عندما أسدل نهار ذلك اليوم ستاره وأكتست السماء بفستانها الأسود وتجلت نجومها وتجمعت بسخاءٍ لتكسب العتمة بقعٌ من السعادة٫ بقلب مثقل بالتمني وعيون يكسيها دمع الشوق بريقاً وجسداً مترهلّ تَعِب كان منصور يراقبها ... يسرق من عيون النجم صورة محبوبتة المنعكسة٫ فيتجلى خيالها في أفق قلبه باسمة عابثة تآنس النجوم ومحبوبها وحيداً يحتضن وسادته٫ يخاطب النجم: حدثني أيها النجم و أصدق الخبر فأنت من تبوح له بسرها دون خجل وخوف٫ كيف هي الآن؟ هل فرحة بفعلتي؟ هل تدغدغ النسمات روحها المرحة وترقص للسكون؟ ... آه أعلم أنها كريمة٫ أنها تتنفس بلهفة لتضفي شئ جميلا للنسيم يحمله بين طياته ليلقي به على قلبٌ يتألم فيشفيه٫ وأنا هنا أعاني البين٫ كل ما كان بمقدوري فعلته ولكنا لازلت أطلبها أكثر٫ كنت أظن لوعتي ستتضائل ولكنها تفاقمت. جرما مشتعلا عبر الأفق ضحك الفتى قائلاً: مت بسلام ي صديقى هذا جذاء من أسرف في إختلاس النظر.
ذات يوم كانت المدرسة تعد الفعاليات التي ستعرض في يوم الإستغلال المجيد٫ من ضمن تلك الفعاليات مسرحية أبطالها منصور وفتاة غير مها٫ أثناء الإعداد كان على البنت مناداة منصور "زوجي العزيز" هنا لم تستحمل مها تلك الجملة٫ لقد إمتلئت بالغيرة حد الفيضان فأجهشت تبكي ملء شدقيها ... فتوقف العمل وبدأ الأستاذ في التقصي عما حدث لها٫ و بعد أن هدأت أجابتهم بأن بطنها تؤلمها فكتب لها مكتوباً تقابل به الطبيب ثم قادرة. إبتسم منصور إبتسامة أخجلت القمر فأفل بعد أن أخمدت السماء نجومها معلنة بزوغ فجر اليوم التالى٫ نام منصور متوسداً أمل ملاقات فتاته بعد غفوة.
في الصباح جاء منصور منهك من السهر مثقل بالأماني فقابلها عند ساحة الطابور تحدث صاحبتها و عندما لمحته في البعيد مقبلٌ تجاهها تجمدت كلوحة رسمت حين فرحة فصارت دواخلها تنادي معشوقها: هيئت لك مكانك في القلب ونصبتك ملكاً٫ تعال قد جيش مشاعري وأقتحم ممالك البؤس والخوف التي تزعزع أمني و إستقراري٫ لا أريد أسيراً بل إنتصاراً ساحقاً٫ ثم نجلس في فيافي القلب نتذوق فرحة الإنتصار على طبق السعادة و الكثير من العناق والقبل٫ لن أفلتك حينها من بين يدي٫ فلا يغرنك إنتصارك على الأعداء فأنا لست منهم كما أني سأقاتلك بالحب و سيف قلبي بتار ... ربتت صديقتها على كتفها تخبرها بأن جرس الطابور قد ضرب فأستفاقت من سكرتها فلم تجد منصورها الذي كان مقبلاً عليها٫ فهو ما إستطاع الصمود أمام نظرتها المطولة فذهب عنها عندما لاحظ إنشغالها فيه عنه.
وعندما دخل الطلاب فصولهم غير منصور من مكان جلوسه المعتاد لآخر الفصل في الخلف٫ فجلس هناك بحيث تكون فتاته على مرمى عينيه يراقب هدوءها وصخبها سعدها وحزنها الفينة تلو الأخرى٫ كانت تجلس في هدوء مطبق كالصباح بردوداً و وروعة كوردة غشاها النسيم تتمايل ببطء٫ يتدلي شعرها على خصرها بعد أن أسدلته عنوة٫ وهنا تاه فتاها. كانت رغم صمتها وهدوئها تحاول جاهدة النظر الى الخلف لترى هل ما جائها به قلبها من خبر المراقبة كان حقاً أم أنها أسرفت في أمر منصور. فقالت محدثة نفسا في صمت:لعله فعل فعلته في لحظة تهور ليس إلا٫ و ثم ما الذي يضمن لي بأنه يحبني كما بالأمس؟ سألتفت لآرى فكل ذلك ظنون و أنا أنشد اليقين وليس دونه. فنظرت له بعد صراع مع ما اعتادت عليه من تحفظ فوجدته غآئص في ذاتها لدرجة أنه ينظر لها دون أن يعيها تبادله المراقبة٫ فأرتدت ضاحكة مطمئنة. هكذا هن النساء لا يكفيهن بوح واحد خصوصاً إن كن يحملن لك المشاعر حينها يكون كل بوحٍ لهن إتساعٌ لطلب المذيد٫ فإن أحبتك فتاة ساجتك بمخاوف البقاء٫ فإن أردتها أن تؤمن بحبك فعليك أن تتلو لها ورد الوفاء عند كل لقاء٫ فالأنثي قلب والقلوب لا منطق لها.
رجع منصور منها إليها خرج من غيبته فيها ليعود لها في واقعها لاهية يكسيها الغرور٫ كانت تعيش كل لحظة و كأنها الحياة بأكملها وردةٌ في أرضٍ بور, كل ما كان يعنيها منصور, و ها هو جالس في الخلف يحرسها ويمثل لها مبلغ السرور.
كان الفتى يراقب ... قامت مها بركل صديقتها, فردت لها صديقتها الركلة, ثم قامت بوخذها على أضلعها فأنفجرت الأخرى ضاحة, فدون إسمها في قائمة المهرجليين٫ لقد ألقت برفيقتها تحت رحمة الجلاد كما فعلت بمنصور من قبل -كان منصور متكئ على درجه مراغباً ما يحدث بتفاصيله الدقيقة- ثم بدأت تراضيها٫ تداعب يدها فتسحبها منها مشمئزة فلاحقتها الى أن إبتسمت لها٫ حينها توقفت مها ثم أخذت نفساً عميقاً بتده ألتفتت دون تردد لتجد منصور لا زال يراقبها فأرتدت مبتسما تدس وجهها بين جيديها المقوسة على درجها الملئ بالرسومات.
أستقر في قلب الفتى أنها تعشقه وتكن له المثل أو أزيد فحب النساء لا يخفى٫ و هو سعيد بذلك الظن الأقرب الى الواقع, فقد أجتاحته موجة العشق من عينيها دون أن تبوح بذلك علناً فالعيون أوثق مصدراً ينقل عن القلب, فأفرد لنفسه شراع الحرية بعد أن أقلع مرساته, إنطلقت مركبه في محيط مهاته تدفعه رياح الحب متغولاً تائهاً في عوالمها الوردية, فاقدا بوصلته عن قصد.
تمحورت حياتهم في مدار واحد ملئ بالأحلام المبعثرة في طريق شائك ومظلم لا سراجاً ينير عتمته ولا خطى أسلافٌ تتبع٫ فيخوضونه متيقنين و مؤمنيين بالوصول دون أي دعامة يستند عليها إيمانهم غير حبهم العزري٫ غير آبهين لمرارة الواقع المحيط بهم٫ يلتقون فتنتعش قلوبهم وتنتفش مشاعرهم فتخرج الرغبات الدفينة في حناية القلب عبر المسامات المنفوشة لتتمركز في أعينهم واصفة حال المشاعر فاضحة للرغبات.
...... يتبع ( واصل الجذء البعده و ماتنسي دوس على النجمة وعلق 😍🤗) ورح
أنت تقرأ
أنت مائي و إنتمائي
Romanceالرواية من وحي خيال الكاتب و كذلك الشخصيات. بقلم: محمد علي محمد مضوي. في قرية من قرى السودان النائية عن العاصمة كان هنالك شاب إسمه منصور وبنت إسمها مها, لا يقربا بعض إلا من ثلات طرق: عائلة منصور وعائلة مها ينتمون لنفس القبيلة, وكل العائلتين تظل...