الجزء التاسع

14.9K 350 33
                                    

اللهم عافنا واعفو عنا

الحلقة التاسعة    
ـ سيف باهتمام: متلازمة ستوكهولم حالة نفسية المصاب بيها بيتعاطف ويتعاون مع الشخص اللي مضطهده، أوخاطفه، أو بيضربه بشكل عنيف، أو حتى يغتصبه، أو بيعتدي عليه بأي شكل، ورغم أنه ضحية لكن ولاءه بيبقى للمجرم، يعني مثلا لو مجموعة من الأشخاص في موقف معين ميقدروش يتحكموا بمصيرهم، وحاسين بخوف شديد من التعرض للعنف، وحاسين أن السيطرة في يد الخاطف أو المضطهد لهم، فالمجموعة دي بتفكر بطريقة للنجاة معتمدة على طاعة المضطهد، وممكن تتطور لتعاطف ومساندة مع المضطهد.
ـ سلمى بفهم: هو ده تقريبا اللي قالته سمر بس أنا أستغربت من اسم المرض نفسه، لأن عارفة أن ده المفروض أنه اسم بلد مش مرض.
ـ سيف بابتسامة: عندك حق هو فعلا اسم بلد، وسبب تسمية الحالة دي بمتلازمة ستوكهولم كان بسبب عملية سرقة بنك حصلت في ستوكهولم في السويد، اتحجز فيها أربع رهاين، رجل وثلاث ستات، لستة أيام ، وفي الأيام دي، وبسبب خوف الرهاين الشديد وشعورهم بالضغط، بدأ الرهاين يدافعوا عن تصرفات الحرامية، وكرهوا الحكومة اللي بتحاول تنقذهم، وبعد شهور من الحادثة، الرهاين فضلوا على وفاءهم للحرامية دول، لدرجة أنهم رفضوا الشهادة ضدهم، وساعدوا المجرمين في جمع الفلوس عشان المحامين.
ـ سلمى بدهشة غير مصدقة لما سمعت : معقولة للدرجة دي، بس دي حاجة مش طبيعية، محدش يعمل كده.
ـ سيف بهدوء: لازم تبقى مش طبيعية، أمال احنا ليه بنعتبره مرض نفسي، وبعدين المرضى دول بيكونوا اتعرضوا لضغط رهيب، لدرجة انهم يصابوا بمتلازمة ستوكهولم، مثلا أن الضحية تبقى متأكدة من قدرة ورغبة المجرم في قتلها، وفي الغالب بتكون مع الشخص ده لوحده ومعزولة عن كل الناس، وبتكون متأكدة أن الهروب منه أمر مستحيل، وبتنبهر بأي تصرف لطيف يعمله ، وفجأة يبقى في اهتمام متبادل بين المجرم والضحية، يعني تقدري تقولي أن ضحايا المتلازمة دي بيعانوا بشكل عام من العزلة الشديدة، ومن اعتداء جسدي وعاطفي.
ـ سلمى باستنكار: بس ناصر كان جوز نهى مش خاطفها!
ـ سيف بجدية: مش المخطوفين بس هما اللي عرضة للمرض ده، ممكن دايما بنعرضه كمثل لأن ده كان أول معرفتنا للمرض، لكن في أمثلة تانية كتير معرضين للاصابة  بمتلازمة ستوكهولم مثلا، الأطفال اللي بيعانوا من سوء المعاملة، وأسرى الحرب، وحالات العنف الزوجي.
ـ سلمى بتأثر: وطبعا حالة نهى تعتبر من حالات العنف الزوجي.
ـ سيف بأسف: الحقيقة بحسب كلامك أنا متوقع أن نهى هتكون حالة مش من السهل التعامل معاها لأنها تقريبا اتعرضت لمعظم الضغوط اللي بيتعرضوا لها الحالات، مثلا ناصر كان بيضربها بشكل عنيف كان ممكن يسبب اصابة قوية أو حتى تموت، ومن صغرها وهي مع ناصر وأمه لوحدها وعزلينها عن كل الناس، وطبعا هي كانت متأكدة أن الهروب منه مستحيل لأنه مش بس جوزها ده كمان ابن عمها والمسؤول عنها، وطبعا لكونها مراته أكيد بيكون في احيانا تصرفات لطيفة واهتمام متبادل ما بينهم.
ـ سلمى بحيرة بدأت تنجلي رويدا رويدا : عشان كده كانت مبسوطة بدافعي عنه وتبريري لعمايله معها.
ـ سيف بهدوء: لا ده سلوك دفاعي ملازم للمرض، دايما الضحية بتقنع نفسها بتصرفات المعتدي وأفكاره لأن ده بيمثل لها شئ من الامان حتى لو وهمي لانها بتعتبر تصرفاته عادية ومبررة لا بتخوفها ولا تهددها.
ـ سلمى بقلق: أفهم من كلام حضرتك أن نهى صعب تتعالج.
ـ سيف بجدية: بشكل عام علاج متلازمة ستوكهولم مسألة مش سهلة، ومحتاجة مجهود كبير ووقت طويل من المعالجة السلوكية، والجلسات المستمرة اللي بنحاول فيها تعديل الفكرة عند الضحية، وعرض المواقف والذكريات بالصورة الصح ونغير صورة المعتدي في ذهن الضحية من كونه بطل ورائع، لحقيقة أنه مجرد مجرم، وبشكل خاص التعامل مع حالة نهى هيبقى أصعب كتير.
ـ سلمى بحزن لما آلت اليه حالة تلك المسكينة : ليه علاج نهى أصعب؟
ـ سيف بعملية ونظرة ثاقبة للحالة وكل ما هو محيط بها : مبدئيا معندناش مصدر ثقة للمعلومات، كل معلوماتك من مرات البواب اللي بتيجي تعملك الشقة، أو من بياع وانت ببتشتري حاجة أو كلمتين سمعتيهم من الشارع بالصدفة بحكم سكنك في الأرضي، والكلمتين اللي قالتهملك حماتها عشان تحنن قلبك عليها وتطلعيلها.
ـ سلمى متمسكة بأي خيط للمساعدة حتى لو بقرارة نفسها تعلم مدى وهنه وضعفه : طيب ما أنا ممكن أنادي لك حماتها وأعرف منها كل اللي أنت عايزه.
ـ سيف بهدوء رافعا يده علامة الرفض : دي ست كدابة مش هتقول غير اللي هي عايزة تقوله وبالطريقة اللي تعجبها، حتى لو نهى هتتأذي.
ـ سلمى محاولةً اقناع نفسها قبل اقناع طبيبها : لا طبعا دي هي اللي طلبت مني أحاول اساعد نهى عشان تخف.
ـ سيف بهدوء: لا ياسلمى هى طلبت مساعدتك أن نهى تتحسن وتتحرك وترجع شغلها مش تخف.
ـ سلمى بحيرة: وأيه الفرق؟!
ـ سيف بايضاح: لا فرق كبير، من اللي أنت حكتيه، قدرت استنتج أن دعاء دي كانت شريكة ابنها في كل اللي عمله في نهى ومش بس شريكة دي هي اللي مخططة لك حاجة من الأول، وهي اللي وصلت نهى للي هي فيه.
ـ سلمى مستنكرة لعلمها بجهل دعاء باساليب الطب النفسي : دعاء هي اللي خططت عشان نهي يجيلها متلازمة ستوكهولم!؟
ـ سيف ضاحكا للتحليل الذي توصلت له تلك البرئية : لا مش للدرجة دي، هي أكيد متعرفش حتى أن في مرض بالاسم ده، أنا أقصد أنها خططت من الأول أنها تمحي شخصية البنت من وهي صغيرة وتعزلها عن أي حد ممكن يساعدها، وتبقى تحت رحمتها هي وابنها جارية بلقب زوجة، وواضح جدا انهم كمان كانوا مستغلينها ماديا ومستولين على مرتبها، وهو ده بس اللي خلى دعاء تطلب المساعدة أن نهى حالتها تتحسن بس مش تخف ويبقى لها شخصية ورأي طبعا.
ـ سلمى بحيرة: امال هي عايزة أيه!
ـ سيف بهدوء: هابسطها لك، دعاء عاملة زي حرامي خبط واحد على دماغه عشان يدوخ ويمضي له على حاجات ، بس الواحد ده اغمى عليه، فيجيب له دكتور يقوله فوقه بس خليه دايخ، فوقه بس بالقدر اللي يسمح أنه يمسك القلم ويمضي، لكن لو فوقه خالص يبقى هو استفاد أيه.
ـ سلمى بصدمة عاجزة عن تصديق كم الخبث والسر لدى تلك العجوز : يعني هي عايزة حد يساعد نهى ، لحد ما تقدر ترجع الشغل وتخدمها وتراعي الولاد وبس، من غير ما تهتم بنهى نفسها.
ـ سيف بابتسامة: برافو عليكي، هو ده كل اللي يهمها فعلا، وعياطها ليكي قبل ما تدخلك لنهى وحكايتها عن الشغل اللي هيرفدها والعيال اللي هتجوع، كانت بتحنن قلبك عشان تستغلك وتوصل للي هي عايزاه. 
ـ سلمى بتهنيدة قهر والم : طيب ودلوقتي احنا هنعمل ايه ؟
ـ سيف بدهاء وحنكة طبيب متمكن من عمله الذي يجيده : هنقلب الموضوع؛ واحنا اللي هنستغلها  لمصلحة نهى، تعملي فيها عبيطة ومصداقها، عشان تسمح لك تقعدي مع نهى، ولما تتكلمي قدامها ماتهتميش بنهى، كل كلامك يبقى عن الولاد اللي ملهمش ذنب، ولما تسيبكم تتعاملي مع نهى زي ما هافهمك بالظبط، وتسجيلي كل الكلام اللي هيدور بينكم، وتبعتيهولي على الواتس، وأنا هبلغك بالخطوات الجديدة، الي هتقدري بيها تكسبي ثقتها، وتيجي عندك هنا عشان لو احتاجت أشوفها.
ـ سلمى بامتنان وحماس لمساعدة تلك المقهورة التي فطرت قلبها : تمام جدا وانا معاك بأي حاجة تطلبها ، وهحاول اعمل كل اللي تقولي عليه ( ابتسمت بهدوء ممتنة لكل ما قدمه لها من معلومات و محاولة لمساعدتها لتساعد نهى )
شكرا يا دكتور، أنا دايما تاعبة حضرتك معايا.
ـ سيف بابتسامة: أن شاء الله، ربنا هيقدرنا ونساعدها، أتفضلي حضرتك.
اتجاها للخروج من غرفة الأستقبال، تسبقه هي للباب.
ـ اوقفها سيف مستدركا : صحيح يا سلمى ( التفت لتقف بمواجته مولية ظهرها لباب الغرفة )أنا مش عايز اروح في كلبوش.
ـ سلمى ضاحكة برقة : يعني ايه ؟
لاحظ سيف تحرك سليم من امام التلفاز واتجاهه نحوهما.
ـ سيف بهدوء: يعني تخلي بالك من حماتها، متشكش فيكي، لأن اللي بنعمله مسؤولية، مينفعش أننا نسجل لها ونعالجها من غير موافقتها أو موافقة أهلها، ولو حماتها اشتكيتني في النقابة، ممكن أتأذي أنا باعمل كده بس عشان خاطركم ولأن نهى صعبت عليا .
ـ سلمى ضاحكة: متقلقش مش هتروح في كلبوش، أن شاء الله،مش هخلي دعاء تحس بحاجة.
لاحظ سيف وجه سليم المحتقن ونيران الغيرة المتقدة بعينيه المتلصصة  عليهما من خارج الغرفة.
ـ فعاود سيف ايقافها بهدوء : اه .. وفي حاجة مهمة عايزك تعرفيها.
ـ سلمى بابتسامة : اتفضل اقعد يا دكتور.
ـ سيف بهدوء: لا هي ملحوظة سريعة كده واحنا واقفين، أنت عارفة ليه دعاء اختارتك أنت بالذات عشان تساعدي نهى ؟
ـ سلمى بحيرة : الحقيقة أنا كنت مستغربة جدا وفكرت كتير في الموضوع ده، بس ماوصلتش لسبب.
ـ سيف بهدوء: هما في الحقيقة أكتر من سبب، هي غالبا مش عايزة توديها لدكتور يجيب الموضوع من أساسه، وواضح أن معظم الجيران بيتجنبوها ومش بيحبوها هي وابنها بدليل أنك سمعتي عنها كلام وحش من كذا حد، لكن أنت جديدة في المنطقة ومتعرفيش حاجة عنهم ومن سن نهى ( واكمل بلهجة ذات مغزى مصوبا جل نظره على ردة فعلها وتقلبات تعابير وجهها ان وجد  ) ده غير طبعا أنها شايفة من ظروفك أنك عاقلة وأكيد شايفة أن ناصر زوج لقطة لازم يتحافظ عليه.
ـ سلمى بسخرية واستهجان وقد تذكرت ذال اللزج : ناصر لقطة ؟
تحرك سيف بزاوية ليقف مواجها لسليم المتواري يناظرهم بعينيه بثبات.
ـ سيف ببطء متعمد ونظرة متفحصة : يعني أكيد هي شايفة أن مفيش وجه مقارنة ما بين ناصر وسليم، عشان سليم عاجز.
ـ سلمى بغضب استحكم منها لذكر ما يسوء زوجها حتى لو كان طبيبهما وصديق زوجها ايضا وكانت يداها تلوحان رغما عنها كأنهما أيضا ترفضان ذلك الوصف : سليم مش عاجز وضفره أحسن من مية واحد من عينة ناصر الكلب، بس هو فعلا مفيش وجه للمقارنة بينهم ( وتكلمت بثبات وثقة ) لأن سليم راجل.
ـ سيف بهدوء : طبعا أنا عارف ده ( وبعتاب مستتر ) أنتي عارفة أني بعتبر سليم أخويا وأنتي مرات أخويا، لكن أنا بتكلم عن دعاء وطريقة تفكيرها، وأنا شايف أن ده هيخليها تطمنلك لو ماعترضتيش وهي بتشكر في سبع البرومبه بتاعها.
ـ سلمى بانفعال رافض ساخط : تشكر زي ماهي عايزة، القرد في عين أمه غزال، بس والله لو جابت سيرة سليم لامسح بيها الأرض واللي يحصل يحصل.
ـ سيف بابتسامة لوصوله لمأربه الذي ما زال في نفسه فقط : أهدي بس؛ عشان هنخرج لسليم دلوقتي ( باشارة خفية لسليم الذي تحرك للخلف بسرعة حتى لا يرياه متلصصا ) ومينفعش يشوفك كده، ويسأل في أيه.
ـ سلمى اخذت شهيقا وزفرته وتابعت باعتذار : أسفة يا دكتور أني انفعلت.
ـ سيف بابتسامة: بالعكس، أنا مبسوط جدا أنك مهتمة قوي كده بسليم ( استدرك بخبث ) أقصد بنفسيته وأن محدش يضايقه.
ابتسمت بخجل وسبقته للخروج من الباب ناظرة لسليم الذي عاد ليجلس أمام التلفاز.
ـ سلمى بابتسامة: أنا أسفة يا سليم، أخدت منك الدكتور، وبوظت اليوم اللي بتستنوه، بس عامة احنا خلصنا، وهاسيبكم تقعدوا براحتكم.
ـ سليم بخفوت واحراج لاوجاع لا حصر لها : لا أبدا، براحتكم ممكن تكملوا كلام لو عايزين.
ـ سلمى بعفوية غير ملاحظة لحالته ولا لما يعتريه من وجع : لا احنا خلاص خلصنا عن اذنكم.
وقف سيف بمكانه دون حراك ينظر لسليم الذي اخفض وجهه بحرج لدقائق.
ـ سليم هامسا بحرج: أنا أسف.
ـ سيف بهدوء: ليه يا سليم؟
ـ سليم بندم نابع من خوفه ووجعه معا : أسف يا سيف، بجد مش عارف، أنتم ضحكتم أكتر من مرة وأنا كنت مضايق لأن المفروض أنكم بتناقشوا مشكلة، ولما شفتكم من بعيد بتقوموا وخارجين فوجئت أنكم وقفتم وبتضحكوا، محسيتش بنفسي وأنا بتصرف بالطريقة دي، وكنت عايز أعرف أيه ضحككم.
ـ سيف بجدية: مش بسأل عملت كده ليه، بسأل بتغير عليها ليه.
ـ سليم بدهشة : يعني أيه!
ـ سيف حدد كلماته لتكون الفاصلة : يعني لسه بتحس ناحيتها بالتملك؟ ولا غيرتك ليها سبب تاني ؟
ـ سليم بانفعال وحسم فقد فاض بقلبه وما عاد له عليه بسلطان وما عاد الكتمان خيارا يمتلكه : بحبها يا سيف بحبها، بحبها وبقيت مش متصور حياتي من غيرها، بتعذب وهي بعيدة على قد ماهي قريبة، هاتجنن عليها وفي نفس الوقت مستكترها عليا، مش عايزها تبعد عني وعارف أن هيجي وقت وتسيبني وساعتها مش عارف هعيش أزاي.
ـ سيف بابتسامة مهدئة ومشجعة : أيوه كده قر وأعترف يا سولي ( اقترب راكعا ليحتويه بحضنه مربتا على ظهره) بس أجمد كده، بلاش تفضحنا، وخليك تقيل، لو هي بعيد قرب أنت.
ـ سليم بصوت متهدج اعتمل به الالم رفع ناظريه لصديقه يبثه اكبر مخاوفه : وبعد ما قرب وترفضني وتمشي أعمل أيه ؟
ـ سيف باستنكار مقدرا وضعه ولكنه عليه بالتحلي بالثقة والايمان : وترفضك ليه، هي هتلاقي أحسن منك ولا أرجل منك ؟ وأديك سمعت رأيها فيك بنفسك قالت عليك راجل ( غامزا اياه بمشاكسة ) لا وعشان خاطر عيونك قلبها جمد وعندها استعداد تمسح بدعاء المفترية الأرض( وتلبستها ضحكة قوية ) وهي لو نفخت فيها نفخة واحدة هتطيرها.
ـ سليم بحمية وخوف على من ملكت روحه واستحكمت قلبه : تبقى تلمس شعرة واحدة منها وأنا أوريها مقامها.
ـ سيف مقهقهاً بقوة : ده أيه البلطجة اللي بقيتوا فيها أنتوا الاتنين دي، دي قصة حب ولا عدوي اجرام.
ـ رفع سليم ناظريه للضاحك امامه واخفضهما حزناً  وكمداً : قصة حب؟ تفتكر أن ممكن يجي يوم وهي تحبني ؟
ـ سيف بلوم وعتاب رقيق فهو العارف بحاله : ليه اليأس ده، وبعدين يعني أيه مستكترها عليك ، أنت ليه مستقل نفسك كده، طيب أيه رأيك يا سليم أنها هتحبك، ده لو لسه محبتكش فعلا.
ـ سليم متشبثاً بالامل بعد ان فتح صديقه نافذةً لدخول شعاع الأمنيات  : بجد يا سيف ؟
ـ سيف بصدق فليس هو من يقدم الامال الكاذبة او من يتكلم جزافاً : اه والله هي واضح جدا أنها معجبة بيك، بس هي اعترافها هيبقى صعب، أولا لأنها خجولة جدا، وثانيا لأنها ممكن تعتبر أن مشاعرها دي انانية وخيانة لأبنها، لكن أنت ما شوفتش عينيها كانت بتلمع ازاي وهي بتتكلم عنك.
ـ سليم متحولاً : وأنت بتبص في عينيها ليه؟
(نظر له سيف بلوم، فتمتم محرجا) أنا أسف.
ـ سليم معاتباً : متكررهاش.
ـ سليم مصمماً بقوة : وأنت لا تضحكها ولا تبص في عينيها تاني.
ـ سيف ضاحكا: ماشي ياعم الغيور، المهم أنك تقرب منها وتحتويها على قد ما تقدر، لازم تحس بوجودك في حياتها وأنها مش تقدر تستغنى عنك، وأنها زي ما بتحب ابنها وعايزاه ده ما يمنعش أنها محتاجة لك أنت كمان، بس لما ربنا يكرمك، ابقى افتكر أن دي هديتي ليك وأدعيلي.
ـ سليم بحب: أجمل هدية يا صاحبي، ربنا يسعدك ويقرب لك البعيد، ويحنن قلب الحاجة عليك.
ـ سيف بأمل: يارب يا سليم يارب.
ـ سليم بحنان : سلمى، سلمى.
ـ سلمى واثار النوم بعينيها : أيوه يا سليم، عايز حاجة.
ـ سليم بابتسامة: قومي عشان تتعشي.
ـ سلمى بنعاس: هو الدكتور مشي.
ـ سليم بابتسامة فكم هو مشتاق لرؤية اي طيف من اطياف الحب بعينيها كما ادعى طبيبهما : من بدري يا كسلانة، قومي بقى أنا جعان.
ـ سلمى باعتذار وهي تنهض: أسفة يا سليم دخلت فردت على السرير، عقبال ما تخلصوا قعدتكم، روحت في النوم من غير ما أحس، ثواني والعشا هيكون جاهز.
ـ سليم من دون ان يفلت اي لفتة او حركة منها: الأكل بره على السفرة، أنا اخترعت لك عشا من النت، انما أيه، أنا بصحيكي تاكلي معايا.
ـ سلمى بعتاب : طيب تعبت نفسك ليه.
ـ سليم متجرءاً : تعبك راحة يا ساسو.
ـ سلمى بخجل : طيب هروح أغسل وشي وهاجي.
خرج سعيدا جالسا بانتظارها بشوق، حتى خرجت وجلست بمواجهته.
ـ سلمى بدهشة: أيه ده، ده أنت أخترعت بجد، وأنا أفتكرتك بتهزر وحاطط جبنة ومربى.
ـ سليم بحنان: لا طبعا مش مقامك، دوقي بقى وقوليلي رأيك.
ـ سلمى وهي تتذوق: امممم، تسلم أيديك تحفة، مكنتش متصورة أنك شاطر كده.
أراد أن يخبرها بأن سر جماله، أنه صنع بحب، ولكنه رأى أن يتريث بتوصيل مشاعره لها، والا يحاصرها بمشاعره كي لا تفزع أو تنفر منه.
ـ سليم مبتسماً : بالف هنا.
ـ سلمى بتلذذ مع كل لقيمة تتذوقها : تسلم ايدك يا سليم.
ـ سليم محاولا مجاذبتها أطراف الحديث: سيف لقيلك حل في مشكلة نهى ؟
ـ سلمى بسعادة: دكتور سيف ده مفيش زيه، محترم وجدع، وافق يساعدها بدون أي مقابل، بالعكس ده ممكن تحصل له مشاكل لو الموضوع اتعرف، راجل بجد، ربنا يسعده ويكرمه في حياته.
رغم وعده لسيف بالتحكم بغيرته، الا أن لظى نيران غيرته خرجت عن السيطرة وشارفت على ابواب عقله لتفتح جبهاتٍ ظن انها غير موجودة من اساسه وهي تصف سيف بالرجولة التي كاد يطير فرحا حين وصفته بها، واعتصر قلبه قهراً لوضعها لهما معا دائما، فأن تساويا هو وسيف بمساندتها وحسن الخلق والرجولة، فحتماً هما لا يتساويا صحياً ولا حركياً، وسترجح كفة سيف بلا منازع، فهل ترجح كفة سيف بعينيها ؟ وهل هي تميل اليه فعلا ؟ولمعة عينيها التي رأها سيف وارجعها لحديثها عنه هو، هل كانت بسبب نظرها لعيني سيف نفسه ؟ عند هذه النقطة، اعلن الاستنفار لكل الجبهات واطلق العنان لالسنة اللهب بالهجوم فالان اما غالباً او مغلوب ففي الحب كل الوسائل متاحة وعليه الإمساك براية النصر فحبه الوحيد الوليد هو الغنيمة المنشودة .
ـ سليم باندفاع: اه أدعيله من قلبك، لاحسن ده محتاج الدعوة دي قوي، يمكن ربنا يسعده ويحقق حلم حياته و يكرمه بالارتباط بحب عمره كله.
ـ سلمى ببساطة: أيه ده، هو دكتور سيف مش متجوز ؟
ـ سليم بخبث فعليه ان يقطع كل الطرق المؤدية لالتقاء قلبيهما : اه لسه لأنه تقريبا مضرب عن الجواز، يايتجوز البنت اللي بيحبها من صغره، ياما مش هيتجوز أبدا.
ـ سلمى بفضول انتابها عندما رق قلبها لحال من يداوي ولا يجد من يداويه : طيب وايه اللي منعه يتجوزها ؟
كان يعلم أنه ينحدر أكثر وأكثر، وهو يفشي سر صديقه الذي أئتمنه عليه، لكنه كان تحت سيطرة غيرته التي تُغلّق الابواب تباعاً أمام قلب محبوبته فلا تجد ملاذاً سوى  باب قلبه الذي يقسم انه سيكون مفتوحا على مصرعيه لتصول وتجول فيه حباً وطواعية . 
ـ سليم مكملا ما انتواه : مامته رافضاها، أصل مامته ليها شروط صعبة قوي في عروسته، أنتي عارفة الفلاحين وعاداتهم يعني لا ينفع يتجوز واحدة سبق لها الجواز ولا معاها أولاد ولا عندها أي مشاكل ده غير أنهم بيفضلوا أن العروسة تكون صغيرة قوي، أقل من العشرين بكتير حتى لو العريس كبير.
ـ سلمى بحيرة وهي تتابع تناول طعامها مع توقفها بين معلومة تدهشها واخرى تحزنها : وهي حبيبته، كانت متجوزة؟ ولا كبيرة؟ ولا أيه وجه الأعتراض عليها؟
ـ سليم بحنق ما بال جنيته لا تتوقف فتريح ضميره المرهق : لا ، عندها مشاكل أسرية.
ـ سلمى بفضول : مشاكل أيه؟
ـ سليم بضيق من اهتمامها بالامر على هذا النحو مما يضطره للتوحل اكثر واكثر : كذا حاجة، ظروفهم المادية صعبة، ووالدتها كانت من الغارمات وخرجت بمساعدة جمعية خيرية، ده غير أن هي واخواتها بقى مغضوب عليهم كعرايس بسب جهاز اختهم الكبيرة.
ـ سلمى بدهشة : مغضوب عليهم!
ـ سليم بنفاذ صبر : بصي هي حاجة غريبة، أول مرة اسمعها، هو قالي أن البنات عندهم في البلد المفروض بيجهزوا بحاجات رهيبة، كذا طقم صيني، وكذا طقم حلل، ومفارش وملايات وفوط بالمييات، وأن في تنافس بين بيوت البلد في الموضوع ده، واللي ميقدرش يجهز بناته كده محدش بيرضى يتجوزهم، واللي عنده اكتر من بنت، لو أول بنت أتجوزت أهلها مجهزوهاش كويس باقية أخواتها محدش بيرضى يتقدم لهم، لأن اتعرف أن أهلهم مش بيهتموا بجهازهم.
ـ سلمى بصدمة: وحبيبة دكتور سيف من البنات دول ؟
ـ سليم بأسف: مش بس كده، جهاز أختها اللي معجبش حد ده، أمها اتحبست بسببه، لأنها كانت مضيت على شيكات عشان تشتريه، ولما ربنا رزقها باللي يخرجها، بقى مستحيل حد يتقدم لبناتها تاني، لأن أتعرف أنها مش بس مش تقدر تجهز جهاز حلو، لا دي مش هتقدر تجهز أصلا بعد حبسها بسبب الجهاز الأولاني.
ـ سلمى مستنكرة ومتأسفة لحال الفتاة رغم جهلها بها: وده معناه أن هي بقى مغضوب عليها كعروسة، ودكتور سيف موافق على الكلام ده ؟
لم يستطع أن يتمادى ويطعن صديقه بظهره واصماً اياه بالخسة فقال بتردد: لا هو الصراحة موضوع الجهاز ده ما يفرقش معه، المشكلة في والدته؛ هي قالتله أنها هتكون غضبانة عليه لو خالف رأيها وأتجوز حد مش على مزاجها ، وهو ميقدرش يعصاها خصوصا وهي مريضة والزعل مش كويس عشانها، وكل اللي بيقدر يعمله أنه بيرفض أي عروسة تجيبهاله.
سلمى بتلقائية: ربنا يهديله الحال، ويحنن قلب مامته عليه، ويهنيه مع حبيبته، لأنه فعلا انسان يستاهل كل خير.
خجل من نفسه كثيرا، وهو يراها تتلقى الأمر بهذه البساطة، ولام نفسه كثيرا على البوح بسر صديقه، هو لا يشك بأحدهما، فصديقه يهتم بها من أجله هو، ومعرفته بها بالفترة التى قضياها معا، كافية جدا ليوقن بأنها ليست المرأة التي تفكر برجل وهي متزوجة بأخر، حتى لو زواج صوري، بدافع المصلحة المشتركة ، لعن غيرته ولظاها وجيوشها الجرارة وأخيراً واندفاعه الغير  مبرر على ارض واقعهم ثلاثتهم
في اليوم التالي
دخلت سلمى من باب شقتها وهي تزفر بضيق.
ـ سلمى بضيق: الست اللي اسمها دعاء دي رهيبة، كل شوية الاقيها فوق رأسي أنا ونهى، لولا أني حاطة التليفون في جيبي كانت شافته، هي شكلها مش مطمنالي رغم أني عملت كل اللي دكتور سيف قالي عليه عشان ما تشكش فيا.
ـ سليم بتأكيد : الخاين دايما بيخون.
ـ سلمى مقترحة لتنهي هذا الارهاق النفسي الذي تحيطهم به تلك العجوز : أول ما نهى حالتها تتحسن هخليها هي الي تنزلي هنا أن شاء الله ، ده بعد أذنك طبعا.
ـ سليم بعتاب : أذن أيه دي شقتك أنتي، تقدري تتصرفي براحتك من غير أذن.
ـ سلمى بابتسامة: كتر خيرك يا سليم ، أهو كرم أخلاقك ده اللي مطمعني فيك ( وتابعت بتشكك من دره على فعلتها ) بصراحة كنت عايزة أطلب منك حاجة تانية بس خايفة.
ـ سليم بابتسامة: أنتي تؤمري يا قمر.
ـ سلمى بتوتر استبد بها رغم كل ادبه معها الا ان فعلتها لا تحمد عقباها : عن أذنك ثانية واحدة. 
تحركت بارتباك باتجاه غرفة والده لتعود وهي تحمل حقيبة متوسطة الحجم، لتفتحها امام عينيه الذاهلتان.
ـ سليم بدهشة: أيه الفلوس دي كلها ؟جيبتيها منين ؟
ـ سلمى بخفوت تداري عينيها من عينيه لتجدا الارض مستقرا لهما : دي فلوس الرحلات.
ـ سليم بدهشة:رحلات!؟
ـ سلمى بصوت مرتجف: بصراحة أنا معنديش صاحبة على النت هتتجوز عايزة بروجرام شهر عسل.
ـ سليم بصدمة: امال أيه ؟
ـ سلمى بوجل تحضر نفسها لما هو أسوء : البروجرام اللي أنت عملتهولي، أنا عملت جروب على النت للرحلات الداخلية ونزلته عليه، وناس كتير عجبهم البروجرام والأسعار، وطلبوا يطلعوا الرحلة معنا، ولما لقيت العدد كبير، وافقت وطلبت يبعتولي الفلوس وهما بعتوها.
ـ سليم بثورة عارمة لا يصدق ان جنيته متهورة لهذا الحد ولا يصدق ما اقترفت متناسية وجوده ام انه غير موجود بنظرها منذ البداية : وأنتي قابلتي ناس وأخدتي منهم فلوس؟ وأنا هنا مرمي على الكرسي ؟
ـ سلمى بتلعثم فما يقوله لم يدور بخلدها حتى : لا والله أنا مقابلتش حد، هما حولولي الفلوس على نظام كاش، وأنا لما كنت باخرج أجيب حاجة، كنت باستلمهم من مكتب الأتصالات اللي جنبنا.
ـ سليم وثورته بازدياد لايدرك ان ثورته على عجزه وقلت حيلته تنصب على تلك المسكينة: طبعا ما أنتي اللي بتخرجي وبتدخلي، وتقدري تعملي كل اللي أنتي عايزاه، انما أنا العاجز اللي مرمي، واللي بعد ماتعملي كل اللي في مزاجك تيجي تديلوه خبر، ياترى حضرتك مسافرة امتى، ولا دي كمان مفاجأة.
ـ سلمى بصوت متقطع وقد أخذ جسدها بالارتجاف: لا والله، لا، أنا بس كنت عاملها مفاجأة، وكنت عايزة أعمل حاجة في حياتي، أنا مكملتش تعليمي، ومبفهمش في حاجة خالص، وكمان مش أنفع أبيع ولا أشتري لأني مابرتحش في التعامل مع الناس، مش عارفة لو أخدت سليم هاعيشه فين وأاكله منين، ولما عرفت أنك مرشد؛ فكرت في حاجة أعملها تكون أنت بتفهم فيها، ويبقى أنت رجعت لحياتك وشغلك، وأنا الاقي شغل وأنا مطمنة أنك هتسندني، ومش هتسيبني أتأذي.
ـ سليم مقتربا بكرسيه بفزع وقد انتبه لحالتها: سلمى مالك أهدي.
فزعت سلمى من أقترابه لتنفصل عن الواقع وتغوص بماضيها الأليم فيزداد أرتجافها ويرتفع ذراعيها بلا وعي لتخفي ووجهها تتقي ضربة منتظرة وقد استبدل باطن عقلها وجه المقترب بوجه سعد المنفر.
أنفطر قلبه عليها وهو يراها على تلك الحالة، استرجع كلماتها الفزعة، ليدرك كم تعاني، تلك الجنية ترى نفسها بلافائدة ولا مأوى ولا دخل، حزن حين تيقن من ظنها بانفصالهما حين تجد ولدها، ولكنه تشبث بتلك الكلمات التي توحي بثقتها به واعتمادها عليه، فابتعد بهدوء ليعود لمكانه محافظا على مسافة أمنة بالنسبة لها.
ـ سليم بحنان: سلمى، أهدي يا سلمى، أهدي يا حبيبتي، أنا مش ممكن أذيكي، ولا أضربك، أنا أسف؛ أنا بس أنفعلت لما لاقيتك اتصرفتي من غير ما أعرف ( ارتاح لهدؤها النسبي الذي بدا على انتفاضة جسدها التي بدأت بالتلاشي ) حقك عليا، الرحلة هتطلع، وأن شاء الله هتنجح، ولو منجحتش ( كان اقترابه منها حذرا وتدريجيا ) أنا وأنتي هنعمل مشروع تاني ونحاول تاني، ولما سليم يرجع، هتقدري تجيبي له كل اللي نفسك فيه، بس أرجوكي أهدي ( أنزلت ذراعيها وأن بقي بعض الارتجاف الخفيف بجسدها ) أنتي كده بتعطلينا، وريني أنت اتفقتي مع مين وعلى أيه عشان أقدر أظبط الدنيا مع الناس، ولا عايزة مشروعك يبوظ من أول رحلة.
ـ سلمى بتلعثم واهدابها تحمل دمعاتها ورجفة شفتيها تتحدث عنها : أنا أسفة.
ـ سليم بحنان وقد قطع المساقة بينهما واقفا امامها تماما : أنا اللي أسف؛ أني فزعتك بالشكل ده، بس عايزك تكوني متأكدة، أني مهما كنت متنرفز عمري ما أذيكي ولا أمد أيدي عليكي.
ـ سلمى باكية بحرج لضعفها ووهنها الذي تكافح لؤده : والله عارفة، بس أنا بخاف من الزعيق.
ـ سليم بحب ممسكاً بيدها : وأنا عمري ما هزعق تاني، ممكن تهدي وتقومي تغسلي وشك، وتريحي شوية، وبعدين نقعد نتناقش ونشوف هنعمل أيه.
افلتت يده وتحركت بوهن ومازالت دموعها تنساب من عينيها، وأن انتظمت انفاسها، تابعها بعينيه حتى غابت عن ناظريه 
فيما بعد
ـ سليم بحنان: أنتي كويسة دلوقتي؟
ـ سلمى بخجل: الحمد لله.
ـ سليم بهدوء: طيب ممكن براحة كده تشرحي لي، أيه فكرتك بالظبط، وكل حاجة عملتيها.
****************
حد سمع عن متلازمة استوكهولم قبل كده، وياترى أيه فكرة مشروع سلمى وممكن ينجح ولا لا.
****************

مع تحياتي
منى الفولي
****************

سندحيث تعيش القصص. اكتشف الآن