ثلاث رجال في قلبي فما العمل ؟

186 19 16
                                    


تبعني جيهوب عندما رآني أبكي وتوقع أنني سأقدم على فعل شرير يؤذيني؛ وفي اللحظة المناسبة سحبني من أمام السيارة قبل أنا تصدمني وصرخ بوجهي يوبخني ويلومني فتركته خلفي دون كلمة واحدة كل مااستطعت فعله هو النظر إليه بغضب لم يستطع هو تفسيره ؛ عرض عليا المال فزاد غضبي وركبت دراجتي البخاريه وانطلقت الى المستشفى لأودع "بي" للمرة الأخيرة قبل أنا أعود إلى مصر بعدما تحطم حلمي على يد جيهوب؛ وحين وصلت إلى المستشفى قابلت الطبيب بالخارج كان يتأهب لمغادرة المستشفى بعد أن أنهى دوامه ألقيت عليه التحية وقبل أن أسأل عن حالة " بي " بادرني قائلا :
- لقد انتظرتك طوال اليوم فلدي شيئاً مهماً لأخبرك به .
سألته :
- ماهو ؛ هل "بي" بخير
- للأسف لقد تسببت غيبوبته الطويلة في بعض المشاكل الصحية الخطيرة فقد أصيب بفشل كبدي ولابد أن يجري جراحة في أسرع وقت ممكن ؛ لكن لدينا مشكلة في المتبرع وعلينا أن ننتظر ولكن اخشى ألا يستطيع جسمه الانتظار؛ لكن يوجد لدينا حل بديل فإذا حصلنا على متبرع مناسب نستطيع اجراء الجراحه بأسرع وقت ؛ لقد أخبرته شقيقه بذلك وخضع للفحوصات لكن نتائج الفحص أكدت أنه غير مناسب ولا يستطيع التبرع وعلينا أن ننتظر المتبرع .
تجمدت بمكاني دون أن أنطق بكلمة ؛ ولا أدري كم مر عليا من الوقت وانا على وضعي هذا ؛ كل ماأذكره نظرات "بي" الفرحة السعيدة حين دخلت إليه ثم تمثيله الرديء أنه غاضب مني لأنني تأخرت عليه وسوف يعاقبني بعدم الكلام معي لمدة خمس دقائق و تكاد لا تمر دقيقة حتى يعود للكلام معي ويخبرني أنه اشتاق إلى رؤيتي وسماع صوتي؛ لم استطع اخباره انني قررت العودة إلى مصر قضيت معه بعض الوقت وعاهدته أن أزوره غدا وأن أخرج معه في موعد لأنه يعاني الملل ثم غادرت إلى المنزل.
.....................
كنت أشعر طوال الليلة أن شخصا ما يراقبني وكلما إلتفت لا أجد أحداً إلا الفراغ والليل و الوحشة؛ وصلت إلى البيت خائرة القوى فالحزن كان مكثف في تلك الليلة و صامت وبارد وثقيل ؛ كان جونغ يو يغط في نوم عميق كنت أريد إيقاظه ولكنني تراجعت فعندما اقتربت منه بدا على وجهه علامات التعب والارهاق فتركته لنومه؛ وهناك في عمق العتمة جلست أبكي وحدي في الليل؛ سمعني جونغ يو أبكي فاقترب مني في صمت ووضع يده فوق يدي ولم يتكلم فانحنيت على كتفه وانفجرت في نوبة بكاء مرير؛ تحسس شعري بيده فأيقظ بداخلي صورة أمي وهي تهدهدني عندما أحزن أو أغضب وأثور ؛ لم اكن أتخيل أن أعيش دون أمي كل هذا الوقت ؛ دون أن أشعر بقربها وقلقها علي حين اغيب من حولها؛ ستة أشهر مرت لربما جعلتني الحياة هنا أبتعد قليلا عن شعوري بالشوق لها لربما تخدرني سرعة الحياة قليلا عن الشعور بالألم ولكن تهب بين الفينة والاخرى ذكريات لا يمكن مقاومتها الا بالدموع .
تركني جونغ يو أبكي ولم يقاطعني وبعدما أفرغت ما بعيني من دموع ومابقلبي من حزن سألني :
تودين الخروج في نزهة معي ؟
أجبت في دهشة :
- نزهة الآن ومعك ؟
فقال مبتسماً :
- نعم الآن.. معي؛ ولكن لا تحلمي أن يكون ذلك موعدا فأنا لا أواعد القصيرات الحمقاوات .
تساءلت بصوت هامس
- كيف عرف هذا اللئيم أنني قصيرة ؟
فأجاب : من المستوى الذي يصلني منه صوتك ياقصيره
فقلت غاضبة :
- لست قصيرة أنتم الطويلون
ضحك جونغ يو واصطحبني للخارج في نزهة ليلية ؛ وفي الشارع قلت له:
- اعطني يدك كي لاتتعثر .
فأجابني مازحا : هل نتبادل الأدوار تصيرين الضرير وأصير دليلك
أعجبتني الفكرة ورأيت فيها بعض المتعه ولكنه اشترط شرطين الأول أن أضع عصابة سوداء فوق عيني والثاني ألا أكذب طوال النزهة فوافقت وتركته يرشدني وكأنني الضرير وهو المبصر ومشيت معه وأنا أرى بعين قلبه؛ سألته أين سنذهب فأخبرني سنذهب إلى السينما لنشاهد فيلماً ؛ فقد قرأت على النت اليوم انهم سيعرضون فيلم "النذر "
- مهلا لحظة لقد قلت قرأت ؛ كيف قرأت أحيانا أشعر أنك تكذب وتمثل العمى !
ابتسم قائلا :
نعم قرأت ايتها البلهاء اقرأ كأي ضرير ؛ فلدي برنامج ناطق على الهاتف المس باصبعي فيقرأ لي البرنامج أما عن الصور فالبرنامج يصفها لي أيضا
ابتسمت ابتسامة تعجب وسخرية فقال :
- لماذا تبتسمي ؟
فقلت بدهشة :
- هل أنت متأكد أنك لا ترى؟ ثم تذكرت شيئا فصرخت فجأة وقلت: أيها المنحرف إن كنت ترى حقا أخبرني فأنا أنام بملابس لا يجب أن تراها واحيانا اخرج بعد الاستحمام وأنا أضع بشكير فقط .
علت ضحكاته وقال : حمقاء ؛ كنت امزح معك فأنا حقا لا أرى
سألته بسذاجة : هل ولدت أعمى أم فقدت بصرك بعد الولادة؟
أحسست أنني جرحت شعوره فتهربت من الموقف بأن أبديت حماسي للنزهة وطلبت منه البدء في نزهتنا؛ فوضع عصابة سوداء على عيني وأمسك بيدي كانت يده ناعمة دافئة كحكاية ليل شتوي ؛ سرت إلى جواره بعد أن طلب من أن أتابع تحركات قدميه وأفعل مثله تماما وأقلده حتى أنني صرت أقلد سعاله وتنهداته واردد كلماته فقال :
- أيتها المملة ؛ ليس مطلوبا منك أن تفعلي كل ماأفعل . مشيت معه كان ينعطف يميناً ويساراً ويحذرني أن هناك درجات علينا صعدها ويخبرني بعدد الدرجات كأنه يراها؛ حماقات كثيرة ارتكبناها معا تلك الليلة جرينا في الشوارع دون سبب ودون وجهة معينة ضحكنا ضحكات مجنونة اكلنا فطائر محلاة شهية ؛ شاهدنا الفيلم سويا كنت اصف له المشاهد بدقة أما عن الترجمة فقد كان بارعاً في اللغة الإنجليزيه ولم يكن بحاجة لترجمتي كنت فقط أصف له ملامح البطلة والبطل وملابسهم وأماكنهم وبعض الأحداث الصامتة وعند المشاهد الرومانسية كنت أبكي تأثرا فيسمع شهقاتي فيضحك على بكائي ويصفني بالحمقاء وعند مشهد النهاية بكى كلانا كان يحاول اخفاء دموعه لكنه لم ينجح ذلك ؛ كان رائعاً أن أرى ذلك الجانب الرومانسي منه؛ انتهى الفيلم وغادر الجميع عدانا مكثنا في مقاعدنا نبكي بصمت ؛ خرجنا من السينما في طريق عودتنا للبيت كنا نتحدث ثم يعقب الحديث فترات صمت تخللها بصوته ذو البحة اللطيفة قائلاً :
- أيعقل فيلما رومانسيا يبدأ و ينتهي دون أن يتخلله مشاهدا حميمية أو حتى قبلة واحدة أم أن احداهن خجولة ولم تصف لي تلك المشاهد
قلت في عصبية وأنا أشد على ذراعه بقسوة كي لا أظهر خجلي :
-أيها المنحرف
فضحك ضحكة عالية عقبها صمت جديد قطعه فجأة قائلاً :
- كنت في الحادية عشر من عمري حين تذوقت بعض حبات التين وحين انتهيت منها مسحت عينيا بيدي فأصابهما الرمد؛ لم تبادر أمي بعلاجي لأنها كانت مشغولة ولم تلاحظ فاستفحل الرمد بعيني فأخبرني أخي متطوعا انه رأي لدي أمي قطرة للعيون؛ فأعطاني قارورة اليود ودون أن أنتبه سكب بضع قطرات في عيناي فاشتغلت وانطفأت .
ثم أردف قائلا : احذري هناك حفرة أمامك .
فقلت له والفضول يقتلني وهل كان يعرف ان القارورة بها يود هل فعل ذلك متعمدا ؟ ثم أكملت السؤال وقلت : وماذا بعد ؟
فأجابني بحزم وجدية لايوجد بعد لقد وصلنا .
عدنا الى البيت وكلانا سعيد ودخلنا في نوم عميق .
...................

في اليوم التالي وبعد يوم عمل مرهق ذهبت إلى المستشفى فقد وعدت " بي" أن آخذه في نزهة قصيرة ليغير جو المستشفى .
وفي الغرفة ٨ من طابق المستشفى الأخير كان "بي" يرقد على فراش النهاية ينبض وجهه بصفرة الموت ؛ ثمة صياح مرعب ينفجر في غرفته وأطياف بيضاء تتراكض في الرواق وممرضة تصيح دكتور دكتور ؛ وقفت أراقب في رعب من خلف الزجاج استرق النظرات المضطربة من خلال ثغرات الاكتاف المحيطة بسريره وأراقب بفزع جهاز الأكسجين ؛ مرت اللحظات الحرجة كأنها دهر وسمح لي الطبيب اخيرا أن أدخل الغرفة لأراه ؛ وقفت أمام سريره محاولة تشجيعه ومنحه لحظات استثنائية ؛ اقتربت منه وأنا أقبض على كفه وهمست في أذنه :
- أنا أيضا أحبك "بي" وأوافق على مواعدتك عليك أن تقاوم وتشفى فأمامنا الكثير لنفعله ارجوك لا تتركني
انسلت يده بهدوء وقبضت على يدي بحنان بينما انسابت من عينيه الدموع ؛ لم امكث معه كثيرا فقد كانت حالته لاتسمح بالبقاء اكثر من دقائق سمح بها الطبيب بعد توسل ورجاء ؛ ودعته على وعد ان ازوره في في الغد وذهبت إلى الطبيب وأخبرته بقراري الذي ادخل السرور على قلبه فبدا ذلك على ملامحه وطلب من الحضور في الغد لأجري الفحوصات الطبية والتحاليل اللازمة لمعرفة مدى ملائمتي للتبرع ؛ وبقى أن أخبر " جونغ يو " بقراري فكانت المفاجأة .
يتبع 🏃🏃🏃

توأم روحي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن