هدية القدر

182 19 2
                                    

كان رد فعل "جونغ يو" غريباً حين أسقط الطبق من يده وتساءل في غضب قائلاً :
- جيهوب ؟  ثم أكمل قائلاً يالك من فتاة لعوب كيف تواعدين رجلين ؛ لقد قلتي أنك صديقة "بي" من هذا الجيهوب اذن وكيف ستتزوجيه وأنتي تواعدين "بي" هل أنتي منحرفة ؟
حاولت الخروج من هذا المأزق الذي وضعت نفسي به فقلت :
- انا امزح معك واحاول إغاظتك
- لا أصدقك ؛ وإن لم تعترفي حالا  بكل شيء أقسم سوف أطردك ولن ألتفت لتوسلاتك مهما فعلتي
لم أجد  مخرجا  من هذا المأزق إلا بالإعتراف بكل شيء مهما كانت العواقب ففي الحالتين سيقوم بطردي ؛ جلست أمامه واعترفت بكل شيء مشاعري المجنونة التي ساقتني أمامها كالبعير ؛ نصيحة صديقتي بالتحايل  على "بي" واستغلاله ؛ هروبي من منزل أسرتي طمعا في لقاء حبيبي المغني العالمي المشهور  الذي لايعرف حتى أنني موجودة بالحياة ؛ وكما توقعت حمل "جونغ يو" أمتعتي وفتح الباب وقام بطردي؛ كان الإنهاك والتعب قد بلغ مني مبلغا كبيراً تلك المرة بعدما وأعياني السهر والبرد والذكريات المؤلمة؛ وقبل أن اتوسل إليه وأرجوه أن يتركني بمنزله حتى أتدبر أموري؛  فقدت وعيي تلك المرة فقد كنت أعاني من  ارتفاع في درجة الحرارة بعدما قضيت نصف الليل أهيم بالشوارع وكان جسدي يرتعد ؛ ويبدو أنه لم يصدق وظن أنني أقوم بالتمثيل لكسب تعاطفه فأخذ ينهرني ويعنفني ويتهمني مرددا في إصرار :
- لن أصدق كذباتك بعد الآن أيتها المحتالة انهضي لا داعي للتمثيل فلن أصفح عنك وأغفر لك فأنتي فتاة سيئة وتستحقين العقاب هيا انهضي واتركي بيتي حالا أيتها اللعوب .
لم استطع النهوض ولا حتى الرد على اتهاماته والتوسل اليه فقد كان جسدي يرتعد من الحمى وكان صوتي هارباً مني ؛ ويبدو أن صمتي أثار غضبه فشرع في التلويح بيده شمالا ويمينا بحثا عن مكاني ليلقي بي خارج البيت كنت تحت قدميه فحين خطى أول خطوة تعثر بي فجلس على الارض ليسحبني خارجا فصادفت يده وجهي فتحول قائلا :
- أيتها الغبية إن حرارتك مرتفعة جداً ماذا سأفعل الآن هل أتركك تموتين ليكون ذلك عقابك ؟
حملني بيدين مرتعشتين ووضعني فوق السرير وأحضر إناءا  به ماء وفوطة بيضاء يغمسها بالماء ويعصرها ويضعها فوق جبيني؛ كانت قطرات الماء تتساقط من الفوطه فوق وجهي فأبعدت يده عني فقام بوضع كلتا يديه في الثلج حتى كادتا تتجمد ثم جففها بالفوطه ثم وضع كفيه على وجهي ؛ فعل ذلك مرات عديدة حتى كاد كفه أن يتجمد وبدأت الحرارة في النزول تدريجياً ؛ كنت أبتسم وأنا أرى علامات القلق والخوف على وجهه فأشعر بالأمان؛ لقد كان طيبا معي وحنونا وهو يهتم بي أثناء مرضي ؛ لقد صرت افضل حالا وتحسنت حالتي الصحية بعد ليلة من سهره وعنايته بي لكنني تظاهرت بالتعب كي لايطردني فكنت أتظاهر بالألم والضعف حتى يستمر في العناية بي وعدم طردي؛ كان كل يوم يصنع لي شوربة شهية دافئة ويطعمني بيديه ويعطيني الدواء بمواعيد ثابتة؛حتى أنه كان يضبط المنبه خوفاً من أن يغفو ويفوت مواعيد الدواء ؛ وفي اليوم الثالث اعتذر مني للذهاب الى عمله فقد كان يمتلك سوبر ماركت كبير ولا بد من متابعة عمله وتفقد العمال ؛ سمحت له بالذهاب بعدما أخبرته أنني صرت بخير وأستطيع تولي أمري فقال لي مازحا :
- إذن اصبحتي بخير ! عليكي المغادرة وترك منزلي أيتها المحتالة لاتظني انني سامحتك.
تصنعت الضعف وقلت بصوت متألم أنا مازلت مريضة ولا استطيع الوقوف على قدمي .
لاح على وجهه شبح ابتسامة ثم قال لي بجدية :
- سأذهب الآن للعمل وحين أعود في المساء سوف نتحدث ولكن عليكي الآن أن تقومي بتنظيف المنزل وغسل الملابس وتحضير الطعام وإن عدت قبل أن تنهي ذلك سوف أطردك
قلت بصوت هامس :
- أيها اللئيم
فقال قبل ان يسحب باب الشقة ويغلقه خلفه  :
- ماذا قلتي ؟
رددت عليه بصوت عال :
- قلت شكرا لك أيها النبيل
فقال وهو يغلق الباب من الخارج :
- محتالة ! ثم أكمل قائلا...  لكن ظريفة .
انقضى اليوم وأنا أحاول أن أنفذ بتفاني ماطلب مني وأنهيه قبل موعده لأذهب للمستشفى وأتفقد "بي" فقد كان ينتابني شعور فظيع بالذنب لمجرد أنني السبب فيما يعانيه الآن فلولاي ماكان الآن مستلقيا على سرير بمستشفى فاقدا الوعي .
شكرا للقدر الذي جعل المستشفى قريبة هكذا من المنزل فأنا لم اعد امتلك مالا لأستقل سيارة أجرة؛ ذهبت إلى "بي"  كان الطبيب يحمل لي خبرا سعيدا تلك المرة فقال لي
- لقد تحسنت حالته نوعا ما ومرت مرحلة الخطر حتى اننا نزعنا عنه جهاز التنفس وصار يتنفس بشكل طبيعي لكنه مازال في غيبوبته ؛ سمح لي الطبيب بالدخول إلى غرفته لأتفقده  لمدة  دقيقة ؛ قضيت الدقيقة ممسكة بيده اذرف الدموع على وجهه وأنا أحتضن كفيه وأعتذر ؛ فقد قال لي الطبيب حدثيه فهو يسمعك وقد يستجيب لك .
لم يستجب "بي" لكنني لم أفقد الأمل وكنت أؤمن أن الله لن يخذلني وسينجيه
- ستنجو "بي" وسيمر كل ذلك ارجوك قاتل من أجل حياتك ومن أجلي .
كانت تلك كلماتي له قبل أن أغادر المستشفى وأعود مسرعة إلى البيت قبل عودة "جونغ يو" ولكن حظي العاثر جعلني أصل بعده بخمس دقائق ؛ فتحت الباب لأجده جالسا على الطاولة يترقب وصولي وحين اغلقت الباب من دخل قال لي :
- كيف حاله ؟
صدمني سؤاله فقد كنت أتوقع أنني سأجد حقائبي بجوار الباب تمهيداً لطردي لكن سؤاله طمأن قلبي وقلت في راحة :
- مازال في غيبوته لكن الطبيب اخبرني أن حالته مستقرة وأنه سيفيق في أي لحظة .
لم يعلق وطلب الطعام ؛ وضعت أمامه الطعام وأنا أدعو الله أن يعجبه فقد كنت سيئة جداً في الطبخ ؛ حتى أن المرة الوحيدة التي قمت فيها بالطبخ بمصر كانت سلق عدد ست بيضات ؛ أخبرتني أمي يومها أن مدة سلق البيضة عشر دقائق فوضعت ست بيضات وقمت بوضع المنبه على ستون دقيقة لكل بيضة منهم عشر دقائق ؛ فاحترق البيض وركض  الجيران إلى منزلنا بعد رؤية الدخان المنبعث من المنزل ظنا منهم أن المنزل يحترق ؛ بعدها لم أجرب الطبخ إلا هذا المساء  حيث قمت بصنع صينية مكرونة بشاميل؛ دخلت على موقع للطبخ وكتبت الوصفة في ورقة وقمت بتنفيذها ؛ وضعت الطبق أمامه وطلبت منه بتفاخر أن يجربه
- جرب إنه شهي ولذيذ و يفوق وصفات "الشيف شربيني" جمالا
فقال وهو يغرس الشوكة في قطعة المكرونة :
- من هذا الشربيني ؟
- هذا الشربيني ! اتسخر من أعظم طهاة الكون ؛ هذا الشربيني هو أعظم شيف في العالم ؛ تنتظره كل الأمهات المصريات بشغف ويتابعون حلقاته التلفزيونية ويسجلوا ورائه كل الوصفات التي يقوم بصنعها وفي النهاية تصنع لنا امهاتنا فاصوليا بيضاء بالصلصة مع أرز بالشعرية
- وماذا عن الوصفات التي تابعوها ؟
- تكتبها أمهاتنا  في دفتر الوصفات؛ لاعليك هيا تذوق .
وبعد أن وضع  أول قطعة في فمه بصقها في المنديل قائلاً:
- ماهذا الهراء هل وضعتي لي طعاماً من القمامة ؛ هل قلتي لي ان هذا الشربيني هو اعظم الطهاة ؟
وقبل أن أجيبه اخذت قطعة مكرونة وتذوقتها قبل أن أركض الى الحمام وأبصقها لقد كانت سيئة للغاية ولكن كيف ذلك لقد نفذت كل التعليمات بحذافيرها ولم انسى أي شيء !
امسكت بالورقة أراجع المكونات ملعقتين كبيرتين من السمن  ثلاثة ملاعق طحينة ؛ نصف كيلو لبن؛ فلفل؛ ملح؛  وتخلط المكونات  وتقلب  على النار حتى تتماسك ؛ لكن لم تتماسك المكونات فيبدو ان الطحينة فاسدة !
رد جونغ يو باستياء :
طحين أيتها الغبية ؛ طحين وليس طحينة ثم أكمل قائلا في حزم وجدية:
-  يبدو انك غير مفيدة في أي شيء ؛ غدا سوف تذهبين معي للعمل .
- أي عمل ؟!
- ستعملين في السوبر ماركت الذي أملكه  فلست مضطراً للتكفل بمصاريف إقامتك وطعامك بجب ان تقومي بشيء ياعديمة الفائدة؛ من الغد سوف تذهبين للعمل مع زميل لك سيأخذك على دراجته البخارية كل يوم في السابعة صباحاً وسوف يعيدك في الثالثة مساءاً
وفي الصباح كان ينتظرني زميلي اسفل المنزل ؛ قمت بتحيته وتقديم نفسي وركبت خلفه على دراجته البخارية وفي الطريق ؛ كان يجلس في سيارته على مفترق طرق قرب اشارة ضوئية مغمضا عينيه تاركاً رأسه يرتاح على الزجاج كنت اقف بجوار سيارته بالدراجة البخاري   في طريقي للعمل كاد قلبي ينفلت من بين اضلعي ويطير إليه نزلت عن الدراجة   ونقرت زجاج السيارة ؛ فتح لي الزجاج فضولا؛ ابتسم لي بينما وقفت كالخرساء أحدق  في ملامحه؛ وفي اللحظة التي لملمت فيها شتات نفسي وقررت انا أتكلم فتحت الإشارة وتحركت سيارته ودعني بابتسامة وتلويحة يد  بينما وقفت مكاني العن صمتي؛ وتحت لعنات وزوامير السيارات عدت إلى زميلي الذي ينتظرني على الدراجة؛  اسرعنا  خارج الاشارة الضوئية بينما اختفت سيارة جيهوب وسط الزحام ؛ وأنا أتوسل زميلي أن يلحق السيارة ....
يتبع 🏃🏃🏃🏃

توأم روحي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن