الفصل الثاني هل تدري عنّي؟ بقلمي حنين أحمد (ياسمين)

5.2K 141 6
                                    

الفصل الثاني

(الماضي)
واقفة أمام قبر والديها مع خالتها التي تبكي بصمت تحاول أن تفهم لماذا لن ترى والديها مرة أخرى ولماذا تبكي خالتها بهذه الطريقة؟ ولماذا هما بمفردهما دون أي أحد جوراهما سوى أشخاص غريبة لا تعرفهم ولم ترهم قبلا!
"لماذا تبكي حسناء؟!"
سألتها همسة بعدم فهم لترمقها حسناء بتعاطف رغما عنها قبل أن تنحني لتضمها بقوة وهي تقول:"سأشتاق لهما همسة"
انحنت عيناها لأسفل تشعر بالدموع تحرق جفنيها وهي تقول:"ألن يعودا؟!"
ازداد ضم حسناء لها وهي تقول:"لا حبيبتي، لقد ذهبا للسماء ولن يعودا مرة أخرى"
"ولكني سأشتاق لهما.. لماذا لا يعودان؟!"
سألت بعقل طفلة لا تدرك ما هو الموت لتجيبها خالتها بحزن:"مَن يذهب لا يعود حبيبتي، ولكن لا تقلقي أنا معكِ ولن أترككِ
أبدا.. سنظل معا أقوى فتاتين أليس كذلك؟"
قالتها حسناء بمرح مصطنع وهي تقودها بعيدا عن القبر وتحاول التفكير فيما سيحدث لهما وكيف ستعيشان؟!
فزوج أختها لم يكن له مهنة حكومية ليحصلا منها على معاش تقاعدي كان بائعا وأختها معه يجوبان القرى والمدن من أجل عرض بضاعتهما تاركين همسة مع خالتها حسناء.
*****
عادت إلى المنزل مع همسة لتجد صاحب المنزل في انتظارهما توجّست خِيفة فهي لا ترتاح أبدا له كما أن نظراته لها لا تريحها منذ طلبها للزواج من زوج أختها وهي تشعر بالخوف منه..
يومها جُنّ جنون زوج أختها وهو يهتف به أنها بعمر ابنته فكيف يفكر بها زوجة ورفض مجرد عرض الأمر عليها ولم تكن لتعلم به لو لم تخبرها الصغيرة همسة عن شجار والدها مع صاحب المنزل الذي لا تحبه!
مرّت بجواره وألقت السلام بخفوت وهي تشدد على همسة ثم دلفت للبناية وما إن فتحت باب الشقة حتى وجدته خلفها ..
"أريد التحدث معكِ يا حسناء"
رفعت حاجبها بتهكّم، حسناء!
وماذا بينهما ليناديها باسمها مجرّدا وهو الذي لم يكن يستطيع أن يرفع طرفه تجاهها وزوج أختها على قيد الحياة!
صرّت على أسنانها بقوة وهي تهتف داخلها
(لا تجعليه يلمح ضعفكِ حسناء حتى لا يستغل الأمر ضدكِ أنتِ قوية، أنتِ تربية أمين البحيري ولن يستغلّكِ أي أحد)
"ماذا هناك سيد عباس ؟"
سألته بجفاء وهي تتوقع ما سيقول فبالتأكيد هو يعلم حالهما جيدا الآن ويريد الاطمئنان على إيجار الشقة..
ولم يخب ظنّها فقط قال على الفور:"بداية الشهر تبقّى عليها عدة أيام.. كيف ستدبّرين إيجار الشقة"
وعلى الرغم من عدم معرفتها كيف ستفعل إلا أنها أجابته بصرامة:"أعتقد أن ما يعنيك أن يصلك الإيجار بالموعد المحدد أما عن مصدره فلا يعينك بشيء"
"وماذا لو أخبرتكِ أنكِ تعنيني أكثر من الإيجار حسناء!"
أخبرها بصوت يوحي بالكثير وقد فهمت قصده خاصة مع نظرات عينيه التي تثير الاشمئزاز داخلها لتجابهه بقوة:"ليس هناك شيء بيننا لأعنيكَ سيد عباس ولن يكون"
"لماذا حسناء؟ هل تحبين التعب والشقاء؟ سأجعلكِ ملكة بمنزلي ولن..."
قاطعته ساخرة:"تُرى أي منزل منهم ستجعلني ملكته سيد عباس؟ فكما أعلم لديك العديد من المنازل"
أشارت لزواجه من امرأتين لتتغير ملامحه تماما وهو يقترب منها مهددا لترتعد فرائصها فماذا لو تعرّض لها الآن من سيمنعه عنها؟!
ورغم خوفها واجهته بشجاعة وهي ترفع رأسها ليقف على بعد خطوة واحدة منها قائلا بقسوة:"لديكِ لبداية الشهر للتفكير لتغيير رأيكِ حسناء وإلا فلتبحثا عن مكان آخر تأويان إليه".
******
(الحاضر)
"صباح الخير حسناء"
بادرت همسة خالتها لتجيبها باقتضاب:"صباح الخير"
رمقتها همسة بعتب وهي تقول:"صباح الخير فقط دون قبلة أو حضن أو أي شيء يخفف من عبء الثانوية العامة!"
رمقتها حسناء بنظرة ذات مغزى وهي تقول:
"وهل طالبات الثانوية العامة يعملن كالخاطبة الآن؟!"
ضحكت همسة بمرح وهي تقول:"عندما يكون لديهم خالة حسناء مثلك يقع جميع الرجال صرعى جمالها وحُسنها"
رفعت حاجبها بتهكّم لتضحك عليها همسة وهي تضمّها سريعا قائلة:"سأغادر الآن حتى لا تقتلني فَلَكَ لو تأخرت عليها اليوم أيضا"
ابتسمت حسناء وهي تمنحها القبلة الصباحية المعتادة لتتابع همسة داخلها وهي تخرج من باب الشقة:"هذا لو لاحظت تأخري في ظل تحديقها الغبي بجارها الوسيم".
*****
منذ ذاك اليوم الذي سمعها بها سلمان تتغزل به تهرّبت من التواجد بالأوقات التي تعلم وجوده بها بالشرفة فيومها كادت تختنق من
الخجل وهي تدعو أن تنشق الأرض وتبتلعها حتى يمر هذا الموقف ولكن للأسف الأرض لم تنشق والموقف ظلّ حائلا بينها وبين الذهاب حتى للبقال بل ظلّ حائلا بينها وبين مراقبتها الشغوفة له.
زفرت بحنق وهي تسب همسة داخلها لأنها أجبرتها أن تخرج من المنزل بهذا الوقت من أجل المجموعة التي تدرسان بها وبالتأكيد
ستراه جالسا بالشرفة وبيده كتاب وفنجان من القهوة الثقيلة التي يعشقها .
أخذت نفسا عميقا قبل أن تزفره بقوة وهي تحاول السيطرة على ارتباكها لتخرج من المنزل تنظر للأرض تحاول الإمساك بعينيها ألّا تطرفان تجاه الشرفة وكادت تنجح لولا اصطدامها بأحدهم من تحديقها المبالغ به بالأرض لتكتشف أنها اصطدمت بوالدته وهو
بجوارها!
كادت تفلت منها شهقة جزعة لولا أن كبحتها بقوة وهي تتحاشى النظر إليه وتركز على والدته قائلة بخجل:"أعتذر يا خالة"
ربّتت على وجنتها بحب وهي تقول لها بعد أن طبعت قبلة على وجنتيها:"كيف حالكِ فَلَكَ؟ وكيف حال والدتكِ؟! اشتقت لكِ يا فتاة لم أعد أراكِ بالأنحاء منذ نضجتِ وتحوّلتِ لعروس فاتنة"
ازداد خجلها وتكاد تشعر أن وجهها صار قرمزيا من الخجل حتى أنها شعرت بالحرارة تتصاعد منه لتصمت غير قادرة على الحديث خاصة بوجوده الذي يربكها كلية ليتناهى إليها صوته قائلا:"إنها بالثانوية يا أمي فلا وقت لتضيعه بالترهات"
دون شعور رفعت بصرها إليه هل يلقي إليها بالحديث؟!
هل يخبرها ألّا تضيع وقتها بحبه والذي سمعها تبوح به بكل سذاجة؟!
ولكنه لم يكن ينظر لها بل تعدّاها بنظره لأخرى اقتربت منهم تهتف بحبور:"كيف حالكِ عمتي اشتقت لكِ كثيرا"
قبل أن تلتفت لسلمان برقة قائلة:"وأنتَ سلمان كيف حالك؟ لم تعد تزورنا منذ فترة لعلّ المانع خير"
"بخير يا شوشو كيف حالكِ أنتِ ابنتي وحال والديكِ؟"
أجابت والدة سلمان فيما ابتسم سلمان مجيبا إياها:"العمل يا ابنة خالي لا يرحم، ثم أننا على وشك زيارتكم قريبا"
جملته الأخيرة كانت بنبرة مختلفة حتى أن المدعوّة شوشو قد ابتسمت بخجل وكأنها تعلم سر الزيارة!
هل الجميع يفهم عداها!!
شعرت بالهواء يضيق حولها وأرادت الانسحاب سريعا ولكنها لم تعرف كيف وقبل أن تحاول الانسحاب كانت شوشو قد التفتت لها وهي تقول برقتها:"ومن هذه العروس الفاتنة عمتي؟ ما اسمك يا صغيرتي؟"
وكلمة صغيرتي نفت كلمة عروس بقسوة جعلتها تريد الهرب..
هل الجميع يسخر منها اليوم؟!
أجابها سلمان:"إنها فَلَكَ جارتنا يا شوشو ألم تتذكريها؟ الصغيرة التي كنت أفضّلها دوما على فتيات الحي لأحملها وأجول بها الحي.. لقد جئت بها لزيارتكم عدة مرات"
شهقت شوشو غير مصدقة وهي تضمّها بحب جعل فلك غير قادرة على كرهها.. إذا كانت هي لم تتذكرها فكيف تتذكرها شوشو؟!
"يا صغيرتي، لقد نضجتِ وأصبحتِ عروس.. محظوظ هو مَن سيفوز بكِ بكل تأكيد"
ابتلعت ريقها وهي تحاول رسم ابتسامة بسيطة على شفتيها قبل أن تنقذها همسة وهي تقترب ملقية السلام على الجميع بهدوء
وهي تعتذر منهم متحجّجة بموعد المجموعة الدراسية.
******
راقبته خلف نافذة غرفتها يعود من الخارج متأخرا كعادته منذ فترة.. هل يستغرق العمل الجديد كل هذا الوقت؟!
تعلم أنه يتحمّل عبء محل العائلة بل ويطوّره أيضا بإمكانياته الرائعة وفكره الشاب ولكنها لا تستسيغ عودته متأخرا يوميا كما لا تستسيغ تعامله مع الفتيات بالمحل على الرغم أنه يقوم بالإدارة أغلب الوقت ولكنها لا تحتمل وجوده بمكان كله نساء بجاذبيته الرجولية الفطرية التي تجمع النساء حوله من جميع الأعمار خاصة أنه يحب مشاكسة الجميع بمرحه وخفّة ظلّه اللافتة للنظر..
ز

رواية هل تدري عني بقلمي حنين أحمد (ياسمين) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن