يبدو أن قدرنا أن نحب

130 21 34
                                    

أشار جونغ يو إلى جيهوب ليبدأ الحكاية قائلاً:
-في الليلة التي طرقتِ فيها باب شقتي لتوصيل البيتزا وخرجت لأعطيكِ ثمن الطعام رأيت في عينيكِ نظرة أسى وحزن وعتاب لم استطع تفسيرها؛ دموع حبيسة تلمع في عينيك وصوت مختنق يجاهد حتى يخرج؛ كل ذلك جعلني أشعر أنه يجب عليّ مواساتك رغم أنني لم أكن أفهم وقتها سبب نظرات العتاب التي وجهتِها إليّ ؛ قررت أن أضاعف لكِ المال ظنًا مني أن ذلك سوف يساعدك ؛وحين عدت لأعطيكِ المال كنتِ قد غادرتِ المكان تاركة ورائكِ النقود وعشرات الأسئلة التي تدور بعقلي وذلك الأسى المر في حلقي لأنني شعرت أنني سبب تعاستك بشكل ما ؛ في تلك الليلة وعندما رأيتك تحاولين قتل نفسك برميها أمام سيارة مسرعة وحين أنقذتك توقعت منك كلمة شكر وامتنان ؛ لكنك رمقتني بتلك النظرة القاتلة التي تمتليء بالعتاب والدموع؛ ساقني فضولي لمراقبتك علّك تُقدمين على ذلك العمل الأحمق مرة أخرى ؛ تبعتك حيث تسكنين وحين اطمأن بالي عدت إلى بيتي تهاجمني عشرات الأسئلة حولك حتى غفوت؛ ولا أدري مالذي دفعني إلى الذهاب إلى منزلك في صباح اليوم التالي ؛ وقفت بسيارتي أراقب البيت وأنتظر خروجك ؛ فكانت الصاعقة رأيتك تتأبطين زراع أخي جونغ يو وتقوديه لتكشفي له الطريق؛ كنت أقف مذهولًا مصعوقًا فقد رأيت توأمي الذي أنفقت سنوات عمري في البحث عنه بعدما هرب من البيت غاضبًا ساخطًا على الجميع؛ تسمرت في مكان لوقت طول؛ لا أشعر بما حولي ومن حولي كل ماشعرت به دموعي الحارقة التي انسابت من عيني تلهب وجنتاي وتعتصر قلبي؛ انتظرت بسيارتي ولا أدري كم من الوقت انتظرت؛ كان المساء قد حل وحل معه قدوم أخي مشيت ورائه بهدوء حتى لايشعر بي.

قاطعه جونغ يو قائلًا بابتسامة حزينة :
- شعرت بك أيها الأحمق ؛ استطعت أنا أميز رائحتك وصوت انفاسك وترقبك وقلقك وشوقك ميزت حضورك بقلبي؛ فقد كنت احتفظ بذلك الرابط العجيب الذي يجعلنا نشعر بعضنا رغم البعد؛ كنت أكره ذلك الشعور حينما ينقبض قلبي ويصيبني الاختناق دون سبب فأدرك أنك تتألم؛ وحين استمع الى صوتك تغني أو تضحك يهتز قلبي الأحمق بالضحكات ويرقص فرحًا؛ كنت أشعر  بنبضات قلبك وانت خلفي تتبعني بصمت .  
ابتسم جيهوب ابتسامة رضى ونصر وأكمل سرد ماحدث تلك الليلة قائلًا :
- مشيت خلفه حتى باب الشقة ؛ كان يمشي بخفة وثقة وكأنه  يرى كل التفاصيل حوله؛ تعثرت وأنا المبصر بإحدى الدرجات وأنا أتبعه ؛ توقف فجأة وتسائل هل هناك أحد ما ! وضعت يدي على فمي أكتم أنفاسي ؛ واصل المشي ثم وضع يده في جيبه وأخرج المفتاح ؛ وفجأة سقط من يده ؛ وجلس على ركبتيه يوهو يتحسس الأرض بحثًا عن المفتاح ؛ لم أكن أعرف أنه بهذا الدهاء حيث اسقط المفتاح عمدًا ليكشف وجودي ؛ تسحبت ببطء لأساعده؛ جلست أمامه ودفعت المفتاح نحو يده ليقبض على كفي متسائلًا :
"من أنت !  ان لم تجيب سوف اسلمك للشرطه أيها اللص "
بصوت مرتجف لم يجد صعوبة في تميزه نطقت :
أنا ... أنا .... أنا لست لص
قال : جونغ هوسوك ! أنت جونغ هوسوك !
ثم قذف بيدي بعيدًا عنه وانتفض واقفا وادار مفتاح الباب ودخل؛ لم يغلق الباب خلفه فأدركت أنه لا يرفض وجودي فدخلت .
تحدثنا كثيرًا تلك الليلة ؛ حاولت أن أستعيد أخي وأفسر له أشياء كثيرة حدثت في الماضي جعلته غاضبًا مني وأمي فترك البيت هاربًا في منتصف الليل دون الالتفات ورائه ودون  التفكير بالألم الذي خلفه في قلوبنا .
لم ينتبه جيهوب أن كلماته كانت بمثابة  مطارق يدق بها أعصابي ومناشير يجز بها عنق قلبي ؛ فقد أعاد لي ذكرى مافعلته بأمي وأبي وأخوتي حين قررت بأنانية وجحود الهرب من المنزل دون الالتفات لما تركته في قلوبهم من حطام .
وكعادته شعر جونغيو بحزني في تلك اللحظة وعرف أن كلام جيهوب أعاد إلى نفسي تلك الذكريات فقبض على كفي بحنان وكأنه يواسيني بلمسته.
أكمل جيهوب حديثه ونظراته معلقة بكف أخيه وهو يقبض على كفي بحنان ثم نظر في عمق عيني قائلًا :
-  هذا بالضبط مافعله أخي جونغيو؛ فقد تغاضى عن كل كلامي تلك الليلة ليستحضرك إلى الحديث ويقاطعني قائلًا :
- أنا موافق أن أعود معك واستمع لكل اسباب أمي التي تركتني في الماضي واختارتك وقدمت سعادتها وسعادتك على سعادتي وحياتي لكن بشرط واحد إن لم تنفذه فاخرج الآن ولا تظهر بحياتي مرة أخرى لا أنت ولا أمك .

قلت :
- حسنًا ؛ أنا اوافق على كل شروطك مهما كانت مستحيلة .
فتسائل جونغيو مؤكدًا  : 
- مهما كانت !
فقلت؛ مهما كانت .
فقال : ستعيش في هذا المنزل لمدة ثلاثة أشهر كاملة بشخصيتي واسمي وسأعيش انا تلك المدة مع أمك.

وقبل أن أسأله قص عليّ قصتك كاملة؛ وما حدث لك منذ هروبك من بيت اهلك بمصر حتى اللحظة التي اتفقنا بها على تبديل شخصياتنا .
وافقت دون تفكير لسببين الأول والأهم كان استعادة أخي بأي وسيلة والثاني هو فضولي لمعرفتك؛ ومعرفة السبب الذي قد يدفع فتاة مثلك إلى المراهنة بحياتها كلها والمغامرة بمستقبلها فقط لتقابل رجلًا  لا يعرف حتى  عن وجودها   بالحياة لتصارحه بحبها .
تأثرت بكلمات جيهوب ونظراته المُحبة  نحوي ؛ لكن ليس بقدر ما تأثرت بمشاعر جونغ يو التي انسابت من عينيه على شكل دموع جاهدت كثيرًا كي لاتسقط أمامي والتي زحفت اصابعه بصمت لتخفيها عني؛ لم يكن عليّ أن أنتظر أطول من ذلك كي أدرك  حجم الحب الذي يدفنه هناك في عتمة داخله؛ لكنني ومع ذلك همست بصوت مبحوح وكأنه ليس صوتي متسائلة :
- جونغ يو ؛ مالذي جعلك تفعل ذلك من أجلي !
لم يمنحه جيه ب فرصة للرد حيث قال :
- إنه الشيء ذاته الذي جعلك تُهملين دراستك لتتعلمي لغة الرجل الذي أحببتِه ؛ والذي جعلك تنفقين سنوات عمرك في تتبع أخباره وحفظ صوره وصوته وتفاصيله؛ السبب الذي دفعك للهروب من بيتك وبلدك وتُراهني بكل عزيز وغالٍ من أجل رؤيته ؛والذي جعل قلبك يتمزق من الألم حين رؤيته مع امرأة غيرك ؛ هو السبب ذاته  الذي جعل "بي" يترك جميلات بلده ويلهث ورائك لأشهر طوال ويَحيك الخطط ليلفت انتباهك إليه؛ السبب الذي جعله ينتظر قدومك بلهفة وشوق جعله ينسى قوانين المرور والسرعة والقيادة ويقود بأقصى سرعة ليصل إلى المطار ويراكِ؛ جعله ينسى غضبه وحقده على والديه ويسامح ويغفر فقط لأنك طلبتِ منه ذلك ؛ وهو ذاته السبب الذي جعل جونغ يو يتخلى عن قسوته وصلابة قلبه في المرة الأولى التي وقفتِ فيها أمام بابه تطلبين ملجأ من البرد والظلام؛ السبب ذاته الذي جعله يبتسم بعد سنوات حزن وألم ومعاناة السبب الذي جعله يتنازل عن كبريائه أمام عينيكِ ويبكي ؛ كبريائه الذي جعله يهجر أمه وأخاه الوحيد تضائل  أمامك؛ السبب الذي جعله ينسى الأشياء التي ظلت توجعه لسنوات وينسى حقده علينا فقط ليساعدك في تحقيق حلمك بلقائي والتقرب مني  حتى وان كان هذا الحلم سيؤلم قلبه؛ هو أيضًا نفس السبب الذي جعلني أتمنى بعدما أمضيت معك بعض الوقت   لو أننا التقينا قبل كل ذلك الألم ؛ السبب الذي يجعلني خائف مما يحدث ؛ خائف أن أتبع قلبي فيتألم قلب أخي ؛ وهو أيضًا السبب نفسه الذي جعل فتاة لم تقطف بعد الثامنة عشر  من عمرها تعمل بدوام جزئي في أكثر من وظيفة لتدخر المال فقط لتساهم في تكاليف جراحة لشخص غريب وتفكر في التبرع بقطعة من جسدها  لشخص لايربطها به علاقة دم أو قرابة .
قطع جيهوب كلامه ليلتقط انفاسه ثم يكمل وهو يمسك بيدي الأخرى  قائلًا :
- إنه الحب ياعزيزتي ؛ الحب يساعدنا في معرفة الطريق والتغلب على صعوبات الرحلة .

توأم روحي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن