رواية أسرتنى ذات الرداء الأسود
السابع عشر
(هدى)
لأول مره أغلق شرفتى يومين كاملين كما أغلقت قلبى بعدما أخرجته منه وذهبت بعيدا لأتوارى عن أعين من حولى لا أريد أى مواساه هو ذهب لغيرى إذ أنا لم أعد له يكفينى ما مر بى من عذاب حبه والإنتظار خلف شرفتى لساعات فقط لتنعم عينى برؤياه يترجل من سيارته ليذهب لمنزله هى بضع ثوانى لكنها كفيله بسعادة قلبى طوال اليوم لأنتظرك فى اليوم الذى يليه وتمر أيامى بأمل واحد أن تلمحنى يوما وترى الشوق فى عينى أن تشعر بنبضات قلبى لتريح هذا القلب برباط الحب المقدس لكن بعد كل هذا تتزوج غيرى ولم يكن يتوقع عقلى غير هذا فأنت لم تشعر بوجودى ولو لمره واحده نظرت فى ساعتى فجأه وتذكرت إنه موعد عودته مهلا ألم تكتفى يا قلبى بما حدث لقد ذهب لغيرك ماذا تنتظرألم تكتفى بعد من عذاب هذا الحب ذهبت وفتحت شرفتى كما فتح قلبى الذى أوهمته أن يغلق أبوابه تجاه حبيب فؤادى بصرت لأجده أمامى فى سيارته يترجل منها كانت نبضات قلبى مختلفه تحب وتكره فى آن واحد تحبك ولا تعرف غير ذلك وتكرهك يا من حطمت قلبى بكل قوتك وذهبت لغيرى بكيت كأنى لم أبكى من قبل ووضعت رأسى على النافذه أشكو لها جفائك وفجأه شعرت بيد تربت على كتفى إلتفت لأجد أمى إرتميت فى أحضانها لتعلو شهقات بكائى وتركت للدموعى العنان
_خلاص يا هدى متعمليش فى نفسك كده ولا يهمك بكره يجيلك سيد سيده
_خلاص يا ماما مش عايزه أتجوز ولا أحب حد
_يا سلام ليه بقى دا إنتى لسه صغيره وهتحبى وتجوزى وتعيشى حياتك
_عشان تعرفى لما قولتلك إنه مش شايفنى أصلا
_تصدقى يا هدى أنا حسه إنه لا شيفك ولا شايف ألاء ولا شايف حد خالص
_إزاى يعنى يا ماما طالما خطبها أكيد بيحبها
_لأ الإتنين اللى شوفتهم فى القاعه إمبارح دول مستحيل يكونوا بيحبوا بعض وألاء كأنها مغصوبه وقاعده حزينه ووشها فى الأرض ولا حطه ميكاج كأنها راحه سد خانه وخلاص
_يعنى إيه يا ماما
_يعنى تصبرى يا حبيبة ماما ولو ربنا كتبه من نصيبك هيجى لحد عندك
لأول مره تعرف البسمه طريق شفتاى منذ يومين وكأن الأمل بث بداخلى مجددا لأنتظر كما إنتظرت طويلا من قبل
****************************************
بعد أن إنتهيت أنا وزياد من جولتنا فى المشفى ذهبت أخيرا للمقابله الدكتور محمد ومعه الدكتور جلال هذا الرجل الذى أتحرق لمعرفة أسراره والدكتور ياسر
_ها جاهز يا عبدالله
_آه جاهز بس مش مستريح
_إهدى بس إحنا مش رايحين إمتحان يلا
فتح الباب لأجد أمامى غرفه فخمه يتوسطها مكتب فخم كبير من خلفه مكتبه كبيره جدا بعرض وطول الحائط بأكمله مليئه بالكتب تقدمنى زياد ودلفنا للداخل وقدمنى لهم وجلسنا بعد أن صافحت أيدينا بيد بعض لم أدرى سر القبضه فى صدرى حين لمست يدى يد دكتور جلال وكأنى لمست يد شيطان شيئا ما بداخلى شعر بأن هذه اليد ستحطمنى يوما
_أهلا يا دكتور عبدالله أتمنى تكون المستشفى عجبتك
_هو فى أحلى من كده يا دكتور محمد دى جميله جدا
_يعنى مستعد تنضم لينا
_طبعا يا دكتور ياسر أنا ليا الشرف إنى أشتغل معاكم
كان الترحيب حليفى من الجميع بإستثناء الدكتور جلال الذى لم ينطق بكلمه واحده وكأنه صدم حين رأنى ولسان حاله يقول هل أنت فعلا الدكتور الإرهابى
إنتهى اللقاء وهممت للمغادره حين فجأنى الدكتور جلال بسؤال ألجم لسانى
_هو إنت الدكتور عبدالله اللى كان متهم بإنفجار المؤتمر فى أمريكا
صمت لثوانى حتى أجابه الدكتور محمد قائلا:
_اه هو يا جلال بس اللى متعرفوش إن الدكتور عبدالله شاطر جدا وتفوق فى سن صغير أنجز فيه كتيرأنهى الماجيستير والدكتوراه وهى كانت السبب فى إنه يسافر للمؤتمر وبعدين دا كان مجرد إتهام والدكتور عبدالله خد براءه
_أنا مش قصدى حاجه يا دكتور محمد دا مجرد سؤال
إنتهى الحديث وغادرنا وأيقنت بداخلى أن الإتهمام سيظل رفيقى للأبد أخدت براءه ممن ظلمونى لكنى سأظل متهم فى أعين ترانى متهم دائما ظللت صامتا لمده حتى حثنى زياد على الكلام قائلا:
_عبدالله متزعلش هو مكنش قصده حاجه وبعدين الدكاتره هنا كلها بتحترمك وفرحنين جدا إنك هتشتغل معاهم
_حصل خير يا زياد بس عشان تعرف إنى هفضل متهم فى عيون الناس عالطول أنا هروح البيت عشان الست الوالده عايزنى فى موضوع لا يتحمل التأخير
_أكيد جيبالك عروسه مش ناوى تعقل بقى وتريحها وتتجوز
_لسه بدرى
_بدرى مين ياابنى إنت داخل فى واحد وثلاثين سنه شكلك كده مش ناوى تعقل دلوقتى
_هو فى عقل أكتر من اللى أنا فيه بقولك ما تيجى تتغدى معايا
_لأ يا عم مقدرش أكل بره كده هاخد غياب
ذهبت لمنزلى ولأول مره أسمع تلك الكلمات فى عقلى إلى متى سأظل هكذا من كنت أنتظرها أصبحت لغيرى نفضت هذه الكلمات من رأسى و أكملت طريقى للمنزل وعندما وصلت ترجلت من سيارتى وهممت للصعود حتى سمعت من ينادى دكتور عبدالله دكتور عبدالله إلتفت لأجد صبى فى حوالى العاشره من عمره قادم نحوى بيده ظرف كبير وأعطانى إياه وذهب لم ينتظر أمامى ثانيه واحد و إختفى كأن الأرض إنشقت وابتلعته
*************************************
_ألاء إفتحى هتفضلى قافله على نفسك لحد إمتى يا بنتى
وبصوته الطفولى الذى يتخلله البكاء قال أحمد:
_إفتحى يا خالتو إفتحى عايز ألعب معاكى
لم أتحمل وقوف أحمد خرجا يبكى يريد اللعب معى فأنا حقا إشتقت له فتحت الباب لأجد أحمد وإلهام وأمى
_كنت عارفه إنك مش هترفضى طلب أحمد
_عايزين منى إيه تانى أعمله بغصب عنى ياماما
لأول مره منذ ما حدث لأبى وأرى نظرة الحنان هذه فى عين أمى واقتربت منى وضمتنى لصدرها بشده وبكت
_سامحينى يا ألاء سامحينى يا بنتى من كتر خوفى على أبوكى قسيت عليكى أنا مش مستحمله أشوفك بحالتك دى أكتر من كده
كنت فى حاجه ماسه لتلك الكلمات والحضن الدافئ الذى أفتقده غمرت رأسى فى صدر أمى وبكيت وشعرت بأناملها تتخلل خصلات شعرى كما كانت تفعل دائما وسمعت كلماتها التى تمنيت سماعها
_خلاص يا بنتى إستحاله أجوزك أشرف وأكسر قلبك أنا هقول لأبوكى إننا مش هنتم الجوازه دى واللى يحصل يحصل أنا قلبى بيتقطع كل ما أفتكر شكلك وأنتى قاعده فى القاعه وكأننا فى عزا مش فرح أوعدك مش هجوزك إلا اللى أنتى توافقى عليه وأعملك أحلى فرح إسلامى نفسك فيه
_قشطه كده البيت كله قلب على الحاج الكبير وأخوه الحاج الصغير أنا بقول نعمل مظاهره ونطالب بفسخ الخطبه
_بس يا بنت يا إلهام إنتى مش هتعقلى أبدا أنا هكلم أبوكى بطريقتىها هى نظراته تعود أمام عينى مجددا وكأنها تذكرنى بالأمل الذى كدت أفتقده ورسمت على شفتاى الإبتسامه مجددا بل فرحه عارمه حتى قفزت من مكانى وأمسكت بيد أحمد نلف ونقفز سويا ودب الفرح غرفتى من جديد
#ذات_الرداء_الاسود