المحتالة الظريفة

173 17 26
                                    

هل جربت طعم الغربة في الصقيع المجنون هربا من دفء كنت تجهل قيمته ؛  هل لجأت إلى أناس أغراب مخيفين لايعرفون لغتك؛ بلدك؛ عاداتك وتقاليدك ؛ هل جربت شعور الحرمان  من  أن يكون لك أبوان يخافان عليك من نسمة تجرحك ؛ أم تدثرك بالمساء وأب يداوي خدش اصبعك وكلتا يداه مجروحتان ؛ هل افتقدت يوما متعة الاستماع إلى ضحكات اخوتك الصغار التي تعبيء المنزل ليل نهار؛  إنها تزعجك أحيانا؛ أو ربما  كثيراً لكنك لاتستطيع العيش دونها ؛ أخ صغير ثرثار وكثير الأسئلة يبتسم في وجهك كثيراً ؛ وأخت كبرى تراقب تصرفاتك بقلق و تنهرك دائما حين تخطيء لأنها تخاف عليك ؟  هل وضعك قلبك المراهق المجنون  يوماً في اختيار صعب بين العيش مع أسرتك المحبة أو الهرب إلى حبيب  لا يعرف عنك شيء؛ لا يشعر بك وبوجودك ؟ ..... أنا جربت ! 
...............
غبت ليلة و نصف نهار  بالمشفى ؛ وحين عدت في المساء وجدت أمتعتي أمام باب شقة "جونغ يو " ومعها رسالة تفيد بطردي؛ جلست أمام باب الشقة خائفة يلفني البرد؛  مطر بالخارج يعوي كالذئب وجوع بداخلي يمضغ معدتي وباب مغلق من الداخل ولا يسمح لي صاحبه بالدخول ؛ طرقت الباب بإصرار دون إجابة؛ هتفت قائلة :
- مرحبا جونغ يو يبدو أنك تقوم بتنظيف الغرفة لذا اخرجت أمتعتي لحين الانتهاء من التنظيف ؛ لكن مهلا  كان يجب عليك وضعها في أي ركن بالداخل فماذا لو سرقت فهل ستدفع لي  ! 
ثم كملت قائلة في استنكار : 
- وماذا عن تلك الرسالة لم أستطع قرائتها فأنا أتحدث الكورية فقط  ولا استطيع كتابتها أو قرائتها؛ اخمن أنك كتبت لي اشتقت إليك عودي بسرعة أيتها الجميلة !
لم اتلقى أي رد منه وواصل تجاهلي؛ كان يتظاهر أنه غير موجود بالمنزل؛  وكنت متأكدة أنه بالداخل ؛ فقد سألته بالأمس لماذا تضيء الأنوار  رغم أنك لاترى فأجابني لأنني اتفقت مع حارس البناية على ذلك فطالما الأنوار مضاءة فأنا بخير وإذا انطفئت فعليه الصعود لتفقد أحوالي فقد أكون واقع بورطة ؛ يئست من رده على طرقاتي المتكررة  فلم أجد حلا سوى العودة إلى المشفي؛ تركت أمتعتي أمام باب الشقة وعدت يائسة  إلى المستشفى انتظرت على مقعد حجري أمام باب المستشفى وكان آذار المجنون  يلهب المكان بسياط البرودة والصقيع؛ وحيدة بكل ماتحمله الكلمة من منفى؛ القلب يضرب بقوة والمعدة تزأر بخوائها؛ الناس يحدقون في وجهي ويمرون دون سؤال أو تعاطف؛ الأحلام الوردية تركت هناك على مقعد الطائرة حين كنت أتخيل أنه بمجرد وصولي ستتحقق كل أحلامي؛ أنا الآن  أواجه كابوس الغربة والجوع وقلة المال  ونقص الدفء؛ فكرت بالمشي فقد يولد حرارة ؛ وعندما أنهكت من التجوال وتشققت شفتاي من العطش والبرودة عدت إلى منزل" جونغ يو" طرقت الباب طرقات خفيفة وحين يئست صرخت من وراء الباب  قائلة :
- أيها اللئيم كيف طاوعك قلبك على تركي هكذا وكيف تنكر  الجميل بهذا الجحود هل انقاذ صديقي لحياتك لايساوي الا استضافتي ليلة واحدة عليك استضافتي ثلاثة أشهر على الأقل يالك من لئيم .
فكرت في خداعه بأي طريقة ليفتح الباب فصنعت ضجة أمام الباب وقمت باسقاط حقيبتي على الدرج تظاهرا مني  بالسقوط أمام الباب من التعب؛ وخلال نصف دقيقة انفتح الباب وخرج "جونغ يو" قلقا يتحسس المكان ليساعدني فغافلته وتسللت من جانبه الى الداخل وقلت له :
- هل ستقضي الليل بالخارج ؛ هيا ادخل واغلق الباب فالجو بارد جدا بالخارج .
ولأول مرة منذ قابلت ذلك الرجل ذو الوجه العابس المح طيف ابتسامة فوق شفتيه وقال بما يشبه الهمس : 
- محتالة
فقلت له : محتالة ظريفة
تجهم وجهه ورد عليا مستنكراً :
- ماذا قلتي ؟
- لست أنا بل أنت من كتب تلك الملاحظة . 
انهيت الجملة وأنا أضع بيده تلك الورقة التي تركها على الطاولة وقد كتب بها محتالة ظريفة
ارتسمت على ملامحه الدهشة  وقال :
- احداهن قالت منذ قليل انها لاتستطيع القراءة والكتابة  باللغة الكورية ! حقا محتالة
فأكملت جملته وأنا التهم الطعام الذي تركه على الطاولة قائلة
- ظريفة ؛ محتالة ظريفة .
انتهت الليلة بعدما اتفقت معه أن أقيم في بيته لمدة ثلاثة أشهر خفضها إلى شهر بعد شد وجذب ومناقشات كثيرة وكانت شروطه كالتالي :
لاتعبثي بأشيائي؛ لاتسرقي أمتعتي وتهربي؛ لاتفتشي دولابي؛ ولا تقرأي دفتر ملاحظاتي؛ لاتتجسسي عليا اثناء استحمامي ولا تستخدمي بشكيري ؛  نظفي المنزل كل يوم ؛ اغسلي الاطباق؛  اصنعي لي كل مساء الشوربة ؛ وأخيرا ادفعي لي النقود مقابل اقامتك حين تحصلين على عمل.
قلت هامسة
- لئيم
فرد قائلا :
-ماذا قلتي ؟
اجبته وأنا أعض  الكلمات بأسناني
- قلت حين أتزوج جيهوب سوف أرد لك كل مالك فحبيبي جيهوب غني جداً وسوف يدفع لك .
وعندما سمع الإسم أسقط من يده الطبق الذي يحمله وردد الاسم متسائلاً في دهشة :
- جيهوب ؟!

توأم روحي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن