فتقدمت المها, غير آبيهة, وبخطى ثابتة, نحو منصور. وقفت أمامه, كأنها توبخه وتلومه عن سبب إنقطاعه عنها. فنظر لها في أعينها, لولا الظلام لرأي كمية الدموع المنسابة منهم. جلست ثم طلبت منه -بتوبيخ-أن يمد يده. كان منصور متجمدا, لم يكن قادر على تصديق الذي يحصل. إلا أنها كانت على درايه بكل معاناته, فما سمعته اليوم من أغانيه, أثبت لها أن منصور لا زال يحبهأ, بل يعشقها. كما وضح لها كمية المعاناة التى مرت به منذ أن فارقته. الأن تلك الفتاة اللينة ترأف بفارسنا القوي. -نعم غزالة تحن على حال أسد- اليوم ستجعل نفسها معبرا ليتنفس بعض هذه الصبابة. مد منصور يده بكل برود. فهو لم يفق من صدمته بعد.
أخذت مها بغسل يد منصور, تفركها بيدها وتتأملها, ثم خللت أصابعها بأصابعه, وضغطت عليها طويلا, ثم أخذت نفسا عميقا, لتروي روحها منه. بأخذت قطعة القماش ونشفتها. منصور كان حينها جسد من دون روح, جثة هامدة. أخذت مها كل أحاسيسه. وعندما تيقنت بأن منصور أستعاد تركيزه معها, وفاق من مداعبتها, أخرجت الورقة من ملابسها, ثم وضعتها في كفها. فأخذت بيدها الأخرى يده ووضعتها على راحتها. أخذ الرسالة, وتركها مستقرة على يده قليلا, ثم أدخلها في جيبه. نظر إليها بعمق وكان لسان حاله يقول: لو تدري كم هو حبك متعب, ولكني لن القى اللوم علي قلبي الذي أختارك. فهو واجب على الوقوف معه. والنظر لشخصك البرئ, قادر على محو كل ذلك التعب. الله خلق البشر بشرا ولكن من سيرسخ لي أنك لست بملاك. برائتك هذه وصمتك الجميل القاتل ... أخبريني بإسم من خلق الأبدان, ووضع فيها قلوب, من أنتي؟. هل كما أظن, أم أكبر من ذلك؟.
قامت مها بوضع الحنة على يده. تسوقها بأناملها, كما تفعل بقلبه. فتجمدت دماءه تحت قبضتها, أكملت مهمتها ووقفت ناظرة له, وكأنها تقول: من أين لك هذا الصمود أمامي؟ هل توقفت عن حبي أم ماذا؟. –لا زالت تريده أن يتلي لها وعدوعندما التفت منه, الحقها منصور الإجابه على تساؤلها فأخرجا زفيرا مسموعا, ضحكت ثم غادرت, فهي الأن تعرف بأنه كان يحبس أنفاسه. يقبضها عندما تهيج مشاعره ويطلق سراحها عندما تهدأ ولكن بدفعات صغيرة , وعندما عرف أنه في بر الأمان أطلقها دفعة واحدة, وبطريقة تثير الشكك. فتركته في غاية السعادة, بمداعبة يدها والرسالة. الآن له كل الحق في آن يحلق طائرا في سماء العرس.
عاد منصور الى بيتهم يحمل رسالة مها, وكأن الدنيا في جيبه. أخرج فرشه الى الفناء المحيط بخلوته. فأصبح لا شي بينه والنجوم إلا المسافة. فتمنى لو أنها ساهرة معة, سيخبرها عن مسارات النجوم وكيف كانت تهديهم الطريق عندماء يتيهون في الطرقات. سيخبرها بكل شئ, سيبوح لها بأنه حكى عنها للنجوم, ارسلها لها مرات عديدة, حملها بالأغاني و الأشعار. وسيسألها إن كان المرسال جاءها. بدأ يتساءل عما الذي تخبئه له الرستلة. أسرج الفتى خيالة ثم بدأ بالغوص في محتواها. تخيل كل شئ جميل يتوقعه فيها, و كل الكلام الذي لا يقال.
أنت تقرأ
أنت مائي و إنتمائي
Romanceالرواية من وحي خيال الكاتب و كذلك الشخصيات. بقلم: محمد علي محمد مضوي. في قرية من قرى السودان النائية عن العاصمة كان هنالك شاب إسمه منصور وبنت إسمها مها, لا يقربا بعض إلا من ثلات طرق: عائلة منصور وعائلة مها ينتمون لنفس القبيلة, وكل العائلتين تظل...