16

9 3 0
                                    

كل  أهل مها, بلا فرز كان ردهم كما تعنيه الكلمات السابقة, إلا أن الأمر سيختلف عند مغادرتهم, فالذي يكن في صدره غل لهاؤلاء الجمع الذين ذهبوا, سيكون رأيه النفي القاطع. والذي يريدها لأبنه أيضا سيرفض. طلب منهم سعيد مناقشة الأمر غدا بعد إجتماع كل أبناء عمومتها في بيت سعيد, فإن أعطوها وأتفقوا على ذلك كلهم سيذهبون للديوان لأخبار أسرتهم الكبيرة بذلك, حتى لا يشعروا بالتهميش لعدم مشاورتهم أمرهم.
الفترة الزمنية الممنوحة لإجتماع القوم,أستقلاها سعيد خير إستغلال. وكما لن يفعل الكثيرون, ذهب لزوجته لإستشارتها و إخبارها. فحدثها عن منصور ... فأحسنت له مدحه, ورحبت بألأمر مقرة بأنها لن تجد لبنتها أفضل منه. وحتى لا تظلم فتاتها, تركت سعيد وذهبت للمطبخ لتخبرها, فتحججت بأنها تريد مراقبة مها في المطبخ وستعود... مها فرحت جدا بما أخبرت. وليس كل سكات يدل على الرضى, لكن تلك الإبتسامة المقرونة مع شبك الأيدي وتقليبها, مع إرتماء الرأس على الكتف, و إرخاء العملامح, ... فإن ذلك يدل على الموافقة وليس سواها. عادت عائشة لسعيد, فبعد أن طبطت على كتفه, قالته له –و الإبتسامة تزينها على زينتها- أعتبر الأمر أنتهى, فمرحب بذوي منصور, وعليك أن تخبر إخوتك بذلك.

لم يرد لها سعيد, فهو لا يدري ماذا يفعل أو يقول. كان عليه أن يفرح لبنته, لكنه حزين. ليس بموافقتها على منصور, بل ما يقف حصناً منيعاً أمام هذه الفرحة من أن تخرج. كان عليه أن يختار لها الذي يسعدها -هنا ما أختارته- ولكنه يخشى فشله, ولكنه سيحاول وقتها. فهو لا يريد تكرار الأمر. فإن كانت حجتهم قوية حين أخرجوها من المدرسة, فالآن حجته أقوى. فهو يدري أن موافقة عائشة ما هي إلا نقل من بنته.

بعد ما أستشار إخوت سعيد أبناءهم, إجتمعوا به في بيته. فطلب سعيد من زوجته وأبناءها الذهاب الى بيت عمهم. فقادرت زوجته بعد أن قدمت لهم الشاي. فأحتسوا الشاي, ثم بدأت الشورى.

أجمع كل أخوته على أن يسمعوا قول أخيهم بشير, فهو الذي لديه أبن في سن الزواج. فقال لهم بشير أن إبنه يرغب في مها, على ذلك سانده بقية الإخوة, فهو أخيهم وإبنه إبنهم. فهم الأن على أهبة مفاتحة سعيد في طريقة إخبار عبدالكريم بالأمر. كان سعيد صامتا, تتحرك عيونه بين المتحدثين, وكأنه أداة توثيق للإجتمع. إن صح الأمر هو لا يسمع, كان يرى فقط. حتى إخوته لاحظوا الأمر, فأستفسروا منه عن سبب سكاته, فكان رده حكيما: أولاً أنا كنت أنوي إرسال بنتي المدينة لأخوالها لإكمال تعليمها, إلا أنكم لم تتركوها حتى لإكمال مرحلة الأساس... -هنا أعدل إخوته من جلستهم, كأنهم يريدون مهاجمته, أو توبيخه, أو شئ من هذا القبيل سعيد طلبه كنهم أن يستمعوا لكلامه كلهه- لا أخفيكم سرا بأني أيضا مثلكم كانت ترتادني المخاوف في أمر إكمال تعليمها, بيد أني كنت أقاوم ذلك بكل ما أوتيت من قوة, ولكن أنهارت قوى المقاومة تلك جراء القوة المضادة التي أبديتموها. فأستجبت للأمر رغم كرهي له. فإكمالها مرحلة الأساس كان سيفيدها لتدير شؤن حياتها, ولو في ما يخص النساء. ثم ها أنتم الأن تقفون بالإجماع ضدي, حتى قبل أن تسمعون بمن أخترت أن أزوج إبنتي. وتعلمون جيدا بأن الدين يملكني أنا ذلك القرار وليس أنتم, ما دمت حيا. لأني الأدري بمصلحت بنتي أكثر منكم أجمعين. ولا تقولون بأني أنوي تقليل شأنكم في نصرتي ونصرة عائلتي, فأنتم أعمامها لكن هذا لا يعني بأنكم أحرص للخير لعائلتي أكثر من عوائلكم. فهناك إمور تقودها الأسرة, و أخري يقررها البيت الصغير. سأضرب لكم مثلا: فإن كان هنالك مكروها سيصيب إحد الأثنين, الأول إبن أحدكم, والثاني إبني, فالذي سيفعله أحدكم هو إنقاذ إبنه, ولا يحق لي لومه. كما أنكم لا يحق لكم لومي, رقم صعوبة الأمر. فأنا لا أقول بأن أمر الزواج ذلك هو المكروه, لكني سأستشير بنتي و أخيرها., ولا أري في إبن بشير ما يشينه لأرفضه.

  لكم أن تتخيلوا حجم هزلية النقاش الذي دار ... فألقوا عليه فيض من السب والشتائم, التي كان أبسطها أنك لست برجل. كيف لك أن تنوي برفض إبن أخيك. وعلى زوجته ألقو وابل من السهام, فكيف لها أن تلعب دور القائد ويؤل قرار مصيري مثل ذلك لبنتها. حتى مها أطالها الأمر فتسائلوا عن الذي بينها ومنصور. وكيف تكون لها الجراءة بتفضيل غريب على إبن عمها... كادت أن تحل مشكلها لولا الصمت الذي واجه به سعيد ذلك الغضب المنصب فوقه, وعلى أسرته.
مصعب إبن بشير: في الحقيقة هو فتى فوق الجيد, وجدير بالمنافسة للظفر بقلب مها, رغم أنه يصغرها ببضع شهور. هو فتى جميل, و خدوم, وخجول أمام النساء والكبار. خامل لا يحب المشاق, فإن أرسلته في مهمة على حمار لن يستطع تنفيذها. لا يحب اهل القرية تزويج بناتهن بمثله. فهو لين العود, ليس كأبناء تلك القرية. الذي مهد لذلك ثروة والده, والعمل في السوق منذ الصغر. وأيضا والده الذي لم يكن يسمح له بمجالسة أقرانه, واللعب معهم, والذهاب في رحلات الصيد, والسعي بالماشية. فكل وقته معه في السوق, إلا أنه كان رجل سوق ممتاز. إذن ليس بالضرورة للشخص أن يكن كالأخرين في كل شئ, إلا أنهم يعيبوا ذلك.

على صوت تلك الضجة, جاء العمدة رضوان من الديوان مرعوبا من الصراخ الذي لا ينزر بخير. دخل عليهم إذ به يجد الإخوة يكاد يتطاحنون. فهدئهم. فهو كبيرهم عليهم الأنقياد له وسمع قوله. بعد أن عرف أنه أمر زواج, فحمدالله بأنها لم تكن بالمشكلة العويصة. فطلب منهم الذهاب معه إلي بيته, فهو أكثر إتساعا. ولن يخرج الأمر الي الشارع, -لو صرخوا-.

أجلسهم, ثم شرعوا في مناقشة الأمر من طلب عبدالكريم إبنتهم لإبنه. فأوقفهم بقوله: أنه يدري ذلك كله, فليس في ذلك الطلب ما يستدعى هذه المشاحنة. فطلب منهم إيضاح أصل المشكلة, فهو يريد كسب الوقت لايجاد حلا قبل حلول الليل, كي لا يلعب الشيطان في رأس أحدهم ليلا, فيقوده على فعل شنيع. لذلك طلب من أخيهم الأكبر شرح الأمر له بإيجاز ومن دون مقاطعة الأخرين له. ثم سمع منهم جميعا على حداء. فأرق قائلاً:
لقد علمتم عن حكمي ما علمتم. كما أني حكمت قبل اليوم ضد إبني. فلا يطمع أولي الشأن منكم أني سأنحاذ عليهم دون الحق, والحق لنا كمسلمون ما جاء به الشرع الحنيف. فإن صدق إسلامكم فلكم التصديق والرضي بما ينحاذ عليه الشرع. وعليكم أن تعاهدوني قبلا بأن تنهي مشاحنكم إن اصاب الحكم.

فطلب منهم الواحد يلو الأخر الإقرار, من كبيرهم إلى صغيرهم. فكان سعيد من أكثر المرحبين بالأمر, وكان إخوته مشمئذين وكأنهم يعلمون بأن الأمر على وشك الخروج من أيديهم. وعليهم أن يسلموا صاغرين, بعد كل ما أبدوه من مقاومة. وستضيع أفعالهم سدا, ولكنه حكم كبيرهم. ثم أستطرد مواصلا قوله:

الأمر أمر شرع, فكنا نحكم فيه بما نعلم, وأهل العلم يعلمون فيه أكثر مما نعلم, فمنهم نستمد نحن كحكام معرفتنا بالأحكام. ومن حسن حظكم, لقد زارنا كما تعلمون العالم (طه الفقير), الذي تتلمذ على يد أفضل المشايخ بالجزيرة. سأستدعيه للحكم في أمركم. وكما أني ألزم من يطيع حكمي بقبول قوله, الأن قبل مجيئه. فإن كان لكم شك في أمري فأخبروني, ثم أختاروا حكما غيري.

فردوا كلهم بالإجماع بأنه كبيرهم, له الذي له من الطاعة. مثلهم مثل بقية القرى.

.. يتبع ( واصل الجذء البعده و ماتنسي دوس على النجمة وعلق 😍🤗) ورح

أنت مائي و إنتمائيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن