بعد أن تأكد سعيد من أن عربته مستعدة لخوض مشواره القادم نحو المدينة, كان فيها صوت في علبه التروس, ولكنه سيصلحه هناك. وكان سعيد جديدا في إدارة الشاحنة. حيث كان السائق هو المدير للشاحنة و سائقها, وعند بلوغ سعيد الرشد, وكلفه والده بعدة مهام في الزراعة والسعية, وكان ناجحا وعملياً, فقرر والده أن يسلمه الشاحنة.
عند وصولهم المدينة, هم سعيد للبحث عن البضاعة, و أماكن التبضع, لكن السائق –كان بمثابة الأستاذ له- أخبره بأنهم سيذهبوا ليروا علة الشاحنة أولاً, فوافق سعيد.
هنالك أخبرهم الميكانيكي بأن تصليحها سيأخذ تصليحها أسبوع, هذا إن كانت قطع الغيار متوفرة في المدينة, طلب صاحب الورشة من سعيد بان يذهب معه الى بيته الى حين إصلاح الشاحنة, وكان ذلك العرف متبع لدى عامة المكنيكيين.
فذهب سعيد مع المكنيكي, و نزل في ديوان الحي, سلم على الجمع, تم إكرامه, ثم أخذ قيلولة ليريح جثته من مشقة السفر وسهر الليلة التي قضوها في الطريق, صحى العصر, كان الجمع تفرق, إلا رجلا عجوز, طاعن في السن إسمه عبدالله, رحب به قائلا: حبابك يا ابني حبابك صحيت بين اهلك. قام سعيد وبكل احترام انحى ثم صافحه وبصوت خافض حدثه, وسأله عن صحته, ثم بعد ذلك بدأوا بتجاذب أطراف الحديث, بعد أن نادى العجوز على إبنت إبنه عائشة طلب منها إعداد كوبي من الشاي.
اخذ الرجل العجوز وبطريقة محترمة و ذكية جدا الاستفسار عن سعيد, وقبيلته, بدأ له سعيد بسرد رحلة جدهم الأكبر منذ فراقه موطنه الأصلي, حيث أنه خرج راعيا مستأجرا لإحد ملاك الماشية, كان أمينا وقويا, رعى الماشية خير رعيه وإعتناء, فعندما رئي المالك هذا الإنضباط والشجاعة منه زوجه بنته, فكان خير راعيا للأسره, والماشية بعد رحيل الأب الذي لم يترك وراءه رجلاً غير سعيد من بنتيه. فكان هو رئيس الرحال في حلهم, حيث أنهم لم يكن لهم موطن بعينه, كلما نضب الماء او المرعي من منطقة ذهبوا للأخري, فكان يطلق عليهم العرب الرحل بغض النظر عن إنتمائهم القبلي.
واصل الفتى في سرده, إلى أن أستقروا في قريتهم التي يسكنونها الآن, كما قصه له نسبه, وتداخله مع الأخرين منذ زواج جدهم الأكبر من إبنة مالك الماشية, وكان الجد صامتاً رغم ان الفتى أكمل سرده, ورغم أنه كان يعلم أن الفتى توقف, لكنه لا يعرف من أين يبدأ رده.
وفي لحظت صمتهم تلك, جاءت عائشة تحمل الشاي, طلب العجوز من سعيد أن يقوم بتناول الشاي من الصبية التى تقف خلف جدار الحوش, فتفاجأة بأجمل فتاة رآها قلبه يوما, تقف صامتاً خجلة, نظر لها نظرة حادة كادت تخترق قلب الفتاة, التي بدورها رفعت نظرها من على الأسفل, لتري ما الذي أخر الرجل من أخد الشاي, فوجدت شابا قروي وسيما يقف أمامها, فقالت له بصوت متكسر مقدمة له الشاي "تفضل" فأخذ الشاي ثم عاد للعجوز الغارق في حيرته.
أرتشف العجوز رشفة من كوبه ثم وضعه أرضا قائلا: يا ابني انا جدك في الحساب. فأندهش الفتى واضعا كوبه الذي لم يلحق بأن يأخذ منه رشفة, وقبل أن ينطق بكلمة غير إندهاشته التي دامت طويلا, دخل له العجوز في روايات الانساب المعقدة التفاصيل, فكانت خلاصتها, ان الجد الخامس لسعيد –الزبير- والجد الثالث للعجوز-عثمان- كانا اخوين, اشتغل احدهم بالتجارة وسكن المدينة, و هذا جد عائلة العجوز, و الآخر كان راعياً, ولكنهم لم يعرفوا له أثر يتبع من رحيله.
رحب سعيد بهذا الامر خير ترحيب, وفرح جدا, فهو منذ هذه اللحظة لم يعد غريبا, كما أن بطريقة ما أصبحت عائشه تقربه, بدأ يشعر بإنتمائه العرقي لها كما شعر بإنتمائه الروحي, دون أن يسرج راحلته للإنتقال المكانى, تدفقت الأحداث بإنتقالها الزماني, ثم رست به بين أهله. لم يحرك ساكناً, ثم تحركت شفتيه تتمتم في الحديث مستفسرة عن كيف ذلك, تحدث العجوز عن الفرقة والشتات, و عن مشاغل الحياة التي حالت بين الفريقين من البطن الواحدة أن يتوحدا, بعد أن تيقن الفتى أن الذي يحصل حقا وليس حلماً, قام بإحتضان العجوز مبدياً فرحته التي لم يستطع وصفها بالكلمات, حضنه بقوة ناسيا أن الرجل عجوز, حضنه كأم تجد إبنها المفقود, فرح الأثنيين بما أكتشفوه من كنز, فكلما دخل رجلا الديوان أو جاء عابرا به نادى له العجوز, وعرفه بسعيد, وبعد عصر ذلك اليوم وقبل غروب شمسه, جاء أهل ذلك الحي يحملون طعامهم الى الضيف الذي أصبح منهم.
في الصباح الباكر, وبعد إحتساء الشاي, وانفض الكل لاعمالهم, طلب العجوز من سعيد ان يحضر كل ملابسه المتسخة ثم نادى لعائشة عائشة. وكأنها كانت في باب الحوش, جاءت دون ان تقول نعم لنداء جدها, وقفت خلف الجدار, فطلب العجوز من سعيد ان يعطيها الملابس, فأخذتها فأخذتها الصبية بكل سعادة, ثم أستأذن سعيد العجوز ليذهب السوق, ليتابع ما الذي يجري مع الشاحنة, وما يحتاجه السائق من مصروف, فذهب تاركا للعجوز وعد العودة باكرا للإفطار, الذي خطط و أعد له هو بنفسه تكريما وتشريفا له بينهم. ...... ...... يتبع ( واصل الجذء البعده و ماتنسي دوس على النجمة وعلق 😍🤗) ورح
أنت تقرأ
أنت مائي و إنتمائي
Romanceالرواية من وحي خيال الكاتب و كذلك الشخصيات. بقلم: محمد علي محمد مضوي. في قرية من قرى السودان النائية عن العاصمة كان هنالك شاب إسمه منصور وبنت إسمها مها, لا يقربا بعض إلا من ثلات طرق: عائلة منصور وعائلة مها ينتمون لنفس القبيلة, وكل العائلتين تظل...