الفصل السادس

5K 171 5
                                    

*عَلَى حافةِ الطُوفان*

-الفصل السادس-

_اتسعت عينا "دُرة" وهي تنظر نحو "بلال" بصدمة وتجده تقريبًا فوقها وبرغم من الألم الحاد التي كانت تشعر به إلا أنها كان مخضوضة ودفعته بكلتا يدها وهي تصيح بغضب:
-نهارك اسود ومهبب أنتَ بتعمل إيه ؟!
اندهش "بلال" من حركتها ونظر لها بغضب مما تتفوه به بدون عقل وقال بضيق :
-هكون بعمل إيه و ياريت تنقي ألفاظك !
نظرت له شزرًا وما لبست أن تكمل توبيخه حتى شهقت بصدمة وهي تتفحص تلك الغرفة الغريبة عليها وتقول ملتفتة حولها كالبلهاء :
-أنا فين ؟ دي مش أوضتي وأنتَ ازاي هنا في إيه ؟
تنهد وقد أشفق قليلًا عليها بينما نظرت نحوها ونحو ملابسها وهي تقول بقرف:
-وإيه القرف اللي أنا لابساه ده فهمني إيه اللي بيحصل !
اقترب منها وقد تجاهل حديثها وقال بهدوء :
-طبيعي تكوني مع جوزك فين المشكلة ؟
نظرت له بأعين متسعة وقالت ساخرة غير مصدقة:
-جوزي ؟، أنتَ بتهزر ولا جرى في مخك حاجة !
احتدت ملامح "بلال" وقال محاولًا التحكم في أعصابه :
-من فضلك تهدي وهفهمك بس تهدى الأول أنا مش عيل ومش فاضي لكلامك الاهبل ده !
كانت ستنطق من جديد ولكن "بلال" أوقفها بحدة بإشارة من يده :
-اسمعي بقولك !
قال على الفور حتى لا تتلكم من جديد وقص عليها ما حدث ولكنه حاول تبرير الموقف حتى لا تكره والدها:
-باباكي كان عايز يحميكي وهو بيحبك جدًا وخايف عليكي فمكنش قدامه غير الطريقة دي !
صُدمت "دُرة" وهي تستمع لما يقوله فهي تعلم جيدًا والدها ،ابتسمت بمرارة فوالدها باعها ولا يريدها واستسلم من مسؤوليته وزوجها زيجة بشعة حتى ينتقم منها !
تحولت عيناها لجمرة من الغضب وهي تنظر نحو "بلال" بكل حقد وقالت:
-إياك تفكر تيجي ناحيتي والله لأندمك وأندمه على كل حاجة !
ومن ثم خلعت أمامه عباءتها تلك بتأفف من مظهرها ولم تعبأ بما ترتديه ولم تشعر بالحياء منه ومن فعلتها بل ظل مظهرها غاضبًا بينما تفاجأ "بلال" من فعلتها وتنهد بقلة حيلة ولم ينظر لها فأخذت تعدل شعرها بكل برود ومن ثم قررت النزول حتى تأخذ أشيائها من هناك وتهرب منهم جميعًا لا تريد أحدًا معها !
ومن ثم انطلقت وهي تتحرك ببطء بسبب ألم قدمها ، بينما نظر لها "بلال" باستخفاف على ما تفعله وقال وهو يضع يده في جيب بنطاله ويقول :
-مش هتعرفي تطلعي إلا وأنتِ معايا أنا حابسك !
نظرت له بحدة وحنق وفي تشير بسبابتها :
-افتح الباب أحسلك أنا مش هاخد على الكلام ده أنا مش لعبة ترحكوني بيها زي ما أنتم عايزين !
تنهد بأسف وهو يقول مؤكدًا:
-أيوة أنتِ مش لعبة أكيد وأنا مستحيل آذيكِ متخفيش !
قهقهت بحدة ساخرة وهي تنظر له باستهزاء وتقول:
-واضح إنك متعرفنيش كويس أنا أجيب عشرة زيك تحت رجلي يتمنوا بس إشارة مني !
اتسعت عينه من ردها الفظ وبرَّق لها وهو يستغفر الله في سره وقال محذرًا:
-من فضلك متتماديش معايا في حدودك وإلا هتشوفي مني تصرف تاني ربنا يهديكي !
لم تصمت "دُرة" بل ظلت تتفوه بالكلمات الحانقة حتى بدأ ينفجر "بلال" واقترب منها وأمسكها من ذراعها بقوة وقال بهدوء مخيف:
-متحاوليش تستفزيني أنا مش عايز أضرك بحاجة وقولتلك مش هاجي جبنك لكن رجوع لوالدتك لا إلا لما ينصلح حالك ودلوقتي أين كان المسمى فأنتِ قدام ربنا مراتي ولا يمكن أسمح لها تغلط فيا وتكون بالمنظر ده ، هما شوية وقت وهتخلصي مني وساعتها بقى أنتِ حرة ارجعي زي ما كنتي عايزة !
تركها بهدوء وهو يقول بتهذيب:
-وآسف لو وجعتك مكنش قصدي أمسكك كده !
نظرت له صامتة حانقة ، بينما نظر حوله ورأى هاتفها على الطاولة فتيقن أنها ستستخدمه لكي تخلص منه فأخذه على السريع وقال وهو يخرج من غرفتها:
-هضطر آخد ده منك أنا مش ضامن ممكن تعملي إيه بصراحة !
وتابع وهو يوليها ظهرها:
-ويا ريت ترتاحي رجلك أكيد بتوجعك !
ومن ثم أغلق الباب خلفه !
فأمسكت "دُرة" بتلك الزهرية و قذفتها ناحية الباب لتتحطم بالكامل وهي تلعن حظها وتتوعد:
-طيب خلينا نشوف اما وريتك وخليتك تلف ورا نفسك مبقاش دُرة !
.............................................
اضطر بلال للإغلاق عليها وقرر أن يصلح منها فهي قد تربت على منشأ الخطأ من البداية ولكن بالعقل سيفعل كل شيء فبرغم من ذلك فهي زوجته ولا يقبل أن تكون بهذا السوء فهذا لا يرضي الله !
تنهد بحزن وقاد عاد إلى بيته ولا يعرف كيف سيواجه والدته بالأمر !
دلف ليجد والدته تنتظره وأيضًا "أسيل" وهي تشعر بالقلق !
اقتربت منه والدته وهي تقول متسائلة:
-حمدلله على سلامتك يا بني طمني كل حاجة تمام !
نظر لها بحزن شديد واقترب منها ليقبَّل رأسها ويقول بدموع:
-سامحيني يا أمي وارضِ عني!
تفاجأت والدته وبقيت "أسيل" متعجبة بينما هتفت والدته وهي تربت عليه:
-ربنا يرضى عنك دايمًا يا بني خير إيه اللي حصل مالك ؟
تنهد وهو يقبَّل يدها وقال بهدوء تعالى وهحكيلك كل حاجة !
أجلسها وجلست "أسيل" معهم حتى بدى القلق عليها هي الأخرى !
تنهد وهو ينظر لوالدته وقال وهو يرتب حديثه:
-اسمعي يا أمي اللي حصل ده هو اللي كان لازم أعمله وإلا كانت هتحصل مشاكل كتيرة للأستاذ فاروق !
لم تطق والدته صبرًا وقالت وهي تحثه على حديثه:
-يا بني ما تقول قلبي مبقاش مستحمل !
زفر أنفاسه وهو يقول ببطء:
-اتجوزت !
شهقت "أسيل" بينما علت الصدمة الكبيرة نحو والدته ولم تستطع النطق فهتف متابعًا بغصة:
-بنت الأستاذ فاروق
حاولت والدته أن تهدأ أعصابها وتقول بهدوء نسبي:
-إيه اللي حصل خلاك تاخد خطوة  زي دي من غير ما ترجعلي !
أطرق برأسه ومن ثم بدأ يشرح لهم تلك المشكلة وأيضًا شرح لهم أن تلك الفتاة ستكون ضائعة بين هؤلاء إن استمرت في العيش معهم !
تنهد مكملًا وهو يمسح وجهه ويقول:
-أنا مش هكمل في الموضوع ده إلا لما اتأكد إنها اتغيرت وهتقدر تتحمل مسؤلية نفسها صح ، لكن لو سبتها والدتها هترجعها ليها وهتفضل حياتها كده ، ويمكن دي طريقة لهدايتها .
تنهدت والدته وهي تشعر بالحسرة فكيف يحدث ذلك ومن ثم هتفت وهي تذكره بأمر:
-وبنت خالتك سماح أقولها إيه ده انا حددت ميعاد خلاص!
هز رأسه بتفهم وهو يقول:
-وأنا مقولتش لا بس أجلي الميعاد ده لحد ما تخلص الحكاية دي بس أرجوكِ يا أمي تفهمي الوضع !
تنهدت والدته وهي تقول:
-ربنا يصلح الحال يا بني !
تذكرت "أسيل" شيئًا هامًا وقالت:
-طب هي فين دلوقتي أنتَ مجبتهاش معاك ليه ؟
تنهد وهو يقول رافضًا :
-مش هخليها تبقى هنا مش عايز حد يعرف باللي حصل هي دلوقتي في شقتك يا أسيل !
تعجبت أسيل بشدة أي شقة التي يتحدث عنها فأسرعت والدته بالحديث نيابة عنها وقالت:
-شقة إيه دي يا بلال ؟
ابتسم بحزن نحو "أسيل" وقال :
-أنا من فترة كبيرة اشتريت شقة لأسيل وكنت بجهز فيها واحدة واحدة وقولت هتبقى مفاجأة ليها لما تتجوز إن شاء الله  ، بس متقلقيش كل حاجة هتبقى زي ما هي !
لم تصدق "أسيل" وذهبت كي تحتضن أخيها وتشكره على ما  فعله معها !
بينما عملت والدته أن يكمن في قلبه ذلك الحزن فتنهدت وهي تدعو له بصلاح الحال وزوال ذلك الأمر على خير !
.............................................
عاد "ماجد" إلى منزله الذي اتخذه كي يعش بمفرده حتى يفعل ما يحلو له به !
أخذ يكسر كل شيء أمامه ويطيح به بعصبية ومن ثم مسح على خصلات شعره وهو يغلي من الغيظ فقد شاهد ما حدث عندما جاء ليأخذ "دُرة" ووجدها محملة بأحضان رجل آخر وعلم أنه زوجها فقد كان الصوت عاليًا عندما أتت "سوزان" واستطاع فهم كل شيء !
كز على أسنانه بغضب جامح وهو يرفض تلك المسألة وقال متوعدًا:
-هتجيلي يا دُرة يعني هتجيلي !
تنفس بعمق وهو يفكر وابتسم بمكر وقرر محادثة "رنيم" فهي من ستساعده !
................................................................
في صباح اليوم التالي !
أتى "بلال" نحو الشقة مجددًا فهو بالطبع لم يبيت بها ، وأحضر أغراضًا كثيرة وأكياسًا كبيرة !
وعندما دلف داخلًا وجد "دُرة" على حالها تشاهد التلفاز بضجر كما رآها أول مرة !
زفر بالضيق شديد وهو يمنع نظره عنها فهي بعد كل ذلك جميلة حقًا !
ابتلع ريقه بصعوبة ومن ثم حمحم كي تتنبه له وتتعدل ولكنها نظرت له نظرة باردة ولم تعيره اهتمام !
هز رأسه بضيق شديد من هذه الأفعال ومن ثم وضع الأكياس أمامها وقال:
-السلام عليكم عاملة إيه انهاردة ؟
نظرت له باستهزاء ولم ترد عليه !
تضايق أكثر وأمسك بيدها يجبرها على النظر له وهو يقول بصوت أجش:
-لما أقول السلام عليكم يبقى تردي السلام سامعة ؟

على حافة الطوفان.. للكاتبة دينا عادل حيث تعيش القصص. اكتشف الآن