الفصل الأول هل تدري عني بقلمي حنين أحمد (ياسمين)

16.2K 211 20
                                    

الفصل الأول
هل تَدري عنِّي؟
أنا مَن تجوب البقاع بحثًا عن طيفِك،
أنا مَن تُفتِش في الوجوه ابتغاء رؤياك،
أنا مَن تنادي الجميع باسمِك،
وتقول لبيك يا مولاي.
أنا مَن؟
لا أدري؛ طالما أنت غائب عني،
طالما لست أمام عيني،
طالما وجودك محض خيال في عقلي.
أتراكَ تعلم أني في الحب مُبتدِئة،
وأن قلبي عن هواك يأبى الفكاك؟
أتراك تعلم أن حبكَ كنبتة لا أعلم كيف غُرِست في الفؤاد،
أن سهمكَ صابني مُذ كنت في المهدِ طفلة لا تدري متى سيحين اللقاء؟

خاطرة الرواية من إهداء الجميلة هند فايد

الفصل الأول

استيقظت على صوت بائع الحليب لتنتفض من فراشها الصغير وهي تشعر بالذُعر هاتفة: "سأتأخر على المدرسة اليوم, أين خالتي
لماذا لم توقظني مبكرا كعادتها؟"
هرعت لغرفة خالتها بالشقة الصغيرة التي يقطنان بها فوق أسطح أحد المنازل بالحي الشعبي الذي وصلوا إليه بعد طول بحث ..
وجدتها مازالت نائمة فشعرت بالدهشة واقتربت منها توقظها لتلفحها حرارة جسد خالتها فأجفلت برعب ولم تعلم ماذا تفعل
لتركض بعد قليل للخالة أم هبة صاحبة العقار الذي يقطنان أعلاه تخبرها عن حالة خالتها وهي تبكي وتفكّر هل ستفقد خالتها كما
فقدت والديها قبلا؟!
لتهدّئها المرأة الحنون وهي تصعد معها بعدما أحضرت خافضا للحرارة تحتفظ به من أجل مرض أحفادها الذين يزورونها كل حين
"حبيبتي همسة اهدأي خالتكِ بخير, ربما التقطت عدوى فقط احضري طبقا به ماء بارد حتى نخفّف من حرارة خالتكِ قليلا"
قالت أم هبة للصغيرة همسة لتومئ الأخيرة بصمت قبل أن تذهب للركن الصغير والذي يتعاملون معه على أنه المطبخ فبالكاد يحوي
ثلاجة قديمة قد جلبتها لهما أم هبة وموقد قديم ولكنه يساعد خالتها بطهي الطعام وبيعه بجانب الخضراوت القليلة التي تجلس
بها بالقرب من مسجد الحي..
فعلت كما طلبت منها أم هبة وعادت لها وأعطتها الطبق ومعه خِرقة نظيفة من أجل الكمادات وهي تحبس دموعها حتى لا تحزن
خالتها عندما تفتح عينيها.
"هيّا اذهبي وتجهّزي للمدرسة حبيبتي"
قالت أم هبة بحنو للفتاة الباكية لترفض همسة قائلة:"لا خالتي سأظل مع خالتي اليوم"
ولكن أم هبة أثنتها عن ذلك قائلة:"ولكن خالتكِ ستغضب منكِ لو وجدتكِ بالمنزل بوقت المدرسة, أنتِ تعلمين جيدا أنها تحرص
على دراستكِ كثيرا فلا تُحزنين قلبها"
أطرقت همسة للحظات وهي تفكر خالتها مريضة والخضراوات التي تأخذها يوميا من المحل لتبيعه سيضيع عليها اليوم وربما الرجل
لن يعطيها مرة أخرى كما أنها ستحرم خالتها من دخل اليوم لتقرر أنها ستذهب مكان خالتها اليوم حتى تستطيع إحضار طعام جيد
لخالتها حتى تتحسّن صحتها سريعا.
*****
"صباح الخير عمي سيد"
قالت همسة ليبتسم لها العم سيد وهو يقول:
"صباح النور همسة كيف حالكِ يا صغيرة؟"
"بخير, هل الخضراوات جاهزة؟"
رمقها بدهشة ثم نظر خلفها يبحث عن خالتها وهو يقول:"وأين خالتكِ يا همسة؟"
"مريضة"
قالتها بخفوت وعيناها تنحنيان بألم قبل أن ترفع رأسها مرة أخرى وهي تقول:"وأنا سأكون مكانها اليوم يا عم"
"والمدرسة يا همسة؟"
سألها بريبة لتقول:"سأنقل ما أريد من صديقتي ولكني لن أستطيع أن أذهب وأترك الخضراوات اليوم وخالتي لن تستطيع القدوم
لمرضها"
"لا تحملي هم اليوم سأرسل المال ل..."
قاطعته بكبرياء وهي ترفع قامتها الصغيرة قائلة:"لا نقبل الإحسان يا عم سيد, فهل ستعطيني الخضراوات أم لا؟"
رمقها بإعجاب رغما عنه وهو يفكر كم أجادت حسناء تربية ابنة أختها الصغيرة..
"حسنا همسة ولكن الكمية ستقل حتى لا تتأخري على خالتكِ وعندما تتحسن خالتكِ سنعوّضها ما رأيك؟"
قال سيد مساوما الصغيرة فأومأت راضية بما قاله فهي لا تريد أن تتأخر على خالتها خاصة أنها ستقلق عليها لو عادت بعد موعد
المدرسة بكثير.
*****
عصماء لجودت وجودت لعصماء..
الفتاة لابن عمها..
عبارة يتردد صداها كثيرا بمجتمعنا دون أن يلاحظوا أنها تبني الآمال والأحلام وربما تتحطم أيضا عندما تتغير مشاعر أحدهما أو
كلاهما!
دخلت عصماء المنزل راكضة لوالدها وهي تبكي ليفزع الوالد وهو يهدّئ من روعها يسألها ماذا حدث معها!
"ماذا حدث يا عصماء؟"
"وبّخني جودت وكاد يضربني أبي"
هتفت عصماء بغضب من بين دموعها ليرفع حاجبه بدهشة فهي المرة الأولى التي يفعلها جودت فدوما يدلّلها ويحضر لها الحلوى..
ليسألها عمها بدهشة:"وماذا حدث ليفعل جودت هكذا؟"
"لا أعلم عمي, كنت ألعب مع جيراننا سامر وعصام وهديل شقيقتهما فأتى جودت ووبّخني وجذبني بقوة وأخبرني ألا ألعب مع الأولاد أبدا"
تبادل الأخوين النظرات الضاحكة وهما يكبحان ضحكاتهما ليهمس العم للأب:"يبدو أن ابني يحمي ممتلكاته ويغار على خطيبته"
ليزجره الأب بنظرة وهو يكبح ضحكته قائلا:
"ولكن لا يحق له أن يتسبب بالحزن لأميرتي, أخبر ابنك أن يُحسن معاملة ابنتي وإلا لنلغي الخطبة من الآن"
قهقها معا لتنظر لهما الصغيرة عصماء بغيظ وهي تهتف:"هل تضحكان عليِّ؟"
التقطها عمها وأجلسها على ركبتيه وهو يقول:"لا يا روح عمكِ أنتِ, ولأجل عينيك الجميلتين سأوبّخه لكِ وسأجذب أذنيه بقوة
حتى لا يُحزنكِ مرة أخرى"
وما إن أنهى الكلمة حتى ضرب الإعصار الغرفة بدخول جودت وهو يهتف بغضب:"لو رأيتكِ تلعبين مرة أخرى مع أي ولد سأحبسكِ بالمنزلأحبسكِ بالمنزل يا عصماء هل فهمتِ؟"
نهره والده بحزم مصطنع وهو يرمق شقيقه بنظرة ذات مغزى ليكبح الأخير ضحكته وهو يتظاهر بالجدية قائلا:"هل تُغضب ابنتي وأنا
على قيد الحياة يا ولد؟ وماذا ستفعل بها إن حدث لي شيء؟"
انتفض جودت لاثما يد ورأس عمه بحب وتقدير وهو يقول:"لا حرمنا الله من وجودك عمي, عصماء بعيني"
ليرمقها بغضب وهو يتابع:"ولكن هل توافق على لهوها مع الأولاد يا عمي؟ هي لم تعد صغيرة بل كبيرة بالثالثة عشرة ومن الأفضل
ألّا تلهو بالشارع من الأساس"
شهقت عصماء بقوة وهي تتملّص من بين يدي عمها الذي كان يكبح ضحكاته بقوة وهو يرى الصغيرة تقف أمام ابن عمها الذي يكبرها بست أعوام وعلى وشك دخول الجامعة وهي تقول
بغضب:"لا تأمرني جودت, أنا حرة ألهو مع من أشاء وبالمكان الذي أريده"
اشتعلت عينا جودت بغضب وكاد يتحدث لولا أن هتف عمه ووالد عصماء ناهرا إياها:"عصماء.."
"أبي إنه..."
حاولت القول إلا أنه قاطعها بحزم:"ما قاله ابن عمكِ صحيح, أنتِ لست صغيرة للّهو في الشارع مع الأولاد.. وطريقتكِ في الحديث مع ابن عمكِ تتحسّن.. كما يقول افعلي فهو مسئول عنكِ مثلنا تماما"
انحنت شفتيها ببوادر بكاء وهي تومئ برأسها بصمت قبل أن تنسحب من الغرفة راكضة لغرفتها باكية ليلحق بها جودت ويمسكها قبل دخول غرفتها وما إن رأى دموعها وشفتيها اللتين تهتزان بالبكاء حتى أغمض عينيه بقوة وهو يسب نفسه على عصبيته التي أودت بها للبكاء وربما تكرهه أيضا.
"عصماء صغيرتي, لا أريد إغضابكِ أبدا ولكني لا أحب أن تلعبي مع الأولاد أو تقتربي منهم أبدا.. أنتِ بريئة ولا أريد لأحد أن يمس براءتكِ هذه أبدا"
رمقته بعتاب من بين دموعها ليمسح لها دموعها بحنو وهو يقول: "ألستِ خطيبتي وسنتزوج عندما نكبر قليلا؟ فأعمل أنا وأنتِ
ستكونين ملكة بمنزلنا كما أنتِ أميرة بمنزل والدكِ؟"
عضّت على شفتيها بخجل من كلامه وكلماته تضرب قلبها وخيالها الفتيّ البريء ليجد داخلها الصدى المرجو منه..
ليبتسم عندما رأى خجلها ليربّت على رأسها بحنو قبل أن يتهوّر ويمنحها قبلة بريئة على وجنتها الناعمة وهو يهمس لها:
"أحبكِ طفلتي"
وفرّ من أمامها وهو ينهر نفسه لما فعله فهي مازالت صغيرة وربما هو هكذا يخون ثقة عمه به ولكنه لا يستطيع كبح مشاعره أكثر وهو يشعر بالتملك تجاهها ويريد أن يخفيها عن أعين الرجال جميعا.
****
جالسة بالقرب من المسجد وقد باعت معظم الخضراوات التي أخذتها من العم سيد وتبقّى فقط كيس من الليمون والنعناع..
لتنهض من جلستها وتذهب أمام باب المسجد وتجلس بهدوء حتى ينتهوا من الصلاة علّ أحدهم يشتري الكيس حتى تذهب لخالتها
فقد تأخرت عليها وأذّن العصر أيضا ..
ما يريحها أن صديقتها فَلَكَ قد مرّت عليها وأخبرتها عن الدروس التي أخذوها اليوم بالمدرسة وأنها أخبرت المعلمة أنها مريضة
لتشكرها همسة كثيرا وهي تشعر أن الله منّ عليها بصديقة أكثر من جيدة ك فَلَكَ كما أنعم عليها بخالتها التي اعتنت بها بعد وفاة
والديها واللذين لا تذكرهما جيدا.
انتهت الصلاة وبدأ الرجال يخرجون من المسجد ولا أحد يعيرها أدنى اهتمام لتقرر أن تجذب انتباههم وهي تعرض عليهم بضاعتها
القليلة..
"ليمون ونعناع يا أستاذ؟ فقط خمس جنيهات الثمن فهل تريد"
رمقها أحدهم بازدراء وكأنها تتسوّل منه وغادر دون أن يشكرها حتى أو يخبرها أنه لا يريد فعضّت على شفتيها تمنع نفسها من النطق بكلمة وهي تشعر ببوادر الدموع تحرق عينيها وتفكر أنه ربما خالتها تتعرّض لكل هذا يوميا من أجلها فكيف تحتمل؟!
بسطت يدها لآخر وهي تهتف بنفس العبارة لينفض يدها بعيدا وهو ينهرها:"ابتعدي يا غبية ستلوثين ملابسي.. من أين تأتي هذه
البلاوي لا أفهم"
انفرط الكيس من يدها وسقطت حبات الليمون على الأرض فانحنت تجمعها بصمت ودموعها تنهمر على وجنتيها دون أن تستطيع ردعهم وداخلها يهتف..
ماذا فعلت لأهان بهذه الطريقة؟!
أنا لا أتسوّل أنا أكسب رزقي بما يرضي الله!
سمعت حوقلة قريبة قبل أن تشعر بمن ينحني معها يساعدها بجمع حبّات الليمون وما إن استقامت حتى وجدته أمامها..
شاب ربما في الجامعة.. أنيق, وسيم الملامح يشبه أبطال المسلسلات التركية التي تتداول الفتيات صورهم بالمدرسة يبتسم لها بحنو وهو يسألها:"كم ثمن الليمون والنعناع يا صغيرة؟"
"خمس جنيهات"
بالكاد خرج صوتها ليومئ لها وهو يخرج نقوده وعيناها لا تحيدان عن وجهه الوسيم وملامحه الرجولية الجذابة الحنونة ليعطيها الخمس
جنيهات ويأخذ منها الليمون وهو يسألها:
"ما اسمك صغيرتي؟"
"همسة"
همست باسمها بخجل وهي تناوله الليمون والنعناع وتشكره:"شكرا لكَ"
ابتسم بحنو وهو يقول:"بل شكرا لكِ أنتِ فجدتي تحب الليمون ولم أجد بطريقي لهنا واليوم سأتناول الليمون بالنعناع من يديها"
ليهمس لها متآمرا:"وهو لا يعوّض من يدها أبدا"
ابتسمت لتشرق عيناه بإعجاب وهو يقول:
"هذه العيون لم تُخلَق للحزن, عديني يا همسة أن تكوني سعيدة وقوية"
وقبل حتى أن تفهم ما تعده به كانت تعده بخفوت بما طلبه: "أعدك".
*****
بعد أربعة أعوام

رواية هل تدري عني بقلمي حنين أحمد (ياسمين) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن