بعد إنتهاء المجلس الحسیني تبادلت والدة سَكینة مع فاتن أرقام الهواتف وبدأت بینهما أواصر علاقة أسریة جدیدة
وهذا لیس بغریب فهي والدة سَكینة !
وصلت زهراء للمنزل بقلب مُتلهف لإداء حق إمامها علیها ولكن یشوبهُ حسرة ، هي تعتقد إنها ما زالت غُصناً طریاً قد لا یتحمل
الصعوبات التي ستواجهها ولكن غاب عن ذهنها إن الإنسان قید مشیئة الخالق
وإن الله أودع فیه طاقات لا مُتناهیة ! أولمْ یقل تعالى : (ونفخت فیه من روحي) ؟
فمن یتصل بالله سبحانه یُصبح قادر على المستحیل ، قادر على جمیع الصعوبات
لكن الفطِن هو من یُدرك هذا الامر فقط و لا یدعْ مجال أو ثغرة كي یَدْخُل منها إبلیس .
لاحظت صدیقتُنا إن هُنالك تغییراً واضحاً في تعامُل فاتن تجاهها منذ أن إلتقت بالسیدة أُم سَكینة
لكن لم تكُن تتخیل یوماً إنها ستترُك طباعها!
یبدو إن بعض الأمثال خاطئة .
زهراء هي الاخرى أصبحت من المتفوقات في صفها ، السر كان في تحدید الهدف أولاً
وفِي الإخلاص وتنظیم الوقت ثانیاً .
لم یُفارق ذهن زهراء أبداً حدیثها مع سَكینة في لقائهما الثاني بالتحدید في منزل الاخیرة ،
كان یتضمن عدة نُقاط دونتها في مخیلتها ، لا توجد قوة في الكون قادرة على محو ما كُتبَ في داخلها ذلك
الیوم و لا حتى الموت ! لإن إحدى تلك النُقاط المُهمة التي ذكرتها سَكینة
كانت تستمر حتى بعد الموت ، كان الالتزام أربعین صباحاً مُتتالیاً بِدُعاء العهد وفِي الروایة عن الامام الصادق ع :
"من دعا الى الله تعالى أربعین یوماً بهذا الدُعاء كان من أنصار قائماً ، فأن مات قبله أخرجه الله تعالى من قبره
وأعطاه بكل كلمة ألف حسنة و محا عنه ألف سیئة " .
ها هي زهراء بین فترة واُخرى تتفقد كم یوماً بقي على إتمام الأربعین صباحاً
وتتفاجأ إن یوم غد سیكون الأربعین !
وفجأة خطر في بالها ما قالته سَكینة : إستعدي لما سترینهُ بعد إتمام الأربعین أو حتى قبل ذلك ، سیمُّن الله عَلَیْكِ
بالكثیر فلا تتعجبي ولا تخُبري أحداً إن في ذلك مصلحتكِ .
خفق قلبها ، دق جرس أفكارها هل سترى إمامها و محبوبها؟
بعد منتصف اللیل
تناولت زهراء قطعة قماش مسحت دموعها بعد أن أتمت تلاوة كتاب الله ، لم تكن تستخدم المنادیل الورقیة
كانت تؤمن إن الدموع في مجلس الحُسَیْن والدموع التي من خشیة الله وحبهُ
تكون مقدسة یجب الاحتفاظ بها ، كانت تنوي أن تضعها معها في قبرها حین وفاتها .
قبلّت تُربة عزیز قلبها أبا عبدالله وسجدت سجدة الشُكر المُعتادة في دُبر كُل فرض وصلاة مُستحبة
تركت لباس الصلاة "الچادر" في مكان صلاتها المُخصص في أحد أركان الغُرفة ، وذهبت نحو سریرها
فقد تأخر الوقت ویجب آن تستیقظ باكراً لفرض الفجر أو فرض العشق كما تُسمیه هي ، لأن الفجر لأنقیاء الأرواح
أما الذین تلوثوا فلیس لدیهم فُرصة في الاستیقاظ فجراً !
المكان ، بُستان أخضر العقل غیر قادر على وصفهِ من شدة الجمال
الحضور ، ثلاثة أشخاص فقط زهراء وشیخ مُسن أبیض اللحیة نوراني المعاني والوجه والشخص الثالث
رجل في ثلاثینیات عُمره ، ذو هیبة یجلس بعیداً مُنعزلاً یكاد حُزن قلبهُ یشعر به المُقابل بمجرد النظر لَهُ
یتوشح اللون الأخضر على كتفیه ویرتدي عمامة سوداء ، أما ملامح وجهه فلا تُرى لانه كان بعیداً بمسافة كبیرة
الشیخ المُسن یُبدي التحیة والسلام على زهراء فترُد علیه بأحترام ویبادُرها بسؤال : هل تعرفین یا بُنیتي من ذلك السید الجلیل الجالِس
هنُالك ؟
ردت زهراء : كلا یا سیدي من هو ؟
أجاب : بل هو سیدُكِ ولستُ أنا ، إِنَّهُ صاحب الزمان المهدي ، وهل تعلمین لما هو وحید ؟
كأن الحروف تبخرت منها كأن اللُّغة فُقدت حینها لم تكُن تود شیئاً سوى الذهاب نحوه ولكن كأن شیئاً منعها
لم تكُن مُستعدة هكذا فهمِت ، أردفت تقول : كلا لِمَ هو وحید ؟ ،
لا أنصار لدیه ، والفساد یملأ الارض
والظلم یسود والإنسانیة تتلاشى ودین جدهُ غُیِّر وبُدِل ، كان هذا جواب الشیخ المُسن وأضاف :
تقع على عاتق هذا الجیل مسؤولیة كبرى ، الامام یُحبكم فأغتنموا الفُرص التي یبعثها الله لَكُم
وأي عمل یُضاهي نُصرة إمام الزمان ؟ .
" في هواكا أبكي ویُبكیني دُعاء النِدبِ ، هل تراكا عیني كما رأتكَ عینُ القلبِ " صوت المُنبه في هاتف زهراء
قصیدة حُسینیة للرادود الحسیني باسم الكربلائي أیقضت زهراء من منامها مُرتعبة
هل كان حقیقة أم خیال !!
إنها الساعة السادسة وقت الصلاة ، وبعد إتمام الفرض وقراءة دُعاء العهد وزیارة عاشوراء
أصابتها نوبة بُكَاء وإنفجرت دُموعها بلا توقف تسحب الأوكسجین بصعوبة
لا تُعطي الفُرصة لرئاتها كي تعمل طبیعیاً ، هدأت قلیلاً تناولت الْقُرْآن لكي تتفائل به وتأخذ رسالة من الله .
أنت تقرأ
احبك بروحي
Acakأُحبكَ بروحي فالروح لا تفنى ، إلیكَ أغزلُ الكلام والكلماتُ تتفاخر والجُملُ تتباهى إلیكَ یا سید قلبي یا بلسم جُرحي یا وسیلتي لله وغیمة حُبٍ أمطرت في صحراء روحي فأنبتت بُستاناً من الأمل یا مشكاة آمالي ، یا وعد السماء .. خُذ القلیل وإقبل مِنَّا الیسیر...