وحدي

191 21 4
                                    

#توأم_روحي

وأنا طفلة أغرمت بالبحر قبل أن أراه ونسجت بخيالي قصة غرام معه من خلال الصور والمشاهد التلفزيونية التي أراها ؛ صرعت أمي وأبي ليلا ونهارا برغبتي في الذهاب لحبيبي البحر؛ وفي يوم من الأيام ذهبت مع مدرستي في رحلة للبحر يغمرني الحماس والشوق والحب؛ رميت بنفسي داخله دون تفكير و حاولت أن أسبح ولكنني لم استطع وفقدت وعيي وحينما فتحت عيني كان البحر بهذا المنظر غامضا؛ مدوخا ؛ باردا ومخيفا ؛ لقد أعادني ذلك الموقف وهذا الضياع الذي اشعره الآن وأنا وحدي بالمطار لاختبار ذلك الاحساس مرة أخرى ؛ اقف بالمطار وأنا ارتعد؛ يغمرني شعور بالخوف وأشعر أن شيئاً مريبا يحدث وأن أحداثاً غامضة ومخيفة تخبئها الأيام المقبلة؛ احدق بهاتفي طوال الوقت على أمل أن تصلني من "بي" رسالة أو اتصال؛ الوقت يمر كمنشار يجز عنقي ودقات الساعة ترن في أذني كمطارق تدق أعصابي مرت ساعات لم يظهر "بي"ولم يراسلني؛ وأخيراً لمعت الفكرة برأسي فقلت لنفسي معاتبة يا لك من غبية حمقاء لماذا انفقت كل هذا الوقت بالانتظار وأنا أمتلك رسالة على هاتفي بها العنوان الذي يسكن به بالتفصيل ؛ حملت حقيبي وأوقفت سيارة أجرة جلست بالمقعد الخلفي بجوار النافذة أتجول بعيني بين الشوارع التي نمر عليها المسها بعيني واتفرس في المارة والمحلات والباعة اتفحص المباني التي طالما رأيت صورها ؛ تلك البلد الجميلة التي أعجبت بمعالمها بهدوئها ونظامها السياسي والاجتماعي وأهلها وطعامها وملابسها أنا الآن اتجول بشوارعها تائهة ضائعة لقد بدا كل شيء هاديء ولكن ثمة حرب طاحنة تدور داخلي لاينتبه اليها احد حرب صامتة؛ انظر في المرآة فيبتسم لي السائق بسخاء كأنه يعتذر لي نيابة عن القدر الذي سيدهس قلبي وأيامي القادمة؛ كنت انظر إليه وذهني خارج كل شيء خارج السيارة والحديث والابتسامات و والنظرات المعحبة بالفتاة العربية ذات الشعر الذهبي والعيون الخضراء الواسعة والبشرة البيضاء ؛ انظر إلى المرآة فأرى وجهي شاحبا متعباً وعيني حائرة وخائفة ؛ وأخيراً وصلت إلى شقة " بي" طرقت الباب مرات ومرات دون جدوى ؛ وضعت حقيبتي وجلست فوقها أمام باب الشقة لا أعرف ماذا يحدث ولا استطيع تفسير موقف "بي" أتساءل هل خدعني "بي" وأعطاني عنوانا زائفا؟
هل اقف الآن على باب شخص آخر قد يخرج الآن ويشك بي ويطلب الشرطة لتتحرى أمري ؟
لحظة ؛ هل خدعتني صديقتي واشتركت في تلك المكيدة ؟
لا لا مستحيل كفي عن تلك الافكار الشيطانية .
أغمضت عيني بقوة كأنني أريد أن أحبس في عقلي تلك الأفكار خشية أن تنفلت من بين جفوني لو فتحتهما .
الساعات تمر وأنا بمكاني أمام شقتة "بي" لا أستطيع الحركة وعقلي عن التفكير؛ جميع الأضواء مطفأة ماعدا شريط صغير ينبعث من الشقة المقابلة لشقة "بي " ؛ حين كنت بمصر كنت أعرف أنا "بي" له جار يدعى "جونغ يو" كان "بي" يحدثني عنه كثيرا ؛ اكتشفت أمر ذلك الجار بالصدفة حين طلبت "بي" ان يلتقط لنفسه صورة وهو يغادر البيت متوجها لعمله؛ وحين ارسل "بي" الصورة كدت أصعق وأفقد عقلي فقد ظهر بخلفية الصورة جيهوب كان يرتدي بنطالا اسودا مكوي جيداً وحذاءا لامعا وقميصا ثميناً ويضع نظارة سواداء فاخرة؛ كاد قلبي يتوقف وعقدت الدهشة لساني فقمت بتحديد الصورة و تقريبها وتكبيرها ثم وضعت دائرة حول صورة جيهوب وأعدت إرسالها إلى "بي" دون أي تعليق؛ رد على رسالتي بتسجيل صوتي يحمل ضحكاته وقهقاته العالية ثم توقف فجأة وقال : يشبهه كثيراً أليس كذلك ؟ يشبه نجمك اللامع جيهوب ولكن للأسف ليس هو ولا تربطه به أية صلة قرابة أو معرفة إنه "جونغ يو" جاري منذ سنوات وللعلم هو كفيف فقد بصره وهو في العاشرة من عمره اثر حادث ؛ يقول عنه "بي" : أنه باردا جدا وغامضا وأناني؛ لايساعد أحد ولا يتحدث مع أحد حتى أنه لا يرد التحية ؛ ولكنه مدين لي بحياته فقد أوشكت سيارة مسرعة أن تودي بحياته لولا تدخلي وانقاذه؛ لم أفكر ولم أتأن قليلاً قبل أن أتوجه إلى بابه وأطرقه؛ طرقت الباب عله يجيب وينقذني من ظنوني؛ انفتح الباب عن شاب طويل ونحيل وهو يقضم تفاحة في يده اليمنى وبيده اليسرى كيس قمامة علقه في مقبض الباب واغلق الباب خلفه دون كلمة ؛ لم يدهشني مافعله بقدر ماأدهشني الشبه الخيالي بينه وبين جيهوب فلولا أنني تأكدت أنه فاقد للبصر لأقسمت أنه هو جيهوب ولكنه متخفي عن أنظار المعجبات ومطارادات الصحافة؛ طرقت الباب بغضب وبلغة كورية مترددة قلت :
- افتح الباب أنا صديقة جارك "بي" وقد أخبرني أنك في استقبالي وسوف أقيم معك حتى يعود لأنه اضطر للسفر وأنا الآن بلا مأوى .
- رد.من خلف الباب قائلاً :
اذهبي أيتها المحتالة والا اتصلت بالشرطة حالا .

ومن وراء الباب من الخارج بدأت أرسل إليه صرخاتي وأنا اتهمه بسواد القلب والغرور والأنانية ثم أبدأ في البكاء طالبة منه أن يفتح الباب ويستقبلني لليلة واحدة فأنا غريبة ومتعبة وجائعة؛ فقد بدأت معدتي تتألم من الجوع ولم أعد أسيطر عليها فبدأت بإصدار أصوات احتجاجية .
وقلت في حزن وتوسل :
- ارجوك افتح الباب فالجو بارد بالخارج وأنا متعبة وجائعة .
بعد لحظات فتح الباب في حركة مباغتة وسريعة ووضع امامه رغيف وقطعة جبن وجاكيت شتوي ثقيل واغلق الباب بسرعة ؛ أمضيت الليل كله مع أمتعتي على الدرج جالسة فوق احدى حقائبي أرتعد من برد الشتاء ؛ وقبل طلوع الشمس بقليل طرقت الباب مرة اخرى طرقات واهنة ضعيفة وقلت معاتبة في تعب :
- انت حقا قاسي القلب وناكر للجميل أيها اللئيم كيف تفعل ذلك مع صديقة الرجل الذي أنقذ حياتك وقد كادت السيارة تقتلك ليته تركها تصدمك !
لم تمض نصف دقيقة حتى انفتح الباب فيبدو أنه تأكد حقا أنني لست محتالة؛ سرت خلفه بضع خطوات لأجد نفسي داخل بيته لم يكن بيتا بالمعنى الحرفي فقد كانت عبارة عن غرفة واحدة ذات شرفات صغيرة تطل على حديقة بالأسفل وتحتوي على سريرين مفرد ودولاب ومنضدة وكرسي هزاز ومطبخ مفتوح على الغرفة وحمام ؛ كانت تحركاته هادئة ومدروسة فقد كان يحفظ كل خطوة يخطوها ويحفظ أماكن الأشياء ؛ حتى أنه فاجأني خلال ثلاثون دقيقة بوجبة دافئة صنعها أمامي وكنت كلما تدخلت للمساعدة نهرني فجلست أراقبه حتى أنهى طبخته؛ كان الحساء يغلي على النار حين رفع الغطاء عنه وقام بسكب طبق لي؛تناولته ثم وضع قطعة من اللحم المطهو جيداً في طبق وطلب مني تناوله قبل أن يغادر وهو يوجه حديثه لي بصوته ذو البحة اللطيفة قائلاً :
سأذهب الآن إلى العمل ؛ لا تعبثي بأشيائي ولا تسرقي امتعتي وتهربي أيتها المحتالة .
وقبل أن يغادر طلبت منه رمز الوايفاي لأتفقد رسائلي واتحرى الاخبار عن "بي"
غردت عبر تويتر التغريدة لم تدم طويلا أمام رد جائني من صديق "بي" بتغريدة يخبرني أن " بي يرقد طريح الفراش بإحدى المستشفيات بعد تعرضه لحادث سير أثناء ذهابه لاستقبالي بالمطار وهو الآن بحالة حرجة ظننت أن في الإمر مزاحا ثقيلا من "بي" وأصدقائه فتواصلت مع صديقه الذي أخبرني أن بي قضى اسبوعه الأخير يفكر ويستشير جميع أصدقائه المقربين في طريقة رومانسية ومميزة لاستقبالي بالمطار؛ فزين البيت وجهز حفلا صغيرا لاستقبالي في المساء ودعى اصدقائه وجهز لي الطعام بنفسه للمرة الأولى بحياته ؛ واغلق بيته و ذهب إلى المطار بالأمس لاستقبالي مصطحبا معه الزهور التي صنع منها إكليلا ليضعه فوق رأسي حين يلقاني.
توسلت صديقه ليصطحبني إلى المشفى وهناك وقفت في إحدى ممرات المشفى التي يرقد بها "بي" فاقداً الوعي وسط خراطيم وانابيب واسلاك تساعده على التنفس وتبقي قلبه بمأمن ؛ ليلة كاملة ونصف نهار قضيتها بالمشفى أراقب "بي" من وراء زجاج غرفة العناية المركزة ؛ مطلقة لدموعي العنان؛ احسست بالتعب والجوع مرة أخرى ففكرت في "جونغ يو" وتذكرت أنني خرجت دون أن أخبره وتركت امتعتي كلها هناك ؛ فعدت مسرعة حين تذكرت الوعد الذي قطعته على نفسي بأنني سأغادر في المساء؛ يالي من حمقاء غبية كيف سأقنعه أن يمنحني فرصة للإقامة معه الى أن يفيق "بي" ولكن هل سيفق!
وصلت إلى البيت لأجد حقائبي أمام الباب من الخارج وعلى حقيبتي ملصق مكتوب عليه لقد سددت دين صديقك ارحلي .
يتبع 🏃🏃🏃

توأم روحي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن