عبدالله وصالح كلاهما التفتا مذهولين لناحية الباب..
بينما أبو صالح تقدم بخطوات ثابتة وهو يوجه نظرات مباشرة لعبدالله
ويهتف بنبرة صريحة مباشرة شديدة الحزم: ها ياعبدالله.. وش عندك؟؟..
عبدالله حينها تبادل النظرات المبهوتة مع صالح ..
فالإيمان بضرورة عمل الشيء مختلف تماما عن عمله على أرض الحقيقة!!
فرغم إيمان عبدالله بضرورة إخبار والده بالحقيقة..
ولكن حينما حانت اللحظة هاهو يجد الأمر غاية في الصعوبة..
كيف يخبره؟؟ كيف؟؟
ليس لديه أي توقعات حول ردة فعل والده.. ولكن أكثر مايخشاه أن يبعده والده عن حضن عائلته..
لن يحتمل مطلقا العودة للوحدة والألم واللوعة والقهر/المسميات والمشاعر التي عايشها طيلة السنوات الماضية حتى تشرّب بها!!
أبو صالح بنبرة غضب عالية صاخبة: عبدالله !!
عبدالله انتفض بعنف: لبيه يبه..
ثم أردف باختناق وهو عاجز عن ابتلاع ريقه.. ليس جزعا ولا خوفا..
ولكن هيبة واحتراما لمقام هذا الشيخ الذي أرهقته السنون..
خوفا عليه وليس خوفا منه: اقعد يبه جعلني فداك وأقول لك..
أبو صالح جلس على أقرب مقعد وهتف بحزم: وهذا أنا قعدت..
وش العلوم اللي في بطنك.. واللي لين الحين ماعلمتني فيها؟؟
مع أنه كان لازم(ن) عليك إنك تجيني أول ماطبيت الدوحة وتعلمني بكل شيء
لكن أنت ضيعت السنع أول وتالي..
عبدالله شد له نفسا عميقا.. ليبدأ حكايته مترددا مشوشا خجلا..
كان في بداية الحكاية يسترق النظر لوجه والده.. ليراقب تعابير وجهه..
ولكنه بعد ذلك بدأ يغرق رويدا رويدا في وجعه وهو ينزف الحكاية التي يستعيدها جمرات تحرق جوفه وتكوي مشاعره..
حكى له كل شيء من البداية.. لم يزد ولم ينقص.. حكى الحكاية كاملة..
استعاد وجيعته كلها.. غرق في وجع الحكاية حتى أذنيه..
امتلئت روحه حتى أقصاها بقيح الوجع حتى ماعاد قادرا على مجرد بصقه!!
ومع وصوله للنهاية وهو يستعيد مشهد فقدان صغيره..
كان صوته يرتعش وهو يمسح دمعات خائنة تسربت من روحه عبر عينيه..
فهو طيلة الأيام التي مضت كان يحاول السلوى والانشغال بأهله عن كل شيء
فإذا الفجيعة تعود لتتجسد بألمها حادا مرا غائرا ..غاص في روحه حتى أطراف نهاياتها المكلومة..