الفصل التاسع

342 10 0
                                    




 

اغمض عينيه من كثرة التعب وهو يرجع راسه للخلف قليلاً يريح جسده. تشنج جسده من كثرة التعب والتفكير. لطالما علم شعورها اتجاه فكلما نظر اليها كان يمسك بها متلبسة وهي تنظر اليه. ووجينتها تلك الشاحبة التي تتورد وتبقي مثل الكرز اللامع في عز ازدهاره وشرائه. هو يعلم بشعورها ومع ذلك لم يترك لها الفرصة للقرب منه. يعلم انها كانت تتمعن به وهو كان كلما راها يتمعن بها بدون قصد وكانه يشتاق الي ذلك الاحساس. هذا الاحساس الذي بعده عنها لانه يعلم انه لا يكن لها مشاعر ويعلم ايضاً انه لو كان اعطاها فرصة لكان قد جرح مشاعرها وهي رقيقة الروح ان يجرحها احد مثله بتهوره او باسلوبه الفظ الذي لطالما مس اصدقائه به حيثما يتكلمون عن شئ يعجبه بسخرية. اما هي فيعلم كم كانت فضولية علي حياته الخاصة ولكنها لم تتخطي الخط بل كانت دائماً تحافظ علي مساحتها وطالما لم تتحدث معه من خجلها وعينيها التي تبرق وتخجل كلما راته ينظر اليها وتبعد وجهها المتورد عنه. كلما تحدثت مع صديقاتها ومر هو بالجوار فيلمحها وهي تنظر اليه واسترق النظر اليها في مرة كالتحدي وظلت تنظر اليه وهو ينظر اليها حتي قطعوا النظر في اللحظة نفسها. لم يكن ينظر اليها الا نظرة حادة بطبيعة وجهه الذي طالما دق قلبها كلما نظرت اليه حتي وهو معصب او حاد الطباع فكانت تختلس النظر اليه دون ملاحظة احد الا هو.. صاحب الشاب. صاحب الوجه الحاد الصارم الذي لا يقبل المزاح او المجاملة.

 

لطالما اتضح علي وجهها الصامت وعينيها البريقتين وجحها المتورد كالتفاح الاحمر المثمر الاعجاب. لكنه كان يظن انها مجرد فترة مؤقته لها وتنساه لانه لطالما كانت الفتيات تعجب به، لكن كان فيها شئ مختلف وكانها ليست معجبة بشكله بل وكانها تعلم جميع اسراره فماذا حدث؟ ماذا حدث؟ حقاً ماذا حدث ليبقي هنا مستلقي علي الكرسي وهو متعب ثقيل الجفنين والسواد الذي يحوم تحت عينيه ووجينته التي احمرت من البرد والشعور بالضعف. صورتها وهي تبتسم لاخر صورة اخذتها قبل رحيلها كانت ما بباله الان.

 

لكن التفكير لم يستمر طويلاً حيث استيقظ علي صوت اقدام الممرضات الذين كانوا يمشون بالرواق. نظر الي المعطف الملفوف بحذر ليفتح عينيه علي مقلتيه وينظر بجانبه ليجد ان والدة حياة كانت تجلس وبيديها مصحف صغير ترتل فيه سورة يس.

 

اهتز قليلاً قبل ان يتساءل: هو جاكيت مين ده؟

 

توقفت الام عن الترتيل ونظرت اليه لتجاوبه: معطف حياة. كنت جيباه ليها بس لما امبارح لقيتك يا بني بترتجف من البرد كان لازم اقوم بالواجب.

 

نظر اليها طويلاً دون تعبير يفكر فيما يقول وخانته الكلمات ولم ينطق بحرف بل ابتسم ابتسامة ضعيفة الامد وهو يمد يديه ليربط علي يد تلك المراة التي يتشابه ملامحها الي ملامح احدي ملكات الجمال او شئ. طراطيف شعرها الاحمر الذي يطفو علي مقدمة حجابها الراقي ولباسها الراقية تقول ان حياة تشبهها في ملامحها وكل شئ. وخصوصاً وجهها الباهت عندما تبكي او يكون لديها شيئاً يشغلها.

ذكريات متلاشيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن