وإصاباته الجسيمة؛ ليتيقن الأن هذا الفتور قد بدأ مع علمها بحقيقة حالته الصحية واستحالة عودته لسابق عهده، تمنى لو صبرت قليلا فهو بالتأكيد سيطلق سراحها ويحلها من عقد قرانهما بنفسه، صحيح أن طبيبه أخبره أن إصابته لم تأثر على مقدرته على الزواج والإنجاب؛ ولكن ما فائدة ذلك فليس من الأخلاق أن ينشأ أسرة لن يستطيع الاعتناء بها، بعد أن أصبح جثة تحتاج لمن يعتني بها.
لاحظ خلو الغرفة من أي شئ يستطيع أن يؤذى بها نفسه فعرف أنهم يخشون أن يقدم على الانتحار مرة أخرى، لا يعلمون أنه نادم على فعلته، لا يتصور أنه أقدم علي فعلها ، هو لن يكرر تلك الحماقة؛ فهو يريد أن يجتمع بوالده الصالح بالآخرة فكيف يلاقى ربه بذنب عظيم كهذا، هو سيتقى الله ويؤدى فرائضه حتى يلحق جسده بروحه التي ماتت يوم موت أبيه، ولديه شعور بأن انتظاره لن يطول فروحه المثقلة بالأحزان حمل ثقيل على أي جسد.