رواية "عهد"
الكاتبة/ رحمة عبدالله
الفصل ١٧
يعلم صديقه انه قد ضغط على جرحه الذي يحاول مدارته عن الأعين، اكمل زين كلامه: انت هتعمل اي بقا معاها؟ هاتعمل زي ما عملوا مع تالين صح؟ وتجيب اخوها يتفرج زي ما انت.
قاطع كلامه لكمة باسم له، نظر له باسم بصدر يعلو ويهبط من شدة الغضب ثم قال: إياك يا زين تجيب سيرة اللي حصل دا تاني، إيااك.
نظر له شرزًا ثم غادر المكان، ليجلس زين ويتحسس مكان قبضته، يجب عليه فعل ذلك كي يفيق باسم مما فيه، قد تغير كثيرًا بعد موتها، ليتها لم تمت، ليتها رأته وهو بحالته تلك.
***
افاقت على صوته يقول: هو انا كل ما اجي الاقيكي نايمة؟ فاكرة نفسك قاعدة في فندق!
نظرت له ثم اغمضت عيناها من جديد ليهدر بصوت غاضب: قــومــي!
قامت ثم جلست على الكرسي بعدما اصلحته، وضعت قدمًا فوق الأخرى ونظرت له بنعاس ثم قالت: ما انت خاطفني! منامش ليه بقا، هو انت هاتشغلني عندك؟
نظر لها بضجر ثم خطرت بباله فكرة ليقوم ويتجه لها، ارتعدت عندما وجدته يقترب لتهب واقفة بسرعة، اقترب اكثر لتحاصر بينه وبين الحائط، تكلمت وهي تنظر الى المسافة التي بينهما: ابعد لو سمحت متقربش كدا.
ابتسم بسخرية وهو يقترب اكثر ويقول: اصل بصراحة جت في دماغي فكرة حلوة.
نظرت له بخوف ليقول بصوت منخفض: هاتشتغلي عندي خدامة، دا مقامك.
ولى لها ظهره ثم مشى عدة خطوات قبل ان يقول: جهزي نفسك بكرا عشان هاتبدأي شغل، عايز الشقة بتلمع.
نظر بطرف عينه لها ثم انصرف.
***
دخل الى غرفتها بعدما عاد من عمله، مضى يومان على اختطاف اخته ولم يصل الى شيء.
وجدها ترتدي فستانًا وكأنها تستعد للخروج الآن، اقترب منها ثم قال: بتدوري على اي؟ وبعدين انتي لابسة الفستان دا ورايحة فين كدا؟!
التفتت ليلتفت معها شعرها الأصفر المائل الى البرتقالي، نظرت له قبل ان تقول: خلاص، كدا خلاص لازم اروح اجيبها، محدش هايرجعها غيري.
صك على أسنانه ثم تكلم وهو يسيطر على غضبه: عهد انا اتكلمت كتير وقولتلك مينفعش، مش هاضحي بيكي عشان فيروز ترجع، غيري الفستان دا واستهدي بالله فيروز بإذن الله هاترجع قريب.
اقتربت منه بلهفة وهي تقول: اي دا انت عرفت حاجة طيب؟
نفى برأسه وقال: معرفتش حاجة بس باسم ميقدرش يعملها حاجة عشان هو عايزك انتي مش هي.
صمت ثم تابع: هي ماما نايمة؟
اومأت عهد برأسها وقالت: هي بتاكل بالعافية اصلًا، وبعد ما بتاكل بتاخد الدوا وبتنام.
اومأ برأسه ثم ذهب الى غرفته كي تبدل ملابسها.
***
كانت تغسل الأطباق عندما شعرت بأحدٍ ما يقف خلفها، التفتت بسرعة لتصطدم بصدره العريض، ابتلعت ريقها بصعوبة وهي تتنفس بسرعة وتقول: انت..انت بتعمل اي هنا؟
ابتعد قليلًا ثم وقف مستندًا الى الحائط بجواره وقال مبتسمًا ابتسامة غريبة: قولت اتفرج عليكي وانتي بتغسلي المواعين.
نظرت له بعصبية وقالت وهي تشير الى الاطباق: على فكرة انا لو نفذت كلامك ف دا عشان اسلي وقتي مش اكتر، لا تفكر نفسك الواد الشبح اللي بيمشي كلامه عليا.
اضافت وهي تتخصر وتنظر له بسخرية: عهد حكتلي على اللي كنت بتعمله فيها، فأحب اقولك اني مش عهد، انا فيروز خالد سعيد اللي ممكن تخليك تلف حوالين نفسك.
نظر لها نظرة طويلة لم تفهمها ثم اقترب وهو ينظر لها بنظرة اربكتها، قال بصوت يخيم عليه الهدوء: طيب يا فيروز خالد سعيد، انا عمري ما هاعمل معاكي زي ما عملت مع عهد، انتي مجرد سبب جاية هنا لحد ما اخوكي يرجعلي عهد وبعدها هاتمشي.
استدار كي يمشي فسمعها تقول باستفهام: انت لي مُصرّ ان عهد ترجع؟ يعني انت لو بتحبها مثلًا وهي مش بتحبك ما تسيبها، انت مش هتاخد الحب بالعافية.
نظر لها ثم قال: اولًا شيء ميخصكيش، ثانيًا كملي غسيل عشان لما ارجع هاتبقي تعملي العشا.
ثم استدار ثانيةً وذهب..
صفى سيارته في شارع جانبي، سار بخطوات هادئة لبضع دقائق قبل ان يصل الى سور قصير يطل على النيل، تنهد وهو يتذكرها حينما اتى بها الى هنا في اخر مرة، بقيت تقفز بسعادة وهي ترفع يديها الى فوق مستشعرة نسمات الهواء الباردة، سار الى الحافة ثم جلس عليها وهو يتأمل النيل امامه، بجانبه عربة صغيرة كان دائمًا ما يشتري منها اي شيء ساخن لها، شعر بيد توضع على كتفه نظر ليجده صديقه الذي لطالما كان عونًا له، ابتسم له ليقول: قفلت العيادة ورنيت عليك لقيتك قافل التليفون، كالعادة عرفت انك هاتيجي هنا.
نظر له ثم الى النيل وهو يحارب تجمع دموعه، يحارب ذكرياته التي تهاجمه الآن، استمع الى صديقه يقول: انساها يا باسم، انساها عشان تعيش.
كأنه ينتظر قول حرف اخر حتى ينفجر به، صرخ به باسم بصوت مختنق: انسى اي؟ انت مش حاسس يا زين، ولا عمرك هاتحس باللي انا حسيته ساعتها وهي قدامي، بسبب صفقة السلاح بتاعت طارق ماتت، ماتت عشان اتأخر في دفع الفلوس وكان ناوي ينصب عليهم.
صمت قليلًا ثم قال بابتسامة تحمل في طياتها الألم: قبل ما نتخطف انا وهي كنا هنا، كانت ساعتها طايرة من الفرحة عشان ابوها وافق اني اتقدم وادالها معاد..لما طلعنا من هنا كان فيه عربة سواد ورانا، فضلوا ماشيين لحد حتة مفيهاش حد ولقيت تلات عربيات تانية جاية قدامي، ولما خطفونا كانوا بيحسبوها مراتي..
سكت عندما شعر انه سيفصح عن ذاك السر الذي حفظه منذ موتها ولم يعرفه احد غيره، نظر الى النيل ثانيةً في محاولة منه لكبت دموعه..
اكمل وهو ينظر بشرود: شبهها، فيها كتير منها، تحسها هي بس شكلها متغير.
سأله زين متعجبًا: مين دي؟
- متاخدش في بالك.
اجابه باقتضاب ثم نهض
***
كانت جالسة وهي تحاول فتح النافذة، تأففت بضيق وهي تقول: ملصم الشقة كلها ابن الوارمة.
قامت لتخرج ولكن جذبها صندوق كبير الحجم كُتب عليه "تالين"، اقتربت والفضول يتآكلها ولكن وقفت وحدثت نفسها قائلة: لا لا مينفعش افرض رجع ابو رجل مسلوخة دا وشافني هنا، دا احتمال ياكلني.
ولكنها عادت تقول: لا بس هو كل يوم بيرجع متأخر هايجي النهاردة بالذات ويرجع بدري!
اتخذت قرارها وذهبت نحو الصندوق ثم فتحته لتجد الكثير من الصور والورق المكتوب عليه بأقلام حبر أزرق وأحمر وأخضر، وجدت مجلد كُتب عليه من الخارج " مذكراتي" انتابها الفضول حوله وحول تلك الفتاة التي تضحك بكل الصور وكأنها تدب بها الحياة، امتدت يدها لتأخذ الصورة ، اخذتها وتفحصت ملامح الفتاة لتبتسم تلقائيًا لضحكتها.
- فيروز.
صدح صوته فالتفتت اليه برعب..
#عهد
#الكاتبة_رحمة_عبدالله
رأيكوااا💎💙
أنت تقرأ
"عهد"
Romanceضائعة، تائهة، تسير في طريق صخري جعل قلبها ينزف وما مِن مُنقِذٍ..حتى أتى وانتشلها..انتشلها وهو لايعرفها ولكنه القلب، وليس لها على القلب حكم..!