تضحية وغفران

143 16 12
                                    

- لماذا تبدل جونغ يو فجأة لشخص بارد لا يهتم بمشاعر الآخرين ؟
- لماذا عاد لصمته اللعين وشروده ؟
- لماذا يتجنب الكلام معي ؟
- لماذا اصبح غاضبًا ويتذمر باستمرار ؟
-لماذا اختفت ابتسامته الرقيقة ؟
عدد لا  يحصى من " لماذا " لا استطيع الإجابة عنه منذ تلك الليلة ؛ توقفت عن التفكير حين تذكرت وعدي ل "بي" بالخروج معه في موعد اليوم ؛  تهيأت لموعدي الأول مع "بي" فتأنقت على غير العادة وصففت شعري ووضعت مكياجًا وتعطرت ؛ وقبل خروجي تلقيت رسالة من صديق  "بي" المقرب  يخبرني أنه ينتظرني بالأسفل بسيارته أمام البيت ليقوم بتوصيلي ؛ تملكتني الدهشة فأنا أعرف أن صديقه لا يحبني ويرفض علاقتي مع "بي" ودائماً يحذره مني لأنني عربية؛ وفي الطريق لاحظت أن صديقه كان يحاول أن يبدأ معي حديثًا  وأن لديه مايقوله لكنه بدا مترددًا لاحظت ذلك من كثرة التفاته ونظراته في المرآة فسألته:
- هل لديك ماتقوله لي ؟
فرح بسؤالي وكأنني أنقذته من مأزق فأجابني متحمسًا :

- اتعرفين ... اليوم هو عيد ميلاد "بي" اعتدنا أن نحتفل به كل عام لكن بسبب هذا الحادث اللعين لانستطيع الاحتفال به ؛ هو حتى لايسمح لنا بتهنئته على الفيس بوك.

- كم أنا حمقاء غبية كيف نسيت أن اليوم ذكرى ميلاده وكيف لم الاحظ من اصراره على أن يكون أول موعد لنا اليوم تحديدًا رغم محاولاتي تأجيله... كم أنا غبية !
- ابتسم صديقه ابتسامة نصر وبان على وجهه تحفز  كبير وبادرني متسائلًا :
- هل لديكِ خطة ما للاحتفال ؟
فقلت :
- للأسف لا ؛ لكنني أريد أن أجعله يومًا مميزًا .
فقال :
- لا تقلقي فقد جهزت كل شيء من أجل صديقي فقد حجزت لكما في مطعم كبير و ...
قاطعت كلامه قائلة :
- عفوًا لا اريد احباطك وتدمير ماجهزته من أجلنا ؛ سأترك لك مهمة تجهيز الحفل بالمساء واترك لي باقي اليوم سأحتفل به على طريقتي الخاصة .
ابتسم برضا وواصل القيادة بصمت ؛ قطعت الصمت بسؤال كان يشغلني منذ تلقيت رسالته وقلت :
- لماذا ت
وقبل أن أكمل السؤال وقف السيارة فجأة وقطع سؤالي قائلاً :
- لماذا أساعدك على الرغم من أنني لا أدعم علاقتك بصديقي  وأعارضها  ؟ 
أكملت السؤال وقلت :
- ولماذا تكرهني ؟
اجابني :
- ربما أنا أكرهك لأنك لاتشبهيننا ؛ لانتحدث لغتكم ؛ لا نرتدي ملابسكم ؛ لانتشارك نفس الثقافة والعادات والتقاليد لذا فأنا أرى أن علاقتك بصديقي مستحيلة ولن تدوم ؛ واليوم أساعدك لأنك تسعدين صديقي  ولأنك لم تخذليه ووقفتي إلى جواره في أحلك اللحظات وأشدها ظلامًا .

شعور مقزز أن يرفضك الآخرين لأنك لا تشبههم ولكن مهلًا فأنا أيضًا تورطت بهذا الشعور المقزز ؛ فأنا أتذكر عدد المرات التي كنت أرفض فيها الآخرين وأسخر منهم فقط لأنهم لايشبهونني ؛ جارتي الطويلة جدا طولًا لايتناسب مع عمرها ! وسخريتي من لهجة ابنة خالي الريفية حين كانت تأتي لزيارتنا ورفضي لذوق صديقتي التي لاتستمع لنفس الموسيقى التي أستمع لها وسخريتي من أصابع جدتي القصيرة والبثور المتناثرة على وجه زميلتي بالصف !
أليس شعورًا  مقزز أيضاً أن أرفض الآخر لأنه لايشبهني ! 
أذكر مرة عدت فيها إلى البيت غاضبة أشتكي لأبي من زميلتي  ابنة ذلك  الملحد الذي يظهر على الشاشات ويسب ديننا  يومها قلت لأبي أنني وشيت بها إلى زميلاتي وشرعن في أذيتها نفسيًا وبدنيًا ؛ غضب أبي مني غضبًا شديدًا وقال لي "نحن نرفض المختلف إذا آذانا فقط لا نرفضه لأنه غريب ولا يشبهنا " اعتذرت لأبي وزميلتي ومنعت عنها أذى زميلاتي .
وصلت إلى المستشفى واصطحبت "بي" بعد إذن الطبيب وعلى وعد ألا أجهده وأن أعيده قبل حلول الليل ؛ ذهبنا إلى البحر وجلسنا على مقعد خشبي منعزل على الشاطيء؛وبينما أجلس إلى جواره و أراقب الناس ؛  كل الناس متشابهون جدًا ؛ الملامح نفسها ؛ الثياب نفسها ؛ الرائحة ؛ حركة الأجسام نفسها؛ أنا الوحيدة التي لاتشبههم ؛ كل الفتيات رشيقات وجميلات؛كان" بي"  يجلس بجواري احدى يديه تحيط كتفيا بنصف دائرة والأخرى تحتضن أصابعي؛ ينظر إلى حيث أنظر بتحديق لطيف  وكلما مرت فتاة جميلة  ضغط على يدي بحنان ثم رفع يدي التي تحتضن يده وقبلها بحب قائلًا :
- أنتِ الأجمل .
تشجعت وسألته عن عائلته؛ وكنت كلما سألته قبل أن أسافر إلى كوريا يتهرب من الاجابة ؛ حتى تلك اللحظة حين سألته عنهم فقد جزءًا من هدوئه وشرد بعيدًا ؛ وتهرب من الاجابة ؛ حوط رأسه بيديا وأنا أهمس :
- إلى أين ستهرب ألم تشبع هربًا ؟
تنهد بمرارة وقال :
- أبي سياسي كبير بالاضافة إلى كونه رجل أعمال يمتلك ثروة وأعمالًا واسعة؛ هو رجل أعمال وسياسي ناجح  لكنه زوج خائن وأب مقصر تسبب في قتل أختي بسبب معاركه السياسية تم اختطافها وقتلها لأنه لم يتنازل وينسحب من منصبه لقد كانت أختي قطعة من روحي وبهجة أيامي ؛كانت صديقتي وأختي؛ لقد ماتت بسببه هو من قتلها بعناده وحرصه على منصبه؛ تركت لهم البيت بعد موت أختي ولم اسمح لهم بالاقتراب مني ؛ عملت في عدة وظائف بدوام جزئي لأوفر مصاريف دراستي .
- وماذا عن أمك ؟
-  هي أيضًا كانت مذنبة بصمتها وخضوعها لذا رفضت كل محاولاتها لمقابلتي وعاملتها بقسوة لأنها تستحق فقد تجاوزت عن خيانة أبي وسامحته ولم تحاسبه على قتل أختي .
كان يحكي وشلال دموع يندفع من عينيه فعانقته لأخفف ألمه وحزنه بكي لى صدري في استسلام وسمح لي أن أتحدث  فقلت له :
- أنت تبالغ في قسوتك على نفسك وعلى والديك ؛ أختك لم تمت بسبب والدك هي ماتت لأنها قدرها أن تموت في تلك الساعة حتى لو وافق والدك وانسحب وتخلى عن واجبه كسياسي وضع فيه الناس والحكومة ثقتهم فكان عليه ألا يخون ثقتهم والا يتخلى عن واجبه كان مقدر لها أن تموت ولن يمنع ذلك أي كائن فلا تقسو على والدك وتتهمه ففي النهاية هو أب فُجع في ابنته وتألم لموتها ولم يفرط بها فقد بذل كل مافي جهده ليحميها ولكن القدر كان له كلمة عليا فارحم والدك وسامحه لأنك بهجرك له جعلته يفقد اثنين من ابنائه لا واحدة ؛ أما عن أمك فليس من حقك أن تحاكمها اذا اختارت أن تسامح الرجل الذي قام بخيانتها فحبن تسامح المرأة زوجها الخائن فهي تمتلك من الاسباب مايبرر هذا الصفح والسماح ومن أهم تلك الاسباب هي أنت وأختك فحين تغاضت عن كرامتها المهدورة  وسامحت كانت تفكر في أطفالها ؛ تفكر في ابقاء هذا البيت عامرًا آمنًا سعيدًا ولو على حساب كرامتها فكيف تكون بتلك القسوة وتعاقبها بهجرك لها وتشعرها أن تضحيتها راحت هباءً ؛ ومايدريك مالذي يجمع والديك من حب ومودة جعلت أمك تتغاضى وتغفر له ذلة الخيانة فقد يكون صفحها عنه وغفرانها لأنها اختارت أن تغفر لأحل أشياء كثيرة جميلة قدمها لها والدك فقررت أن تغفر خطأ واحداً مقابل اشياء كثيرة قدمها لها ؛ اغفر لهم وسامحهم فهم سبب وجودك بالحياة ؛ دع مامضى يمضي بسلام وابدأ من جديد مع عائلتك ؛ قد يكون ذلك  هو الوقت المناسب لعودتك لهم ومغفرتك .
شعرت أن كلماتي أثرت به حيث هدأ صدره الثائر وانتظمت انفاسه وشهق شهقة راحة ولم يعترض على ماقلته ووعدني أن يفكر فيما قلته .
جلسنا أمام البحر هكذا لمدة ساعة نراقب الأمواج ونتهامس بحب من حين لآخر حتى جاء موعد السينما فنهضت وسحبته ليقف قائلة :
- عزيزي "بي" هل تسمح لي بخطفك لمدة ست ساعات !

توأم روحي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن