61

8.5K 122 56
                                    


يقف أمام باب مجلس الحريم المطل على الحوش..
يعرف هذا البيت جيدا.. فهو من بناه.. ويحفظ كل تفاصيله..
التي حاول تناسيها منذ علم أنها سكنت قريبا منه..
طوال الأشهر الستة الماضية وهو يحاول تجاهل حقيقة سكناها بجواره..
حتى حين يخرج من بيته يدور للجهة الأخرى لم يعبر ولو لمرة واحدة من أمام بيتهم مباشرة
خوفا أن يلمحها خارجة في سيارة مغيمة بالسواد..

حتى الجد جابر.. غالبا هو من يأتي لمجلس زايد لأنه يشعر بالضيق من الجلوس في البيت
فيمر كل يوم بعد عودته من صلاة العصر.. ويبقى حتى يذهب لصلاة المغرب..
ثم يعود لبيته..
لذا لم يضطر أن يضغط على أعصابه.. وهو يتجاهل وجودها قريبة هكذا..

ومع ذلك في أحيان كثيرة كان يقول لنفسه ليلا وهو يستعد للنوم
"هل لو أرهفت السمع قليلا سأسمع صوتها يعبر الحوائط؟؟"

كان وجودها جواره رغم كل محاولات التجاهل متعب إلى حد كبير لمشاعره وذكرياته..
فهو يؤمن أنه لم يبق لسواه سوى الذكريات!!

هذه المرة لم يضع مطلقا في باله أي احتمال أنه سيراها...
فهو اتصل بكاسرة مباشرة حتى تكون من تفتح له الباب..
لذا حين فُتح الباب.. دخل بثقة وعفوية.. وهو يسلم بنبرته الواثقة الفخمة..

ليجد أن من فتحت له الباب سيدة متشحة تماما بالسواد ومعها خادمة كانت تضع صواني القهوة والشاي على الطاولة وتقف عندها..

عــــــرفــهـــا..!!
عـــــــــــــرفــــــــهــــا!!
وعرف من هي... وآه من هذه المعرفة ما أقساها!!
أي كارثة.. مصيبة.. فاجعة.. كاسحة.. كل مسميات الصدمة للصدمة هذه لم تخطر له ببال!!

"لماذا ترتكبين هذه الجريمة في حق عمكِ يا كاسرة؟؟
أأتي لأصلح بينك وبين زوجكِ
فيكون جزائي أن تذبحيني؟؟
المرة الماضية لم أستطع احتمال رؤية طرف أناملها
فكيف وهي تقف أمامي هكذا؟؟؟ كيف؟؟"

لم ينظر مطلقا ناحيتها وهو يختار له أقرب مقعد للباب ويجلس عليه.. وهو يغلف كل مشاعره -التي احترقت فجأة- بالبرود قدر ما استطاع..

ولكنها لم ترحمه وهي ترد السلام بصوتها الرخيم..
ثم تهتف باحترام جزيل: حياك الله يا أبوكساب..
بنتك بتجيك الحين.. والله لا يقصر خطوتك ويكبر قدرك مثل ماكبرت قدرها..

حينها كاد يقسم أنه انتفض بعنف قارص وهو يشعر بلسعة باردة حادة كسهم مسموم اخترقت أذنه من ناحية لتخرج من الناحية الأخرى..
لم يكن يريد أن يسمع صوتها مطلقا.. كان يخشى من تأثير الصوت عليه
أما أن يقلب مواجعه أو ينسفها..!!!

فإذا به يقلبها كإعصار هائج..مجنون لا يرحم من يعبر عليه!!
مازال الصوت هو نفسه كما سكن في روحه..
هو نفسه .. نفس البحة الناعمة ولكن..أكثر نضجا وعمقا وهدوءا وأنوثة..إلى درجة تثير الصداع..

بين الامس و اليوم حيث تعيش القصص. اكتشف الآن