#اِطلي_بِلَوْنِكَ_رُوحي
مُنتصَف الليل ، قبْل خمس سنوات من الآن :
الطريقُ تطولُ ، والصبر يقصُر ، وألمُ المخَاضِ يزدادُ على وسَن.. تارةً تتشبَّث بِكفّ زوجِها، تارةً تصيح بهِ، وهاهيَ الآن تلزمُ الصمت تكتُم ألمَها وماءُها ينسكِب غزيرًا
عُمر : وسن ، وسن إنتي كويسة؟ إتماسكي يا وسن الله يخلّيك لي قرّبنا خلاص
تتمَلمل مُتألِّمة : الموية.. الموية نزلت يا عُمر
عُمر : كيف .. كيف يعني؟ ولدتي؟
تصيح : أولد كيف.. تتأوَّه وتُكمِل : أولِد كيف ياعُمَر
عُمر : لا حول ولا قوة الا بالله.. رددّيها ياحبيبتي، أمي دايماً كانت بتمسك فيها لما تتضايق وبتنفرِج ، يلا
تُردِّد باحرفٍ مُتقطِّعة
يرنّ هاتفهُ، يتحدَّث ناظِراً للطريق أمامه : دا شكلو سامي
يلتفِت إليها ، غارِقة في دمعها ، يغيب نبضهُ ويعود : وسن ، أصبري ياروح قلبي إن الله مع الصابرين
تصيح : يااا رَب .. يارب
يُجيب على الهاتف : آي يا سامي
يأتيه صوت الآخر قلِقاً على غير عادته : أها ياصحبي، حصّلتو وين؟
عُمر : قرّبنا ، ربع ساعة او أقلّ من المستشفى
سامي : أنا عند التقاطُع، شكلو حنتلاقى في الشارع
عُمر : إن شاءالله ، يلا أقفل عشان الطريق الجايه دي كعبة
سامي : تمام ياصحبي، يلا لا إله إلا الله
عُمر : محمد رسول الله
وسن : عُمر أنا خلاص، تعلُو نبرتها بغتة : خلاص والله خلاص
يتلُو عليها آيات تصبّرها وتشدد من أزرها وهو غارقٌ في خوفِه..
يُقابلهم مطَبّ مُفاجئ، تصرُخ
يعتذر : حقِّك علي، حقٍّك عليّ
تبكِي : عُمر بموت.. بموت
عُمر : ١٠ دقايق ياوسَن، بس ١٠ دقايق يا حبيبتي، يلا هانَت
وسن : كلِّم أُمي، كلٍّم أُمي يا عُمر
عُمر : لا حول ولا قوة الا بالله، طب نوصَل الأول يا وسن
وسن : هسّي يا عُمر.. هسي أنا ماضامنة روحي
عُمر : بطلي الكلام الفارغ البتقولي فيه دا
وسن : عشان خاطري.. لو بتحبّني ، كلِّمها
يُخرِج هاتفه، يتّصل بِناهِد ، يفتح السماعات الخارجيّة ، فيأتيهم صوتها مُستغرِبًا : ألو
تنطِق وسن من بين تأوّهاتها : اُمّي
ناهد : بسم الله، وسن دي انتي يُما؟
وسن : أيوة يا أمي
ناهد : في شنو ! مالو صوتِك دا يابت!
تكتُم صُراخها : يُما أنا بولِد
تشهَق : كيف!! مشيتي المستشفى؟
وسن : لسه.. في الشارع، أمي لو حصَل لي حاجة
ناهد : يابِت بلا كلام فاضي معاك، ما بِحصل ليك أي شي تقومي لينا بألف سلامة إن شاءالله
تتعالى أنفاسها : أسمعيني بس يا أُمي.. عشان خاطري تعفي ليّ، ماعايزه غير عفوِك يا أُمي وعليك الله سامحيني، وبِتِّي .. بتِّي
يشتدّ ألمها، فينقطِع كلامها ، وتعلُو صرخاتها
عُمر مُبرِّراً : خالتي ناهِد، احنا في طريق سريعة هسي، هي خايفة بس ما أكتر، إن شاءالله كل حاجة حتكون كويسة
يُحاول طمأنتها، يتركها غارِقة في أسئلتها، ويُنهي المُكالمة..
يتنبَّه للسيارات القادِمة عكسًا لمسارِه، يضرِب المِقوَد مُمتعِضًا
تسألهُ من بين ألامِها : مالك يا عُمر
عُمر : دخلنا شارِع غلط، ما تشغلي بالِك إنتي بس خلّيني ألقى يوتيرن قريب
وسن : سامي وين..
عُمر : مفروض يكون قريب من الحتّات دي
وسن : عُمر أنا خايفة
عُمر : قرّبنا يا روحي، قربنا والله
تأتيه مُكالمة سامِي، يخفض رأسهُ ناظراً للهاتف
فتصيح وسن : عُمَر إنتبِه !!
يرفع نظرهُ لضوء الشاحِنة الذي حجَب عنهُ كُلّ شيء، وأقصاهُ إلى ظلام تلك الليلة مرغومًا.. يغيبَان، وتغيب في تلك الطريق صرخاتُ المخَاض وتهدأ
تتوقَّف سيارة غريبة، في تلك الطريق السريعة، يترجَّل عنها رجُل ، يتفقَّد تفاصيل تلك السيارة المُلقاة على هامِش الطريق، يصطّف حولها سائق الشاحِنة وبِضعٌ من الناس ، يشقّ تجمّعهم مُمسِكًا بقلبِه ، ما إن يرى زوجين روحهُ في ذلك المشهد، حتى يصرُخ هلِعا ..