*عَلَى حافةِ الطُوفانِ*
-الفصل السابع-
_بعدما توضأ "بلال" وذهب نحو الغرفة المجاورة كي يصلي ركعتين كعادته قبيل أن يذهب إلى عمله ..
فرش سجادة الصلاة وقبل أن يبدأ سمع همهمة خافتة فاستنكر الأمر ومن ثم اتسعت عيناه وهو يتذكر هاتفها الذي وضعه في الجاكيت الخاص به !
توجه بخطوات سريعة وقد اشتعل الغضب برأسه وهو يسمعها تتحدث مع رجل غريب وتخبره بأن يأتِ ليأخذها من هنا !
علم "بلال" في ذلك الوقت أنها تعلم عالمًا واحدًا فقط ، هذا العالم الذي نشأت به وتربت عليه بطريقتها وكونها تتواجد في شيء غريب عنها فعقلها سيرفض بالمرة أن يكتمل بتلك الطريقة !
اختنق بأنه سيواجه معها أصعب ما يكون حتى تعقل وتعرف رشدها !
هتف بصوت غاضب وقوي:
-بتكلمي مين !
وقع الهاتف من "دُرة" وقد زعرت من وجوده والتفت تنظر له وهي تحاول أن تكون متماسكة!
اقترب منها وأمسك الهاتف لينظر إلى اسم "ماجد" ويسمعه يقول :
-دُرة حبيبتي أنتِ فين !
جحظت عيناه بغضب وهو ينظر لها بنيران مشتعلة ومن ثم ضغط على الهاتف بيده ليكسره ويرميه أرضًا !
حاولت "دُرة" التنفس ونظرت له ببرود وهي ترى هاتفها مهشم وقالت :
-خلاص كسرته ارتاحت ؟
ابتعدت عنه بخطواتها وقالت وهي تضغط على حروفها:
-أنتم فاكرين لما تحبسوني وتجوزني هتعلموا اللي في دماغكم !
ثم هتفت وهي تنظر له بكره شديد:
-كلكم أنانيين .
نظر لها مطولًا وتركها تكمل فقالت بقهرة نفس :
-كل واحد فيكم عايز يحافظ على صورته بالشكل اللي هو يحبه وبما إني مبوظة صورة كل حد فيكم ما تتخلصوا مني سبوني أطلع من حياتكم !
وقفت مجددًا وهي تتحامل ألم قدمها وتقول:
-اسمع أنا مش هسمح تتحكموا في حياتي تاني وتمشوها على هواكم سامع !
نظر نحو قدمها التي ترتعش فعلم أنها تتألم تنهد واقترب منها وهو يفكر مليًا في حديثها ومن ثم حملها بين ذراعيه لتشهق وتقول بغضب:
-نزلي بتعمل إيه !
لم يرد عليها بل ظلت ملامحه قاتمة ومن ثم وضعها على الفراش بهدوء ووقف وقال بنبرة رزينة:
-أنتِ مش لعبة في إيد حد ولا حد بيجبرك على حاجة ، لكن أنتِ واحدة مسؤولة عن نفسك ولازم تعرفي الصح من الغلط ، حياتك مش ملكك لو هتفضلي تعيشها على هواكي هتقعي وقعة وحشة هتندمي عليها طول عمرك !
نظر نحو النافذة وأكمل دون النظر لها:
-يمكن تكون تربيتي في وسط غريب وغلط وحياتك كانت ملخبطة بس ميمنعش نصلحها !
ومن ثم التفت لها نصف لفتة وقال مؤكدًا على كل كلمة يقولها:
-وطول ما أنتِ مراتي فمش هسمح إنك تفضلي تجيبي فيا شمال ويمين عيب في حق نفسي وفي حق ربنا أسيبك !
اقترب منها وهو ينظر لعينها وقال بعد مدة:
-أنتِ بريئة بس اتحولتي مع كل ده لشخص مش بيحب غير نفسه وبس ،وأنا وافقت على الموضوع ده لما حسيت إن كل اللي حواليكي مش عارف يتعامل معاكي صح مش عشان أساعد والدك أو أفكر زي ما فكرتي !
تنهد وهو يقنعها بما يريد ويقول:
-أنا مش عايز منك حاجة ولا هآذيكي في شيء ويا اريت نعدي الفترة دي على خير ومتحتكيش بحد من حياتك صدقيني مش هسمح بده ومش عشان بتحكم فيكي بس عشان ده غلط ولازم تفوقي منه !
تركها خارجًا وقال :
-أنا هرجعلك كمان شوية عارف إن الحبسة مش حلوة ومش هيهون عليا تفضلي كده بس للأسف أنتِ مش سيبالي حل تاني !
تركها وانصرف وبقيت هي صامتة تستجمع كلماته كانت تظن أنه سيضربها لكنه لم يفعل !
تنهدت بنفاذ صبر وهي تفكر مليًا في كيفية الخروج من ذلك المأزق !
......................................
وصل "بلال" إلى عمله مع "فاروق" ورآه "فاروق" وأشار له بيده كي يتبعه !
تنهد "بلال" ولحق به ومن ثم وجه له "فاروق" الحديث:
-دُرة عاملة إيه طمني !
حاول "بلال" ألا يظهر ضيقه وقال:
-الحمدلله !
هز برأسه ومن ثم شدد عليه وقال:
-لو عملت أي حاجة متسكتلهاش علمها الأدب دي لازم تتربى !
نظر له "بلال" نظرات ذات معنى وهو يقول:
-عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تكرهوا البنات فإنهن المؤنسات، الغاليات"
نظر له "فاروق" بذهول وقال:
-أنا بكره بنتي ؟
أكمل "بلال" وهو يتكلم بهدوء شديد:
-لا العفو ، بس حضرتك نسيت واجبك كأب وسبتها بردو لوحدها !
-أنتَ معاها !
تعجب "بلال" أكثر وقال:
-ودوري إيه جنب دورك ؟ ، وبعدين مش دي بنتك اللي كنت هتتجنن عليها وعايزها جنبك !
تنهد "فاروق" وهو يفكر بحالة ابنته التي وجدها وقال بحسرة:
-لما لقيتها كده مقدرتش أتحمل ، أسلوبها وطريقة حياتها مش دي بنتي اللي سبتها وهي صغيرة مش هي !
تنهد "بلال" بقلة حيلة وقال يذكره :
-بس أنتَ كان لازم تتوقع حاجة زي دي ، وبعدين أعتقد إنك سمعت الأخبار اللي تقولك إن وضعها غلط وللأسف مش هي بنتك اللي كنت بتتمناها بس هل معناه إننا نسيبها ونتخلى عنها ، هي كانت عايزة منك رعاية واهتمام مش العكس !
شعر "فاروق" بذلك الألم بداخل قلبه ومن ثم قال:
-طب خليني أروح أشوفها !
ابتسم "بلال" وقال نافيًا:
-مش دلوقتي سبيها فترة تهدى ولما أحس الوقت مناسب هقولك !
هز برأسه على أمل أن تتحسن الأمور وربما "بلال" سيفعل ما لم يستطع فعله ....ربما !
.............................................................
على الجانب الآخر علم "ماجد" أن ذلك الشخص البغيض هو من أغلق الهاتف ، جن جنونه وهو يحاول الاتصال بها مر تلو الأخرى وهو يؤكد:
-مش هسيبك هجيبك والمرة دي أنتِ مش هترفضي !
قرر أن يتصل ب"رنيم" ويخبرها بما حدث حتى تساعده ويأتِ ب "دُرة"
تفاجأت "رنيم" على الجهة الأخرى غير مصدقة ما تسمعه وهي تقول:
-دُرة اتجوزت !!!
أومأ برأسه وهو يكمل بغضب:
-أيوة اتنيلت ، ودلوقتي باين عليها محبوسة عنده لازم نوصلها ! ،أكيد بيعذبها
توترت "رنيم" وهي تفكر بالأمر وتحلله ومن ثم قالت:
-طيب أنا هروح عند مامتها وأشوف هتقولي إيه !
وافقها الرأي وقال وهو ينبه عليها:
-بس متنسيش تقوليلي لو حصل حاجة !
-تمام ، باي !
أغلق "ماجد" وهو يضيق عينه بوعيد ويقول:
-هتندم أوي على اللي عملته ، بكرة تبقى في إيدي يا دُرة وساعتها هعمل اللي في بالي !
.......................................
توجهت "رنيم" نحو منزل "سوزان" كي تحاول الوصول إلى "دُرة" وتفهم الأمر !
في ذلك الوقت كان "حاتم" غاضبًا بشدة عندما حاول الاتصال على هاتف "دُرة" من رقم آخر ويصطنع شيئًا ليصل إليها ووجده مغلقًا!
تأففت "سوزان" وهي تقول:
-وبعدين يا فالح !
نظر لها ولم يتحدث فقالت هي بحنق:
-قولتلك خليني أبلغ البوليس وأخلص منه وأرجع بنتي !
صرخ "حاتم" بها وهو يقول:
-عشان يعترف علينا صح ؟
تابع وهو ينفخ بضيق:
-هو سمعنا وعرف كل حاجة ، البوليس هيودينا في داهية لكن إحنا كان ممكن نلعب معاه بطريقتنا المهم نوصل للهانم بنتك وبعدين نتصرف !
حنقت بشدة وهي تنظر له بتذمر ومن ثم سمعت قرع الباب فهدأت من روعها ومن ثم فتحت الخادمة لتجد "رنيم" صديقة ابنتها !
ابتسمت بوميض غريب وقد لمعت عيناها بخبث ومن ثم ادعت البكاء ، نظر لها "حاتم" مستغربًا ما تفعله لكن فضل مشاهدة ما تريد فعله !
أتت "رنيم" لها بوجه حزين وقالت:
-هاي انطي سوزي هو اللي حصل ده بجد ؟
ظهر على معالم "سوزان" الحزن المزيف وقالت:
-شوفتي يا روري حصل إيه بس أنتِ عرفتي ازاي ؟
قصت عليها "رنيم" مكالمة "ماجد" لها فاستعت عينا "سوزان" وهي تنظر ل"حاتم" بينما تابعت "رنيم" بأسف:
-وأنا قولت أجي أفهم من حضرتك !
فكرت "سوزان" ومن ثم قالت بمكر:
-الولد ده ضحك عليها بسبب أبوها ، وطبعًا أبوها منعها عني !
تنهدت "رنيم" بأسف بينما تابعت "سوزان" بمكر:
-بس أنتِ ممكن توصليلها وبعدين تعرفيني !
نظرت لها بتساؤل فابتسمت "سوزان" وهي تشعر بثقة كبيرة !
.........................................
بعد قليل أتى "بلال" مرة أخرى ووجد الباب مغلق دق الباب فلم يجد ردًا نادها وهو يقول محمحًا:
-ممكن ادخل ؟
لم يجد ردًا أيضًا ، فتح الباب بهدوء حتى مستلقية على الفراش شاردة !
اقترب منها وهو يقول بتساؤل:
-أنتِ كويسة ؟
نظرت له ولم ترد !
تنهد وهو يهز رأسه ومن ثم أشار على ذلك الشيء وقال:
-شنطتك أهي طالما الشوال مش عاجبك الحجة عزيزة بعتتها !
مطت شفتيها ولم ترد أيضًا فأشار بيده وقال:
-هتفضلي متتكلميش معايا كتير !
ردت عليه بملل شديد:
-هو أنا طيقاك أصلًا ولا طايقة وجودك !
كتم "بلال" في أعصابه وقال:
-بلاش تطقيني !
قالت له بحزم:
-رجعني لماما وهيكون ليك كل الشكر !
هز رأسه بخيبة امل وقال يسايرها:
-هرجعك ليها أوعدك بس مش دلوقتي استني شوية !
-ليه ؟
هتفت بها بالضجر شديد فتابع "بلال" محاولًا إقناعها:
-عشانك ، لو رجعتي البيت مشاكل كتيرة هتحصل عايزين بس نتأكد إن لو رجعتي مش هتتعرضي لمشاكل !
هتفت بنبرة ساخرة وقالت:
-وأنتَ يعني يهمك أمري في أيه ؟
ابتسم لها بصفاء وقال:
-أكيد أنتِ تهميني مش مراتي ومسؤولة مني !
-اه حالة إنسانية يعني !
قالتها باستخفاف فلم يعقب عليها وخرج من الغرفة ومن ثم قال:
-أنا هعمل الغدا ، وبلاش تقومي انتِ تعبانة !
ظلت تتأفف بضيق وهي تفكر كيف ستتخلص من ذلك الرجل المتسلط !
..................................................
بعد أن تناول "بلال" الغذاء مع "دُرة" في الغرفة أذن العصر !
كان كعادته سينزل للصلاة في المسجد لكنه قرر أن يصلي أمامها فربما يفرق معها!
توضأ وافترش سجادة الصلاة ومن ثم بدأ يصلي بخشوع!
قشعر جسد "دُرة" فهذه اول مرة تجد شخصًا يصلي لم ترى أبدًا أحد يصلي حتى "عزيزة" لم ترها فهي كانت منشغلة بحياتها !
حاولت التجاهل ، لكن الصوت العذب كان يدفعها للابتسام تلقائيًا وعندما انتهى "بلال" نظر لها و رآها هادئة فترك سجادة الصلاة ومن ثم قال وهو يدلف خارجًا متحججًا بأنه لديه بعض المكلمات للعمل !
راقبت "دُرة" انصرافه ومن ثم نظرت نحو سجادة الصلاة وهي تشعر بحيرة
رمت تلك الأفكار من عقلها ومن ثم نفضت تلك الفكرة من رأسها وهي تشعر بالغضب !
نظرت إلى حقيبتها ، ومن ثم قررت ان تبدل ملابسها تلك وتأخذ حمامًا !
ولكن من داخلها تشعر براحة كبيرة !
..................................................................
في تلك المشفى وفي تلك الغرفة تجلس وتبكي بصمت وأمامها تلك الطبية صامتة لتجعلها تخرج ما تريده !
زادت شهقاتها وألمها فقد أصبح وجهها باهتًا وعينها متورمة من كثرة البكاء !
هدأتها الطبيبة وقالت بحنو:
-حاولي تهدي ومتقلقيش هتبقى كويسة إن شاء الله !
نظرت له بيأس وقالت :
-كويسة ازاي وأنا ضيعت كل حاجة !
ابتسمت لها الطبيبة وقالت بتشجيع:
-بس إحنا في إدينا نصلحه !
ومن ثم أكملت تحثها على الحديث:
-وبعد كده إيه اللي حصل مشيت حياتكم ازاي وافقتي تكملي !
وقفت تلك الفتاة عن الكلام وهي تشعر بالإرهاق وقالت:
-معلش مش هقدر أكمل ممكن نريح شوية !
أومأت الطبيبة برأسها وقالت وهي تربت على يدها:
-ماشي نكمل بعدين هجيلك بالليل !
أومأت برأسها ومن ثم استلقت وهي تبكي بصمت وألم كبير !
.......................
خرجت الطبيبة وهي تشعر بالشفقة عليها ومن ثم قابلت ذلك الطبيب الذي كان يباشر حالتها من البداية وقال:
-طمنيني !
قالت وهي تتنهد بضيق:
-لسه الوضع زي ما هو !
قال وهو يقترح عليها أمرًا:
-خلينا نبلغ جوزها لما يعرف أكيد هيعذرها !
هتفت نافية بشدة وقالت:
-مش دلوقتي وبعدين أنا لسه معرفتش كل حاجة ، ممكن هو فعلا مبقاش عايزاها بعد اللي حصل !
قال الطبيب بحيرة:
-بس قالت أنها مخانتوش !
هزت برأسها متفهمة وقالت:
-هعرف ده لما أدخلها تاني هروح أشوف بقية الحالات!
..............................................
بينما جلس ذلك الرجل مستندًا على سريره ومعه صورتها ويبكي بصمت وهو يحتضن تلك الصورة ويقول:
-مش قادر أسامحك مش قادر !
.........................................يتبع الحد بفصل مطول!
يا ترى مين البنت دي وايه علاقتها بحكايتنا ؟
وايه اللي هتعمله سوزان عشان ترجع بنتها
ودُرة هتكمل مع بلال ولا هيكون ليها تفكير تاني ؟
وفاروق هيصبر كتير ولا هيندم
توقعاتكم
أنت تقرأ
على حافة الطوفان.. للكاتبة دينا عادل
Romanceجميع الحقوق محفوظة للكاتبة _ها هي الدنُيا من حَولي تُعطيني كُلَ شيءٍ ، وأنا من حَولِها ملكةٌ تَأمرُ وتَأخذُ عُقدان من الزهورِ يلتفُ حولي؛ ليخبرَني أنَّ كُلَ الأهميةِ هي دُنيتي ولكن....! ماذا عن قَدمي التي تلجلجتْ وتعثرت في مَشيتها وكادت تسقطُ لتغ...