٨

374 15 8
                                    

دخلت بيته،بيت صغير ،دافئ ،متواضع،أثاثه عتيق أنتيكا و لكن جميل رغم عتقه.
"تفضلي بالجلوس دقائق أبدّل ثيابي و آتي"
"حسناً"
جلست على الاريكة و رحت أنظر في أرجاء البيت ،تلك الطاولة الخشبيّة العتيقة و كأنها من خشب السنديان،الفاس المزخرف بأجمل النقوش و فيه ورود مزركشة من كلّ الالوان:أحمر أصفر وردي...على الارض سجّاد عجميّ عتيق الطراز على الحائط لوحات خلاّبة ... هذا البيت بكلّ بساطة يذكّرني بحياتي الماضية،حياتي بجانب أهلي قبل أن يرحلو عن هذه الدنيا.(تين تان تين تان)الساعة تشير إلى الثالثة،لم أهتم بالزمن الحاضر، فقد تجمد الزمان و عادت بي الذاكرة إلى ذلك البيت الدافئ حيث ترعرعت.
كنت أجلس على أريكتي الصغيرة في غرفة الجلوس و أرى ما حولي كبير،عملاق و كأنني أعيش في قصر،نعم بالرغم من تواضع بيتي كنت أرى فيه بيت الأحلام ،كنت و أهلي نجلس سويّاً في الأيام الباردة قرب المدفئة الصغيرة ،نتبادل الاحاديث و المشاعر الدافئة و الصادقة،بيتنا كان مزيّن بلوحات جميلة و تحف تقليديّة توزّعها أمّي في أرجاء البيت،تلك الطاولة الخشبيّة التي لطالما تقاسمنا الأكل و الخبز عليها،أو تلك الوسائد التي كنّا نتشاجر بها،فتراها تطير في أرجاء البيت هههههه... ذكريات رائعة(تين تان تين تان)أعادني صوت الساعة إلى الواقع،آه لقد سرحت كثيراً و ماذا؟!!دموع تُذرَف من عينيّ؟!
"أهلاً و سهلاً يا ابنتي"
لا بدّ إنّه أبو سامر،مسحت الدمع عن خدّي بسرعة
"أهلاً بك يا عمّ"
"تفضّلي بالجلوس ،كيف تحبّين القهوة؟"
"لا شكراً"
"لا من شيمنا إكرام الضيف"
"مع سكّر"
"حسناً ،دقائق".
النفسيّة المضيافة ذاتها التي كان يتحلّى بها أبي.أتى يامر بثياب الشاب العاديّ،و لكن لا أنكر أن ثياب الأغنياء و حياة الرقيّ تلائمه تماماً.
"هذا أنا!!...نعم و هذا بيتي"
"نعم و يعجبني هذا"
"هههههه،شكراً على المجاملة"
أعطاني الهاتف و نظر بعينيّ.
"الجوّ جميل جدّاً اليوم،أتمانعين أن نذهب سويّاً لنمشي؟"
"طبعاً،أكيد"
شربت القهوة و رحنا نمشي سويّاً.
"أتعرف أنّ بيتك دافئ و جميل؟!"
"أتعرفين أنّ بيتي هو الفقر بحدّ ذاته؟!"
"كلاّ البيت الضيّق ليس دليل فقر"
"نعم،لأنك تعيشين في بيت فسيح تقولين ذلك"
"البيوت الكبيرة تفقد الكثير من دفئها ،أتعلم؟!"
"الدفئ يمكن أن نحصل عليه ببعض من المال"
"ليس هذا الدفئ الذي أتكلّم عنه"
لم بتفوّه بأيّ كلمة لبرهة،ثمّ توقف عن السير و رفع نظره إلى السماء.
"لقد فقدت أمّي بسن مبكر- ثم نظر إليّ- أيّ دفئ تكلّمينني عنه؟!"
"لديك أبٌ يحبّك"
"ليس لديكِ فكرة إلى أيّ درجة يحبّني"
و ضحك ضحكة استهزاء.
شعرة بتعكّر مزاجه و انزعاجه من هدا الموضوع ،فأنا أيضاً شعرت بالسوء جرّاء هذا الحديث فغيّرت الموضوع.
"ممممم،ذرة هل تمانع أن تشتري لي واحدة؟"
و قمت بقلب شفتيّ كالفتاة الصغيرة مع تعالير الوجه الطفوليّة البريئة.إبتسمت إبتسامة عريضة و هزّ برأسه.
مشينا و نحن نأكل الذرة و نضحك ،كلينا كنّا نتصرّف كالأطفال،و الناس من حولنا تنظر إلينا، لم أنتبه للوقت و لا الزمان أو المكان،كنت أعيش اللحظة بسعادة و كذلك سامر.آن أوان عودتي للبيت.
"إذاً عليّ أن أذهب"
"ممممم،حسناً إلى اللقاء."
تصافحنا،أدرت ظهري لأذهب بطريقي.
"أماني!!"
إلتفتت إليه.
"هل يمكنني أن أعتبر إنني اكتسبت رفيقة جديدة!؟"
"نعم!!! -بابتسامة عريضة- و هاك رقم هاتفي لنتواصل"
"حسناً ،سوف أسجّله"
"أراك لاحقاً يا صديقي"
"أراكِ صديقتي"
دخلت البيت و إذ بماريا محتارة من أمرها،حاملةً هاتفها بيدها،تنظر إليه و تدور في أرجاء غرفة الجلوس.
"ماريا!؟"
"نعم؟"
"ما بكِ متلبّكة هكذا؟!"
"و كأنّني إذا أخبرتكِ سوف تشعرين معي،أو تتفهّمين حالتي".
"يمكنكِ أن تحاولي".
"إنّني أنتظر مكالمة من أحد و أتحرّق إليها -و نظرت إليّ بعينين كبيرتين - أرأيتي لا يمكنك أن تشعري معي لانكِ لم تعيشي هذه الحالة -و ضحكت ساخرة-"
فجأة رنّ هاتفي ،إنّه سامر.نظرت إلى الهاتف مبتسمةً و بطرف عيني شاهدت الدهشة على ملامح ماريا.
"بالإذن"
خرجت متوجهة بسرعة إلى غرفتي.
مكالمة هاتفيّة:
"آلو"
"أماني كنت أتّصل لأرى إن كنتي قد وصلتي إلى بيتكي بخير"
"نعم،لقد وصلت و أنا بخير"
"جيّد،آه هناك خط آخر،عليّ أن أُقفِل الخط معكِ بعد أن اطمأننت عليكِ"
"حسناً إلى اللقاء"
أقفلت الخط و أنا بقمّة السعادة،و إذ أرى من باب غرفتي ماريا حاملة هاتفها و تتكلم و البسمة على وجهها".
............................................
لقد كتبت هذا القسم من القصّة بكثير من المشاعِر و أنا أستمع إلى أغانيّ المفضّلة،أتمنى أن يصل شعوري إليكم ...شكراً
(المبنى الذي في الصورة هو الذي كانت تعيش به أماني مع أهلها)

و ما ذنب قلبٍ عٓشِقٓ؟!حيث تعيش القصص. اكتشف الآن