٢

1.2K 25 0
                                    

#اِطلي_بِلَونِكَ_رُوحي

مِن هُنا بدأَ كُلُّ شيء، حتمًا هُنا يجِب أن ينتهِي..
كلمات أُغنيَة أجنبيّة تصدَح في أرجاءِ ذلك المنزِل الصغير في أعلى الجبَل، كُوب قهوةٍ فارِغ، وكأس شاي مُهمَلة على الطاوِلة، تركتها وسَن للبرد يخطف دفئها، وانزوَت تحتضن نفسها في زاويةٍ قصيَّة من المنزَل،  بعد أن اعرَبَت عن دهشتها حين تحدَّث إليها للمرةِ الأولى قائلًا "اهدي.. ما حأذيك" تفاجأت حينها وظنّته خلاصها من هذه الورطة "إنتَ سوداني؟!! أرجوك ساعدني انا ماعارفة جيت هنا كيف!"
استنجدَت بهِ حتى أدركَت أنهُ هوَ جلّادها وليس المُنقِذ؛ صاحَت ، واستهلكَت جُلّ طاقتها مُحاوِلةً الهرب، ثُم أدركت مُتأخِرة، أنهُ لا مفَر..
الآن .. ترفَع رأسها المُثقَل لكثرة ما بكَت ، تثقُب بعينيها المُحتقنين بالدموع جُمود جلستِه، مُستندًا برأسه إلى الكُرسي يتأمّل تفاصيل السَقف، وكفّيه يحتضنان بعضهم في إنسجام ،
تهمِس وسن بصوتٍ أخفَض البُكاء حِدّتهُ ، بِضعفٍ وحِيرة : إنتَ منُو..!
يبتسِم نِصف إبتسامة ولازالت عينيه مُعلَّقة بِسقف الغُرفة
تسقط من عينها دمعة: إنت عايز منّي شنو، أنا ماحصل أذّيت زول ليه انت عايز تأذيني!
يخرُج من قوقعة صمتهِ وينظُر إليها: أنا ماعايز آذيك
تبكِي: عايز مني شنو طيّب!!
يهمِس: كُل خير
تدفن وجهها بين كفّيها وتبكِي
ينهَض: حتصدِّعي، وما في مُسكّنات ما لم تاكلي، حتتعبِي نفسك بس ما أكتر بالبُكا دا
تأتيه مُكالمة، يُنهيها على عجَل ، يستلم مِعطفهُ ويهمّ بالخرُوج
ترفع رأسها فزِعة، تنهَض إليه: إنت.. انتَ حتخلّيني في المكان المُخيف دا وتمشي وين!!
يُطمئنها: ماتخافِي، المكان كُله مؤمَّن
تصِيح: لا حخاف، حخاف لأنو انتَ خاطفني لو ناسي أذكِّرك، دا شنو البرود الانتَ عايش فيهو دا!!
يخرُج مُمسِكا الباب بيدِه: الأكل في التلاجة، حاولي تاكلِي عشان ما تضيّعي روحك
تصيح مُمسكة بالباب: لا، لا ما تسيبني هنا لا!!
ينطق بهدوء: ما حتأخَّر، يُردِف: أيوه، المكان كُلو مليان حرَس، لو عندك فكرة هروب كنسليها
تتأمّل إحمرار مِعصمها حينما حاولت الهرَب في المرّة الأولى، تُرخي كتفيْها بِضعف، يُغلق عليها الباب ، ليتركها للخوف يبتلع ماتبقّى لديها من طمأنينة، غارِقة في صرخاتِها..

●●●

ماليزيَا - العاصِمة :

بأحد المُستشفيات المرمُوقة، يدلف إلى الداخِل مُهروِلاً على غير عادَتِه، كلما خطَا خطوة تبِعتها تحيّة من أحد الأطباء.. المُمرضين، وحتى العامِلين، يصِل أخيًرا لِتلك الغُرفة، يختلِس النظر إلى الداخل عبر الزُجاج، ليجِدها سارِحة في العدَم، مُمسِكة بِدُميتها، وتحتضن كفّها الصغيرة فراشَة مُثبتة بِلاصقٍ أبيض ، يتأمّلها بِضعف، وحنانٍ لا يقدر على مُداراتِه، تُحِس هيَ بنظراتٍ تثقُب عُنقها، تلتَفت، فيُسرع ليتوارى عن نظرِها خلف الجدار،
تصِيح بِلهفة: بابا!
يبتسِم مُستسلمًا، يدخُل إليها مُشرِّعا كفّيه
تصِيح: بابا، انت جيت!!
يحتضنها إليه، بيَان، هذا الكائن الصغير الذي يملأ عالمهُ الحزين بالحُب، طِفلة الخمسُ أعوام التِي هيً حصيلتهُ في هذهِ الحياة،
تتشبَّث بِعُنقِه ، تتحدّث إليه بإنجليزتها الممزوجَة بشيءٍ من العربي: بابا ، لقد افتقدتُك جدًا، لماذا لا تأتي لرؤيتي كُل يوم؟!
يُقبِّل خدّها بِحُنوّ، ومن ثُم جبينها، يُحيط وجهها الملائكي بكفّيه: احنا اتفقنا لما بابا يكون مشغول بيان تعمل شنو؟
بيَان : تكون شاطرة، وتستناه
يُقبِّل عينيها: برافُو
تنظُ إليه بضعف : بس أنا أفتقدك بابا، هل يمكنك المبيت معي الليلة؟
يتنهَّد : الشغل حبيبة بابا
تتوسّل بكفّيها الصغيرين: فقط ليلةً واحِدة!
يحتضنها مُطوّلًا، سارِحًا في فوضى حياتِه، يُفلتها أخيرًا : حتكلَّم مع الطبيب وأرجع حاضر؟
تُمسك بكفِّه: لا تتأخَّر
يُقبِّل كفها الصغير : حاضر

اطلي بلونك روحيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن