مدخل
واهم من يقول بأن قارئ الروايات لا يعد مثقفاً. لأنه لا تستطيع القول بأن إنسان العصر الحجري المجرد من الوحي التبشري والصفات الإلاهية قادر على سرد طريقة عيش جيل الألفينات كما هي بالحرف الواحد. وكما أنه من السهل عد أحدهم على انه يتصرف ويفكر وفقاً للبيئة التي ينتمي لها. و بما ان -شق الديار علم- والعلم ثقافة. وبما أن الذي يشق الديار يطلع على الكثير من نظم العيش والتفكير للجماعات التي يغشاها او يعاشرها. وعلاوة على ما سلف فلنفترض أنك قرأت عدت روايات لعدد من الكتاب الذين ينحدرون من عدة تجمعات بشرية على سطح البسيطة, فإن ذلك الإطلاع ومعاشرة احرفهم تعني جلياً الإطلاع على عقولهم ومناهج تفكيرهم وعيشهم وبالتالي فإن ذلك يعد ثقافة.
..... و واهم من يظن بأن الرواية هي الكلمات المجردة عما خلفها من معاني.
فالكاتب في كتابته يتضمن الكثير من الكنوز المعلوماتية التي يدرجها راغباً او غير إرادته. ترسمه وترسم مجتمعه بصورة جلية.الواحدة ظهراً٫ منتصف الطريق
كان منصور عائداً من قريته للعاصمة. فيلتقي بصديقاً له من أيام الجامعة يدعى أحمد.
أحمد: صديقي العزيز٫ ما الذي دهي نضارك وتألقك.
منصور- داهية من دواهي الحياة. من الصعب أن يكن منشودك بالقرب منك وأنت بعيد كل البعد عن نيله.
-ثم ماذا؟
-ثم ماذا!
-أري أن رأسك أعتلاه شيب.
-ألم تري أن قلبي أعتلاه الحب؟
- ... أخبرني عن حالك هل تزوجت؟
-لم أستطع....
(ثم سكب دمعة داعبت شاربه٫ نازلة على شفتيه. هنا حمل أحمد منه الحقيبة وأكملا سيرهما.)ا
لرواية
منصور ومها
منصور: شاب قروي٫ ولد وترعرع بين الزراعة والماشية. تعمل أسرته في الزاعة الموسمية٫ والرعي بالماشية. وكان يحب أعمال أسرته جداً. قضى طفولته بين الدراسة٫ ومساعدة والدة في الزراعة٫ وأخيه الأكبر في السعي بالماشية. كان فتى ذكياً, هادئاً, محترماً, و يعشق الفن منذ صغره, حيث أن خزانته كانت مذدحمة بأعداد هائلة من ألبومات المغنيين السودانيين أمثال: هاشم ميرغني, مصطفى سيد أحمد, عبدالكريم الكابلي, محمد الأمين, و الجابري, و ...
مها: الفتاة المدللة٫ لا تشبه فتيات البوادي والقرى كثيراً. جريئة, أكثر تحضراً وإنوثتاً من بين رفيقاتها, لكنها هادئة, إن وجدتها في الطريق تظن أنها صماء. تجيد التلميحات٫ التي بهل يمكنها صيد كل ذو قلب رهيف كان أو صلد.
تعرف منصور بمها منذ سنتهم الاولي في المدرسة ومذ أن رآها قال قلبه: أنتي مائي ... ﴿وجعلنا من الماء كل شئ حي﴾.
مها لم تتعرف عليه إلا في السنة الثانية, وذلك كان حينما تمت معاقبته بالضرب أمام الطلبة في الفصل, بإغترافة ذنب التعدي على زميله بالضرب المبرح٫ عقاباً له لتمزيقة غلاف كتابها دون قصداً منه. ولسوء حظه مشرفة فصلهم كانت الأقسي من بين كل الأساتذة, واليوم وقع منصور في شباكها الشائكة, وبجريمته المغترفة -أخذ الحق باليد دون اللجوء إلى الجهة المعنية- كان لزاما عليه الرضوخ لنتيجة أفعاله. يرتفع السوط عاليا لحد السقف ثم ينزل بقوة مسبغاً قميص الفتى بلون اللحاء, السوط الأول يغادر جسمه في رحلة الذهاب للأعلى لشحن طاقته, الطفل صامدا كالطود, متناسيا للألم كالمتعبد في معيه ربه, شاخصة أبصاره في وجه طفلته الصبوح, تائها في روحها. كانت مها غاضة البصر عنه, يغشعر جسمها عندما يزور السوط جسد حاميها المجهول, نال منصور نصيبه من الضرب ثلاتة سوط, و لكنه ظل واقفا إلى أن خاطبته الأستاذة قائلة: لقد أنتهت عقوبتك, هل تقف لتلقي المذيد؟. ومنذ ذلك الحدث كانت أعينها تطارده في كل مكان.
كان منصور متفوقاً في دراسته, يحرز المراكز الاولي دائما, لم يخرج من العشرة الاوائل ابدا, و مها لم تكن متفوقة مثله, الا ان احرازها مرتبة العشرينات بين قرابة المائة طالب و طالبة كانت ترضيها.
لم يكن منصور مهتماً بالدراسة بقدر إهتمامه بملاقاته مها, فأصبحت المدرسة له ليس مكانا للدراسة بقدر ما هي محرابا لشعيرة الحب كانت الإشارت هي لغتهم الوحيدة التي كانوا يتواصلون بها, ظل ذلك الأمر سنيناً عدداً, يلتقون بإبتسامة وعليها يفترقون.
كانت أجمل أيامهم بدايات الفصل الدراسي, عندما يتكدس الشوق بداخلهم, يتغذى من الجسد فيضعفه, فلا يترك مكاناً فيه إلا و دخله غازياً لا يقبل المفاوضة, ناهباً كل مخزونه من السعادة, مشرداً عصافير الطفولة, فيصبح كل واحد كله مشتاق للأخر بوحشية, قاصداً ملء الفراغ الذي بداخله, بأي صورة محمودة العواقب, وليس بأي شخص أخر, فإذا فقدت النفس ذاتها ليس هناك ذات بشرية قادرة على الإحلال مكانها سواها, النفس ظمئة وحان وقت إرتوائها, سحاب قيسها يكسي سمائها لباس التفائل, يحل صباح اليوم الموعود, تحتفي الروح المرتوقة بإلتآمها, تتراقص الأجساد على موسيقى ضربات القلب المتذايدة, تتفجر ينابيع الحنان لتجري في عروقهم القاحلة, تنتعش روحهم وتنتفش مشاعرهم, وكان ذلك بمثابة عيداً لهم ويوماً مقدس في شريعة حبهم العفيف الطفولي, يقدمون غرابين الحب عشية ذلك اليوم بعد إفطار روحهم الصائمة بممارستهم المخاطبة الروحية بالإشارات المرسلة علناً تراود مشاعر المتلقي وتدغدغها لترديها حبيسة داخل المرسل, يطبع قوس قزح كل ألوان السعادة فيهم, يستمرون في ذلك دون ملل إلى أن يرسل لهم فصل التعاسة برقية يسرد فيها يئسه من الإنتظار. يبدأ الضنك بالإستحواذ على المشاعر, وتقارب شمس سعادتهم من إفولها, تنقبض السعادة شيئا فشيئاً, يبدأ الندم بالحلول لتبديد بعض لحظاتهم إنشغالاً بالدراسة, تشح وجوههم ويجف نضارها, وعند حلول أخر لحظه من موسم السعادة, و بينما يترقب الطلاب نتائج زرعهم العلمي ليفرحوا بما زرعوا, يشتد الضنك بالطفلين ويبلغ الحزن زروته لإجبار روحهم بالإنقسام لحين موعد الإلتئام الذي سيعيشون فترة الإجازة على نفقة أمل أتيانه.
...... يتبع ( واصل الجذء البعده و ماتنسي دوس على النجمة وعلق 😍🤗) ورح
أنت تقرأ
أنت مائي و إنتمائي
Romanceالرواية من وحي خيال الكاتب و كذلك الشخصيات. بقلم: محمد علي محمد مضوي. في قرية من قرى السودان النائية عن العاصمة كان هنالك شاب إسمه منصور وبنت إسمها مها, لا يقربا بعض إلا من ثلات طرق: عائلة منصور وعائلة مها ينتمون لنفس القبيلة, وكل العائلتين تظل...