المرة الأولى

137 18 15
                                    

كنت أقف خلف باب الشقة من الخارج اتنصت على حديثهم وأذرف دموع الأسى حتى علت شهقاتي بالبكاء دون أن أشعر ؛ وفجأة عم صمت غريب وسمعت صوت خطوات حذرة تقترب من الباب فوضعت أذني على الباب لأتبين الأمر؛ انفتح الباب فجأة فاندفعت بقوة جسدي المستند على الباب إلى الداخل لأجد نفسي ممددة فوق جونغيو الذي سقط بسبب قوة اندفاعي مع صوت ضحكات جيهوب الذي مازال ممسكًا بمقبض الباب من الداخل ووالدته التي تهتز بالضحك من رأسها إلى قدمها ؛ أما جونغ يو فقد بدأت تصدر عنه أنة مكتومة بسبب ثقل جسدي فوقه وتحول المشهد الدرامي الدامع إلى مشهد كوميدي ضاحك بسبب غبائي وتطفلي؛ وبسبب كلمات جونغ يو الساخرة وهو يقول :
- هل أعجبك الوضع أيتها الدبة الثمينة ؛ هيا قومي من فوقي أيتها المتطفلة .
نهضت من فوقه بسرعة وحاولت ان اخرج من هذا الموقف المحرج بكذبة فقلت :
- لقد نسيت هاتفي لذا عدت .
قال جيهوب :
- اراهن انها تكذب وهاتفها بحقيبتها
لم اكمل الجملة حتى رن هاتفي بحقيبتي فانفجر الجميع بالضحك.
قال جونغ يو :
- اراهن أنها ستضرب الأرض بقدمها في غضب وستلعن نفسها .
فقلت بهمس مسموع وأنا أضرب الأرض بقدمي :
- اللعنة كيف اكتشفوا انني اتنصت على الباب.
فقال جيهوب :
- ببساطة لأنك الأكثر فضولًا بين جميع النساء والأكثر عاطفية وتأثرًا فسمعنا صوت شهقاتك من خلف الباب .
فقلت بفصول :
- بمناسبة الفضول قبل أن ينفتح الباب ويفتضح أمري هل حصلتم على عناق بعد اعتراف كل منكم بما حدث بغياب الآخر .
فضحك جونغ يو :
- سيقتلها الفضول يومًا ما .
فقلت بهمس : وأنا أقصم أظافري ... اللعنة.
فقال جيهوب :
- يبدو أنها لن تقلع عن عادة أكل أظافرها حين تتوتر.
فقال جونغ يو :
- ويبدو أننا سننتظر للصباح حتى تجهز عشاءًا رديئًا ينقصه الملح
قال جيهوب :
- نعم فلديها عادة سيئة فهي تنسى اضافة الملح للطعام أو تنسى أنها اضافته فتضيفه مرة أخرى فيصير مالحًا .
ضحك جيهوب وجونغ يو بعدما كشفا كل عيوبي أمام والدتهما التي قالت بمكر وهي تنظر لولديها :
-يبدوا أن أبنائي يعرفون عنك الكثير وتعرفين عنهم مالا أعرفه .
هربت من تلميحها بدخولي إلى المطبخ لأجهز العشاء ؛ لكنني سرعان ما تذكرت شيئًا هامًا فعندما كنت اتنصت عليهم من خلف الباب كانت تسيطر عليّ رغبة جامحة أن اعانق جونغ يو وهو يحكي ماحدث معه ؛ استدرت وعدت بخطوات ثابتة نحو جونغ يو ودون سابق انذار وبحركة مباغتة عانقته بقوة ورحت في نوبة بكاء مرير ؛ انضم بعدها جيهوب ووالدته إلينا في عناق واحد .
قطع جونغ يو العناق قائلًا :
- أريد منكما شيئًا .
فقلنا في صوت واحد :
- ماهو ؟
قال جونغ يو :
- أريد أن أحظى بعشاء خاص مع أمي أريدها أن تُعد لي عشاءًا دافئًا ونتحدث أنا وهي فقط فمازال لديّ الكثير لأحكيه معها .
ثم أكمل موجهًا حديثه لجيهوب:
- خذ تلك المحتالة للعشاء بالخارج وسوف أدفع لك ؛ لكن عليك أن تسيطر عليها فهي تلتهم الطعام كالدببة .

وافق جيهوب لأنه ظن أن جونغ يو يريد مساحته الخاصة مع أمه بعد سنوات الفراق؛ لكنني كنت أعرف نية جونغ يو الحقيقية خاصة حين ضغط بيده على يدي ؛ انه يريد أن يخلق لي فرصة موعد طالما تمنيته وحلمت به بصحبة جيهوب بصفته جيهوب الذي طالما أحببته وحلمت بموعد معه ؛ ودعني بابتسامة وكأنه يراني وعانقني دون أن يتحدث بكلمة ؛ بينما خرجت مع جيهوب في موعدي الأول .
وبلا وعي مني مددت يدي المرتجفة إلى يده الدافئة؛ لم يمانع وقبض على يدي ومضينا لا نعرف وجهة معينة نذهب إليها ؛ فقط واصلنا السير حتى مررنا بمكان تنبعث منه موسيقى ناعمة ؛ سألني إن كنت أريد الدخول اومأت بالموافقة ودخلنا ؛ تركني جيهوب ومشى بخطوات متلهفة نحو كهل قد شاب شعره وطالت لحيته يجلس أمام بيانو ؛ جلس إلى جواره كان رجلًا لطيفًا مشى نحوي بخطوات بطيئة و قال بعربية ركيكة محاولًا بدء حديث معي :
- لم يمض وقتًا طويلًا ؟
كان صوته مألوفًا وملامحه أيصًا ؛توقف شعر رأسي مرة واحدة حين سألني :
- كيف حال جونغ يو !
تذكرت هذا الوجه الذي رأيته منذ شهرين عندما خرجت مع جونغ يو وأخذني إلى كنيسة يعزف بها هذا الرجل
كان ينتظر إجابتي بينما كنت أنظر إلى جيهوب الذي بدأ بعزف مقطوعة موسيقية رائعة عزفها جونغ يو من أجلي تلك الليلة التي خرجت معه في نزهة ليليلة ؛ تعالى صوت الموسيقى الموزون والمتقن والأخاذ تحت أصابع جيهوب ؛ أخبرني ذلك الرجل أنه من علم جيهوب وجونغ يو تلك المقطوعة ؛ وأنه قطع عليهما عهدًا ألا يعزفا تلك المقطوعة إلا في حضرة الفتاة التي سيقعون في حبها ؛ كنت غارقة بأفكاري حين قاطعني بإجابة لسؤال يراودني قبل أن أسأل قائلًا :
- كانوا في السادسة تقريبًا ؛ جونغ يو وجونغ هوسوك ؛شقيقان شقيان تسللا خفية إلى بيت جارهم الجديد عازف البيانو بعدما استرقا السمع إلى نغماته العالية ؛كنت أعزف تلك المقطوعه وأشار بعينه إلى جيهوب يقصد تلك المقطوعة التي يعزفها ؛ قبضت عليهما ذات ليلة بجوار النافذة و بدأت معهما فصل التعارف وعرضت عليهما أن أعلمهما العزف على البيانو بعدما لاحظت شغفهما بالموسيقى فقبل الشقيقان مقابل تنظيف حديقة منزلي ؛ كنت أعزف تلك المقطوعة التي ألفتها من أجل حبيبتي ولم أعزفها في حضرة أي امرأة سواها ؛ وبعد أقل من ستة أشهر كانا يجيدا العزف ؛ كان جونغ يو يرى العالم عبارة عن بيانو ضخم ويرى الناس نغمات وكان جونغ هوسوك يرى العالم مسرحًا ضخمًا والناس راقصين ومغنيين؛ وصمم كلاهما على تعلم تلك المقطوعة وحين طلبت منهما اقتراح اسم اطلق كلاهما عليها اسم "المرة الأولى" فصار اسمها "المرة الأولى ؛ ليلتها قطعت على كلاهما وعدًا ألا يعزفوا تلك المقطوعة الموسيقية إلا بحضرة للفتاة التي سيقعون في حبها للمرة الأولى ؛ وبما أنه احضرك إلى هنا وعزفها في وجودك فأنت ِ حبيبته؛ لكن مهلًا هل وقع الشقيقان في حب فتاة واحدة ؟
قلت بحزن :
- الأمر ليس كما تظن ياسيدي فهو لديه حبيبة بالفعل.
قلت وأنا أشير بنظراتي إلى جيهوب ثم أكملت :
- وبالتأكيد لست أنا تلك الحبيبة ؛ أما جونغ يو فإذا كانت المستحيلات أربع فوقوعه في حبي هو المستخيل الخامس؛ فهو دائما يسخر مني ؛ يسخر من صوتي ومن طولي ومن وزني ومن عقلي ؛ هو حتى لا يناديني باسمي ولو لمرة هذا المغرور ؛ لكن اتعرف هو ليس قاسِ كما يبدو عليه؛ فهو طيب القلب و حنون و مُراعِ ؛ اتعلم شيئًا ! في الليلة الأولى التي طرقت بابه كان ينبغي عليه أن يطلب لي الشرطة لكنه لم يفعل ؛ سمح لي بالمكوث في بيته ؛ حتى أنه تسلل إلى سريري بينما كنت غارقة في النوم وتحسس قدمي ليتأكد من دفئها؛ ارتعبت وظننت أنه سيؤذيني؛و قلت في نفسي هذا المنحرف ماذا يريد مني وحين خلع جواربه وألبسني إياها انتحر الكلام في حلقي ولعنت تفكيري السيء ؛ في تلك الليلة صار هو مصدر الأمان الوحيد في حياتي في بلد غريب يسعرني بالخوف منذ وطأت قدماي أرضه ؛ انه ليس قاسيًا كما يبدو ؛ انه واحد من هؤلاء الذين خلقهم الله في البدء قلوبًا ثم حباهم بأجساد.
قال وهو يشير بعينه نحو جيهوب :
- وهذا ؟
نظرت إلى جيهوب وقلت :
- هذا هو جنة القلب ؛ فلو أن الله قد جعل منه واحدًا في قلب كل امرأة لكانت النساء .. كل النساء سعيدات ولم تكن الدموع ؛ لو أن هناك واحدًا منه في كل مدينة لامتلأت البلاد .. كل البلاد بالحمام والسلام ولم تكن الحروب ؛ لو أن الله قد زرعه زهرة فوق عروش الحكام لضجت الأرض ..كل الأرض بالعدل وصار الهواء عطرًا ؛ ولو عرفه العالم كما يعرفه قلبي لو أحسه الوجود كما تحسه روحي لصار الكون كل الكون بيانو ضخم وصار الناس أنغامًا .
انهيت كلامي في اللحظة التي أنهى فيها جيهوب العزف ورن هاتفي في نفس اللحظة بإسم "بي" .



توأم روحي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن