#اِطلِي_بِلَوْنِكَ_رُوحي
ماليزيا - كوالا لامبُور ؛ قَبل ٥ سنوات من الآن :
مرَّ أسبوعان على الحادِث، ولا زال عُمَر عالِقاً في تلكَ الليلة، تتسرَّب الدقائِق من بين يديِه، ولا يسعهُ تفادِي هذا الضيَاع.. محبوبتهُ التِي غفَت مُنذ وقتٍ طويل، ولم تُفيق ، جالسًا أمام فِراشها الأبيَض، شاحِب لا يُناسب جمُودهُ ألوان رُوحِها الحيَّة، وجهُها الذي غدَا غريبًا مُفرّغاً من تفاصِيله، وقلبهُ الذِي يحمل آخِر صرخاتها ويُعيد ذِكراها كُلّ يوم، لازالت غائِبة في غيبوبةِ تُأرِجحها بين الحياةِ والمَوت، طفلتهُ التِي لم يهنأ بوِلادتها حتَّى الآن.. تحتضنها أسِرّةُ الحضانة فضلًا عَن حُضن أُمِّها، مُكالمات ناهِد التي لم تهدأ مُنذ أسبوعين، وسامِي القلِق، يقِف خارِج الغُرفة كُلَّ يوم، يرقَب خبراً واحِداً يُعيد لهُ الحياة ..
سارِحاً في الفراغ، يتنبّه بغتةً لحركة سبّابتها، ينهَض ، يخرُج صوتهُ مُتردّداً يخشى إن كان يحلُم : وسَن !
ترمِش بعينيْها، يخفق قلبهُ، تبرد أطرافهُ، يُمسِك بِكفّها : وسن إنتي سامعاني !
تفتح عينيها بِبطء، تدمع عيناه ، تشُقّ إبتسامتهُ المُرهفَة سيل دموعه : وسَن إنتي فُقتي! إنتي سامعاني؟ شايفانِي يا روحي؟ ينظُر إلى عسل عينيها عميقًا ويتساقط دمعهُ على صدرِها غزيراً
يأتيه سامي هَرولة، يقِف خلفه مُترقِّبًا يحبس أنفاسه
تهمِس ، ونظراتها تدُور غير مُتّزِنة : أ..أُمي
يقترِب منها، يُقبِّل رأسها بِعُمق : أُمِّك جاية في الطريق يا روحي، كلها كم ساعة وتكون جمبك، بس إنتي قومي لينا بالسلامة!
تنتفِض، يُربكها قُربهُ، تُعلِّق نظراتها المُستغرِبة بهِ وتنطِق : إنت منو؟
يخفت بريق إبتسامته، يلتفِت إلى سامِي مُرتبِكاً، يعود لينظُر إليها : وسَن ، إنتي ما شايفاني ، أنا عُمر
تنكمِش على ذاتِها خائفة، تُداوِل نظراتها بينهُ وبين سامي : إنتو.. إنتو منو
يجلِس إلى جوارها، يقترِب لِيُمسك بكفّيها ، تنتفِض بِشدّة
عُمر : وسن ، حبيبتي إنتي ماعارفة أنا منو ؟
سامِي : شكلها بتهظِّر معانا
يُمسك عُمر بِكفّها، تنهَض فزِعة، ينهَض خلفها ، ينفصِل المُغذِّي عن كفِّها ، يقترِب منها فتتراجَع ، تُقاوِم ثِقل رأسها عبثًا، تهمِس مِراراً "أُمي.. عايزه أمي" إلى أن تسقط مغشيًا عليها ، بين ذهول سامِي وهلَع عُمر..يهرَع سامي لإستدعاء الطَبيب، تصِل والِدة وسَن أخيرًا، يقِف عُمر في مُنتصَف الغرفة، يسمع صخَب الممرضين حولهُ مِثلَ طنينٍ بَعيد، بُكاءُ ناهِد طنينٌ بعيد، نِداءات سامِي وصوت جهازٌ يقيس مؤشّراتها الحيويّة.. كلّ هذا طنينٌ بعيد، وحدهُ صوتُ الطبيب حين أخبرهُ قبل فترة "هُناك إحتماليّة كبيرة أن تفقد المريضة ذاكِرتها، لسنا مُتأكدين لكننا نتوقَّع أسوأ الإحتمالات مِستر عُمر.." وحدهُ هذا الصوت ظلّ صاخِباً يُخفِض بقيّة الأصوات، يستحضِر كلمتها الأولى " إنتَ منو" يغِيب نبضهُ ويعود ، "إنت منو؟" كلِمة واحِدة، بدأَت منها كُلّ عذاباتِه..