19

16 3 0
                                    

بعد إكماله شهره الأول في المدينة, بدأ يناقش مع نفسه أمر الدراسة. فكلما يرى أحدهم يحمل حقيبة ذهابا أو أتيا من الجامعة يدب في نفسه حلمه بإكمال تعليمه. و كما خطط لذلك سلفاً, أصبح يبحث عن مدرسة تقبله. ذهب إلى إحد المدارس الخاصة, مستفسرا عن إجراءات القبول. فكان المال هو الإجراء المهم, غير ذلك عليه إحضار شهادة إكمال الأساس, وعلى أساسها سيتم قبوله. حيث أن شهادته أكملت عامها الثاني وتقدمت في الثالث سقبلونه في الفصل الثالث, سيجلس لإمتحان شهادة الثانوي, وسيدخل الجامعة.
ترك منصور العمل بعد ما ألحت عليه رغبت إكمال تعليمه, فعاد للمدينة. وبواسطة إحد مرموقي حي أهل سعيد, أستطاع منصور أن يتحصل على شهادته من مدرسة المدينو النموذجية. فأكمل مشواره لأهلة في القرية. فحدثهم بالأمر, فوافق والده.

وعندما حان الوقت لذهابه الخرطوم. باع والده بقرتين, وأعطاه المال. و حينما ناقشه والده السكن, قال له أنه وجد شباب من أبناء ولايته, يستأجرون بيتا بالقرب من المدرسة التي تم قبوله فيها, سيسكن معهم.
عادة للعاصمة, ودرس بكل شغف, فلديه الكثير من الأحلام ليقاتل من أجلها. كانت حياته تتعافي بكثرة الأحداث و المشغوليات الموجودة في المدن. لم تغادر مها مخيلته, لكنها كانت أقل ظهوراً.

مها كانت تتمنى أن يكن لمصعب أخ إسمه منصور, لتسمي مولودها الأول منصور تيمنا به, ويكون المعني عشيقها... لقد تزوجت مها بمصعب إبن عمها. حيث أنه بنى لها بيتا لم يبنيه أحد في القرية قبله. -وكان أول من يبني مستخدما ألواح الزنك عرشا لبيته في تلك الغرية- فهي الأن تعيش في ترف وبزخ, يحضر لها كل ما تشتهي الأنفس, من أكل ولبس. إلا أنها أصبحت أنحف, و أقل جمالا من ذي قبل. زبلت نضارتها, فعزى الكثير بأن الولادة سبب ذلك. لكن يظل فراقها منصور هو السبب الرئيسي الذي جعلها تهمل نفسها, فلم يعد يعنيها أحد لتظهر له محاسنها. أما زوجها كانت تعد له ما عليها من الجسد, و أغلقت عنه باب روحها.

جلس منصور لإمتحان الشهادة, وكان متفوقاً في دروسه. فتم تكريمه مرتان في تلك السنة. تكريم لخلقه, والثاني لتفوقه الأكاديمي. فأحرزة نتيجة مشرفة, تليق بما رآه الأخرون عنه, لكنه لم يستطع الإتيان لتكريمه, كان في قريتهم فأتاه الخبر عبر الهاتف.

أقام له الفضل أخيه حفل نجاح, فكان مدهشاً. حضره رفقته الذين تخلفوا عن الدراسة, الكثير من الطلاب. كان حدثاً جدير بغرس حب العلم في نفوس الحاضرين. فقط ذلك المشهور بربابته, بل أول من أجتاز مرحلة الثانوي متجها صوب الجامعة. أصبح قدوة كما أراد والده. مها لم تحضر حفل تكريمه, لكنها كانت تأمل ذلك.

منصور لم ينسي مها, في كل نجاحاته كان يراها تقف أمامه مبتسمة, تهنئه. تزرف عينيه الدموع, فيمسحها بعد أن تعدي طقس حزنها. فعندما نزل الجامعة. كان يراها في زميلاته. إذ إحداهن لديها أنف يشبه أنف مها, يحاول الإقتراب منها, لكنه قبل تقدم العلاقة ينسحب, لأنها لا تملك عيون مها, ولا بسمتها, ولا برائتها ... وهكذا يحصل له عندما يرى أخرى تحمل لون مها القمحى, وسحنتها. وأخرى تحمل شبهين, و إحداهن ثلاث ... أصبح الفتى يجمع محبوبته, من الأخريات. وكأنه كان يريد أن يجمع ذلك الحشد من الفتيات, ثم يلقي عليهن خطبة يأمرهن فيها بأن تجمع كل منهن خصلتها التي سرقتها من مها. ليأخذ مهاته منهن.

كان في الجامعة التي يرتادها فتيات أجمل من مها بكثير, ولكن يتوقف ذلك على ما هو معيار الجمال. وبعد معرفة حال منصور يمكنني أن أقول بأن معيار الجمال: هو ذلك الشخص الذي أحببته بصدق و إخلاص, وأفتتنت به حد الجنون. فستهيم بحثاً عنه في الأخرين, ولكنهم لن يكونوا هو.

ذات يوم من أيام الجامعة, إذ بفتاه تحميل الكثير من مها عبرت بمنصور, وهو جالس يحتسى القوه مع أصحابه في الفناء المحيط بالجامعة. فهرول لاحقا بها, ينده ملء فيه: (مها ... مها). عندما أدرك الفتاة, و ألتفتت إليه. كان في عينيها غضبا في الوهلة الأولى. كانت ستوبخه أمام المارة, مستنكرة معرفتها به, ولكنها لم تفعل. فعندما رأت حسنه, و جماله, و برائته؛ أستسلم كبريائها الأنثوي, أمام مزيج سحره الخلاب. فأعدلت من ملامح وجهها التي كانت تحمل الغضب, إلي نضار يحمل التيه. كأنها تريد الإرتماء في حضنه, لتخفف عنه المعاناه التي رأتها في عينية. فكان ردها خافض وبرئ, لينا و حنين: (هل تناديني أنا؟) فأبتسم الفتي على حسنها. فإبتسامه على جماله قادرتين على جعل أي فتاة تذوب عشقا وولها به. فطلب منها أن تسامحه, فهو فقط شبهها بشخص كان ولا زال يعرفه. فظنت أن تلك حيلة منه ليحدثها. لكنه تلك الأيام كان في حالة يرثى لها من إستذكار الحنين. فأخذت تتبادل معه أطراف الحديث, فآل خطابهم للتعارف. تطور الأمر, فأصبح كل منهم يعرف أين يمكنه إيجاد الأخر. هو سوف يذهب ليرى مهاته فيها, ويشكو لها بثه و أحذانه. هي سوف تذهب لترى الذي سرق منها كبريائها و قلبها.
كانت الجامعة أكثر مكانا مريحا لمنصور, فغير الأنشطة العلمية التي كان يمارسها, فإنه أصبح يلتقي بشادية. فأستهواها بصخبها, و ضحكتها الهيستسريا. كانت تستهويه كما هي, بصخبها وجنونها, ضحكها ومزاحها. طلبها له المتزايد لم يشكل له إزعاج, إذ أنها كانت تطلبه و عندما يأتي و يسألها فيماذا تريده, تكون إجابتها لا يوجد شي. لقد أحبته, بكل خصاله, حتى صمته المبالغ فيه,لم يكن يزعجها. فأستمرت علاقتهم في حدود الصداقة, لم تسمح له نفسه بالتقدم, رغم محاولاته الكثيرة.

عاشر الكثير من المثقفين, الحالمين والعالمين. أخذ الكثير مما يريده من معرفة. كما أنها كانت رحلة علمية جيدة له, فأحاط خبراً بالعديد من جوانب الحياة, و ألف إسلوبها المتعرج. فكان قادراً على مجاراتها.
تخرج منصور وعاد لأهله, وفعل ما توقعه منه والده, ولكن بوسيلة أخرى. فهو لم يعتمد على إنتشار سيرته بين أغاني البنات والمجالس, بل قام بإنشاء معهدا متواضعا في غريته. كان يخاطب الجانب الإبداعي للطلاب, بصورة علمية وعملية, في شتئ المجالات, الأدب, والعلوم, والجغرافيا... مستفيدا بما أكتسبه من معارف من مكتبة الجامعة, المذدحمة بكتب ومراجع الغربيون. فكان دافعة غزو تلك العقول بالمعرفة الكفيلة بجعل أعمالهم تغزو المسامع الغربية.

.. يتبع ( واصل الجذء البعده و ماتنسي دوس على النجمة وعلق 😍🤗) ورح

أنت مائي و إنتمائيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن