الفصل 18

167 8 2
                                    

اللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
رواية "عهد"
   الكاتبة/ رحمة عبدالله
   الفصل ١٨
   ألتفتت فيروز برعب لتجده يقف امامها ولكن به شيءٌ ما، تكلم بعصبية خفيفة وهو يرى الصندوق بجانبها: انتي فتحتيه ليه؟
   لاحظت ثُقل لسانه، تحرك نحوها بترنح لترجع خطوة الى الوراء وهي تقول بخوف: انت..انت سكران!
   مازال يتقدم إليها، وقف قريبًا منها ثم امتدت يده ليأخذ صورة الفتاة التي بيدها، لاحظت دموعه التي لمع بريقها في عينيه، تكلم وهو ينظر الى الصورة بحب: تالين، وحشتيني.
  بدأت دموعه تزداد وهو يقول: سيبتيني ليه؟ عاجبك حالي كدا من غيرك؟
  امسك برأسه وهو يترنح ليجد فيروز تمسك بذراعه تمنع سقوطه وهي تقول بقلق: طب تعالى اقعد هنا وانا هاحضر العشا وهاروح الأوضة.
  نظر لها عدة ثواني ثم امسك بيدها وقال بابتسامة ضائعة: فيروز..انتي شبهها اوي، كانت جميلة.
  ابتلعت ريقها بصعوبة وهي تسحب يدها من يده ثم تسير عدة خطوات الى الوراء، تكلم بنبرة تميل الى البكاء: فيروز متمشيش..خليكي معايا، انا مش هاعمل حاجة.
نظرت له ثواني قبل ان تقول بهدوء: انت هاتمشيني امتى؟
،نظر لها لثواني ثم قال وهو يضع رأسه بين يديه: انا مش عايزك تمشي، مش كفاية هي مشيت وسابتني.
ابتلعت ريقها ثم تقدم منه وجلست بمسافة شبه بعيدة، قالت بهدوء محاولة معرفة هوية الفتاة: هي مين دي؟
نظر لها ودموعه تنهمر وقال بصوت متحشرج: تالين.
نظرت له بإستفهام ليكمل وهو يمسح دموعه بظهر يده: حبيبتي، كنا بنحب بعض وهنتجوز بس..بس هما خدوها مني.
وضعت يدها على كتفه وقد شعرت بألم وهي تراه يبكي كطفل فقد امه للتو، قالت بتأثر: طب هي فين؟ مين اللي خدوها؟
نظر لها ثم انفجر باكيًا، انتفضت وهي تراه يبكي بهيستيرية هكذا، لم تعرف ماذا يتوجب عليها فعله، ربتت على كتفه الصلب عدة مرات ليقول من بين بكائه: خدوها، افتكروها مراتي، اعتدوا عليها قدامي وانا متكتف..سامعها بتناديني وبتصرخ..وانا..اناا ياريتني كنت متّ مكانها.
سكت وهو يتابع بكائه الذي شاركته اياه فيروز، لم تتخيل أنه قد تحمل كل هذا، ربتت ثانيةً على ظهره وهي تقول بصوت مختنق من البكاء: الله يرحمها.
هدأ قليلًا ثم تسطح على الأريكة، وضع رأسه على قدميها لترتجف وهي تقول وتمسح دموعها: باسم مينفعش..قاطعها وهو يتناول يدها بين يديه: مازن..اسمي الحقيقي مازن يا فيروز،  باسم دا الشهرة..
اكمل وهو يضع يدها على خصلاته البنية الفاتحة: فيروز ..خليكي معايا، انا مش وحش والله..هاتغير..
سكت قليلًا لتمشي يدها على خصلاته برقة، قد عانى كثيرًا ولم يشفق عليه احد، بداخله طفل يختبيء من ويلات الدنيا، ولكن هل من مفر؟!
ثقلت اجفانها ليغلبها النعاس وهي جالسة، اراحت رقبتها الى الوراء وذهبت في ثبات عميق.
***
حاول تهدئة امه الباكية قائلًا: متخفيش يا ماما، احنا بندور عليها ف كل الأماكن اللي كان بيروحها، وسألنا ناس من الشارع اللي كان ساكن فيه وبيقولوا انه عنده شقق تانية.
تساءلت بلهفة وهي تمسك بيده: بجد يا بني، فيروز هاترجع قريب؟
اومأ لها وهو يعانقها، ربت على ظهرها وهو يقول: ولحد ما ترجع لازم تاكلي كويس وتاخدي علاجك، عهد بتقولي انك مش بتاكلي وبترفضي الأكل.
- من خوفي وقلقي على فيروز، ابوكوا سايبكم امانة في رقبتي يابني.
سكتت قليلًا لتقول ببسمة صغيرة: روح اقعد يا حبيبي مع عهد وانا هانام شوية.
اومأ لها موافقًا ليغادر الغرفة مغلقًا الباب خلفه، سار عدة خطوات ليسمع صوتها وهي ترتل القرآن:
"يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ ۖ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَٰنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا" سورة طه- آية ١٠٨
نظر لها بابتسامة لطف ثم ذهب وجلس امامها لتغلق المصحف بشبح ابتسامة وهي تقول: انا هقوم احضرلك العشا.
امسك يدها يمنعها من النهوض وقال: اقعدي بس كدا.
تابع وهي تنظر له: انتي عارفة معنى الآية دي؟
اجابته: مش اوي، يعني مقرأتش التفسير بتاعها، بس هي بتتكلم عن حدث من احداث يوم القيامة.
امسك يدها التي بها المصحف الشريف وقال: الآية دي معناها ان تجمع الناس يوم القيامة مش هايبقى فيه جلجلة ودوشة زي اي تجمع في الدنيا..طب ليه؟ واشمعنا التجمع دا بالذات اللي فيه البشرية كلها مفيهوش نَفَس؟
نظرت له متسائلة ليجيبها: عشان ساعتها كل واحد هايتشغل بحسابه، يعني مثلًا انتي عندك امتحان بعد دقيقتين ودا هايحدد مسقبلك، يا إما فشل او نجاح، هايبقى عندك وقت تتكلمي او حتى تبصي على اللي واقفين جمبك؟
نفت برأسها ليكمل: اهو احنا هايبقى حالنا كدا واعظم كمان يوم القيامة، و " خشعت الأصوات للرحمن فلا يُسمع إلا همسا" معناها ان صوت المشي والسير واحنا رايحين نتحاسب دا بس اللي هايتسمع، وربنا قال " وخشعت" لإن الأصوات تدل على اهلها، معناها اننا هانبقى خاشعين وخاضعين لربنا وبس.
قال أخيرًا وهو يبتسم: ربنا يعفو عنا.
تمتمت: يارب.
ابتسمت وهي تقول: شكرًا، انا بستفيد اوي لإني بعرف الآية اللي انا بقراها دي معناها ايه.
ربت على ظهرها وقال: ربنا يديمك في حياتي.
ابتسمت لتقول: وصلت لحاجة بخصوص فيروز؟
- احنا بندور اهو ولسة مش لاقيينها، عنده شقق كتير، فوق ال ٦ شقق وكلهم ف مناطق بعيدة، دورنا ف ٣ ولسة الباقي.
ربتت على كتفه بحنان وقالت: هاتوصلها ان شاء الله، وان شاء الله باسم مش هايعملها حاجة..هو كان بيضربني بس عمره ماكان بيتطاول اكتر من كدا.
ابتسم وهو يقول: يارب يا عهد ميعملهاش حاجة.
***
فتح عيناه وهو يشعر بألم في رأسه، اخذت الرؤية امامه تتضح شيئًا فشيء، رأى السرير امامه، رفع رأسه ليجدها تنام، تنام كالطفلة محتضنة نفسها، كان البرد قارص أمس.
أمس!
جال في خاطره بعض ذكريات امس، وكلامه..تذكر كلامه الذي قاله لها، تذكر انه اخبرها بذاك السر الذي لم يخبر احد به من قبل.
تحركت يده تعبث في خصلاتها التي انفلت عنها الحجاب فخرجت بتمرد، خصلاتها الصفراء نوعًا ما، راقب حركة جفونها، تململت لينهض مسرعًا ويتجه الى الباب.
خرج من الغرفة وذهب الى المرحاض، تملكه الغضب من نفسه، كيف يفصح عن شيء كهذا! ولمن؟ لأسيرته!
خرج بعد ما يقرب الخمسة عشر دقيقة، لاحظ الهدوء الذي قبع بالبيت، اين هي؟ ألم تستيقظ بعد؟
نظر الى الغرفة وتوجه لها وهو يغلق ازرار قميصه، رآها نائمة كما هي منذ تركها، تقدم منها وقد توقفت يده عن غلق الأزرار، وجهها يشوبه اصفرار، وضع يده على جبهتها وهو يظن انها بخير، تفاجأ عندما وجد حرارتها مرتفعة، هزها برفق والقلق تسرب الى قلبه، لم تستجب فقال وهو يمسك بيدها: فيروز..فيروز انتي سخنة كدا ليه؟
فتحت عيناها بوهن لتهمس بصوت ضعيف: انا جسمي واجعني اوي.
أغمض عيناه بألم، قد نامت دون غطاء وقرصها البرد بالتأكيد، نظر لها ودون تردد حملها بين يديه، سار بها الى السرير ثم وضعها عليه ليقول بصوت منخفض: انا هاتصل بالدكتور يجي، معلش استحملي.
اغمضت عيناها بوهن وهي تشعر بألم يغزو جسدها بالكامل، امسك الهاتف ثم هاتف صديقه، رد: زين تعالى بسرعة على شقتي اللي في ٦ اكتوبر، وهات معاك حاجة الكشف.
اغلق بوجهه دون ان ينتظر ردًا منه، توجه الى خارج الشقة، نزل الى جارته السيدة الأربعينية، طرق بابها لتفتح له، رأته وهو يرتدي ملابسه بإهمال وشعره مشعث، قال بقلق: ممكن تيجي معايا بسرعة.
نظرت له بقلق وقالت:في اي يا مازن يابني.
اجابها بلهفة: تعالى معايا وانتي هاتفهمي كل حاجة.
صعدت معه لترى فيروز راقدة بالسرير ويبدو عليها ملامح الألم، سألته بحزم وكأنها امه: مين دي يا مازن؟
نظر لها ثم الى فيروز..
#عهد
#الكاتبة_رحمة_عبدالله
ارائكوا يهمني 💙

"عهد"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن