خمسَة عشّر؛ مَحكومُون.

35 19 18
                                    

صبَاحُ الخَامِس عشرَ مِن شهرِ آذار.
التَفكِيرُ فِي الموتِ عَادةً لَم يُخفنِي البتَة، لأنهُ يأتِي مُفاجئةً و حَتىٰ لَو آتانِي فَأنا مُستعدٌ لَه.
لكن.. مُجردُ مَعرفةِ أن هَذهِ هِي آخرُ نِصفِ سَاعةٍ لَك فِي هَذهِ الحيَاة، و أنتَ تتذَكر مَا فَعلتُ و تفَكر فِيمَا تُريدُ فِعله، يَجعلكَ ترغبُ فِي الحَياةِ و الإستمرَار.

عِند النظّر لحَياتي الشخصِية فقَد أحبَبتُ إيمّان، تخيلتُ تِلك الحياةَ التيّ سنعيشُها معًا بعدَ أن تنتَهي الحَرب، و أنها عِندمَا تَلدُ سأسمِي إبنِي بـ " عُمر " عَلىٰ إسمِ جَده.

كنتُ سأروِي لهُ معَاركِي و دفَاعِي مَع رِفاقِي عَن وطننَا ليفتَخر بهَا أمامَ أصدقَائهِ فِي المَدرَسةِ، و يرويهَا لأبناءهِ مِن بعدهِ ليفخَرَ أبناءُنا بأجدَادهم.
كانت أمِي لتَفرحَ بحَفيدِ العائلةِ الأَول، و كُنت سأربيهِ خيرَ تربيَةٍ.

ماذَا عَن إبنتِي وَتين؟، ألَن تحصُل إبنتِي الثَانية عَلىٰ الحَنانِ مِن والدهَا؟، أكانَت لتَكونَ عينَاها بُندقيةً كعَينِي وَالدتها؟ أوهَل كانَت لتكُون بطِيبة قَلب جدتها؟
آه لو بقيتُ حيًا لأعيشَ و أحَققَ حُلمي و حُلمهُم، لَكن المَوت قضاءٌ و قدرٌ فِي النهاية..

هَا أنا ذَا الآنَ مُكبلٌ أمامَ حشدٍ كبيرٍ مِن النَاس.
نظرَاتهم بينَ الفخرِ بشبَابهم اللذين تَفصلُ المسَافة بينهُم و بينَ الموتِ ما يَفصل بينَ عينَيكَ و هذهِ السُطور، أصواتُ نَشيجهم وصلَت مَسامعي.

نظرتُ للسمَاءِ أخيرًا، صافيةٌ زرقاءُ جميلةٌ.. يومٌ جيدٌ لأذهبَ إليكَ يَا الله!.
غطوا رأسِي بكيسِ بلاستِيكيٍ مُستعدِين لتثبيتِي عَلى المِقصلةِ.

مِن ثَم صوتُ قرعِ الطُبول المُعلنةِ عَلى لحظَاتِي الأخيرَة فِي هَذه الحَياة.
"أشهَدُ أنّ لَا إلهَ إلَا الله.. و أشهَدُ أنّ مُحمدًا رسولُ الله!."

رصاصة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن