١٠-|خراب طروادة|

1.7K 147 115
                                    

«الأُنثى لا تنكسِر قويةٌ هي كحُزمة حطبٍّ، فقطّ حين يجتمع الهوى مع الهجر تُكسَر».

ماذا قيل في الحُب؟ قيل إنهُ جنةُ العاشقين، لكنهُ جحيم الرجال وعذاب النساء قيل إن للحُب بهجة الأفراح وتناسوا الحالمون أن يقولوا إن لهُ حُزنًا أعظم وأقسى من حُزن العزاء، قيل إن الحُب حياة لكنهُ في الواقع منيَّة تودي بنا لموتٍ مُحتم حتى وإن بقينا على قيد الحياة، قيل أنهُ بلسمُ الجِراح ولم يقولوا إنهُ لوعةُ النِساء، يقولون إن الغرام يرفع الإنسان لسابع سماء وتناسوا أن يقولوا إنهُ يُنكس جبين أعتى الرجال؛ وها هو يرفع نظرهُ لها الآن بعد أن أنهى سرد كُل شيءٍ لها بوجعٍ وخجلٍ منها فكيف ينظُر لها وهو من ذبح قلبها بسكين خيانتهِ!، خيانتهِ التي لا تُغتفر حسب دستور الغرام حتى لو قُيدت بقيدٍ شرعي؛ ففي قانون الهوى لا يتسع الفؤاد لأثنتين، هي واحدة، يكتفي بها النبض إلى يوم يُبعثون، خيانتهُ التي لا تُمحيها دموع تترقرق بأسف بمُقلتيه نحوها الآن. كيف السبيل لخلع "مسمار" خيانتهِ عن نعشِ حُبها؟، مسمار واحد! كيف يصِفها مسمار وهي السكين التي نحرتها، والخشب الذي حمل نعش غرامها، والقبر الذي أحتوى روحها العاشقة، حتى أصبحت أمامهُ ميتة، لا حياة ولا روح بها، فهو قتلها منذُ أعوام... وهل يُرجى من الميت حياة!، أبتلع ريقه بعُسر، والدموع تتزاحم بعينيه بسبب حالتها الصعبة تلك؛ يرى كيف تنظُر لهم هو وأبيه بنظرات زائغة ضائعة، تبحث عن وجوهٍ كانت بمثابة الأمان لها قديمًا، والآن تقف مُرتعبة أمام وجوهٍ غريبة تُشبه الغِربان نهشوا لحم سعادتها بُغتة، وجوهٍ لا تألفها ولا تعرفها، ليسُ أهلها الآن اللذين تعتز بقرابتهُم فهي ترى من تعاونوا على تحطيمها وسلبها لجنينها وقتلهم لروحها.

فجأة نهضت بعنفوان مجروح تُباغتهُ بقبضٍ عنيف على تلابيبه تهُزه فيتناثر دمعهُ على وجنتيهِ نادمًا، مقهورًا، وعاشقًا، تصرُخ بهِ بعذابٍ خالطهُ وجع من حُبٍ قديم، ألم من خُذلان الحبيب، كسرةُ قلبٍ من فقدان الجنين:
-ليـــه مفكرتش فيا؟ ليه؟ أنا كـــان هــاين عليا أموت ولا أعرف إنك أتجوزت عليا.

لفظتهُ غاضبة فأرتج جسدهُ بأنتفاضة باكية حبسها خلف قُضبان الصمت الخانق، ألتفتت لشريكهُ بقتلها، ترميهِ بنبال العتاب، تذبحهُ بسيف ذنبها، يتوالى الصُراخ والوجّع والألم واحد:
-ليه؟ ليه تعمل فيا كده؟ أنا بجد تعبت تعبت في حياتي كتير ولما لقيت آدم قولت خلاص هو ده السعادة اللي ربنا كان مخبيها ليا، هو ده اللي هيعوضني عن تعب سنين عدو من حياتي، لأول مرة في حياتي أحب وبالآخر سابني سابني لوحدي، وبسببك.

نهض وقد خانتهُ دموعه، ومن جوفه إنفلتت شهقة بكاء سببها ثُقل الذنب ووجَّع الإثم:
-واللهِ كُنت مجبور يا بنتي.

هزت يديها المُرتجفة أمامه رافضة، تواصل الصراخ الباكي بحُرقة قلبٍ مات بالهوى مذبوحًا بسيف خيانة:
-لأ، أنتَ مكُنتش مجبور، كُنت تقدر تقول ليا كان وقتها مسحت أدهم من على وش الأرض، طب ليه مقولتش لآدم وأمجد ومروان! ما أنتَ عندك تلات رجالة، رجالة العيلة كمان كان مُمكن تقولهم وأنتَ عارف إن هُما مش هيقصروا كان قضوا عليه، كان بأشارة وحدة بس وقفناه عند حده وأنتَ تعرف كويس لو كُنت قايل ليا مكُنتش وصلت للحالة دي ومكنش أبني مات قبل ما يشوف النور ...
إزداد حدة الصُراخ الذي ظهر من أسفل جِبال الكِتمان والتراكُمات التي حدثت لها طوال أعوامها الماضية:
-ومكُنتش أفترقت عن آدم، كان زماني عايشة معاه حياة سعيدة مع بنتنا وأبننا أو بنتنا كمان بس أنحرمت من الحياة دي بسببك يا عمي أنا اللي قاهر قلبي هو أبني اللي مات قبل ما أشوفه ولا أشيلة بحُضني، عاوزني أسامحك! أنا طول عُمري بسامح اللي يأذيني بس لأول مرة مقدرش أسامح حد، لأول مرة للأسف قلبي يعصي عليا ويرفض السماح، لأول مرة الجرح يكون أكبر من غلاوة الشخص عندي ويمنعني أغفر، أسامحك على إيه ولا إيه! طب رجع ليا ولادي رجع ليا ولادي اللي ماتوا رجع ليا عُمري اللي ضاع طول السنين دي، رجع ليا حياتي ورجِع ليا كُل دمعة نزلت من عيني طول الأربع سنين دول ...
توقف الكلمات ولم يتوقف الصراخ، والألم يتفاقم بإزدياد رؤيته وحين رأت عيناه التي يحتضنانِها ببكاء صامت، هزت رأسها تُصرح بأنهيار:
-بس متقدرش، طب والله هنسى كُل دول وهسامحك بس رجع ليا آدم وهنسى وأسامحك بس حتى ده صعب عليك.

قاسية أرهقت قلبي. لـ|هايز سراج|.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن