إنها الحقيقة، كلنا فان، اليوم أو غداََ أو بعد ألف غد، كلنا لنا لقاء وحساب..
أيامٌ مرت، عرفوا فيها حقيقة نادية وما فعلته، كانت في موقف لا تحسد عليه بتاتاََ، تقف بينهم، الجميع ينظر إليها بسخط، بكره، وغضب، حتى ابنها عند طلبها الاستغاثة منه، لم يبدِ أي رد فعل، إنما كان صلب الملامح، لم تتبين إن كان حزين عليها أم أنه غاضب منها، ولكن كان بداخله المزيج بين الحزن على أمه والغضب منها على غلطة لا تُغتفر..
صاح بها خالد بنفاذ صبر : أنتِ طالق والبيت دا تخرجي منه ومترجعيش له تاني..
بينما قال حكيم : إن فكرتي بس تهوبي ناحية البيت دا تاني هقتلك ومحدش هيعرف لجثتك طريق..
فخرجت من المنزل تجُر أزيال الخيبة خلفها، فقدت عائلتها بأكملها، لحظة غرور جعلت منها قاتلة، رمت فعلتها على الشيطان، ولكن شيطانها هو نفسها، ويجب أن تُعقب..
أما محمود فالحزن زاده سناََ في أيام، تجمعت شبكة الخيوط الحمراء على عينيه، بعد بكاء مستمر أياماََ رثاء زوجته ، ينظر لصغيرته في الحضانة، ويرى فيها أمها، فتخرج كلماته متألمة : ملحقتش أعوضك يا فاطمة...بس هعوض فاطمة فاطمة بنتنا..
وأيامٌ أُخر مرت، وخرجت فاطمة الصغيرة من الحضانة..
النساء يرتدين الأسود يملئن منزل عبدالحق، تجلس بينهما إعتماد بكائها لا ينقطع، حاملتاََ حفيدتها بين يديها تنظر إليها بألم، فقد كُتِب عليها اليُتم مع أول يوماََ لها في الحياة..
تطالعها بناظريها الباكيتين وتقول بصوتها الحزينة : فاطمة..سماكي فاطمة على اسم أمك...راحت فاطمة...وجابت مكانها فاطمة للدنيا القاسية دي..
وأما مريم فنفذ تحملها لحامد ومعيشتها أقل من الخادمة في هذا المنزل، فمقاطعة جدها لها لم تنتهِ، وقد شُلت قدما والدها، فأصبح عاجزاََ يرى إهانتها بعينيه ولا يستطيع النطق بكلمة...ففي يوماً أشتد الصراع بينها وبين زوجها، ووصل الأمر إلى حد التطاول بالأيدي، تتذكر كيف صفعها ودفعها خارج الغرفة فسقطت عند أقدام والدها الجالس على كرسيه المُتحرك...رفعت وجهها إليه ورأى الحزن في عينيها ورأت الضعف في عينيه...نهضت من على الأرضية وهي تنظر إليه بثبات : المرة اللي فاتت أنت خوفت تحميني...والمرادي أنت متقدرش تحميني..
سقطت عبراته متألماََ بشدة من كلماتها القاسية، وكأنها خنجر يطعن لبه، استدار بكرسيه وولاها ظهره حتى لا ترى ضعفه ثم قال بنبرة متألمة : عندك حق، كل اللي حصل دا بسببي..