ذهب العجوز الى الديوان, ثم نادى لسعيد, جاء مسرعا, تقدم له العجوز مبتعداً عن الناس, فتبعه متشوقاً, فكان ينظر لوجه العجوز ليعرف الحاصل, إلا أن العجوز كان شاحب الوجه, توحي تفاصيله بالرفض. وأثناء مراقبة سعيد تغيرت ملامح العجوز, فأصبح مبتسما بطريقة تغني سعيد عن السؤال عن الأمر, وتبين له الموافقة, والذهاب لإخبار ولي أمره بموضوع الخطوبة, ثم تغيرت ملامح العجوز, معها تغير حال سعيد ... كانت رحلة شاقة, قطعها سعيد في ملامح العجوز العصية الفهم. إلى ان وصل سعيد والعجوز مكان نائي, تحت ظل شجرة نيم, جنوب الحوش, ليتناقشا بأريحية تامة.
بدأ سعيد بالحديث, بما أن العجوز كان عليه أن يبدأ, حسب العادات والتقاليد.
سعيد: طمني ايه الحصل ؟ .
العجوز: كله خير يا أبني ........- هل وافقت ؟ . (سعيد لم يعطيه فرصة يكمل بها حديثة)
- (ابتسم ثم اختصر عليه الأمر) نعم وافقت.
هنا أنطلقت من سعيد ضحكة تشبه ضحك الفتيات, ضحكة رقيقة لا تشبه ضحكته, الفخمة تلك. وهذه الضحكة, ماهي الا فرحة حاول سعيد جاهدا منعها, و الإنقياد لها. لكنها, كانت اكبر من أن تخبأ. فوجدت مخرجا ضيغا, فتسللته رغم تكتمه. ففضحت أمره, وكشفت دواخله للعجوز. لكن سرعان ما استعاد السيطرة على نفسه. وقبل أن يعلق العجوز أو يرد على ضحكت سعيد اردف قائلا:
- كنت اعلم أنها ستوافق .
- ومن أخبرك ؟ (ممازحاً)
- لم يخبرني أحد. (قالها مبتسماً. فسعيد لم يكن صادقاً. نعم, عائشة من أخبرته بذلك حين لقاء, وكان العجوز يعلكم ذلك جيداً.)
- من ناحيتي يا سعيد, بقول ليك الف مبروك مقدما, وبيت مال وعيال يا رب.
- يا رب, يتم على خير.
عرض سعيد الأمر على عمه. فعارضه معارضة صارمة. لدرجة أنه طلب منه عدم فتح الموضوع مرة أخرى. ذهب سعيد وأخبر أخيه عن الأمر. فأخبره أخيه أن سبب غضب عمه هو أنه قبل فترة من الزمن جاء إبن الجزار ووالده, وطلبوا إبنة عمك فاطمة. فقال لهم عمك بأنها مخطوبة لك.
هنا جن سعيد جنونة. فلم يستطع إكمال الموضوع مع أخية, عاد فوراً لعمه, وطلب محادثته ويبدو الغضب على جبينه.
عمه: هل للأمر علاقة بموضوع الخطوبة؟
سعيد: نعم, ولكنه مختلف هذه المرة.
- و ما الجديد؟
- هل خطبت لي فاطمة؟
- نعم, هل ترفض فاطمة ؟
- فاطمة بنت عمي, وتاج رأسي, وسترتها واجبة علي. لكن هي جميلة, وخطابها كثر, وكلهم رجال يعول عليهم, ولا تشوب سيرتهم رزيلة. لماذ لا تزوجوها أحدهم, و تتركوني أختار من يسعدني؟
- وهل فاطمة غير جديرة بإسعادك؟
- يا عمي الأمر مختلف جدا, أنا طلبت من حاج عبدالله يد ........
- طلبت منهم الزواج؟ ومن غير إستشارتنا؟ دي الإصول كدة؟
- لا, الإصول تتقدم أنت, و ها أنا أخبرك من أجل تتقدم لي. بطلب يد فاطمة بنت محمد إبن الحاج عبدالله .
- ياسلام على الإصول, أنت أتممت الأمر, فما حوجتك لي.
- عمي, أنت تهمك سعادتي كالمرحوم والدي, ولك علي الفضل أني نشأت بين يديك, فرجاءا, أنا أطلب عائشة, وليس سواها.
- لم تترك لي خيار يا إبني , بعد الذي فعلته, وجب علي فعل ذلك. و إلا لقالت عنا الناس ليس لهم كلمة. لكن يا إبني هنالك أمر لم تعرفه؟
- بخصوص عائشة ؟
- عائشة مين يا إبني. أنه بخصوص جدك الزبير. حيث أن .....
- أعرف القصة.
- من أخبرك؟
- سمعتك تخبر أعمامي, عندما أحضرت لكم الإفطار, وأنا كنت طفل وقتها. لكني أذكر ذلك.
- طيب, ها أنت تعرف. فلماذا تريد معاودة الجرح في لحظة إلتآمه؟ أليس من الأفضل لو أخترت إبنت عمك, أو أي فتاة من القرية؟
- لذلك طلبت من الحاج عبدالله إستشارتها أولا.
- وافقت ؟
- وافقت.لم يترك سعيد حجة لعمه, كان مستعد لإلقاء إجابة لكل سؤال فور النطق به. تمت الخطوابة, ووافق الكل: البنت, وأمها, وابيها, وأعمامها, وأبناء عمومتها. وفي ظهر اليوم الثاني, و بعد صلاة الجمعة, أصبح سعيد و عائشة أزواج, بسنة الله ورسوله. وتم تحديد شهر وعشرة أيام ويأتي سعيد لأخذ زوجته.
سعيد الآن اصبح ملك عائشة, كما هي أصبحت ملكه. وعند المغرب, ذهب سعيد ليهنئ زوجته, ويبارك لها. فدخل عليها, وكأن لسانه معقود, تصبب عرقا, وكذلك عائشة. فأحتضنها بقوة, أصبحا في حضن بعض ما يقارب العشرة دقائق, ثم جلسوا وتحدثوا.
بعد يومين ذهب سعيد وأسرته لقريتهم, ليرتبوا حالهم للزواج. و ذهبوا و لم يتركوا عائشة حزينة. العكس فقط متشوقة لأن يصلوا سريعا, و يرتبوا حالهم, ليعودوا لها ويأخذوها عروساً مفتخرة بإنتمائها لمنصور, والقريه.
كان معهم في عودتهم: العجوز, و محمد إبنه, ومجموعة مكونة من عشرة رجال, و سيدتان. و رجعوا بعد إسبوع. لكنهم تركوا العجوز هناك, بعد أن وجد الأجواء أكثر ملائمة له من المدينة.
عمل سعيد مناسبته, وجهز بيته, وعند الوقت المحدد ذهب لأخذ زوجته. وهاهم سعيد وعائشة, يعيشون حياة يحسدهم عليها جميع أهل القرية. لم تعد عائشة تعشق المدينة. فكانت حياتها في القرية أكثر سعادة, ليس لأنها قرية, بل لما وجدته من حيوية و نشاط. فكانت نساء القرية متخلفات, لا يعرفن كيف يسعدن أزواجهم, كما أنهم لم يكن يعرفن كثيراً من إمور النساء. و كانت عائشة أستاذتهم, و مستشارتهم في الكثير من الأغراض و المهام, في المناسبات, و الحياة العامة. فأضفت لهن معنى جديد للحياة, فأصبحت يحبنها, ويفتقدنها في كل جمع, و هي سعيدة بذلك, وبسعيد.
تقع القرية على سهل خصيب, شماله, تقع غابة الأبنوس. وشرقة, غابة أشجار الصمغ العربي. غربه, جنائن المنقة, والليمون والزراعة. جنوبه, تقع ساسلة من الجبال الشاهقة. وتحف الجبال الصغيرة القرية من جميع الإتجاهات.
الحي الأخير, على مداخل غابة الأبنوس, هو حي سعيد, وأسرته. حيث رزقه الله ببنت أسمتها والدتها (مها) وأربع ابناء ذكور يصغرونها. فكان كل من سعيد, و عائشة, يؤمنون بالحب. بل يعرفونه جيداً, ويدركون معناه, و مافيه من سعادة. لكنهم لم يكونوا على درايه موسعة بالتعليم. لذلك أستجابوا على أقتراح أعمام (مها), بقليل من المقاومة تعكس مدى معرفتهم بالعلم..... يتبع ( واصل الجذء البعده و ماتنسي دوس على النجمة وعلق 😍🤗) ورح
أنت تقرأ
أنت مائي و إنتمائي
Romanceالرواية من وحي خيال الكاتب و كذلك الشخصيات. بقلم: محمد علي محمد مضوي. في قرية من قرى السودان النائية عن العاصمة كان هنالك شاب إسمه منصور وبنت إسمها مها, لا يقربا بعض إلا من ثلات طرق: عائلة منصور وعائلة مها ينتمون لنفس القبيلة, وكل العائلتين تظل...