#اِطلي_بِلَوْنِكَ_رُوحي
يمُد لها بِكفّه، تتراجع إلى الخَلف، وخوفها يزدادُ كلما أمعَنت النظر في عينيه.. ظلّت تُردٍّد، مَن أنت! أرجوك أخبِرني من أنت؟، حتّى سقطت فاقدةً للوعي..
تُفيق، لتجِد نفسها في منزل الشجرَة ذاك، تستعدِل جالسَة، تسمع صوت خطواتِه صاعدًا إليها ، تتدلّى قدمها عن السرير ، يدخُل إليها حامِلاً كُوب ماء : صحيتي
وسَن : مين قالّيك اني كنت نايمة؟ أفرِض مُتّ
يُمد لها بكوب الماء : ما بالسهولة دِي
تُمسك بكوب الماء، عطِشه، تشربه دفعةً واحِدة ، يستلمه منها ليضعه جانبًا، ويجلس بجوارها
تنظُر إليه بإستنكار
ينظُر إلى عينيها بجُرأة، لأول مره
تخفض نظرها بحيَاء ، تنهَض عنه
عُمر : ماتطلعي برّا لأنك حتقعي، الحتة دي عالية شديد
تنظُر إليه : وأنا وصلت لحدي هنا كيف
عُمر : أغمى عليك ، فَ شِلتِك
وسن : شايفاك إستحليت الموضوع
يبتسِم نصف إبتسامة
تستغفر وتصدّ عنه، متأمّلة بيت الشجرة هذا ، تستنِد إلى أحد الأركان فجأة ناظِرةً إلى عُمر، ينهَض ليُمسك بها : انتبهي، الأركان دي عبارة عن أغصان شجر، ممكن عادي تتكسر وتقعي
تُفلت ذراعها من قبضتِه : خليك في نفسك
يتراجع للخلف : تمام
يجلِس على حافّة السرير : ممكن أسألِك سؤال
وسن : لمّن تجاوبني انتَ على أسئلتي أول
يتجاهلها طارحًا سؤاله : شنو الظرف الصحّي، الخلّاك توقفي دراستك ٥ سنين
تنظُر إليه بتحدٍ : إنت مش عامل فيها عارفني؟ بتسأل ليه؟
عُمر : أنا عارف، انتي اللي ما عارفة
وسن ساخِرة : يا سلام ، دا على أساس إنك عايش معايا زي ضُلّي
يبتسِم : عالأقل يوم من الأيام كُنت كدا
ترتبِك، تُضيف : إنت واحد مُختَل، أمشي إتعالَج
يُكرر: ما جاوبتيني
وسن : ظروف خاصّة
يفاجئها واثِقًا: عملتي حادِث
يهوِي قلبها مصدومًا
يُكمِل : دماغك مُصاب، فقدتي وظائف الكلام مُدة سنة وأكتر.. وفقدتي ذاكرتِك ياوسن ، ذاكرة آخر عشرة سنين من حياتك إتمسحت كُليًا..
تتعالى أنفاسها، تجلس على حافّة السرير خائفة، لم تؤثّر عليها صدمة معرفته لهذه الأحداث، بقدر ما هزّت قلبها تلك الحادثة السوداء وذِكراها التي لا تمُوت، تُجهِش باكية أخيرًا بعد أن فقدت السيطرة على كل شيء
ينظُر إليها طاردًا دمعهُ، ورُقعة الأسى تتسّع في قلبه، ولمعة الحُزن تزدادُ في عينيه
يُربِّت على هذه الكتف التي لطالمَا استندَ برأسهِ عليها، كم بدَت غريبة بعد خمس سنوات من البُعد.. تستدرِك وسن ما يحدُث، تمسح دمعها وتبتعد بجسدها عنه،
تنظُر إليه بوجهٍ مُحتقِن وعينين حمراوين: إنتَ منو ؟
ينظُر إلى هاتين العينين بِضعف مُتناهي : عُمر يا وسَن ، أنا عُمَريطُول الصمت بينهم، تنهَض وهي تصِيح : ما بعرفَك أنا ما بعرفَك! سيبني في حالي رجّعني لحياتي! الله يرضى عليك خلّيني! عايز مني شنو!
يخرُج عن هدوءِه ، ينهَض أمامها ويصرُخ : أنا كمان عايز حياتي ! حتى أنا عايز حياتي اللي انتي شلتيها معاك ومشيتي!
تبكِي: والله ما بعرفك.. والله مابعرفَك
يقترب إليها والدمع يقطُر بينهم كالماء، يهمِس باكيًا : انتي ماعرفتي غيري يا وسَن، ما عرفتي غيري
تنظُر إلى عينيهِ بِتيه : طَب ورّيني، ذكّرني، أنا مريضة.. أنا حياتي بدت من بعد الحادثة، أنا كل حاجة بعرفها عن نفسي عرفتها من أُمي ومن رغد ، أنا كيف أصدّقَك! أديني أمارة وحده أصدقّك بيها!
يتراجع للخلف، يأخذ نفسًا عميقًا ، ثُم ينطق : عمليّة زائدة، من لما كنتي طفلة عمرك ١٠ سنين، أثرها تحت بطنك مُباشرة، طيّب التطعيم حقك اللي على شكل قلب في كتفك؟ شعرِك اللي بتقصيه كُل ما تزعلي، الصدقات اللي بتطلعيها كُل فترة ومافي زول عارفها غيري.. دي كلها ، ما أمارة عشان تصدّقيني!
تُعلِّق نظرها بهِ مشدوهة
يُضيف : برضو حتسأليني إنتَ منو؟!
تُغطي فمها بِدهشة: إنت.. إنت كيف عارف، تفاصيل موجودة في جسمي، إنت ..!!
عُمر : أوعك تفكري إني استغليت نومك ولمستك، لأنك حتى لو غبية ماحتفكري كدا.. طب انا لو عرفت التفاصيل دي قبل شوية حعرف قِصصها من وين؟ حعرف ماضي كل علامة في جسمك كيف؟! وسَن ، أنا بعرفِك ليّ أكتر من ٥ سنين
تهزّ رأسها نفيًا : مُستحيل.. مُستحيل
يهزّ رأسه مؤكداً : أيوة.. الحادث كان آخر شي بيننا.. الحادث كان الفاصل بين قبل خمسة سنين والليلة
تصيح : مُستحيل!!
عُمر : تقدري تحكِي لي مُلابسات الحادث ؟ أو كان وين؟ يقترب خطوتين منها : أو خلّي دا كلو، مين اللي كان معاك وقت الحادث دا يا وسن؟!
تهمِس بصوتٍ راجف : جيسي ، الروم ميت حقتي
يُصحّح : أنا اللي كنت معاك لما حصل الحادث.. أنا اللي كنت سايق يا وسَن
تواصل إنكارها : لا.. لا
يمسح وجهه الذي جفّ الدمع فيه : دي الحقيقَة
تصيح : إنت واحد كذّاب، ونصّاب، إنت مٌختطِف ومجرِم ! أنا مستحيل تربطني بيك علاقة من أي شكل أو نوع !
يبتسِم مكسورًا : معليش.. دي الحقيقة
تهروِل نزولاً عبر الدرج الخشبي، يلحَق بها
وسَن : مستحيل أصدق كذبك وإدّعاءك دا، مستحيل فاهم!!
يُمسك بذراعها، تصرُخ : فكّني !
يُخرج هاتفهُ من جيبه، يبحث في الملفات بينما تحاول هي الخلاص من قبضته المُحكَمَة على ذراعها
يمُد شاشة الهاتف أمام وجهها أخيرًا ، تُقطِّب حاجبيها بإستنكار : دا شنو ؟!
عُمر : أقرِي
تستلم الهاتف منهُ
يُردِف : دي صورة من ملفّ القضية حقت الحادث اللي اتفتحت هنا ، والضابط اللي فتَح المحضَر موجود، لو ما أخاف تهربي، كنت ودّيتك ليه .. المحضَر فيهو إسمي وإسمك بالكامِل، بالتاريخ والساعة والدقيقة، دا ورَق حكومي ما لِعب
ترفع نظرها إليه مُستنكِرة : مُ.. مُستحيل
عُمر : صدِّقي
وسن : أنا .. أُمي ، أمي ماقالت لي كدا!
يُفلت ذراعها : للأسف ، هي زيّفت كل حاجة
تُقطِّب حاجبيها : كيف تسمح لنفسك تقول عن أُمي كدا !
عُمر : أنا ما بقول من عندي ، هي فعلًا زيّفَت كُل حاجة ، عارفة إنها عندها كل باسووردات حساباتك؟
وسَن : أيوة، شيء طبيعي
عُمر : الماطبيعي إنها كانت بترُد على رسائلي وتحذفها فورًا
وسن : كذب.. إنت كذّاب !
يفتَح هاتفهُ، يُطلعها على بعض الرسائل : دا ما تزييف، دي الحقيقة، شوفي بنفسِك ، شوفي رسّلت ليك من كم آكاونت.. شوفي كم مرّه بترفِض وبرجع، وأكيد الرسائل دي كلها ممسوحة من عندك
تفتح عينيها على إتساعهما ، بصدمةٍ ألجمتها عن الكلام
عُمر : لسه ما مصدّقاني يا وسَن
تبكِي : أنا .. أنا مامُتذكِّرة أي شي.. ما قادرة أتذكر أي شي بيربُطني بيك
يبتلِع ريقهُ مِراراً : اللي بيربُطنا ببعض أكبر من إني أحكيه في يوم واحد ، أكبر من إني أحكيه أصلا.. لازم تحسّيه وتشوفيه بنفسك يوم بعد يوم يا وسَن
تُعلِّق نظرها بهِ : كان.. كان بيننا شنو؟
يخفق قلبهُ
تتزاحم أحاديثٌ كثيرة في صدرِه، ولا يدري بما يبوح أولًا، يدري أن ما بينهم عميقًا.. يسري في الدم ويُعانق الروح.. ما بينهم أحال رماديّة حياتِه إلى ربيعٍ من الألوان، ما بينهم أحيَاه وأماتهُ، مابينهم إمتدّ حتى استحوذ عليه وإمتلكَه، ما بينهم لا يُروَى، لا يُحكى، عصيُّ على الكلمات.. عصيٌّ على الشَرح..
يتنهَّد : ممكن نرجع البيت، وبعدها ن..
تُقاطعه بحزم : أنا عايزه أعرف، يا إما الآن أو ابدًا
يتأمّلها، يتأمَّل هذا العِناد.. إنها هيَ، لم تتغيَّر !
يرنّ هاتفهُ ، يرتبِك ، يستأذنها ويُجيب،
يأتيه صوت المُربيّة مُستسلماً : أستاذ عُمر ، بيان ما راضية تاكُل من الصباح، والله غلبت معاها حيلة، الدكتور قال لازم تاكل كويس عشان تاخد أدويتها
يتنهّد : خلاص تمام، أنا جاي خلاص.. يلا مع السلامة
تنظُر إليه بإنتظار تبرير
يتنهَّد : أنا مُضطَر أمشي
وسن : لا انتَ ما حتخلّيني في نص الطريق كدا وتمشي!
يتوقّف عند هذهِ الجُملة مُطوّلًا ، يالهُ من ظُلمٍ عظيم أن تترك حائرًا في منتصف الطريق وتمضي.. شعورٌ اختبرَ مراراتهُ خمس سنوات يومًا بيومٍ وساعةً بساعة
ينظُر إلى عينيها نظرة بألف كلمة : ما حطوِّل
وسَن بِعناد : ما حتمشِي ما لَم أفهم وتجاوبني على كُل أسئلتي !
عُمر : مُضطر يا وسَن
تتنهَّد : طيّب أنا عايزه أكلِّم أُمي
عُمر : أقدر أوثق فيك وأسلِّمك تلفونك؟
وسَن : بس حطمّنها.. أنا عند كلمتي
ينزل درجات السلّم ، يمُد لها بهاتفها الذي كان بحوزته مُنذ أتى بها إلى هُنا..
وسن : إستنّى ، كيف حرجع البيت!
يُشير للحارِس الذي أتى بسيّارته ليأخذهم : حيوصّلِك هو..
يتراجَع حتى يحفظ تفاصيل وجهها ويذهَب
تاركًا اعترافاتهُ عند عتبة قلبها، يرجُوا أن تُصدّقه، وتظَل..