الفصل 21

188 10 5
                                    

اللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
رواية "عهد"
      الكاتبة/ رحمة عبدالله
      الفصل ٢١
  نظرت بصدمة وهي تدقق النظر ولكن فوجئت بمازن ينطلق بالسيارة، صرخت به: يعنيي انت بتضحك علياا، نزلنييي، نزلني احسن والله هاصوت واقول خاطفني.
      نظر لها بعدم فهم ثم نظر الى الطريق ثانيةً وهو يقول: بضحك عليكي في اي؟
      اغرورقت عيناها بالدموع وقالت: انت..انت اخدتني قبل ما احمد يوصلي، انا شوفته.
      نظر لها بتوتر لتكمل وهي تبدأ البكاء: انا بجد مشوفتش حد وحش كدا.
     نظر لها وقد احس بألم يغزو قلبه، كلمة بسيطة ولكنها سقطت على قلبه كالدلو البارد، أتراه بهذا القُبح؟
     صرخت به بذعر: مازن حاسب.
     نظر امامه ليجد سيارة سوداء آتية نحوه باندفاع، حوَّل اتجاه السيارة بسرعة فاصطدمت بحائط بناية واصطدمت رأسه في النافذة معها.
      - دم!
     قالتها بقلق وهي تمد يديها إليه وتنظر الى جبهته، ابعد يديها وقال بألم: خلاص مفيش حاجة.
  قالت بقلق وهي ترى خط من الدماء يسيل من اعلى جبهته: لا فيه دم اهو، انت اتعورت.
  شغل محرك السيارة ثم انطلق مجددًا وهي بجانبه، يفكر بالخطوة القادمة.
    ***
   جلس على إحدى المقاعد ووضع رأسه بين يديه وهو يشعر بالحزن، كلما يقترب من اخته يبعدها عنه ذاك اللعين، يشعر بالخزي لأنه لم يحميها منه، قلبه يبكي عليها، افتقدها كثيرًا وافتقد ابتسامتها وشغبها الذي كان يعطي له المزيد من السعادة، ولكن اين هي الآن؟
   تكلم صديقه وهو يضرب برفق على كتفه: البواب قال انه لسة نازل من شوية، كدا اكيد هنلاقيه في واحدة من الشقتين اللي باقيين، يلا عشان الظابط مستنينا.
   نظر له وعينيه تحمل ألمًا على اخته ثم سار معه وعقله يصور له ما الذي يمكن ان يحدث لأخته وهي بين براثن ذاك المغرور.
   ***
   اوقف السيارة، نظرت له بقلق من الدم القابع فوق جبهته..قال: انزلي.
   ترجل من السيارة وذهب الى مدخل البناية الضخمة تلك ثم وقف ينتظرها.
   لم تفهم ما هذا المكان ولكنها نزلت من السيارة متجهة إليه حيث يقف، سارت ورائه الى المصعد حيث ركبا.
   تجاهلها كثيرًا، حتى انه لم ينظر لها، وقف المصعد لينزلا منه ثم يذهب الى إحدى الشقق ويفتحها بالمفتاح الخاص به.
   ظلت واقفة مكانها، التفت إليها ليجدها لاتزال دون حراك، قال بهدوء وهو يضع يده على جبهته: ادخلي،  واقفة عندك ليه؟
   نظرت له بخوف ثم قالت وهي تعقد ذراعيها امام صدرها: ايه الشقة دي؟ وجايبني فيها ليه؟
  وجدته يقترب منها ويمسك ذراعها، اغلق الباب بعدما سحبها الى الداخل، اسندها الى الباب واقترب منها وهو يقول بصوت يخيم عليه الهدوء: جايبك فيها عشان الحكومة راحت للشقة اللي هناك، وانا كنت هاتسجن بسبب اخوكي.
   نظر بعينها وهو يشعر بالألم يغزو قلبه ثم قال بصوت خفيض: هو انا وحش اوي كدا يا فيروز؟ كنتي مفكراني هاعملك ايه؟
   ابتلعت ريقها بتوتر وهو ينظر بعينيها الذهبيتين، يحاوطها الأرتباك من نظرته تلك، شعرت بالذنب لوهلة ولكن انطلق عقلها يراه وهو يتوعد اخيها ومعاملته الباردة التي كان يعاملها بها، أيُّ شيءٍ يغفر له وهو الذي اختطفها؟!
   نظرت له بقوة تخمر حزنها على ما مر به ثم قالت: واحد خطفني ومعاملته كانت زفت سواء معايا او مع اخويا او مع عهد، وتهدد احمد بيا عشان يرجعلك عهد عشان الفلوس ومش عايزني اشوفك وحش؟ واه اللي في دماغك صح انا كنت مفكرة انك هاتأذيني، متوقع مني اي وانت خاطفني؟
   نظر لها وقد كان يأمل شيئًا اخر، حسنًا يعترف امام نفسه الأن انه احمق عندما ظن انها قد تميل إليه يومًا.
   ابتعد قليلًا ثم قال وهو يعطيها ظهره: عندك حق..انا هادخل الأوضة وانتي روحي الأوضة اللي جمبك، ومش هاتشوفي وشي تاني..وقريب هاترجعي لأخوكي، قريب اوي يا فيروز.
   تركها ثم دلف الى غرفته والحزن يستريح بثنايا روحه، ابتسم بسخرية على قلبه الذي نسى ما هو عليه، تاجر ممنوعات، عذرًا دعني اقول ابن تاجر ممنوعات، ايًا يكن ما هو عليه ولكنه سيء.
   تحركت الى غرفتها، رأت غرفة تشبه غرفة الأطفال كثيرًا، بل هي غرفة اطفال، جلست على السرير تتفحص الغرفة وبداخلها يرفض ما يدور بعقلها، أيعقل ان تكون هذه شقتهما؟ ولكن كيف؟
   سمعت صوت معدتها يدوي معلنًا عن جوعها الشديد، قامت كي تذهب إلى المطبخ، علّها تجد شيئًا.
  اجاب على هاتفه قائلًا: ايه يا خالتي..انا في شقة تانية، اه عارف..طيب انا هاقفل دلوقتي.
اغلق المكالمة مع خالته عندما سمع صوت تكسير شيء ما، اتجه الى مصدر الصوت فوجدها تقف بذعر وهناك قطع من الزجاج المتناثر حولها، انتبهت إليه فأسرعت تقول: والله انا معرفش انها ورا الطبق فسحبته ووقعت.
تقدم ببطء نحوها وهو يرى الدماء التي سالت من راحتها، تكلم وهو يمد يده: طب هاتي ايدك وعدي من فوق الأزاز دا عشان متتعوريش.
امسكت يده بيدها السليمة ثم سحبها إليه فاصطدمت بصدره، ابعدها عنه وقال وهو ينظر الى يدها: روحي اقعدي برا وانا هالم الأزاز دا وهاجي.
وبالفعل خرجت وجلست على الأريكة وهي تنظر الى يدها التي جُرحت من قطعة الزجاج، كانت تحاول منع ذاك الشعور الذي باغتها عندما اصطدمت بصدره، لا يجب ان تشعر هكذا، حسنًا هي تشفق عليه من ما مر به، ولكن هل هذا يعطيه الحق ان يختطفها؟
افاقها من افكارها عندما جلس امامها، قال وهو يمد يده: هاتي ايدك عشان اوقف الدم دا.
مدت له يدها على مضض وهي تلعن قلبها الذي يخفق وكأنها تركض، نظرت له فوجدته ينظر الى يدها وهو يمسح عنها الدماء، قال بصوت هادئ: كنتي عايزة ايه من المطبخ.
تنحنحت فيروز وهي تشاهده يداوي جرح يدها ويلفه بقطعة من القماش: بصراحة يعني انـا، انا كنت جعانة وبدور على حاجة تتاكل.
قالتها بسرعة لتخفف خجلها، انتهى من تضميد جرحها ليقول وهو يبتسم على خجلها: كان ممكن تقوليلي وانا اعملك اللي انتي عايزاه.
نظرت وقد لاحظت حنانه الذي انخرط بين كلماته، ابتسمت بلطف ثم قالت: طيب انا جعانة، ممكن توريني في اي هنا وانا هاعمل.
قام وسار امامها وهو يقول بسخرية: زي ما عملتي دلوقتي كدا.
لوت شفتيها بضيق من سخريته ثم قالت وقد تذكرت شيئًا: هو الجرح اللي في راسك لسة ماوقفتوش؟
التفت لها لترى الجرح لايزال كما هو، اتجهت إليه وهي تحمل لاصقة طبية من صندوق الأسعافات ثم قالت: بص هو جرح تقريبًا سطحي فاعمل اللصقة دي عليه وهي هاتخليه يخف.
اخذ منها اللاصقة وفعل بها كما ارادت ثم اتجه إلى المطبخ وهي ورائه، وقف وقال: انتي جاية ليه انا هاعملك الأكل؟
- هاتفرج.
قالتها بحماس طفولي جعله يبتسم عليها، اخرج عدة اكياس وبدأ بإعداد الطعام تحت انظارها، شردت به وهو يطهو من أجلها، ماذا لو لم يتقابلا في تلك الظروف؟ ماذا لو تقابلا في ظروف مناسبة جعلتهما صديقين ثم حبيبين؟
كانت تحزن بداخلها عليه وعلى ما حدث له، من الصعب رؤية احدهم يموت وانت عاجز عن انقاذه، ومن الصعب ايضًا ان ترى حبيبتك تُأخذ وانت تنظر إليها ولا تستطيع فعل شيء.
قطع شرودها عندما وجدته يقف امامها مقتربًا منها ويقول: فيروز في حاجة وجعاكي ولا اي؟
تعجبت من سؤاله ولكنها نفت برأسها وقالت: لأ انا سرحت بس.
ابتسم وهو يقول: طب عايزة اي بهارات غير الملح؟ بتحبي الكمون احطلك؟
كادت ان تنفي برأسها ولكنها قالت: اه حطلي شطة انا بحبها.
نفى برأسه وقال: شطة لأ.
امسكت بيده تلقائيًا وهي تقول برجاء: عشان خاطري بالله عليك ياشيخ لتحطها.
- والنبي اي؟!
ردت: والنبي اه، يلا حط الشطة.
امتثل لأمرها ولكنه وضع القليل جدًا، خرجا وهي تحمل طبقين وهو يمشي ورائها ممسكًا بزجاجة مياه، جلست ثم اخذت الملعقة وبدأت تأكل بنهم تحت نظراته المشفقة، قد كان يضع لها القليل من الطعام واحيانًا لا تأكل، وجد نفسه يقول بابتسامة ألم: انا اسف.
نظرت له وقد توقفت عن الاكل ثم ابتلعت الطعام وقالت: بتتأسف على أي؟
تنهد وقال: انا اسف على معاملتك واسف اني خطفتك، واسف اني ورطتك في كل دا..انا اسف.
اشفقت عليه وهي تراه يطرق رأسه الى الأسفل مبديًا ندمه، تركت الطعام جانبًا ثم قامت لتجلس بجواره، قالت عندما نظر لها: خلاص محصلش حاجة، انت برضه مريت بظروف صعبة وهي اللي خليتك كدا اكيد.
نظر لها ممتنًا على تفكيرها ثم امسك يدها وهو يقول بندم حقيقي: انا اسف انك خوفتي مني لما جينا الشقة، بس والله هنا امان اكتر.
ربتت على يده وقالت بابتسامة: انا مخوفتش منك اصلًا انا بس كنت عايزة افهم احنا جايين هنا لي، انا كنت عايزة اسألك على حاجة.
- اسألي
ابتلعت ريقها ثم قالت: هي الشقة دي اللي انت وتالين كنتوا هاتتجوزوا فيها مش كدا؟
اومأ موافقًا بصمت ليقول: وعرفتي ازاي بقا؟
تركت يده ثم قالت بفخر: هه من العفش طبعًا يابني.
ضحك على ملامحها الطفولية وهي تنظر له بابتسام سعادة لأنه يضحك.
انتهيا من الأكل ليقوم مازن قائلًا: سيبي الأطباق انا هادخلهم، روحي انتي نامي، كفاية عليكي كدا النهاردة.
    ابتسمت وهي تقول: اه انت تقصد يعني اني كنت عيانة واغمى عليا وبعدها جيت هنا واتعورت وكدا، لا لا احنا مبيفرقش معانا.
    نظر لها بابتسامة ثم حمل الأطباق ودلف الى المطبخ بينما هي ذهبت كما قال لها للنوم، اغلقت الباب وجلست على السرير لتسمعه يطرق على الباب قائلًا: فيروز انتي نمتي؟
    هبت واقفة تفتح له وتقول: لا انا لسة صاحية.
    مد يده لها بمفتاح ذهبي اللون، عقدت حاجبيها وقالت: اي دا؟
    - دا مفتاح الأوضة دي، اقفلي على نفسك وانتي نايمة، عشان تبقي مطمنة.
    نظرت له بشكر ثم قالت وهي تقصي يده بعيدًا: خليه معاك، انا لو كنت خايفة منك مكنتش جيت من الشقة التانية.
    - لأ، خديه متخليش ثقتك تبقى زيادة في حد، خديه يلا وتصبحي على خير.
    اخذته لأنه محق في كلامه، اغلقت الباب ورائه وجلست تفكر قليلًا ثم انتهى بها الأمر نائمة.
    ***
   اعتدلت بخجل ليقول وهو يضمها إليه ثانيةً: ما انتي كنتي كويسة وبتعيطي وزي الفل.
   نظرت له بخجل وقالت وهي تحاول القيام: اناا هاروح اشوف ماما نعمة لو كانت عايزة.
   قاطعها وهو يقبل جبينها قائلًا: لا اطمني ماما نعمة اخدت الدوا ونامت وانتي واقفة مع هاجر.
   اعتدلت وقد ارتسمت على ملامحها الضيق ليقول: مالك يا عهد؟
   نظرت له ثم لوَت شفتيها وهي تقول: هو انت فعلًا كنت هاتخطب هاجر؟
   ابتسم وهو يرى عينيها تشتعلان بالغيرة، قال بتسلية: اممم، وانتي عرفتي ازاي؟ هاجر قالتلك؟
  قامت من بين ذراعيه ثم قالت بعصبية خفيفة: لا اصل هاجر بتقول انك كنت بتحبها وانت اللي سبتها.
  ترقرقت الدموع بعينيها وهي تكمل: هو انت لسة بتحبها؟
  كاد يطير فرحًا وهو يشعر انها تحبه، صبرًا سيستعيد اخته ومن ثم يخبرها بما يجول في خاطره، اقترب منها جاذبًا إياها بلطف وهو يقول: يعني بزمتك انا لو بحبها هاسيبها لي؟ الخطوبة كانت صالونات حبتين وكمان انا وافقت باعتبار انها جارتنا وكدا، كنت لسة في اولى كلية، من سنتين تقريبًا.
  انتهى من حديثه ليجدها تبتسم وهي تنظر ارضًا فقال: بس مقلتليش انك بتبقي جميلة لما بتغيري.
نظرت والدماء قد هربت من وجنتيها لتقول بتلعثم: اناا؟ لا انا..انا هاروح اعمل شاي.
هربت مسرعة من امامه وهو يضحك عليها وعلى خجلها، تمتم في نفسه: فيروز ترجع وشوفي هاتهربي مني ازاي.
تركها وذهب كي ينام، فربما يستطيع نيران قلبه التي اشتعلت بقربها، يبتسم وهو يفكر بها مرغمًا.
***
نهض عمن نومه على صوت هاتفه، تعجب أن والده يتصل بهذه الساعة المتأخرة من الليل، حسنًا لا مفر من الإجابة.
- انت فين؟
ابتسم مازن بسخرية وقال: يهمك في اي؟ ما انا طول عمري بغيب ومبتسألش.
طارق بصوت ذو نبرة غريبة: ابدًا انا مبسألش، انا بس عايز اعرف اخرة الحكاية بتاعت البت اللي عندك دي.
لاحت على ثغره ابتسامة السخرية مجددًا ثم قال: اطمن اخوها هايسلمني عهد قريب.
اغلق المكالمة وهو لا يطمئن بالمرة.
"في عُنقكِ تنتشر رائحة المطر بسخاء، والكُحل في عينيكِ اوسع من مساحة الهواء، وابتسامتكِ سببٌ في ارتباك الحروف..
تشبهين مصر حبيبتي، يطمع بها الجميع، وما نالها احدٌ قط!
البحر في عينيك يغويني نحو الموت..الموت بكِ والموت لكِ، وفي حضوركِ غدا العقل بموعد مع الغياب، قُرعت طبول الحرب بيننا، واعرف انني لن اصمد امامك كثيرًا..سأُهزم.. ويالها من خسارة مربحة!"
#عهد
#الكاتبة_رحمة_عبدالله
تفتكروا قصة فيروز ومازن هاتخلص لحد هنا؟ ولا يمكن دي البداية؟
ملحوظة: انا هاغيب كام يوم، ف ممكن انزل فصل تاني بعد دا، الليلة دي.
رأيكوا💙

"عهد"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن