-6-

27 6 0
                                    

في الغد ذهب منصور للسوق دون أي غرض, ليس كعادته, ذهب دون قصدا منه, فهي كانت خطوات كتب له أن يمشيها فأنقاد لها مطيعاً, ذهب ثم جلس بالقرب من باعة الخبز بالقرب من الجزارة, ناظرا في اللاشئ, سارحا بمخياله, راعيا مها, كان هناك صوت بعيد ينادي "منصور" تكرر النداء كذا مرة إلى أن أنتبه الفتى, فأستجاب للمنادي الذي أصبح بالقرب منه, نظر له مرتان دون أن ينزل بصره, الأولى رآه فيها والثانية تيقن بأنه هو هو, أنه والد مها, يطلب منه أن يأخذ الكرتونة التي بحوزته إلي بيته –بيت مها- بأسرع وقت, لم ينطق الفتى بحرف غير أنه حرك رأسه مجيبا للأمر, قبل المهمة ليس كما يقبلها أي قروي من رجل يقرب والده في السن, قبلها لأنها تقوده لمها, حيث أنه عرف أن كل تبريراته أنكشف غطائها وكانت خاطئة, مها موجود في القرية رغم أنه كان يحسها أبعد من أن تكن هنا, ركب دراجته بعد أن أحكم وثاق الكرتونه في سرجها الخلفى, ربت على دراجته ثم أنطلق نحو المراد.
دخل الحي المنشود وكانت تلاحقه نظرات شباب الحي متسائلين عما الذي أتى بهذا الفتى هنا, لم يعطي الأمر أدنى إهتمام, لأنه اصلا لم يكن يعيه هذا إن كان يعي نفسه, كانت الغاية هي النقطة التي أستحوذت على كل وعيه, اليوم سيرد دلوه البئر التي تحوي إجابات تساؤلاته, وسيروي ظمئه, وصل الحوش, لم يطرق الباب لأنه لم يكن مصنوعا من الحديد, ألقى السلام, سمع صوت رخم يرد له السلام, سرح الفتى إلي أن طلب الصوت منه الدخول, كانت هي مها, أحكمت وثاق خمارها ثم أذنت له بدخول حوشهم, رأها منصور متألقة لكنها شاحبة الوجه, منهكة ومتعبة, ليس بسبب الشاق من الأعمال, ولكنه ثقل ما تحمله في قلبها, أنهكها وهد قوتها, قاومت القرار أشد مقاومة, ولكنها لم تجد إستئناف لتناقش قضية عودتها, تألمت كثيرا في مواجهة الواقع المزري, وهاهو الذي عذبها يحضر بقدميه لعندها, الذي شكته لليل, وقاضته في محكمة الحب بتهمة سرق قلبها عنوة, يحضرإليها مجرجرا أزيال الخسارة, كأنه يقول لها: أنا أسف, كنت أظن نفسي سأتهنى بما سرقت, لكني مخطي, أنا أتهنى بك أنت, فقلبك لا يكفى. أنه عنيد يريده كلها, نعم ظنت أنه جاء ليأخذ روحها, أنه صار يرعبها, لكنها تحبه رغم ما جناه في حقها, إختلطت مشاعرها, كان فاها مترددا بين علامتي الحذن والفرح, عينيها تضيق وتتسع, تلمع وكأن دمع يكسيها, تلعثم لسانها, وبصوت مبحوحاً رقيقاً, متكسراً, خجلاً, قالت له: تفضل, لم تذها ولكن عينيها لم تترك شيئا ليقال, حكت له كل شئ, أنا مريضة, لكن ذلك لم يكن سبب غيابي, كنت صحيحة لكن القرار أمرضني, أنا تعيسة الآن ولا أملك أمر إسعادي, أنا أهواك حقا, وذلك سبب بقائي, لم يكن السبب والدي لكنهم أعمامي, أنا أقبل الأمر ففي كل الحالات لن أوصل ولكن من الصعب فراقك,
تقدم الفتى بخطوات متخبطة ليصل عند عائشة التي كانت تقف عند مدخل البيت مستفسرة عن الذي يخاطب إبنتها التي كانت تكنس الحوش. أنه منصور ود عبدالكريم قالت في نفسها, ثم رحبت به وسألته عن حال والدته, وذلك كان عرف متبع, أحضرت له كوب ماء ثم تحدثت معه.
- كيف حال دراستك
- كما كنا من قبل نذهب المدرسة ونرجع البيت كأننا لم نلأتي منها نذهب لنلعب, ولا نذاكر حتى للإمتحانات
- كنت مفتكر مها لوحدها المهملة
- مها ذكية جدا
- لا تجاملها, لو كنت مع غيري لقلت أنها أغبى بنت إلتقيت بها يوما.
- لا العكس تماما ... لماذا لم تأتي إلي المدرسة هل علة أصابتها
- علل, ما علة وحدة, الأمر صعب ويذيد صعوبة كلما كبر المرء
- ما فاهم؟ ماذا بها
- ما بها من شئ. كلما في الأمر أنها أصبحت فتاة, و أنت تعرف ما أين يمكنها أن تستقر.
- (حدث نفسه بصوت مسموع) لقد كنت مخطئ
- مخطئ في ماذا؟
- (ضحك) أفتكرت أنكم سافرتوا المدينة - لا, لم نسافر
- ( لم يرد إغلاق باب مها) ولكن معنا بنات في عمرها, دعوها تكمل هذه السنة
- (ضحكت الأم) أنت مهتم أكثر من والدها
- لا, فقط لاحظت غيابها
وقفت عائشة, وكأنها تطلب منه الذهاب, وكان عليها فعل ذلك حتى لا يسئ المتربصون بالخارج الظن بالفتى, فأستأذنها الذهاب, فسمحت له بعد أن حملته تحياتها لوالدته, ثم خرج.
بينما كانت مها تقف بين المطبخ والبيت,   دليلها حائر, كأنها تطلب منه أن يأخذها معه, وهو يرغب في ذلك بشدة, لكنهما يعون خطورة أمانيهم, فأستودعته ببسمة رغم الضنك, فرد لها بالمثل رغم إجادته الضعيفة للتمثيل.
كان خطابه لوادتها كاذباً, لكنه لم يكن كذاب محترف, حتى إذا كان محترفا, فليس على أنثى. علمت عائشة بالمشاعر الجياشة التي يكنها كل منهم للأخر, سرهم لم يكن محصناً جيداً, لكنها كانت مبسوطة بما يحدث, منصور فتى طيب ومحترم, لن يقدم على فعل فعلة تشين له سمعته أو سمعت بنتها, فإن تمادى سيأتي يوما ما لطلبها حلالاً, وستوافق عائشة إن تمت إستشارتها, وستكون مبسوطة حتى إن لم تستشار, فكل الذي يهمها أن تبلغ فتاتها غاية عشقها, ومرسى أحلامها.
خرج وهو يحمل الخبر اليقين, أنه لحمل ثقيل, ولكن ما سره أنها كانت سليمه, لم تصبها نائبه؛ فقط ذلك الحرمان, وستتعود عليه مع الزمن, فلم يكن أماها خيار غير ذلك.
كانت تكنس الحوش, إذا هي سليمه, التفسير المنطقي الوحيد هو أنها أصابها ما أصاب الذين قبلها وسيصيب الذين بعدها وبقية رفيقاتها, عاد إلي البيت منكسرا يجرجر أزيال الفقد, يحاول جاهداً التعايش مع مشكلته, مصبرا نفسه وموازرها.
......
...... يتبع ( واصل الجذء البعده و ماتنسي دوس على النجمة وعلق 😍🤗) ورح

أنت مائي و إنتمائيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن