اعتراف

116 17 6
                                    

- غدًا صباحًا سأدخل إلى المستشفى لاجراء فحوصاتي الأخيرة قبل العملية وبعد غد سأجري العملية .
تلك الجملة التي ألقيتها على اسماع جيهوب وجونغ يو والتي لم تكن متوقعة بالرغم من معرفتهم السابقة بعزمي على اجراء تلك العملية لكن التوقيت كان بمثابة مفاجئة لكليهما .
صرخ جيهوب بوجهي معترضًا وأخبرني أنه سيعترض هذا الأمر ولن يتركني ألقي بنفسي في أحضان الموت بتلك السهولة ؛ أخبرني أنه سيمنحني فرصة لنكون معًا فقط إن تراجعت عن قرار خضوعي لتلك العملية ؛ كان يأخذ بخناقي ويهزني هزًا عنيفاً بينما كانت نظراتي معلقة على جونغ يو الذي يجلس هناك يمضغه الصمت ولا يبدو عليه أي تأثر حتى أنه قام وتوجه نحو الثلاجة وأخرج بعض الفاكهة وقام بغسلها وتقطيعها وجلس يأكل وكأنه في عالم منفصل لا يسمعنا ولا يشعر بوجودنا ؛ اقترب منه جيهوب وطلب منه التدخل :
- ماالذي أصابك أخي لماذا لا تشاركنا الأمر ؟ لماذا لاتعترض وكأنك تؤيد قرارها ! فقط تخلى عن غرورك لمرة واحدة وكف عن تعذيب نفسك وأخبرها أنك تحبها ....
- جيهوب
صرخ جونغ يو باسم جيهوب صرخة مرعبة في ليوقفه عن الكلام وفضح مشاعره امامي ؛ لم ينطق جونغ يو بكلمة بعدما صرخ بوجه جيهوب لبسكت ؛ ثم نهض من مقعده فجأة واتجه نحو الباب وخرج ؛ هم جيهوب بالخروج واللحاق به فأمسكت بذراعه وطلبت منه أن يهدأ ويتركني أتعامل معه ؛ وكما توقعت صعد جونغ يو لغرفته السرية ؛ وجدته هناك ينفث ماتبقى من غضبه مع دخان سيجارته ولا يكترث بنار السيجارة وهي تحرق اصبعه ؛ اقتربت منه وأنا أحمل معطفه بيدي ؛ وضعته فوق كتفيه قائلة :
- يقولون أن الطقس سيتحسن غدًا .
رد متسائلًا :
- تخافين عليّ الجو البارد ؟
قلت :
- بالطبع .
قال وهو ينفث دخان سيجارته :
- عندما تخلت عني أمي والبرد والظلام يسكن جسدي وروحي إلى أن طرقت بابي ذات ليلة فتاة صغيرة تحمل حقائب كثيرة ؛ تخبيء في احداها سعادتي ؛ دخلت منزلي كعاصفة بعثرت كل مافيه وفيّ وأعادت ترتيبه بفوضاها الطفولية ؛ فتحت شبابيك حياتي ومزقت ستائر ظلمتي ؛أعادتني للضوء الذي غادرني منذ سنوات ؛ لم أكن استوعب أن يشاركني أحد منزلي فكيف وهذا الشخص فتاة غريبة عشوائية وثرثارة وطفولية ؛ امسكت بقلبي وركضت به هاربة من تعاستي ؛ تجاوزت وحدتي وظلامي وانزوائي وتعبي واسترجعت طفولتي المجروحة ؛ اعادت ترميم سعادتي وبعثت الضحكة من جديد من تحت انقاض تعاستي.
صمت لحظات قبل أن يمسك بيدي ويكمل حديثه قائلًا :
- الفتاة اللطيفة التي ربتت على كتفي الحزين كانت أنتِ ؛ لقد بذلت مجهودًا كبيرًا لأقنع نفسي أن ما أفعله معك لا يتعدى حدود العمل الانساني والمجاملات العادية وأن لا شبهة حب فيه ؛ حتى تلك الليلة التي دمرتي فيها كل قناعاتي ووضعتي قلبي في مأزق حبك ؛ ليلتها عدت إلى البيت ارتجف من حمى مفاجئة ؛ قابلتني مفزوعة وقبلتي رأسي بدفء وجلستي الى جواري حتى الصباح وكلما ارتفعت حرارتي انهضتني عن السرير وسحبتني إلى صنبور الماء وأغرقتي رأسي تحته؛ كنت اشعر بلسعات دموعك المتساقطة فوق وجهي وأنتِ تحدقين بوجهي في قلق كنت اشعر بأنفاسك المتسارعة غير المنتظمة ؛ شعرت للمرة الأولى أن هناك شخصًا يهتم لأمري ويخاف عليّ ويدفع عني الأذى ويخفف عني الألم ؛ احببتك منذ تلك الليلة ...
كنت أتهيأ الحديث معه حين باغتني بكلمة شقت صدري واخترقت قلبي :
- أحبك ؛ نعم أحبك ؛ اتعرفين أسوأ الأحاسيس وأشدها ألمًا .. تلك التي كانت تتملكني حين تصفين لي حبك لجيهوب ومشاعرك المندفعة نحو "بي" ؛ كنت أحس آنذاك أن ثمة سكين مغروس في قلبي تحركيه بقسوة دون ان تشعري.
- جونغ يو
نطقت اسمه والألم يعتصر قلبي والكلمات تختنق في حنجرتي عانقته والقيت برأسي المحموم فوق صدره وشلال دموعي لاينقطع ؛ أريد أن أخبره بما أشعر ولا يقوى لساني على حمل الكلمات فقط أبكي وأبكي وأبكي.
مسح دمعي وربت على رأسي بحنان وهو يقول :
- أتعرفين كم أحبك ؟ احبك لتلك الدرجة التي جعلتني أفكر في الذهاب لطبيب وفحص عيني والبحث عن علاج على الرغم من أنني اعتدت الظلام وتأقلمت معه ولم أفكر ولو لمرة في البحث عن علاج ؛ سنوات طوال رضيت بها بوضعي ولم اشتاق للنور ؛ لكن رغبتي الشديدة في رؤية وجهك ومعرفة كيف تبدو ملامحك وأنتِ تتحدثين إليّ من المطبخ بصوت عالِ عن صديقتك التي تفكر في الهجرة إلى فرنسا وزميلك الذي يفكر جديًا أن يصارح جارته بمشاعره ؛ لطالما أردت وبشدة أن أرى تعبيرات وجهك المتحمسة حين تتحدثين عن فرقتك الموسيقية المفضلة وحماسك حين تغازلين المغنى المفضل لك ؛ أرغب وبشدة في رؤية امتعاض شفتيك عندما تأكلين من طبخاتي التي لا تعجبك وتخفين عني ذلك لحساسيتي ؛ وكيف يبدو وجهك حين تضحكين ضحكاتك الطفولية المجنونة حين أتعثر أمامك ؛ أريد أن أرى تعبيرات غضبك من صنبور الماء الذي يسيل من الحمام ولا يجعلك تنامين؛ أريد حقًا أن أرى كل ذلك .
قلت بحماس وسعادة وأنا أحمل يديه كأنني أحمل طفلا لي ولد للتو :
- هل ذهبت لطبيب ؛ هل وافقت حقًا أن أتبرع لك بعيني .
- تتبرعين لي ؟ عن أي تبرع تتحدثين هل كنتِ تفكرين جديًا في التنازل لي عن عينك أيتها الحمقاء الغبية ؟!
- أنا فقط فكرت في مساعدتك بشيء بسيط .
- بسيط ؟! انتي حقًا حمقاء ؛ أنا لا احتاج متبرع فحالتي ابسط من ذلك فقط عملية بسيطة وسأرى النور والحياة من جديد أنا لا احتاج لأي متبرع .
عانقته بقوة وأنا أتسائل :
- حقًا ؟!
فقال مازحًا :
- لماذا تستغلين الفرص دائما لتعانقيني!
انتفضت مبتعدة قائلة :
- لئيم ؛ دائما تدمر اللحظات الرومانسية .
سحبني من زراعي وجذبني الى صدره مرة أخرى وتحدث في لهجة جدية قائلًا :
- لن أطلب منك أن تتراجعي عن اجراء العملية ولن أقف في طريق الخير الذي عزمتي عليه ؛ فأنا أعرف حتى وإن فعلت فلن تستمعي إليّ فأنت ِ عنيدة ؛ لكن عديني أن تكوني بخير وأن تعودي لنا سليمة معافاة ؛ واعلمي انه ان حدث لكِ شيئًا سيئًا فلن اسامحك أبدًا ولن أسامح "بي" ؛ عديني أيضًا أن نتحدث عني وعنك وعن جيهوب وبي بعد العملية
- أعدك .
قطعت على نفسي هذا الوعد وأنا أعلم أن الأمر لن يكون سهلاً هينًا وأنني أضع حياتي في مهب الريح وقد يكلفني الأمر حياتي خاصة مع اخفائي أمر تاريخي المرضي عن الطبيب لكنني لن اتراجع عن وعدي فحياة "بي" أيضاً في خطر وتتوقف على اجراء تلك العملية .

توأم روحي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن