Part 18 : شُحوب

5 2 7
                                    

في الصباحِ الباكِر، قُبَيلَ شروقِ الشَمس، كانت وَالِدةُ ميانا جالِسةً على طاوِلةِ الطعامِ في المطبخ، وهيَ تَتَفحصُ الفواتيرَ التي كانت بينَ يديها، لتَضعها على الطاولةِ وتَتَنهد، ثُمَ تأخُذُ كأسَ الماءِ الذي كانَ بِجانِبها وتَأخُذُ حبوباً ما...
كانت الهالاتُ السوداءُ تَحتَ عينيها واضِحةً جِداً، حتى ان وَجهَها كانَ شاحِباً...
حتى دَخلَ زوجُها يَترَنحُ إلى المطبخِ وهوَ يَقتَرِبُ منها، ليأخُذَ كأساً ويَملأُهُ مِن صُمبورِ الماءِ ويبدأَ بِشُربِه...
وعندَ إنتهاءهِ مِن شُربِ الماء، خاطَبها بنبرةٍ جافةٍ وصوتٍ غليظ : هوي، آسي (أسم والِدة ميانا) أعطِني مالاً لأنَ الشَرابَ قَد نَفِدَ مِني
آسي وهيَ تَنهضُ وتَحمِلُ حَقيبَتها والفواتيرَ في يدِها : آسِفةٌ ولَكِنَني أعطيتُكَ مايكفي هذا الشَهر...
قالَت ذَلِكَ بِكُلِ بُرودٍ دونَ أن تَنظُرَ إليهِ حتى، وأكملت وهيَ تُحدِقُ بهِ عاقِدةً حاجِبيها : ثُمَ إنَ هُناكَ أموراً عليَّ أن أعتني بِها أهمُ بِكثيرٍ مِن شَرابِكَ هذا -وهي تَرمي الفواتيرَ أمامه-
ثُمَ هَمت بالمغادَرةِ إلا أن زوجَها لَم يَدعها وشأنها ، فقد قامَ بأسنادِها على بابِ الثلاجةِ وهوَ ويَضعُ يدهُ على عُنُقِها...
ليُهَدِدَها : أرى أنَكِ بدأتِ تَتَعالينَ عليَّ مُجدَداً؟، -ليَصرُخَ في وَجهِها- هَل تُودينَ مَني أن أُلَقِنَكِ دَرساً قاسياً؟؟
تُمسِكُ آسي بِيدهِ وهيَ تُحاوِلُ أبعادَها : هفف.. حسناً جونسون (أسمُ زوجها) أهدأ، سأُعطيكَ ثَمنَ زُجاجةٍ واحِدة، -تُخرِجُ النقودَ مِن حَقيبَتِها، وَتَمُدُها إليه- لَكن أرجوك لا تَطلب مني أكثرَ مِن هَذا، أنا لا يُمكِنُني!
ليأخُذَ جونسون النقودَ مِنها ويبدأُ بِعَدِها : هه.. وكأنَ زُجاجةً واحِدةً سَتكفيني...
آسي وهيَ تَتَنهد : هَـه... على كُلٍ أنا ذاهِبةٌ إلى عَملي.. -وتُغادر-
ليَذهَبَ جونسون ويَجلِسُ على الأريكةِ ويَبدأُ بالتَدخين
أما آسي فقد رَكِبت الحافِلةَ وتوجَهت إلى عَمَلِها على الفور، دَخلت إلى غُرفةِ العَملِ وألقَت التَحية، إلا أنَ أحداً لَم يَرُدَ التَحية...
وبَدلاً مِن ذَلِكَ كانَ الجميعُ يَنظُرُ إليها ويَتجَهَلُها، حتى جَلَست آسي على مَكتَبِها، ثُمَ رَدت زَميلَتُها التي بِجانِبِها بِتَكَلُفٍ عليها : أهـ مرحباً آسي...
لِتَبتَسِمَ آسي إبتسامةً طَفيفة : أهلا...
وتَفتَحُ جِهازَ الحاسوبِ وتُباشِرُ عَمَلَها...
وبَينَما هيَ مُنشَغِلةٌ بِعمَلِها، كانت تَسمعُ هَمسَ الموظفينَ والموظفاتِ اللذينَ بِالقُربِ مِنها " ياألاهي، أتَشُمينَ رأحةَ الكحولِ والتَبغِ؟ إنها تَفوحُ مِنها" "افف، هذا لَيسَ بِأمرٍ جَديدٍ كما تَعلمين"
"مابالُ مَلابِسِها؟ إنها لا تَبدو أنيقةً على الاطلاق" "هههه عن ماذا تَتَكلمين ؟ أُنظري إلى وَجهِها الشاحب، هَل تُريدينَها أن تَتَأنقَ وهيَ بِهذا الشَكل؟"
" أُنظُري، حتى أنَ شَعرها غيرُ مُرتب" "يبدو أنها لَم تُسَرِحهُ مُنذُ سنوات!" "اوه ياألاهي هههههه"
لَكن رُغمَ كُلِ ذَلِكَ هيَ لَم تُعطيهم بالاً، لِأنها مُعتادةٌ على ذَلِك...
...
وتَستَيقضُ ميانا أخيراً مِن نومِها، لتقومَ وتُغيرُ ملابِسها وتُجهِزُ نَفسَها للذهابِ إلى المدرسة...
تَخرُجُ مِن غُرفَتِها وهيَ تَتَفَحصُ غُرفةَ المَعيشةِ بنظراتِها، لتَتَأكدَ إن كانَ والِدُها نائِماً ام مُستيقظاً، ثُمَ تَتَجِهُ إلى المَطبخِ بهِدوءٍ، لتأخُذَ فطوراً سَريعاً الذي كانَ شَريحةَ خُبزٍ مَدهونةً بالجُبن...
أخذت قَبضةً وهَيَ تَتجهُ إلى خارِجِ المَطبخ، فترى والِدَها أمامها لتَجفِلَ وهيَ تقول : اه! ابي!
جونسون : ماذا؟ هَل رأيتي شَبحاً؟
ميانا : ...
يَقتَرِبُ جونسون ويَضعُ النقودَ على الطاولة : أذهبي وأحضري لي شراباً في الحال!
ميانا بتوتر : اه، حسناً يا أبي
لتأخُذَ النقودَ وتَشتري زُجاجةَ شَرابٍ لوالِدِها وتُعطيها إياه، وَتَتَجِهَ إلى المَدرسةِ على الفور...
ألتَقت بألينا وهيرومي في طَريقِها، فَنضَمت إليهم حتى وَصلوا إلى المدرسةِ سوياً...
في فَصلِ ميانا، كانَ الفَصلُ شِبهَ فارغٍ فلم يَكُن هُناكَ أحدٌ بَعد سوى ميانا وآشيرو وتياما، بالأضافةِ إلى بَعضِ الطُلابِ الآخرين...
حتى وَصلت مارلا وصديقتَيها أخيراً...
مارلا مُتجِهً نَحوَ آشيرو : آههـ كَم هوَ جَميلٌ أن أرآك في الصباحِ يا آشيرو! -لتَنظُرَ لميانا بِأستحقار- همفف وكَم هوَ شعورٌ سيءٌ ومُزعجٌ أن أرى وجهاً مُقرفاً في الصباح! كوجهِ تِلكَ التي تٍجلِسُ في نهايةِ الفَصل!
ويبدأنَ بالضَحِك، بينما ميانا لَم تُلقي بالاً لَهُن ، وآشيرو كَذَلِكَ كتَفى بالنَظَرِ إليهِنَ قليلاً ليَتَنهدَ ويَشَغِلَ عَنهُنَ مع تياما...
حتى دَخلت لونا الفَصلَ وهيَ تُلقي التَحية...
لونا : صباحُ الخيـ...ـر...
لترى مارلا وصديقتيها فَتُنزِلَ رأسها وتُتابِعُ سَيرها بِبُطئ...
ولَكنَ مارلا أستوقَفتها بالطبع : آهـ صباحُ الخير آنسة لونا!
ماو بِسُخرية : ماذا يا لونا؟ أرى علاماتِ الوحِدةِ باديةٌ على وجهِكِ ؟
سيرا : اووهه ياللمسكينة، لقد فَقدت صَديقَتها الوحيدةَ ولَم تَجد صديقةً أُخرى بَعد!
"اهاهههاها" ويضحكن...
مارلا تَلتفت نحوَ ميانا : اوه ميانا~! لَديَ فِكرة!
ثُمَ تَلتَفِتُ نَحوَ صديقتيها وتُعطيهما إشارةً تَعني أسحبا لونا، وتَتجِهُ نَحوَ ميانا ويلحَقنَها سيرا وماو وهُنَ يَمسكنَ لونا، حتى وَصلا لَعِندِ ميانا...
مارلا تَقتَرِبُ وتَضع يدها على الطاوِلة : حسناً ميانا مارأيُكِ أن نأخُذَ ثَأرَكِ مِن لونا -تَجُرُ لونا لعِندِها- وأن تقومي أنتي بِسَكبِ زيتِ الثومِ عليها هذه المرة؟
سيرا بِقهقهة : يبدو ذَلِكَ مُمتعاً مارلا!
بينما تَرتَبِكُ لونا وهي تُحدِقُ للأسفلِ وتُمسِكُ تَنورَتها بشدة...
ميانا كانت تُمسِكُ كتاباً وهيَ تَنظُرُ إليهنَ حتى أنتهت مارلا من كلامِها لتَرُدَ عليها أخيراً وهيَ تَنظُرُ في الكِتاب : ... ألاعيبٌ كَهذهِ لا تُناسِبُني، فلتَذهَبي أنتي وألاعِيبُكِ القذِرةَ بَعيداً عَني..
لتَغضَبَ مارلا وتَدفعُ لونا بقوةٍ حتى سَقطت ارضاً وضَرَبت نَفسَها بالطاولةِ التي كانت خَلفَها...
مارلا وهيَ تَضرِبُ طاوِلةَ ميانا بيديها بِشدة : يبدو أن لسانَكِ لازالَ طويلاً؟ -وتَصرخُ في وَجهِها- هَل تَعتقدينَ أنَهُ يُمكِنُكِ التطاولَ عليَّ فَقط لأنَ كيمورا لجانِبِك؟؟!
فَتُغلِقُ ميانا كتابها بقوةٍ وتَنهضُ مِن مَكانِها لتَضَعَ عينيها في عينيّ مارلا...
ميانا : ...اُغربي عن وَجهي...
ثُمَ تَتَنحى ميانا وتَغادِرُ الفَصل، ليزدادَ غَضبُ مارلا وتبدأُ بالصُراخِ وراءها : سأُرِكِ يا ميانا!! سأَجعَلُكِ تَندمين على هذا!!
...
في هذهِ الأثناء، كانت آسي مشغولةً بالعَمَلِ على جِهازِها الحاسوب، وهيَ تُسنِدُ يدها على طاوِلةِ مَكتَبِها وأصابِعُها على جَبِينِها حتى تَتَنهد وهيَ تُمسِكُ برأسِها، فَتأخُذُ حَقيبَتَها وتُخرِجُ حبوباً ما مِنها فتأخذُ حَبتينِ وتَضَعُهما في فَمِها وتَشربُ الماءَ بَعدها لتَبتَلعَهُما.
فتَنظُرُ زَمِيلَتُها التي بِجَنِبِها إليها لتَقولَ لها : اه، آسي.. ألم يُخبِركِ الطَبيبُ ألا تُكثري مِن تناولِ هذهِ الحبوب؟
تَنظُرُ آسي إليها : ..اهـ أعلم... ولَكنَ الصُداعَ سَيَستَمِرُ إن لَم آخُذها
فتَصمُتُ زَميلَتُها وتَنسَحِبُ لتُكملَ عَملها، بَعدَ لحظاتٍ يأتي رَجُلٌ ليَقتَرِبَ مِن مَكتَبِ آسي ويَضعَ يده عليه، فتَلتَفِتُ إليه آسي وهوَ يَنظُرُ إليها عاقِداً حاجبيه، ثُمَ يُخاطِبُها : تَعاليّ إلى مَكتبي حالاً
ويُغادِرُ فوراً، لتَتَنَهَدَ آسي بِشدةٍ وقد بَدت على وَجهِها علاماتُ الهَمِ والتَعب، وكانت زَمِيلَتُها التي تَجلِسُ بِجانِبِها تُلقي النَظَراتِ عليها حتى قامت آسي مُتجهةً إلى مَكتَبِ المُدير...
دَخَلت إلى المَكتَبِ وسألت المُديرَ سَبَبَ مُناداتهِ لها، رُغمَ أنها تَعلمُ السَبَبَ جيداً...
المُديرُ بِصوتٍ عالٍ غاضِباً وهوَ يَرمي أوراقاً أمامها : أنظُري إلى هذهِ جيداً! أُنــظُـري! لماذا تَستَمرين بالوقوعِ في الاخطاءِ دائماً؟! هاه؟!
آسي كانت واقِفةً حانيةً رأسَها : ...أنا آسِفةٌ سيدي... سأُحاوِلُ تَعديلَ ذَلِك
المُدير : تُحاولينَ ماذا؟؟ هاه؟ تُحاولين ماذا!؟، لَقد مَلِلتُ مِن أخطاءِكِ المُتواصِلة!.. حتى أنَني مَلِلتُ مِن شَكوى الموظفينَ مِنكِ!، ألم أُخبِركِ أنَني لا أُريدُ رائِحةَ كحولٍ او تَبغٍ في شَركَتي؟؟، إلا يُمكِنُكِ أن تَفهمي ذَلِكَ حتى ؟؟
آسي بِبُرود : ...آسِفةٌ سيدي...
ويُكمِلُ المُديرُ كلامه : أمرأةٌ مِثلُكِ لا تُشَرِفُ شَرِكَتي على الأطلاق!! لا أعرِفُ مالذي فَكَرتُ بِهِ عندما قُمتُ بِتوظيفك!... أعتَقِدُ أنَني أشفَقتُ عليكِ حِنَها لا أكثر...
آسي لازالت تَحني رأسها وتَشُدُ قَبضةَ يَدِها بقوة...
المُدير يُكملُ كلامه : أسمعي جيداً! إن تَكَرَرَ الخطَأُ فسَأطرُدُكِ مِن هذهِ الشركة! أتَفهمينَ ذَلِك!؟
آسي تَنظُرُ إليهِ بِتفاجؤٍ وتَوتر : ..أه أأرجوكَ سَيدي لا تَفعل ذَلِك! إنَني مُحتاجةٌ للوظيفة! لن أستَطيعَ العيشَ إن تَرَكتُ العَمل!
المُديرُ يَصرُخُ في وَجهِها : إذن لا تُكَرِري أخطاءَكِ مُجدَداً! وحاولي تَعديلَ مَظهَرِكِ ولو قَليلاً! أتَفهمينَ ذَلِكَ جيداً؟؟ لا أُريدُ تكَرارَ هذا أتسمعين!!؟
آسي : ...أ.. أجل، سَيدي... أعِدُكَ بِذَلِك...
المُدير يَتنَهدُ بِشِدةٍ ليَلتَفِتَ إلى النافِذةِ ويُعطي آسي ظَهره : ...والآنَ أغرُبي عَن وَجهي!، وأذهبي لإنهاءِ عَمَلِكِ الآن! وأُريدُ مِنكِ تَعديلَ تِلكَ الملفاتِ التي أُعيدت بِسَبَبِكِ! هيا بُسرعة!
آسي : أه حاضر!
فتأخذُ الملفات والاوراقِ المُلقاةِ على الطاولةِ أمامها وتَخرُجُ في الحال، وتَذهَبُ لدوراتِ المياهِ بَعدَ ماوَضَعت الاوراقَ على مَكتَبِها، تَقِفُ أمامَ المرآةِ وتَنظُرُ إلى وَجهِها، الذي كانَ شاحِباً وكانت الهالاتُ السوداءُ تَحتَ عينيها باديةً بوضوح، حتى أنَ شَعرها الذي تَربِطهُ على شَكلِ كَعكةٍ يبدو فَوضويٍ قليلاً، مَلابِسُها لَم تَكن بِتِلكَ الأناقة، ولَكن هذا مااستطاعت أن تَرتَديه...
لتَضعَ يَدَها على وَجهِها وهيَ لازالت تَنظُرُ إليهِ في المرآةِ بِحُزنٍ وألم، حتى سَمِعت صوتَ ضَحكاتٍ تَقتَرِبُ مِنها فَ جَفِلت ونَظرت إلى الخَلفِ فوَجَدت زَميلَتيها في العَملِ وهُنَ يَخرُجنَ مِن إحدى دوراتِ المياه...
فيَمُرنَ بِها لتَقولَ إحداهُنَ وهيَ خارِجة : اهـ آسي! ما الأمرُ ياتُرى؟ هَل تَعرَضتي لتوبيخٍ مِن قِبَلِ المُديرِ مرةً أُخرى؟
فتَرُدُ الأُخرى عليها ضاحِكة : اوه يبدو أنهُ وَبَخها لِأنها لَم تُرَتِب شَعرها جيداً اليوم؟ اهاااههه
ويبدأنَ بِضَحكِ فَيخُرُجنَ حتى تَبقى آسي وَحدها وهي تَنظُرُ إلى الأسفل، فتَرفَعُ ناظِريها لِتَعودَ لِلنَظَرِ في المِرآة، ثُمَ تُمسِكُ بالمرآةِ وتَشُدُ قَبضةَ يَدِها فتَنزِلُ دموعٌ مِن عِينيها وهيَ تَنحَني إلى الأرضِ بِبُطئٍ مُمسِكةً بالمَغسلةِ بيديها، لتَبدأَ بالبُكاءِ بصَمتٍ وألَمٍ والدموعُ تَنهَمِرُ مِنها...

إنتهى🍃~

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Jun 20, 2020 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

حياة وعِرة || A rugged lifeحيث تعيش القصص. اكتشف الآن