الفصل الخامس

267 8 2
                                    

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا اله الا انت استغفرك واتوب اليك
رواية "عهد"
  الفصل ٥
الكاتبة/ رحمة عبدالله
  ارتجفت أكثر حينما نظر إليها، تقدم منها لتنظر له خائفة ولا تعرف ماذا تفعل، ها قد هربت من ابن عمها ليصادفها رجل أخر لا تعلم نواياه.
  قال بنبرة جدية: انتي شحاتة؟
  قد صدمتها الكلمة ولكنها تحاملت على نفسها وهزَّت رأسها نافية ليردف: أمال قاعدة كدا لي في الشارع؟..اقدر أساعدك طيب؟
  امتلئت عيناها بالدموع وهي تحرك شفتيها قائلة: انا عطشانة..ممكن تجيبلي ميَّا؟
  أسرع الرجل الى سيارته وعاد وهو يحمل زجاجة مياه واعطاها لها، شربت حتى ارتوت وقالت له بنبرة ممتنة: شكرًا.
  - الشكر لله يا بنتي، بس انتي قاعدة كدا لي؟
  شعرت ببعض الخوف من سؤاله فقال: متخافيش، انتي مستنية حد يعني؟
  اصل شكلك متبهدل.
  تلعثمت في أمرها ولم تعرف ماذا تقول، جاء صوتها: اه..ااه مستنية قرايبي.
  قال وهو لا يقتنع بالأمر بتاتًا: انا ممكن اخدك في شقة تباتي فيها لحد الصبح لو قرايبك مش جايين.
  نفت مسرعة: لا، متشكرة اوي على الميَّا.
  - طيب على راحتك..انا مضطر امشي.
  اومأت برأسها موافقة ويعلو ثغرها شبح ابتسامة.
  ***
  مرت أكثر من ساعة وقد أظلم اللي بسواده، يتمشيان واليأس يسيطر على ملامحيهما، قال حسن وهو يذفر بضيق: الساعة داخلة على ١٠ والمدير بدل ما هايطردك انت لوحدك هانتطرد احنا الأتنين.
  - انت فاهم يعني ايه واحدة تقعد لوحدها في وقت زي دا؟
  رد حسن بيأس: يمكن رجعت لأهلها.
  - انا حاسس انها لسة في الشارع، وبعدين يا بني دي مهما كان بنت، ضعيفة،هو دا بقا وعد الرسول لينا؟ مش هو اللي قال لنا (استَوصوا بالنِّساءِ خيرًا فإنَّهنَّ عندَكُم عَوانٍ)؟ افرض اختك كانت في الموقف دا؟
  تنهد حسن وهو يعرف ان لا فائدة من مناقشته، قال: خلاص هاندور عليها لغاية الساعة ١١، ولو ملقينهاش تبقى راحتلهم.
  تنهد احمد ثم تابعوا سيرهم.
  ***
جلست بأريحية ولكنها مازالت ترتجف إثر نسماتٍ باردة تتخلل ملابسها الممزقة الى حدٍ ما، تسللت إليها تلك الذكريات اللعينة التي تأبى الخروج من ذاكرتها، ظلت تنظر الى الفراغ امامها وذهنها يعيدها الى أُمها التي كانت تبكي يوميًا، وماذا كان مصيرها؟ أصبحت مثلها تبكي يوميًا ودون انقطاع، البكاء اصبح الشيء الوحيد الذي يفرج عنها بعد الله، بدأت عيناها في البكاء بضعف قد تمكن منها.
  الساعة الآن الحادية عشر وبضع دقائق، في حي من أحياء الجيزة المليئة بالدفء ويشوبها بعضًا من برودة الشتاء المظلم، وحيدة تجلس تحت الشجرة الشبه كبيرة، يكفي انها تداريها قليلًا إن لم يكن كليًا.
  أحست بحركة خلفها، التفتت لتجده يتحرك نحوها من بعيد، يالله كادت تموت من الفرحة، قد عاد أملها مرة أخرى وهو يتقدم إليها بخطوات سريعة.
  - عهد..حرام عليكي دا انا فقدت الأمل.
  قالها أحمد وهو يقف أمامها ممسكًا كتفيها برفق وفي عينيه يلمع الأمل متراقصًا على دقات قلبه، تحركت شفتاها ببطء وصوت يكاد يُسمع: انت عرفت مكاني ازاي؟
  ابتسم بهدوء كعادته وقال: انا فضلت ادور عليكي من الصبح، الممرضة حكتلي على اللي حصل.
  ابلعت ريقها بخوف بعدما وقع نظرها على حسن الذي ينظر لها بشفقة، ادار أحمد وجهه ليبتسم لحسن ويقول لعهد: دا حسن صاحبي، وكان بيدور معايا.
  اردف: يلا طيب نروَّح؟.اومأت برأسها موافقة ليستوقفها قائلًا: اي دا؟ هو انتي مش محجبة، اي اللي خرجك بشعرك؟ واي اللي قطع هدومك كدا.
  نظرت له بخجل وهي تحاول مداراة ساقها المكشوفة عنه، تكلمت بخجل يسيطر على حروفها: انا ملحقتش اخد الطرحة، وكمان الراجل الملتم دا مسك العباية وانا حاولت اهرب منه، فاتقطعت غصب عني.
  اوكأ برأسه مفكرًا ليقول: طب خدي.
  خلع سترته ومدّ يده لها واضاف: البسيه وغطي شعرك بالطاقية بتاعته.
  اومأت بصمت واخذتها ترتديها بينما ذهب هو الى حسن الذي يقف بعيدًا وقال وهو يخرج بعض المال: خد دول وروح شوف اي محل هدوم فاتح وهات اي حاجة طويلة تلبسها، بس بسرعة.
  نظر له حسن ثم اومأ له وذهب ليذهب أحمد إليها يجدها ارتدت سترته التي أعطاها لها وتحلس محاولة تخبئة ساقها، جلس بجانبها بهدوء وقال: انتي ايه اللي جابك هنا؟
  - انا فضلت اجري عشان ميلحقنيش ويرجعني تاني، كنت خايفة.
  نظر في وجهها وقال: لا من دلوقتي متخفيش، انا معاكي.
  صحح جملته الأخيرة: احم اقصد يعني احنا معاكي، انا وامي واختي، وان شاء الله لما تتعرفي عليهم هاتحبيهم.
  ابتسمت بمجاملة وخفضت بصرها، وجد أحمد حسن يأتي من بعيد بذهب له، اعطاه شيئًا يشبه القميص ولكنه على هيئة فستان، مدحه على هذا الأختيار ثم ذهب إليها واعطاه لها فارتدته فوق السترة واغلقت الأزرار ونظرت له مستعدة للذهاب، تحركت فشعرت أن قدماها لا تقدر على السير، وقفت ليقول احمد وهو يمد بيده إليها: هاتي ايدك، شكلك تعبان، احنا هانركب تاكسي من هنا عشان متمشيش كتير.
  نظرت له بشكر ثم مدت له يدها فأمسكها بحرص، شعرا بكهرباءٍ سرت بجسديهما إثر لمسهما لايدي بعض، نظر لها وهو يقول: على مهلك.
  يتابعهم حسن بنظرة ساخرة وهو يقول متمتمًا: يا حنين
رأيكوا💙

"عهد"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن