عقاب إلهي

183 16 6
                                    

 
كان ذلك أول يوم عمل بدوام جزئي بالسوبر ماركت الذي يملكه " جونغ يو " ؛ شرح لي زميلي - الذي فوت عليا للتو فرصة اللحاق بجيهوب - كيف يجب أن أعمل؛  وبعد شرح بسيط أتقنت ترتيب  الأرفف وحصر النواقص و طلب البضائع من المندوبين؛  كان ذلك هو روتيني اليومي ؛ في الصباح بالسوبر ماركت وبعد العمل أذهب لزيارة "بي" والعناية به ؛ أتحدث معه كل يوم لمدة ساعة عن يومي وأحوالي  وأطلب منه أن يسامحني وأن يفيق سريعا لأنني اشتقت إليه ؛ ثم أعود للمنزل أرتبه وأحاول أن أحافظ على أناقة الغرفة مع ابقاء كل شيء في مكانه حتى لاأتعرض للوم "جونغ يو" وتوبيخه المستمر ؛ ستة أشهر مضت ياجيهوب وأنا الاحقك من مكان لمكان أتجول حول منزلك الذي يعج بالحرس اللعين الذي  لا يسمح لنملة الاقتراب منه ؛ أقضي ساعة يومياً أتجول حول بيتك وشركتك ؛ أراقب النوافذ والشرفات ربما ألمح طيفك؛ غيرت عملي ثلاثة مرات اقتفاءا لأثرك ؛ لأقترب من بيتك أو شركتك لعل القدر الرحيم  يعطف يوما ويدبر لنا لقاء ؛ ألاحقك في كل مكان بسرية تامة مرة على هيئة موظفة بدوام جزئي ليلي في مطعم قريب من الشركة التي تعمل بها فربما ساقتك معدتك الفارغة يوما إلى هناك ؛ ومرة على هيئة عاملة في كافيتريا قريبة من بيتك لعلك تصاب بالملل يوما ما وتذهب لإحتساء قهوتك فألقاك هناك والآن على هيئة عاملة توصيل بيتزا تفشل كل مرة في إقناع الحرس باجتياز البوابة فأسلم الطلب كل مرة وأعود خائبة السعي؛  ستة أشهر اقتربت فيها من "جونغ يو " وشاركته حياته كاملة لا غرفته فقط ؛ فعلى الرغم من قسوته الظاهرة وحزنه العميق الذي يخفي سببه بعناية؛ فقد  كنت واثقة بأنني سوف أنجح في أن أجد بداخله انسانا حنونا يخالف ذلك الذي يراه الناس ؛ ففي الصباح أشرب معه قهوته الصباحية وأصنع له الخبز والفطائر المحلاة ؛ أنظف الغرفة وأرتق الثقوب في ملابسه ؛ وفي المساء أجهز له عشاءا دافئاً ؛ وبعشوائية طفولية أثرثر معه بأحاديث طفولية منهكة أخبره عن جيهوب وكم هو بارع في الغناء والرقص وكم أن ابتسامته ساحرة ؛ وكيف تؤذيني  تلك الأخبار الكاذبة عن مواعدته لتلك المغنية الفاتنة وكم أكرهها لأنها لاتنفي تلك الشائعات ؛ لا أكف عن الثرثرة عن جيهوب فيقطع ثرثرتي بموسيقى هائلة لفاجنر  منبعثه من جهاز تسجيل قديم يحتفظ به ويعتز به كثيرا  ؛ أرفع صوتي متسائلة :
- لماذا تشغل تلك الموسيقى العالية  كل مرة ؛ شخص هاديء مثلك لاتليق به تلك الموسيقى الصاخبة .
فيجيب :
- لأن موسيقى فاجنر تليق أكثر من أي موسيقى أخرى في مكان تتواجد به طفلة  ثرثارة مثلك فألحانه عالية الضجيج دائماً تنجح في ألا تدع للثرثارات أمثالك  فرصة للكلام ؛ فإذا كان الكلام رديئا فيجب اسكاته بالموسيقى .
- أيها اللئيم ؛ كيف تصف حديثي حول حبيبي جيهوب بالرداءة كم أنت غيور .
ولا أدري ماذا حل به حين وصفته بالغيور ؛ تراخت يده ببطء وارتسمت في عينه نظرة غضب وحقد حلت محل الابتسامة و دفعني عنه بعنف  واسقطني على الأرض بقسوة لم أعهدها منه ثم غادر البيت ولم يعد حتى الصباح ؛ قضيت الليل انتظره وفي الصباح جهزت له الافطار ووضعته على الطاولة و  ذهبت إلى المستشفى قبل ذهابي إلى العمل فقد كان الوقت مبكرا ؛ جلست إلى جوار "بي" وتحدثت معه كعادتي وهو لايزال في غيبوبته ؛ قصصت عليه القصة كاملة وسألته ترى لماذ غضب مني جونغ يو هكذا ؟ ثم نظرت في وجهه وكلتا يداي قابضة على يديه  في حين تركت  أصابع يدي الأخرى  تتسلل بين خصلات شعره ؛ وفجأة وعلى غير توقع فتح "بي" عينيه وهو يضغط على كفي برقة ويبتسم ابتسامة ناعمة ؛ تركت يده وركضت مسرعة إلى الطبيب الذي لم يتأن لحظة وقام بالكشف عليه بعد اخراجي من الغرفة ؛ خرج الطبيب عابسا متجهما ؛ مما أثار قلقي لكنه ابتسم لي ابتسامة مصطنعة واخبرني ان امكث الى جواره والا أتركه وحده وانه سينتظر حتى يجري بعد الفحوصات والأشعة والتحاليل ليتأكد من سلامة "بي" ثم سيتحدث معي لاحقا ؛ ألهتني الفرحة بعودة "بي" إلى وعيه عن كل شيء حتى عن عملي وعن غضب جونغ يو مني وعن قلقي عليه ؛ أمضيت اليوم كله إلى  جوار "بي" تحدثنا كثيرا وأخبرني كم أنني جميلة وأن الصور التي ارسلتها إليه كانت تخفي جزءا كبيرا من جمالي ؛ كان وجهه يتلألأ سعادة وحبا ؛ ظل قابضا على يدي وكأنه يخشى أن أضيع منه أو أن يفقدني ؛ وكلما طلبت منه أن يغلق عينيه ويرتاح قليلا كان يرفض أن يغلقهما او يبعدهما عني ؛ حتى تمكن منه التعب والاجهاد واستسلم للنوم ؛ تركته وعدت إلى البيت سعيدة مشرقة ؛ وحين فتحت الباب تفقدت حقائبي أول شيء ووجدها بمكانها فارغة وثيابي بخزانة الملابس كما هي ؛ ثم سمعت صوت "جونغ يو " يسعل من خلف باب الحمام ؛ فغمغمت متسائلة بصوت خافت :
- لماذا يستمر هذا الأحمق في اضاءة مصباح الحمام وهو لايرى .
فرد على سؤالي قائلا :
- حتى تعرفي أنني بالداخل ياحمقاء  ولا تقتحمي عليا الحمام كما تفعلين دائما وتصرخين كمن لدغته حية وتركضين كالمجانين كل مرة .
وبعد نصف دقيقة خرج؛ وقبل أن أنطق بكلمة سألني عن الطعام  وكأن شيئا لم يحدث بالامس فقلت له :
- سأجهزه حالا
فقال : بسرعة فأنا جائع
وبسرعة جهزت له وجبة راميون سريعة أثناء ذلك حكيت له عن "بي" واخبرته أنه افاق من غيبوبته .
لم يعقب سوى بجملة واحدة وهي تهانينا للسيد "بي" ثم طلب مني ألا اتحدث الليلة وأن أتركه لينام دون أسئلة ؛ لم انتظر لأجيب طلبه فقط سقطت في نوم عميق بعد أن قضيت الليلة الماضية مستيقظة انتظر عودته وقضيت النهار الى جوار "بي" بالمستشفى فلم  أمتلك رفاهية الرفض أو القبول لأنني سبقته واغمضت عيني .
في اليوم التالي استيقظت وكان جونغ يو قد غادر الى عمله فأسرعت أنا أيضا إلى عملي وبعد العمل ذهبت الى المستشفى وقضيت ساعة مع "بي" الذي اخبرني انه اشتاق إلي رؤيتي وطلب مني ان اظل معه حتى يغفو ؛ غفى وهو ممسكا بيدي بقوة كما فعل بالأمس ؛ سحبت يدي من بين يديه فقبض عليها بقوة وقربها من فمه وقبلها ثم  أغمض عينيه  وتركها ؛ وعلى باب المستشفى تلقيت اتصالا هاتفيا من زميلتي بالعمل تطلب مني أن أحل محلها الليلة لأن أمها مريضة وإن لم أذهب بدلا منها سيطردها المدير  كان عليا أن أصل خلال عشر دقائق لأستلم طلبا وأقوم بتوصيله إلى سيدة تسكن بالجوار ؛ أخذت الطلب وذهبت إلى العنوان في الموعد  ؛ فتحت لي الباب بابتسامة ساحرة شابة فاتنة وقبل أن يتاح لي الكلام تأخذ الطعام من يدي وتستدير  لتحضر لي المال لأسمع من خلفها صوتا أعرفه جيدا يسألها بمحبة :
-هل  وصل  الطعام ياحبيبتي .
ومن مكاني أمام الباب رأيته بالداخل  مستلقيا فوق أريكة  وهو عاري تقريبا ولا يرتدي الا سراولا قصيرا ؛ تنحني على خده الفتاة وتقبله ؛ رجفة أصابت جسدي ؛ شعرت كأن صدري قد فرغ ؛ كان شعورا كئيبا وحزينا ؛ شعرت بالفراغ يملأ نفسي وبنفس الألم على أطراف أسناني من شدة ضغطي عليها محاولة التمسك وعدم البكاء ؛ خرج هو ليعطيني المال تلاقت عيني بعينيه دون أن يشعر بالخراب الذي أحدثه بداخلي ؛ عيناي تحاول تلافي عينيه وهو يسألني كم تريدين ؛ أخبرته بالثمن   والدمع يحتبس في عيني ؛ دخل ليحضر المال ؛ تتساقط دموعي وأهرب قبل أن يخرج ؛ أصعد اربع درجات وأجلس خائرة القوى ؛ يدير رإسه بحثا عني ليعطيني المال أراقبه من فوق وغنظر إليه من خلال دموعي وهو يهز رعيه دهشة وتعجبا ؛ ثم يدخل ويغلق الباب خلفه لأنفجر في البكاء   لمدة ساعة أجلس مكاني لاأقوى على الوقوف  ؛ ابكي بصمت حتى خرج جيهوب لبجدني على حالتي ويسألني هل أنتي بخير فأتركه خلفي حائرا وأركض عائدة إلى البيت خائرة القوى فارغة النفس يعلم الله أن نفسي الأمارة بالسوء سولت لي الكثير من الأمور السيئة منها أن ألقي بنفسي أمام سيارة مسرعة والوصول إلى الله بأسرع الطرق؛  دفعت بنفسي بحركة حمقاء أمام سيارة مسرعة لأشعر بيد صلبة تسحبني من خصري من الخلف وصوتا مألوفا أعرفه جيدا يصرخ بي غاضبا  قبل أن ألتفت قائلا  :
- ايتها الحمقاء الغبية كنت أتوقع أنك  ستقدمين على فعل أحمق لذا راقبتك .
التفت لأجده .... يتبع 🏃🏃🏃🏃

توأم روحي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن