#اِطلي_بِلَوْنِكَ_رُوحي
تتبدَّل ملامح وسَن إلى الجمُود، تُحاوِل جاهِدة إخفاء أثَر تِلكَ الرسالة عليها ولا تقدِر ، يتدخَّل عُمر أخيراً : في شنو يا وسن ؟ في حاجة حاصلة؟
تنفِي : لالا ابداً ، ماف شي
عُمر : لأ في ، إنتي ما شايفة وشِّك إتخطَف كيف ؟
تُداري خَوفها : ماف شي يا عُمر قلت ليك خلاص !
يتنهَّد : ممكن أعرِف منو الرسَّل ليك ؟
تنظُر إليه : لأ طبعاً ودي ما حاجة بتخُصَّك !
عُمر : لو سمحتِي
تأبَى : قُلت لأ يا عُمر
يخطِف الهاتف من بين يديها ، يقرأ الرسالة
تصِيح : إنت مُتخلِّف !!
يضع الهاتف جانبًا، يلتفِت إلى النافذة كابِحًا جماح غضبِه
تهمّ بالنزول
يُوقِفها : إستنِّي يا وسَن
وسن : سيب يدِّي إنت واحد متطفل ومابتعرف حدود الأدَب
يصِيح : بَس !! بس خلاص ! أنا ليّ فيك حق زي أُمِّك دي بالضبط ، وحقِّي العليك أكتر ، لأنو التنازلات الأنا قدّمتها لأُمك كلها كانت من حقِّي لكن آثرت دا كلو عشان أفُوز بيك ! أنا ما مُتطفِل يا وسن وحاولي تفهمي إنٍّك حياتي، ودُنيَتي، وكل حاجة أنا بملكها، والإنسان الوحيد اللي مستعِد أقيف قدّام أي شخص يحاول يبعدو عنّي، حتى لو كان الشخص دا أُمِّك
وسَن : أُمِّي ماعمَلت ليك حاجة إنتَ ليه بتتكلَّم عنّها كِدا !
يبتسِم هازئًا ، ينظُر إلى وسَن، يحملها ويطير بها إلى ذِكرى بعيدة ؛•••
كوالا لامبُور - قبل ٥ سنوات :
تُغلِق بابها بإحكام ، تأوِي إلى فراشها خائفة في كُل ليلةٍ تبيتُ فيها جيسي خارِج المنزل ، تُطفئ الأضواء، وتدفِن وجهها المُحتقِن بالدموع في دفء وسادتها، مضى يومَانِ لم تحادِث عُمَر فيهم، حظر من جميع مواقِع التواصل وحظرٌ لمكالماتِه ، ورقعةُ الأسى تتِّسع في قلبها مع كل محاولةٍ يبذلها قلِقاً كيّ يصِل إليها ، كانَت رسالتها الأخيرة لهُ " أنا آسفَة يا عُمر ، أنا مجبورة أنساك.. عشان خاطري أنساني، وخلّينا نعيش كأننا ما إتقابلنا، أنا ما بقدَر أعادي أهلي، مابقدر أعادي أمي، صدّق إنو البيحصل دا غصبًا عني، صدِّق إنو واجعني ، وإني بحبَّك يا عمر "
ما إن تشتدّ ظُلمة الليل، حتّى يُطرَق الباب ، تنهَض فزِعة بعد أن بدأت أحزانها تستسلِم للنَوم ، ترتدِي معطفها، تحمل بخّاخ الفلفل بيدِها وتتسحَّب نحو الباب ، ما إن تقِف خائفة خلفهُ حتّى يأتيها صوتهُ الغاضِب، الغائِب في حُزنِه : أفتحي الباب يا وسَن !!
تنتفِض، تتراجَع إلى الخلف
يصِيح : أنا عارف إنّك سامعاني، أفتحي الباب !
تجلِس على حافّة الكرسي قلِقة ، يترقرق الدمعُ في عينِها مهزومًا ولا ينهمِر
يهتزّ الباب بين يديْه : أفتحي يا وسَن عشان ما أكسِرو!!
تخرُج عن صمتها : أمشِي يا عُمر
يلتصِق بِجذعهِ على الباب : وسَن ! وسن !
تصِيح : أمشي قُلت ليك !!
عُمر : ماحمشي، ماحمشي يا وسَن، وحكسر الباب لو إضطريت ، وإنتي عارفاني ، أرجوك خلّي الليلة دي تمُر على خير
تنهَض ، تقِف خلف الباب مُباشرة، تهمِس بصوتِ مُختنِق بدموعه : عُمر
يفزّ قلبهُ : أفتحيه يا وسن
تصمُت
يصرُخ بهيستيريا : أفتحي الباب دا يا وسَن !!
تضَع أصابعها فوق المِفتاح، تلفّهم حولهُ، يُفتَح القفل، تتراجَع خطوتين للخَلف ، يضع يدهُ على المِقبض، يفتحهُ، فترتسِم بِهيئتها الهزيلة أمامهُ ، يدخُل، يُغلِق الباب بظهرِه مُعلٍِقاً نظراتهُ المُعاتِبة بها ، عينيها الغائبة لكثرة البُكاء، ظفائرها النائمة على كتفيْها ، مِعطفها الذي تشُد طرفيْه لتُدفّئ نفسها، شفاهها الراجِفة، وأنفُها المِحمَر ، يتقدَّم إليها بملامحٍ جامِدة ، ملامح اختبرَت خوف الفقد يَومين، مُنذ قرأ تِلكَ الرسالة وهوَ يدُور حول نفسِه جاهِلاً بالذنب الذي اقترفهُ ليُترَك، ليُقابَل حُبّه الشاسِع بهذا الرفض الغَير مُبرَّر ، يقترِب وهي تتراجَع خائفة ، ينطِق أخيراً كاسِراً هذا الصَمت المُطبَق : وسَن
تصدّ مُكابِرة، يُكرِّر : وسَن
تُحيط وجهها بِكفّيها، وتنفجِر باكيْة ، يهتزّ جسدها الصغير ، ويهوِي قلبهُ ، يُثبِّت ذراعيْها : وسَن
تأتِي كلماتها مُتقطِّعة : تِعبْت يا عُمر ، ورّيني بس أنا أعمل شنو !
يبحث بنظراته عن وجهها المٌختبِئ خلف كفّيها : تعملي شنو في شنو يا وسَن !
تجلِس على حافّة الكُرسي ، تروِي ما حدَث باكية : أنا ورّيتك، ورّيتك ياعُمر إنو أُمي ماحتقتنِع ، كلّمتها بدل المرة عشرَة، وأبوي كلَّمها، شاب مُحترَم يا ناهِد ، شاريها يا ناهد وحيعيّشها ملِكة ، بَس هي كُل الفي راسها ولد خالتي، كل قناعتها إني ما أتزوَّج من برّا العيلة وأغلط زي ما هي غِلطت لما اتزوّجت أبوي وهو غريب عنها، واتزوَّج عليها مرَّتين، فهّمتها إنو البتعمَل فيهو دا غلط، وأكيد مصيري ما حيكون زيّها، لا إنت نبيل الطيّب ولا أنا ناهِد محجوب، بس هي..
تصمُت مُقاومة سيل دمعها، تنفجِر أخيراً
يتأمّلها مكسوراً : وإنتي عشان ترضيها قررتي تشيليني من حياتِك بين ليلة وضُحاها يا وسن؟ كأنو البيننا لعبة خسرنا فيها وخلاص ؟
تصِيح : إنتَ مافاهم شي، مافاهم أيّ شي !!
ينفجِر : لأ فاهم يا وسَن، فاهِم إنّها أُمك وإنو الدين والعُرف والمنطِق كُلهم بيقولو أرميه، أرمي عُمر وأكسبيها، فاهم يا وسَن ، بس المافاهمو بالجّد، لياتو درجة كان سهل عليك تقفلي الأبواب في وشّي وتودّعيني بِرسالة من سطرين؟؟!
تُحني رأسها وجسدها النحيل يهتزّ مُتعَبًا لشدة مابكَت
يُكمِل : هل السنة البيننا دي مرَّت عليّ أنا براي يوم بيوم ولحظة بلحظة ؟ أنا أُمّي إتوفَّت لما كُنا بنخطِّط ناخد خطوة جادّة في علاقتنا يا وسَن، ماتت وهيَ أُمنيتها الأخيرة كانَت إنو تشوفني عريس، بس إنتي رَفضتي، وقُلتي لسّه بدري، لسه ماقادره تمهِّدي لأهلِك، آمنت بالله وإستنّيت، إتوفَّت أُمي يا وسن، شالَت معاها أُمنيتها وإتوفَّت، ولا زِلت مُستنِّيك، وماليّ في الدُنيا غيرِك ، إنتي بس اللي بقدَر أدّيها ضهري وأنا مُتطمِن، إنتي الوحيدة اللي دخلَت حياتي لوّنتها وأدّتها طعَم، الوحيدة العلّمتني كيف أتمسَّك بالعايزو وكيف الشركة الصغيرة تبقَى مؤسسة وكيف حِلم أبوي المات وماتمّاهُ يبقى حِلمي، إنتي بَس الأنا حبّيتها ومُستعِد أموت لِي حُبّها يا وسَن ، ومُتأكَّد لو لفّ الزمن ودار وشُفتها في موقع الإنشاء تاني حمشي بدون أدنى خُطّة وأكلّمِها وتهزئني، وأستحمَل لحدّي ما تدّيني قلبها، وحُبها ، كنت حستحمَل حكاياتها عن مُعجبينها من أوّل وجديد وكُل عريس أهبل بيتقدَّم ليها، كنت حتحمَّل إني شفّاف في نظرها لحدِّي ما تقدَر بقلبها تشوفني، وتكُون ليّ، بس ليّ ،
يتأمّل إنحناء رأسها وصَمتها الذي يُقطِّع كُل أوصال أملِه ، يُردِف : أنا يمكن فهمت مُتأخِّر، بس إسمي في الآخِر فهمت، أنا عُمري ما كُنت ليك زي ما إنتي كنتي ليّ ياوسَن، يصدّ عنها ويُردِف : شكلي إتعشّمت !
ترفع نظرها إليه، مُشيحًا بجسده، يُهروِل مُسرِعًا نحوَ الباب
تنهَض ،تُهروِل خلفهُ، تشُدّ ذراعهُ ، يلتفِت إليها، يغرَق في حُزن عينيها : ما تبكِي يا وسَن، ماتبكِي ، كل حاجة حتتِمّ زي ما إنتي عايزة، إعتبري اللي بيننا ما كان زي ما قُلتي، يُقبِّل بين عينيها ويُردِف : وأوعِدك إني ما حتعرَّض ليك تاني
تشُد أطراف قميصهِ وتبكِي ، يُفلتها، مُتجهاً نحو الباب ، تصيح : عُمر !
يفتح الباب ببطء، أمام نظراتها المُتوسِّلة بقاؤه، وطواعيّتهُ لتنفيذ قرارِها، يذهَب، تائهًا في ألمِه، وهيَ خلفه، أرهقها الأسَى وقِلّة الحيلة ..