توأم روحي

135 16 25
                                    

ذهبت إلى المستشفى لاجراء فحوصاتي الأخيرة قبل إجراء عملية نقل الكبد المقررة ولم أنسى المرور على غرفة "بي" وتفقده ؛ كان غاضبًا مني لأنني لم أذهب لزيارته لمدة أسبوع؛لكنني نجحت في إرضائه بسهولة فهو من ذلك النوع الذي يمتلك قلبًا حنونًا رقيقًا يسهل إرضائه ؛ وكنت قد غبت عنه هذا الاسبوع الذي قضيته كله بالبيت لا أخرج حتى للعمل ؛ فقد شعرت أنني يجب أن أقضي الوقت مع جونغيو فقد كان غريبًا حقًا بالفترة الأخيرة؛ كان يبدو كمريض فصام ؛ أحيانًا يبدو لطيفًا حنونًا دافئًا ؛ وأحيانًا يبدو باردًا لايبالي ؛ يضحك لي بسخاء ويعاملني كطفلته المدللة ويأخذني للتنزه ويشتري لي الطعام وفي بعض الأيام كان يقوم هو بالطبخ من أجلي؛ ثم يتحول إلى شخص غاضب صامت لا يتحدث معي ولا يمنحني ابتساماته ولا يضحك على نكاتي السخيفة كعادته ؛ ينسى تفاصيل كثيرة عشناها سويًا وحين أذكره بها يتوتر ويتحجج بانشغال عقله بالتفكير في شؤون العمل.

خلال تلك المدة التي قضيتها بكوريا لم أنسى صديقتي التي كانت سببًا أساسيًا في سفري إلى كوريا فقد كانت هي من عرفتني على "بي" ورسمت لي الخطة للإيقاع به مما ساعدني في جعله يحبني فلو لم تساعدني هي لما تجرأت على خوض تلك المغامرة الخطيرة؛ ولا أدري هل أنا ممتنة لها أم ساخطة عليها ؛ هل كانت سبب تعاستي أم سبب شقائي؛ أرسلت إليها وأخبرتها بنا عزمت عليه وأخبرتها أنني سأخضع لجراحة نقل فص الكبد الأيسر ل "بي"
صرخت صديقتي على الهاتف صرخة أرعبتني وقالت بفزع :

- هل فقدتي عقلك؛ أيتها المجنونة أنسيتي تاريخك المرضي مع التخدير؛ نسيتي ذلك اليوم الذي كان مقررًا فيه إجراء جراحة استئصال الزائدة الدودية لكِ وحين قام طبيب التخدير بحقنك انخفض ضغط الدم وأُصبتي بتقلص في الشعب الهوائية وانخفاض ضغط الاكسحين الشرياني وقرر الطبيب فورا التوقف عن استخدام المخدر وزيادة نسبة الاكسحين وتم حقنك بالادرينالين ؛ لقد فقدتي الوعي وتم حجزك في الرعاية المركزة لمدة اسبوعين ؛ أنسيتي كل ذلك ؟! نسيتي نصيحة الطبيب وتوصياته المستمرة اذا اضطررتي للخضوع لأي جراحة بالمستقبل أن تخبري طبيب التخدير بتاريخك المرضي مع حساسية التخدير حتى يكون متوقعًا لأي مضاعفات اثناء الجراحة وقادرًا على التعامل معها ومنعها ؛ هل فكرتي في ذلك ؛ هل فكرتي بحياتك وحياة من يحبونك أيتها الحمقاء الغبية ؟!
ثم أكملت وسط شهقات بكائها وقالت :
- انهي كل ذلك فورًا وعودي إلى مصر إنهيه فورًا اتوسل إليكِ .
انقطع الاتصال فجأة بينما ظل صوت صرخاتها وتوسلاتها أن أوقف كل شيء وأنهي الأمر وأعود لمصر وكأن شيئًا لم يكن؛ لكن كيف أنهي كل شيء بتلك السهولة ! كيف أخذل "بي" وأنا سبب كل مايعانيه فلو لم أجعله يتعلق بي ويحبني ويذهب متلهفًا إلى المطار لاستقبالي ويتعرض لحادث ؛كل ذلك كان خطأي من البداية ولابد أن أصلح ذلك الخطأ وإن كان الثمن حياتي ؛ لكن مهلاً الأمر أبسط من ذلك بكثير لن يصيبني مكروه وستمر كما مرت من قبل فالأطباء هنا ماهرون ولن يدخروا أي جهد في انقاذ حياتي وحياة "بي" سأتوقف عن التفكير ولن أفترض السيء حتى أنني لن أخبر الطبيب بتاريخي المرضي مع حساسية التخدير حتى لا يعيد التفكير في إجراء الجراحة ؛ سوف يمر كل شيء .
سحبني صوت جونغ يو من أفكاري وهو يهتف باسمي :
- آنستازيا .. هل أنتِ بخير !
- هاه ... نعم بخير ؛ أجبته ثم اكملت قائلة :
- كُف عن نطق اسمي بتلك اللهجة الدافئة؛ وكُف عن التحديق بوجهي كما لو أنك تراني؛ لا تجعلني أشك أنك تخدعني طوال تلك الفترة وتوهمنى أنك فاقد البصر وأنت في الحقيقة ترى ولن تكلفني إحدى عيناى .
ابتسم ابتسامة مرة وقال بحسم :
- بمناسبة عينك أنا لا أوافق على إجراء تلك العملية ؛ لن أتحمل تلك المسؤولية وحدي ولن أتحمل فكرة أن أخسر جونغيو مرة أخرى إذا اكتشف أنني كذبت بشأن المتبرع وأنك أنتِ المتبرع لن أخسر أخي لن أسمح بذلك .
اندفعت الكلمات من فمه على نحو لا ارادي وبدا في عينيه ارتباك عظيم كأنه كان نائم وأوقظ فجأة من منامه ؛
تهاوت كل الكلمات وتساقطت من أذني؛ كلمة واحدة فقط ظلت تتردد في أذني بصدى منظم ومكرر بطيء تارة وسريع تارة أخرى ؛ "أخي ...أخي جونغ يو"

توأم روحي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن