أحرز منصور نتيجة سيئة هذا العام, فكان ترتيبة الخامس عشر, من إجمالي خمس وخمسون طالب. أخذ نتيجته وذهب. لم ينتظر نتيجة مها هذه المرة, وللمرة الأولى ذهب مكسورا. فأول أصحابه أن سبب ذلك نتيجته. حتى صديقه ناصر, كان يظن ذلك. لأن منصور لم يبين إنكساره لأحد, غير مخدته التي يتكأ عليها ليلا. وهاهو اليوم يعلن حزنه جهارا, والنتيجة ساعدته. لم يستطع أحد تشخيص حالته على حقيقتها. وبخه الناس, ظنا منهم أنه سيجتهد اكثر السنة القادمة. إلا والدته طبطبت علية قائلا: (تشجع يا إبني, ولا تحزن. أنا لا يهمني نجاحك أكثر مما يهمني كيف ستنهض ساعة الفشل. فأنت قدامك الكثير من الفشل, والإنتكاسات, وضربات الإستقفال, والخزلان. فوراء كل سقوط تقف نهضة أكبر, فلا تضيع زمنك في مرافقة الحزن, فأبحث عن النصر القادم. و أثبت للكل, أنك إبن أمك.).كلمات والدته, كانت ما يبحث عنه, منذ معرفته بأن مها لم تأتي للمدرسة. ولكنها أتت اليوم. رغم تأخرها, إلا أنها أراحته كثيراً. ولعل هذه النتيجة السيئة كان الخير الذي تحمله بين طياتها أن يسمع منصور هذا الكلام, فأوهم نفسه يقيناً, بأن مها و بطريقة ما ستصبح له. شاء من شاء, و أبى من ابي, وإن كان ذلك في أحلامه. لكن الأمل هذا لن يفارقه ما دام قلبه ينبض.
قضى منصور خريفة هذه السنة مع الماشية في (الفريق), كما كان لكن هذا العام تعلم منصور العزف على (الربابة), و قول الشعر. فصار عازفا يستهوي كل الرواعية ملاقاته, لسماع عزفه وغناءه, فكان يصب كل ما في قلبه من صبابة, على أوتار الربابة. لم يبلغ ادنى درجات المبالغة من قال لك سمعت ربابة منصور تتدحدث, كما نفعل نحن البشر, كان محترفاً. ويعود الفضل في كل ذلك (لمها) ملهمة شاعرنا وفناننا, النجم الصاعد في سماء البوادي والفرقان (منصور).
في السنة الثانية منذ الفراق, وبينما منصور هو في السنة الدراسية الثامنة. لكنه كان وحيداً بعد غياب مها الذي تلاه غياب ناصر, صديقه المقرب. بحجة أنه يريد تكوين نفسه ليتزوج بنت عمه.
منصور لديه هدف وهدفه هذه المرة –بعد أن ضل مسعاه في هذفه الأول- كان التعليم. كان يحس بأنه ينتمي لواقع ,خر. بعيد كل البعد عن الذي يعيش فيه. رغم أن منصور لم ترى عينيه غير قريتهم. كانت تخالجه بعض الافكار, مفادها أنه ينتمي الى المكان الذي تبث منه الإذاعة, وتصنع فيه الكاسيتات. مكانا يصنع فيه المستحيلات. أنه يتطلع إلى المدينة, فركب سفينة العلم.
سنتين من الغياب, ولا زالت مها أجمل لوحة تراود خياله وتطارده, في كل مكان و زمان. فعندما أشتد الأمر, و نفذ الصبر, قرر منصور ركب الصعاب. سمع بأن هنالك مناسبة إبن عم مها, فأستعد للذهاب. لم يخبر صديقه ناصر هذه المرة, لأنه يخاف أن يتصرف من دون ضبط نفس, ويقع في المشاكل, و لا يريد توريط صديقه معه حينها. قرر الذهاب لوحده.
لم يكن يخطط لفعل شئ. لكنه يأمل بأن يتحدث إليها, أو أقلاها يراها. قبل بلوغ الغد, جاءه ناصر ليخبره بأن هنالك مناسبة في الغد, فأستعد لها. فكل ترتيبه تغير. وقلت رغبته في الذهاب. ولكنه لن يتنازل, فناصر صديقه, فلن يخزله.
أنت تقرأ
أنت مائي و إنتمائي
Romanceالرواية من وحي خيال الكاتب و كذلك الشخصيات. بقلم: محمد علي محمد مضوي. في قرية من قرى السودان النائية عن العاصمة كان هنالك شاب إسمه منصور وبنت إسمها مها, لا يقربا بعض إلا من ثلات طرق: عائلة منصور وعائلة مها ينتمون لنفس القبيلة, وكل العائلتين تظل...